مؤتمر

تحرير المرأة وتمكينها عبر الخدمة العسكرية: التجربة الناجحة إلى مزيدٍ من التفعيل
إعداد: نينا عقل خليل

استعان عادل فيصل أرسلان بمذكرات جده الأمير مجيد أرسلان، فعاد إلى ما كتبه في ٢ تشرين الثاني من العام ١٩٥١: «في لبنان معارضة قوية ظاهرة واستياء من الإدارة الحكومية، لكنّ الجيش في عمله لا ينحرف يمينًا ولا شمالًا، ولا يرى من الواجب التدخل في شؤون الدولة. لولا هذه الثكنات القائمة في الفياضية لما شعر الناس بوجوده... فالجيش اللبناني هو أصغر الجيوش الشرقية لكنّه كبير بنظامه وسكونه وحياده».
بهذه الكلمات رحّب أرسلان بالحضور في افتتاح مؤتمر «تحرير وتمكين المرأة عبر الخدمة العسكرية»، مشيرًا إلى «أنّ الجيش اللبناني هو الجيش العربي الأول الذي انتصر على إسرائيل ووصل إلى مدينة الناصرة في العام ١٩٤٨، ولولا اتفاق الهدنة لكان وجه المنطقة مختلفًا اليوم»، مؤكدًا أنّ الجيش هو دومًا سياجنا وحامي بلادنا وأرضنا».


عُقد المؤتمر برعاية قائد الجيش اللبناني العماد جوزاف عون ممثَّلًا بالعميد الإداري فاديا صقر، وبدعوةٍ من «هيئة تفعيل دور المرأة في القرار الوطني»، وبمشاركة ضباط نساء من الجيش وقوى الأمن الداخلي والأمن العام وأمن الدولة وأخريات من المملكة الأردنية الهاشمية.
على مدخل متحف الأمير فيصل مجيد أرسلان الذي يختزن إرثًا تاريخيًا وطنيًا، رفعت لافتة كتب عليها: «وصية الأمير مجيد توفيق أرسلان: من يريد أن يطلق النار على الجيش اللبناني، فليطلق النار على صدري أولًا». وفي هذا المتحف الذي استضاف المؤتمر، تحدثت ضباط نساء عن تجاربهنّ والفرص التي أتاحت لهنّ دخول السلك العسكري، ليكنّ شريكات في مسؤولية الدفاع عن الوطن والسهر على أمنه.
 

قيادة الجيش: المرأة شريك كامل
تحدّثت في الافتتاح العميد الإداري فاديا صقر، فألقت كلمة راعي الاحتفال العماد عون، فأشادت بدور المرأة في مختلف المؤسسات العسكرية، مشيرة إلى أنّها أثبتت تميّزها إداريًا وتنظيميًا وثقافيًا، وقالت: «أدّت المرأة عبر التاريخ، وفي العديد من بقاع العالم، دورًا مهمًّا في إدارة الحياة الاجتماعية، كشريكٍ أساسي في إنشاء الأسرة وبناء المؤسسات وإدارتها. ويشكّل دورها في الجيش اللبناني تجربة رائدة أثبتت نجاحها في محطات عديدة؛ فقد سُجّل أول انخراط لها في أواخر الثمانينيات، واستمر بوتيرةٍ متصاعدة، بدءًا من تطويع الرتباء والضباط من حاملات شهادات الاختصاص، حتى أصبح عدد العسكريين الإناث في الجيش يفوق الأربعة آلاف حاليًا، وذلك في إطار خطة استراتيجية على المدى القريب والمتوسط والبعيد».
وأضافت: «لقد أثبتت التجربة الواقعية أنّ خدمة الإناث في الجيش كان لها مردود إيجابي كبير على أداء الوحدات العسكرية بصورةٍ عامة، بحيث تم توزيعهنّ على مختلف الوحدات العملانية كالقوات الجوية وأفواج الحدود البرية وألوية المشاة، فضلًا عن الوحدات الإدارية واللوجستية. وأسهم ذلك في تعزيز التفاعل المهني والإنساني والاجتماعي وتبادل الخبرات الثقافية والعلمية بين عناصر المؤسسة، وتحسين الأداء الوظيفي وتحفيز المنافسة الإيجابية».

 

نموذج للمؤسسات الأخرى
وتابعت: «أثبتت المرأة كفاءتها وجدارتها في تولّي المراكز القيادية، كإدارة نوادي الضباط ورئاسة المستوصفات العسكرية، وتسلّمت مراكز حساسة في مختلف الوحدات مُظهرةً تميّزًا في قدراتها الإدارية والعقلية والتنظيمية والثقافية، ومثّلت بذلك قيمة مضافة للمؤسسة العسكرية. أما على الصعيد الاجتماعي، فقد أدى تفعيل دور الأنثى في الجيش إلى تقديم نموذج لامع للمؤسسات الأخرى، وإعطاء صورة مشرقة عن المجتمع اللبناني المتميّز بالانفتاح. فضلًا عن ذلك، نقلت المرأة العسكرية قيم المؤسسة وفضائلها إلى شريحة واسعة من المواطنين، لا سيّما أولادها، وهذا ما يعود بالفائدة على المجتمع بأسره، خصوصًا في مجال تربية الأجيال، واحترام الأنظمة والقوانين».
وختمت قائلة: «بعد مرور نحو ٣٠ سنة على بدء تطويع الإناث في الجيش، تبيّن بنتيجة التجربة حاجة الجيش لدورهنّ، وأنّ المرأة مصدر غنى وقوة وتنوّع، وشريك كامل في حماية الوطن؛ لذا تسعى القيادة إلى اتخاذ خطوات مستقبلية فاعلة على هذا الصعيد. وكلنا أمل في تحقيق المزيد من التقدم باتجاه تعزيز دور المرأة في المؤسسات الرسمية والخاصة وفي ميادين العمل كافة، وبالتالي مشاركتها جنبًا إلى جنبٍ مع الرجل وعلى قدم المساواة، في مسيرة تطوير الوطن وضمان مستقبل أجياله».


أرسلان: أمامنا طريق طويل
ثمّ تحدثت رئيسة «هيئة تفعيل دور المرأة في القرار الوطني» حياة وهاب أرسلان لافتة في كلمتها إلى أنّ مسيرة المرأة اللبنانية مليئة بالعراقيل، وهي احتاجت وتحتاج إلى تصميم لتستمرّ. ورأت أنّ هذه المسيرة واجهت الكثير من العقبات واضطرت معها المرأة إلى اعتماد منهجية المطالبة الحثيثة لنيل الحقوق، والمشاركة في القرار السياسي والإداري. لذلك، نحن لم نتوانَ يومًا عن المطالبة بهذه الحقوق بواسطة الإضرابات والاعتصامات وتنظيم التظاهرات السلمية، والتي تعتبر كحقٍ من حقوق المواطن تضمنه القوانين والتشريعات.
وأكّدت السيدة أرسلان أنّ «هذا المؤتمر يشكّل بداية لسلسلة مؤتمرات حول تمكين المرأة سياسيًا، اقتصاديًا وثقافيًا»، لافتة إلى أنّ «إحدى فضائل النضال النسوي، أنّه رفع مستوى الوعي لدور المرأة فأثمر ولو جزئيًا، ولا سيّما أنّنا نشهد حضورًا متناميًا للمرأة في مركز القرار لكن الطريق أمامنا ما زال طويلًا».
بعدها، قدّمت السيدة أرسلان درعًا تذكارية إلى قائد الجيش العماد عون تسلّمته العميد الإداري صقر، ثمّ عزفت فرقة من موسيقى الجيش عددًا من الأغاني الوطنية والعسكرية التي ألهبت الأكفّ، ليُختتم اليوم الأول بحفل كوكتيل على شرف المشاركين.
 

المرأة في السلك العسكري: واقع التجربة وتحدياتها
في اليوم التالي، عُقدت ثلاث جلسات: ناقشت الجلسة الأولى «تمكين المرأة عبر الخدمة في الجيش» أدارتها أنطونيا الدويهي، وتحدثت فيها كلّ من العقيد الإداري مايا مخول، النقيب الطبيب كارول منصور، الملازم أول المهندس بترا حدشيتي، الملازم أول المهندس ريتا زاهر (طيّار) والملازم الموسيقي سينتيا القصير، وتخلّلتها قراءة في التجربة للوزير السابق ناجي البستاني.
وناقشت الجلسة الثانية التي أدارها زياد حايك «تمكين المرأة عبر الخدمة في قوى الأمن الداخلي»، وشملت حوارًا خاصًا مع ممثلتَي القوات المسلحة الأردنية: المقدم مها فلاح الناصر (مديرة إدارة شؤون المرأة في الجيش الأردني) والرائد آلاء عبد الكريم الشريدة، إضافة إلى المقدم المعلوماتي ديالا المهتار والنقيب الصيدلي ساره الزهيري. كما شارك الصحافي المختص بالشؤون الأمنية رياض طوق، بمداخلةٍ حول تجربة المرأة في المجال الأمني.
أما الجلسة الثالثة والأخيرة، فبحثت في «تمكين المرأة عبر الخدمة في الأمن العام وأمن الدولة»، أدارتها مها علم الدين، وتحدث خلالها كلّ من: النقيب الطبيب سمر قبيسي (مديرية أمن الدولة)، والملازم أول دانا وهبة (المديرية العامة للأمن العام)، والعميد المتقاعد فادي أبي فراج مضيئًا على تجربة المرأة في المؤسستين.
 

صورة إجمالية
التجارب التي تحدثت عنها المشاركات رسمت صورة إجمالية لواقع دخول المرأة ميادين الحياة العسكرية، وذلك وفق الآتي:
١- أصبح عدد النساء في بعض الجيوش مقاربًا لعدد الرجال، وتخدم النساء في مختلف الأجهزة الأمنية في عدة مجالات؛ كالإدارة والصحة والهندسة والطيران والبروتوكول وغيرها... في المقابل ما زال عدد البلدان التي تعطي النساء مهمات نشطة في الجيش والجبهات الفاعلة قليلًا، رغم بلوغهنّ رتبًا عسكرية عالية، وتسلّمهنّ مهمات مختلفة.
٢- أدّت النساء في الجيش اللبناني أدوارًا مهمة وأثبتن جدارتهنّ، فإلى الضباط المتخصصات في الإدارة ومجالات أخرى واللواتي بلغن أعلى الرتب، ثمة فتيات من رتب مختلفة تولّين مسؤوليات في وحدات قتالية، أو في مناطق خطرة. مثلًا النساء في الشرطة العسكرية تمركزن على حاجز وادي حميد، وهي أخطر نقطة في عرسال إذ أنّها كانت معرضة لهجمات، من دون أن تبدي أي منهنّ ترددًا أو خوفًا. مهمتهنّ هناك كانت تقضي بتفتيش النساء، وكانت لرفيقاتٍ لهنّ مهمة مماثلة على مداخل مخيم عين الحلوة.
٣- الوظيفة في السلك العسكري تمنح المرأة شرف أداء مهمة وطنية، وفي الوقت نفسه تؤمن لها مدخولًا ثابتًا، واستقرارًا، وحصانة مالية واجتماعية.
٤- التحدي الأول هو قبول مشاركة المرأة في القرار، ثمّ تأتي التحديات الناجمة عن التراتبية في السلك العسكري والتخاطب الخاص، وطريقة التعاطي بين الرؤساء والمسؤولين، وهذه أمور يتطلب التأقلم معها الوقت والجهد، لكنّها في النهاية تنتج علاقات يتوّجها الانضباط والاحترام.
بين الأمومة والواجب العسكري
دخلت المرأة في لبنان المجتمع العسكري أسوةً بنساء العالم، فأثبتت أنّها ناجحة في جميع ما أُسند إليها من مهمات، وهي تسعى لأن توكل إليها المزيد من المهمات الميدانية لتستثمر ما لديها من قدرات وطاقات.
ووفق شهادات المشاركات، شكّلت الأمومة التحدي الأكبر للمرأة في الجيش، فالمجهود الذي تبذله لتحقيق التوازن ما بين الواجبين الوظيفي والعائلي، يجعلها أحيانًا عرضة للإحباط والتعب، نتيجة سعيها إلى تطوير ذاتها مهنيًا ورغبتها في الأمومة في الوقت نفسه. وعلى الرغم من ذلك، اجتازت المرأة تجربة القطاع العسكري، بثقةٍ وعزمٍ، ووصلت إلى مراكز قيادية عالية. ولم يكن هذا الأمر ليتحقق من دون دعم القيادة وتفهّمها لمتطلبات الأمومة. إحدى المشاركات أشارت في هذا السياق إلى أنّها حظيت بكل التسهيلات لتُرضع طفلها كل ثلاث ساعات.
وفي الخلاصة، تُجمع المشاركات على أنّه من الطبيعي أن تواجه المرأة العسكرية صعوبات أكثر من سواها، ففي الحياة العسكرية مسؤوليات كبيرة والعديد من المفاجآت، وهي تتطلّب عملًا متواصلًا وتضحية، تمامًا كالأم في البيت، وهذا ما يعتبر أكبر تحدٍ لأحاسيس المرأة وعواطفها.
 

«متلها متله»
التشكيلات العسكرية والانتقال من مكانٍ إلى آخر، والخدمة في أماكن بعيدة وخطرة تستوجب التأكيد أنّ المرأة في المؤسسة العسكرية مثلها مثل الرجل، وهذا ليس بالأمر السهل. إحدى المشاركات أشارت إلى أنّها في بداية الأمر وجدت صعوبة في النوم في غرفة واحدة مع عدة رفيقات لا تعرف شيئًا عنهنّ، لكنّها تأقلمت وتكيّفت مع متطلّبات الحياة العسكرية لاحقًا.
في النهاية، الانضباط والجدية هما الأساس الذي تُبنى عليه الثقة التي تحتاجها المرأة في السلك العسكري وفي سائر الميادين.


عشاء رسمي
أُقيم حفل عشاء رسمي على شرف المشاركين في المؤتمر، في حضور شخصيات وقيادات عسكرية نسائية ورئيسات جمعيات وناشطات ووجوه ثقافية وإعلامية واجتماعية، تخلّله تكريم المشاركات والمشاركين في جلسات المؤتمر.