تحاليل وآراء

تحليل غربي لهزيمة اسرائيل في حربها ضد لبنان

... هذا النصر قلب الوضع القائم في المنطقة منذ العام 1967

 

نشرت مؤسسة «آسيا تايمز» (Asia Times) تحليلاً أعده كل من آلاستير كروك (Alastair crooke) (محلل عمل مستشاراً للمثل الاعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا)، ومارك بيري (Mark perry) (مستشار سياسي في واشنطن ومؤلف عدة كتب حول تاريخ الولايات المتحدة). التحليل بعنوان «كيف هزم حزب الله اسرائيل؟»، وهو في ثلاثة أقسام. يعالج القسم الأول منه الحرب المخابراتية، ويتناول الثاني الحرب البرية، بينما خصص القسم الثالث للحرب السياسية.

 

الحرب المخابراتية

في ما خص الحرب المخابراتية، جاء في التحليل، انه منذ بداية الصراع وصولاً إلى عملياته الأخيرة، خرق قادة «حزب الله» وبنجاح الاستراتيجية الاسرائيلية وحلقة القرار التكتي في النطاق العملاني، المخابراتي، العسكري والسياسي. وكانت النتيجة ان الحزب سجل نصراً كاملاً وقاطعاً في حربه مع اسرائيل. ويضيف التحليل حول خطف الجنديين، إن وحدات «حزب الله» على الحدود مع اسرائيل كانت مزودة أوامر جاهزة لاستغلال الضعف العسكري الاسرائيلي، خصوصاً بعد فشل المفاوضات مع شارون في قضية تبادل الاسرى. وقد تبعت عملية الخطف سلسلة أخطاء ارتكبتها القيادة الاسرائيلية، اذ تم تخطي الاجراءات الطبيعية على الحدود وأعطيت الأوامر لدبابة بملاحقة العناصر الخاطفين ما أدى إلى انفجار لغم فيها ومقتل عسكرييها الثمانية. وفي ما يتعلق باستعدادات «حزب الله»، يقول التحليل، إن الغرف القيادية ومخازن الأسلحة المحصنة للحزب محفورة في التلال الصخرية بعمق 40 متراً، ويقدر عدد المخازن في جنوب الليطاني ب600 مخزن منفصلة بعضها عن البعض الآخر.
ولأسباب أمنية لا يوجد قائد واحد يعلم مكان أي من هذه الغرف، أو كامل هيكليتها. فبهدف التمويه أنشأ «حزب الله» عدة خنادق تحت نظر القوات الاسرائيلية التي تراقب جواً وأرضاً. وهذا ما جعل المخابرات الاسرائيلية تخطئ في التقدير، لذلك تم ضرب الخنادق المموهة في خلال ال72 ساعة الأولى من الحرب. وأعلنت اسرائيل تدمير طاقة «حزب الله» بغالبيتها. ومع استمرار الحزب في المواجهة أدرك الاسرائيليون ان معلوماتهم خاطئة فتحولوا إلى ضرب القرى والمدنيين، وكان التركيز على بلدة قانا التي تعتبر شبكة تربط الطرقات الرئيسة بالعمق الذي يتمركز فيه «حزب الله». ويلاحظ التحليل، ان «وقف اطلاق النار» بعد مجزرة قانا، أظهر ان «حزب الله» ما زال يملك طاقاته العسكرية، وقد تجلى ذلك من خلال الانضباط والتقيد بوقف اطلاق النار وسرعة التجاوب مع الأوامر القيادية، وهذا ما لاحظه القادة العسكريون الاسرائيليون الذين كانوا يعتقدون بتدمير طاقات الحزب. ويقول التحليل إن قدرة «حزب الله» على اعتراض الاتصالات الاسرائيلية جعلته يدرك الأساليب التي سيعتمدها الجيش في الحرب البرية. في المقابل فإن أولمرت وحكومته خرقا المبدأ الأول للحرب حين أظهرا استخفافهما بعدوهما. وحسب خبير عسكري أميركي، ان اسرائيل خسرت الحرب بعد الأيام الثلاثة الاولى لنشوبها، «فإذا كان لديك هذا النوع من المفاجأة وتمتلك هذا النوع من قوة النيران، فمن الاجدى أن تنتصر».

 

الحرب البرية

يقول التحليل إن تردد أولمرت في دخول الحرب البرية كان بسبب ما يصله من تقارير أولية للقوات الصغيرة التي دخلت إلى لبنان، والتي تحدثت عن صمود عناصر «حزب الله» في مارون الراس وبنت جبيل. وإن استدعاء الاحتياط بسرعة وفوضى جعل الاميركيين يدركون أن الحرب لا تسير بشكل جيد. وبعد معركة بنت جبيل ظهر ان الوحدات الاسرائيلية غير مهيأة ومعنوياتها منخفضة. ويتابع التحليل في الإطار نفسه ليقول، إن طلب أولمرت السلاح من الولايات المتحدة، أظهر أيضاً فشل الحملة البرية في الحرب الاسرائيلية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى استعمال القنابل العنقودية للحد من حركة عناصر الحزب، أما قادة الجيش الاسرائيلي فقد أربكهم أداء الوحدات في الخدمة الفعلية وفي الاحتياط، لذلك ترددوا في زج هؤلاء في المعركة. أما في ما خص «حزب الله» فيقول التحليل إنه خاض الحرب بواسطة لواء واحد من ألويته يبلغ عديده 3000 عنصر ولم تكن هناك حاجة الى المزيد. ويشير آلاستير وبيري إلى ان الوحدات العسكرية الاسرائيلية التي أنزلت في آخر أيام الحرب في الأراضي اللبنانية، كانت مطوقة ومهددة بالوقوع في مأزق إذا لم يتم التوصل إلى حل سياسي. وعن نتيجة الحرب من خلال الخسائر، يقولان ان هذه الأخيرة كانت تقريباً متساوية بين الطرفين، وهذا ما يعبر عن اتجاه النصر.

 

الحرب السياسية

يشير التقرير إلى ان الفشل المفجع للسلاح الاسرائيلي أدى إلى عدة نتائج منها:
- إن حزب الله أمن نموذجاً لكيفية إلحاق الهزيمة بجيش حديث، فالتكتيك أصبح واضحاً: الخروج من الحملة الجوية بأقل ما يمكن من الخسائر، بعد ذلك يتم نشر القوات الصاروخية لتستهدف القوى المعادية والمنشآت الاقتصادية للعدو، وبعد ذلك الخروج مرة ثانية من حملة جوية وتوسيع الصراع لفترة طويلة، فيضطر العدو الى زج الوحدات البرية في المعركة لتنجز ما لم تستطعه القوات الجوية. وفي هذه المرحلة الأخيرة تتولى الاشتباك مع العدو قوات جيدة التدريب توقع في صفوفه خسائر فادحة وتهزمه.
- إن نصر «حزب الله» أمن نموذجاً سياسياً آخر في المنطقة غير نموذج الانصياع إلى المصالح الأميركية والغرب. كما انه أضعف الحكومة الاسرائيلية وجعل اسرائيل تعيد النظر في وسائل الردع التي تعتمدها. وهي يمكن أن تستعمل في مرحلة لاحقة أسلحة ذات قوة هائلة لاسترجاع قوتها الرادعة.
- ان هذا النصر قلب الوضع القائم في منطقة الشرق الأوسط منذ حرب 1967، وستنبثق فيها قيادة جديدة. ففي 1967 حاربت اسرائيل ستة أيام وربحت الحرب، لكنها حاربت في لبنان 33 يوماً ولم تنتصر، وهذا ما شاهده الشعب العربي.

 

الدورة الخامسة عشرة للخبراء الحكوميين المعنيين بأسلحة تقليدية بالغة الضرر
اسرائيل تعمدت قصف المدنيين بالقنابل العنقودية

بين أواخر آب ومطلع أيلول الفائت انعقدت في مقر الأمم المتحدة في جنيف الدورة الـ15 للخبراء الحكوميين المعنيين بأسلحة تقليدية يمكن اعتبارها مفرطة الضرر أو عشوائية الاثر. وقد تخللت الدورة مناقشات مستفيضة حول وجوب العمل على اعتماد أداة قانونية لحظر القنابل العنقودية ومنع استعمالها. وقد طغت مسألة القنابل العنقودية التي خلفتها اسرائيل في لبنان على نقاشات المجتمعين. وفي أحد الاجتماعات التي حضرها مدير برنامج الأمم المتحدة لنزع الألغام في جنوب لبنان كريس كلارك، والمدير التنفيذي لقسم الأسلحة في منظمة «هيومان رايتس وتش» غير الحكومية ستيفان غوس، أكدت المعلومات المتداولة ان اسرائيل تعمدت قصف المدنيين بالأسلحة العنقودية، لا سيما أهالي الجنوب. وفي هذا الإطار قال كلارك ان التلوث الحاصل في لبنان بفعل القنابل العنقودية هو أسوأ ما شهده في حياته، وتوقع أن تتطلب ازالة القنابل الأكثر خطورة ستة أشهر، بينما يتطلب تنظيف المناطق الملوثة من القنابل العنقودية سنة اضافية. في المقابل رأى منسق الأمم المتحدة للمساعدات الانسانية ديفيد شيرير ان هذه العملية ستستغرق سنوات.

إلى ذلك قال كلارك أن 50 في المئة من القنابل العنقودية التي ألقتها اسرائيل لم تنفجر. ومن جهته رأى غوس ان نسبة التلوث بالقنابل العنقودية في لبنان تتجاوز مثيلتها في العراق وأفغانستان وكوسوفو، وكشف شيرير ان مجموع ما خلفته اسرائيل من قنابل عنقودية في لبنان هو 101760 قنبلة، بمعدل ثلاثة آلاف قنبلة في كل يوم من أيام العدوان، علماً ان العدد تضاعف في الأيام الثلاثة الأخيرة منه، ولا إمكان للجزم بعدد القنابل النهائي.