من القلب

تحية فنية للجيش
إعداد: تريز منصور

«لبنان مهد الثقافات والحضارات»

 

بأبهى حلّة تجلّت حضارة ستة آلاف سنة من عمر لبنان في رسومات على مسرح كازينو لبنان. اهتدى الرسام ڤكتور حداد إلى الماضي عبر ذلك الشلال، لا بأبجدية الكلمات إنما بأثيرية اللون وشفافية الخطوط وذوبان الأشكال. نهلت ريشته من التاريخ وجسّدت محطات مشرّفة من صيدا وصور وبيبلوس...
ڤكتور حداد قدّم معرضه «لبنان مهد الثقافات والحضارات» في الكازينو بمناسبة الاستقلال، معلناً المعرض تحية للجيش اللبناني، حاضن الأرض والإنسان ولبنان: مهد الثقافات والحضارات...

 

كلمات ولوحات
برعاية العماد قائد الجيش، نظمت جمعية الفنانين للرسم والنحت لمناسبة عيد الاستقلال وتكريماً للجيش اللبناني، معرض الفنان التشكيلي ڤكتور حداد بعنوان «لبنان مهد الثقافات والحضارات». حضر المعرض العميد الركن ميشال نحاس ممثلاً العماد قائد الجيش، وعدد كبير من الضباط وأهل الفن والثقافة والمهتمين.
بعد النشيد الوطني على وقع أنغام موسيقى الجيش، ألقت عريفة الاحتفال الإعلامية ماغي عون كلمة ترحيبية فقالت: «نلتقي الليلة في حضرة الفن والجمال والثقافة والتاريخ، وفي حضرة لبناننا الشاهق، وفي حضرة جيشنا اللبناني العظيم.
صاحب الدعوة، فنان تشكيلي ارتوت ريشته من ذاكرة تاريخنا الغني، فجمع مخزوناً فنياً جبله بسنوات من الجهد والدراسة والبحث، ليكرم لبنان طوال مسيرته الفنية ويكرّم اليوم جيشنا الغالي...
ڤكتور حداد رحالة النور، نشاركه اليوم احتفاله المستمر بريشته المتفرّدة تكتب باللون والضوء وتغوص في تاريخ لبنان وأساطيره ورموزه وحضارته، لتخليدها بقصيدة قماشية روحانية هندسية صافية اللون، شفافة... يقدّمها للعالم كله».
ثم كانت الكلمة للقنصل المحامي إبراهيم الحداد الذي خاطب الجيش بالقول:
«سلاحكم هو الإيمان بالله الواحد، والولاء للبنان الواحد. عقيدتكم هي أن لا وطن من دون جيش، ولا جيش من دون تضحية، ولذلك تحمون الحدود بصدوركم العامرة بالبسالة، وتدافعون عن الارض بدمائكم الزكية، وتشيعون الأمن والاستقرار بين الجميع، بروح المحبة والحق والعدل». وأشار إلى أن فن الفنان ڤكتور حداد الذي غزا العالم من خلال معارضه يحمل رسالتين، رسالة الأصالة والتراث والوطنية.
ثم جرى عرض للوحات الفنان ڤكتور حداد الـ61 عبر شاشة عملاقة جسّدت تاريخ لبنان القديم إضافة إلى لوحة خاصة بالجيش اللبناني.
بعد ذلك كلمة أستاذ الهندسة والفنون الجميلة الدكتور ربيع مشعلاني، الذي اعتبر أن ڤكتور حداد صنع لوحات رائعة الجمال، تحفظ جمال لبنان ككتاب تاريخ، مؤكداً أن «الجيش اللبناني هو ركن هذا الوطن والجندي صاحبه، وهو المحافظ على الأرض وحامي المواطن والبيئة».
ثم قدّمت «لوحة الحرية» لوحة حيّة، تجسد رؤية الفنان ڤكتور حداد للحرية... ديزيريه الزايك معوض، جسّدت شخص الحرية، شباب «زفّة لبنان» غزير، أدّوا الرقصة، وشارك في التمثيل انطوني جبور، زخيا متى، باسكال دكاش، وشادي حب الله. الموسيقى من Carl Orph لـ Carmina Bourana. أما الفكرة والإخراج والتنفيذ، فلڤكتور حداد.
وبعد ذلك أطلت الفنانة باسكال صقر التي حملت أسطورة لبنان لكل شاطئ في العالم، لتكرّم الجيش بصوتها الرخيم في أغنية «يا حامي الحمى»، يرافقها عرض للڤيديو كليب الذي اعدته مديرية التوجيه لهذه الأغنية.
ثم كانت لوحة «ولادة طائر الفينيق» وهي لوحة حيّة تجسد قصة هذا الطائر الميثولوجي، الذي يولد من رماده، رمز فينيقيا ورمز الخلود.
وبعدها اهتزت أرجاء مسرح كازينو لبنان على وقع أغنية «سيوف الحق» للفنان طوني كيوان الذي بدوره أراد تكريم الجيش اللبناني.

 

الجيش درع الوطن
الفنان ڤكتور حداد كانت له كلمة بالمناسبة قال فيها:
إذا كان من واجبِ كل مواطنٍ أن يكونَ بمثابة جندي يحمي الوطن بغيرته وولائه، فماذا عسانا نقولُ عن الجيشِ مؤسسةً وأفراداً؟ هذه المؤسسة التي نذرت ذاتها لمواجهة الأخطار التي تداهمُ حدودَه، الحاضرة في كل مكانٍ من جغرافية الوطنِ ساهرة على أمنهِ، تقدّم جنودها شهداء على مذبح الدفاع عن كل شبر من أراضيه وعن كل ما يهدد كيانه.
الرجلُ الواقف أمامكم ولطالما كان حلمُه أن يكرِّم الجيش بوسائله لا سيما حين يرتفعُ العلمُ اللبناني اعتزازاً أو ينكَّسُ في حالات الاجتياحاتِ الكبرى، مضى منذ عقود يرسم بالريشة واللون مثله العليا، فكان لبنان عبر العصور وحيَه الأكبر، والحضارات القديمة والحديثة التي بنَتْ شهرته، موضوعاً لا يتعب من ريشتي ولا يملُّ منها. وظلَّت صورة الجيش في بالي، جنود يرفعون هذا الرمز الذي بات محفوراً منذ استقلال لبنان على جبيننا والنشيد الوطني الذي تتسعُ معانيه في كل مناسبة نقف فيها اعتزازاً لننشد ونرتفع بأصواتنا عالياً. لقد ظلت هذه الصورة هاجسي حتى وجدت مكانها على قماشتي، تروي جنباً إلى جنب مع مجموعة أعمالي، لبنان كما نشتهيه ونحلَمُ به.
واستعاد حداد كلمة يوم انتهى من جدرانيته الشهيرة «غرنيكا» التي نفّذها استذكاراً للمدينة التي دمّرها الطيران الألماني العام 1937، قال: «اللوحات الفنية ليست عملاً يصنعه الرسام لتزيين البيوت، بل هو سلاح حرب دفاعي، يبقى في الضمائر بعد أن تنتهي الحروب وتجرف وحول الموت والدمار ويأس الانسانية».
وختم قائلاً:
أيها الجنود الشرفاء كونوا حاضرين للدفاع عن وطنكم في كل لحظة، كونوا أبطالاً ولتحفر أسماؤكم في كتب التاريخ وعلى جذوع أرزك يا لبنان.

 

هوية الوطن
العميد الركن ميشال نحاس استهل كلمته بشكر منظمي الاحتفال، وقال:
«في العيد السادس والستين للإستقلال، تعود بنا الذاكرة الى حقبة مفصلية من تاريخ الوطن، حين وقف اللبنانيون وجيشهم الفتي، صفاً واحداً في مواجهة الانتداب الأجنبي، رافضين الإنصياع لمخططاته، ومطالبين بتحقيق سيادتهم الوطنية، بمنأى عن سياسة المحاور ومصالح الدول المتشابكة. فكان أن كابدوا ظلمات السجون والمعتقلات، وقدّموا التضحيات الجسام في ساحات الحرية والكرامة، حتى أشرق فجر الإستقلال، ومعه أطلت بشائر لبنان الحديث في العالم، وطناً يحتل موقعه الريادي بين سائر الأوطان، ويعلن نفسه موئلاً للأحرار، ومقصداً للمضطهدين، وواحة للتنوع الفكري والثقافي والحضاري».
وأضاف:
«وإذا كان التاريخ القديم يشهد على بطولة اللبنانيين وعظمة تضحياتهم في سبيل تحقيق الإستقلال، فإن التاريخ الحديث يشهد أيضاً على تفانيهم في حماية هذا الإستقلال، من خلال مقاومتهم العنيدة للعدو الإسرائيلي الغاصب، حتى إجباره على الإندحار عن الجنوب والبقاع الغربي العام 2000، وذلك جنباً إلى جنب مع جيشهم الوطني، الذي قدّم بدوره الغالي والنفيس على مذبح السيادة والكرامة الوطنية، تارة في مواجهة هذا العدو، وتارة أخرى في التصدي للإرهاب، وكل العابثين بأمن الوطن وإستقراره.
إن الحفاظ على الإستقلال، هو أمانة في أعناق الجميع، وهو مسؤولية كل مواطن. مسؤولية الجندي المرابط عند حدود الوطن، الفلاح في حقله، العامل في مصنعه، المعلم في مدرسته، وكذلك مسؤولية النخب العلمية والفكرية والثقافية والفنية، الساعية إلى إبراز وجه لبنان الحضاري، الذي طالما شكّل سمته الأولى، وعنوان تألقه وإشعاعه.
وهنا لا بد من التنويه بجهود جمعية الفنانين التشكيليين، التي أصبحت في طليعة الجمعيات التي يفتخر بها أبناء الوطن، انطلاقاً من نتاجها المميز بالإبداع والإتقان والإحتراف في مجالي الرسم والنحت، وما لهذا النتاج من دور مهم في تأكيد أصالة الفن اللبناني، وترسيخ الهوية الثقافية للوطن».
وفي ختام الاحتفال قدّم الفنان ڤكتور حداد لوحة «يا لبنان» لممثل قائد الجيش الذي قدّم بدوره لحداد درع قيادة الجيش.