دورات وتخريج

تخريج دورة الأركان الثالثة والعشرين
إعداد: نينا عقل خليل

ممثل قائد الجيش: رصيدكم ما خبرتموه وما تثقفتم به فلا تهملوه

 

تخرّجت الدورة الثالثة والعشرون للأركان، والتي تضمّ ضباطاً من الجيش وقوى الأمن الداخلي، وضباطاً من الجيشين السعودي والأردني، وذلك في احتفال أقيم في كلية فؤاد شهاب للقيادة والأركان في الريحانية، ترأسه اللواء الركن شوقي المصري رئيس الأركان ممثلاً قائد الجيش العماد جان قهوجي، وحضره ممثلون عن قادة الأجهزة الأمنية وممثل عن سفير المملكة الأردنية الهاشمية ومساعد الملحق العسكري السعودي والملحق العسكري الفرنسي، وعدد من كبار ضباط الجيش، وقائد الكلية العميد الركن علي الحاج سليمان، وقادة الكلية السابقون والأساتذة الجامعيون والملحقون العسكريون وذوو المتخرجين.

 

كلمة ممثل القائد
بداية النشيد الوطني اللبناني، ثم كلمة طليع الدورة والضباط العرب، ألقى بعدها قائد الكلية كلمته، وقبل أن ينتقل المدعوون الى حفل كوكتيل احتفاءً بالمناسبة، سلّم اللواء الركن شوقي المصري الشهادات للضباط المتخرجين وألقى بالمناسبة الكلمة الآتي نصها:


أصحاب السعادة
حضرة الملحقين العسكريين
ممثلي الدول الشقيقة والصديقة
حضرة ممثلي قادة الأجهزة الأمنية
حضرة رئيس الجامعة اللبنانية
حضرة الأساتذة والمدربين

أيها الضباط المتخرجون
بعد سنة من التدريب الهادف والنوعي، المكثّف والمتواصل، تتخرجون اليوم من دورة أركان، وكلكم فخر واعتزاز بهذا اللقب المميز، الذي سيشكّل انعطافة بارزة في مسيرة حياتكم العسكرية، ويشرّع أمامكم آفاق مستقبل جديد، واعد بحصاد وفير.
إنه يوم آخر بكل ما للكلمة من معنى، فالإحساس بالتفوق والنجاح، يغسل الفكر كما الجسد من غبار الكدّ والتعب، والشعور باستحقاق المسؤولية عن جدارة، يعزّز الثقة بالنفس، فلا أحد يحظى بهذه المسؤولية، إن لم يكن أهلاً للإرادة والمعرفة والإلتزام.
أعرف أنها كانت سنة مضنية عليكم، وأنه قد هالكم في البدء حجم الدروس، وحجم النشاطات والأعباء، لكنكم الآن تدركون من دون أي شك، أن القيادة ليست بالأمر البسيط، وأنكم أصبحتم أكثر قدرة على مواجهة المعضلات التي قد تعترضكم مستقبلاً، وأكثر تكيّفاً مع تبدّل المهمات وتنوع العمليات التكتية، التي باتت مندمجة الى حد بعيد مع العلوم العسكرية الدقيقة والتكنولوجيا الحديثة. فعلى القائد الحق، مجابهة كل الاحتمالات واستثمار أي تطور عسكري لصالح جيشه، واتخاذ القرار الشجاع الذي يقود الى النصر. إنها صفات القليل من الرجال، الذين على أكتافهم تُبنى الجيوش وتُصان كرامة الأوطان.


أيها الحضور الكريم
أيها الضباط

صحيح أن مستويات العديد والتسليح والتجهيز، تعطي مؤشرات مهمة على قوة الجيوش، إلا أن عناصر أخرى هي من الأهمية بمكان، ومن شأنها تعويض النقص الحاصل في النواحي المذكورة، عنيت بها التدريب والتحصيل والإيمان بالرسالة. ولنا في تجربة جيشنا اللبناني أصدق مثال على ذلك، فبالرغم من إمكاناته المتواضعة، استطاع هذا الجيش من خلال إيمانه برسالته، والتركيز على التدريب بمختلف مراحله ومستوياته، أن يحقق الإنجاز تلو الآخر الى جانب شعبه، وأن يوفر أمناً، قلّما توفره أكثر الجيوش عديداً وتسليحاً وتجهيزاً. وانطلاقاً من أهمية التدريب، تعمل القيادة باستمرار على تأمين أفضل الوسائل والإمكانات التدريبية، التي تكفل بلوغ الأهداف المنشودة. من هنا كان حرصنا على أن تكون الدورة التي تابعتم، كالدورات التي سبقت، والدورات التي سوف تأتي لاحقاً، باباً يفتح أمامكم إشراقات مضيئة من الحقيقة والمعرفة، فلا تترددوا في ولوجه بثقة وتصميم، فإن ما اكتسبتموه في هذه الدورة، سوف يجعل القيادة لديكم، أكثر يسراً، وأكثر حكمة وتبصراً.
ولقد سعت الكلية وبتوجيهات قيادة الجيش، إلى تأمين إطار غني ومتنوع من المعرفة لتنطلقوا من خلاله الى رحاب المسؤولية، وأنا على يقين تام أن قيادتها ومدربيها قد وضعوا بين أيديكم كل ما يضمن انطلاقتكم الواثقة، وينير طريقكم، ويذلل ما قد يعترضكم من عقبات.


أيها الضباط المتخرجون
خلال السنة المنصرمة، لا بد أنكم اطلعتم على المهمات التي قام بها الجيش، والإنجازات الباهرة التي حقّقها مع سائر الأجهزة الأمنية على أكثر من صعيد، بدءاً من تثبيت دعائم الأمن والإستقرار في البلاد، وتهيئة المناخ اللازم لعودة السلطات الدستورية إلى ممارسة دورها الفاعل، مروراً بالحملة الواسعة ضد الجرائم المنظمة على أنواعها، وتفكيك العديد من الشبكات الإرهابية الخطيرة، وعشرات شبكات التجسّس المتعاملة مع العدو الاسرائيلي، وصولاً إلى الاستحقاق الإنتخابي الأخير، الذي تميّز هذه المرة بإجرائه في يوم واحد وفي مختلف المناطق اللبنانية. ولقد كسب الجيش الرهان في توفير الأمن والحرية للمواطنين، فكان موضع ثقة اللبنانيين جميعاً، والمراقبين المحليين والدوليين على حدّ سواء.
لذا فأنتم مدعوون في القريب العاجل، ليس إلى تطبيق ما تعلمتوه في مسار الوحدات وإدارتها فحسب، بل أيضاً إلى وضع معارفكم بتصرّف مرؤوسيكم، فتسهمون بذلك في تعزيز قدراتهم الفكرية والمهنية، وتوحيد منهجية العمل وأساليبه، بما يكفل الوصول إلى أداء أكثر فعالية وإنتاجية.


أيها الضباط الأركان
تضمّ دورتكم ضباطاً أشقاء من المملكة العربية السعودية والمملكة الأردنية الهاشمية، يجمعنا بهم الانتماء الى أمة واحدة، وهم إذ يحلون بيننا، أخوة ورفاق سلاح، فإنهم يتيحون لنا فرصة ثمينة لتبادل الخبرات والمعارف، ومناسبة لتوحيد المفاهيم والمصطلحات بين جيوشنا. وهنا لا بد لي من التنويه بالمستوى الأخلاقي والإنضباطي والمناقبية العسكرية التي تحلّى بها هؤلاء الأخوة الضباط، إلى جانب الجدية والرغبة المميّزة في التحصيل خلال مراحل التدريب. لهؤلاء الضباط الاشقاء أقول: أهلاً وسهلاً بكم في جيشكم وبلدكم.


أيها الضباط المتخرجون
إن فرحكم بتخرجكم اليوم، بعد سنة كاملة من الجهد والعطاء، توازيه فرحة عائلاتكم، أقصد زوجاتكم اللواتي سهرن على توفير الراحة لكم، واقتسمن معكم بشكل أو بآخر، أعباء هذه السنة، فلكنّ أيتها السيدات كل الشكر والتقدير.
ولا يسعني أخيراً إلا أن أتوجّه باسم قائد الجيش العماد جان قهوجي، بالتهنئة الى الضباط المتخرجين، شاكراً ممثلي الدول الشقيقة والصديقة، وممثلي قادة الأجهزة الأمنية وجميع المدعوين، على مشاركتهم لنا في هذا الحفل، كما أثني على جهود قيادة الكلية تجاه ما وفرته للدورة من احتضان ورعاية ومتابعة، متمنياً للضباط المتخرجين دوام النجاح والتقدّم في مقبل الأيام، ومزيداً من البذل والعطاء لما فيه خير المؤسسة والوطن.


عشتم - عاش الجيش - عاش لبنان


كلمة قائد الكلية
قائد الكلية العميد الركن علي الحاج سليمان القى كلمة هنا نصها:


أيها الحفل الكريم
بقلب ملؤه السعادة، وشعور يغمره الفرح، أرحب بكم في كلية شهاب للقيادة والأركان في تخريج الدورة الثالثة والعشرين للأركان، والدفعة الثالثة عشرة من الضباط العرب الأشقاء.
إعتباراً من العام 1974 تاريخ إنشاء الكلية رسمياً، وحتى العام 2007، ثلاثة وثلاثون عاماً، تنقّل خلالها مقر الكلية من منطقة بدارو في بيروت، إلى نادي الضباط في اليرزة إلى مكانه النهائي هنا في الريحانية، وكانت ترافقه في تنقلاته هذه آمال وأحلام أجيال سالفة من الضباط المدربين والتلامذة، برؤية مقر جديد وحديث للكلية، إلى أن تحقّق الحلم وصدقت الآمال، من خلال عمل دؤوب وجهد متواصل قامت به قيادة الجيش مشكورة على إمتداد الأعوام 2001 - 2007. إضافة إلى ما قدّمته هذه القيادة خلال العام الجاري، وما ستقدّمه لاحقاً من مساعدات قيّمة، لتجميل هذا المبنى وتطويره واستكمال ما لم يستكمل منه.


أيها الضباط المتخرجون
بعد عشرة أشهر ونيف من العمل الدؤوب، آن الآوان لتتسلموا إجازاتكم في الأركان، إنها حقاً وبالفعل ثمرة جهودكم الحثيثة، ورصيدكم الكبير من الإرادة والصبر والمواظبة، فهنيئاً لكم في حصاد ما زرعتم. إجازاتكم في الأركان لم تكن ولن تكون هبة تقدّم، أو نعمة تنزّل، إنها القيمة المعنوية لعرفة، سهرتم الليالي لنيلها والإعتزاز بها، فاسعدوا بما أنجزتم.
إجازاتكم في الأركان، هي جواز سفركم الى عالم المسؤولية في وظائفكم العليا المرتقبة، وتأشيرة دخول إلى موطن القرار حيث صناعته وصياغته، إلى جانب صوابية التخطيط للعمل والدقة في تنفيذه.


أيها الضباط المتخرجون
ما تعلمتوه وعلى أهميته لم يكن الكمال، ولن يكون كذلك على الإطلاق، طالما رحى الزمن تدور، والعلم والعالم في تطور دائم، لذا استمروا في مواكبة التطورات، وأكثروا من البحث والتنقيب فيها، والتثقف منها. ما تعلمتوه لم يكن إلا المدماك الأساسي الذي سيبنى عليه مستقبلكم المهني والأكاديمي، فلا تكتفوا به، بل ثابروا نحو الأعلى والأفضل. بالمثابرة ترتقون وبالعطاء تسمون.ليكن علمكم سلاحاً في أيديكم، تحاربون به الأعداء. فهو الأداة الأقوى والوسيلة الأجدى، لمواجهة الطبيعة المعاصرة للصراع بين الدول والشعوب، في كل أبعادها، عسكرية كانت أم سياسية وإقتصادية وثقافية وحضارية.
وها هو عدونا الإسرائيلي، ما يزال ينتهك سيادة لبنان براً وبحراً وجواً، لذا كونوا بالمرصاد لهذا العدو، واستعلموا عن قدراته ونشاطاته، تيمناً بالقول المأثور: «عدو معروف هو عدو نصف مهزوم»، فبالمعرفة وإدارة الصمود والمواجهة، يسهل عليكم تحرير الأرض وصون السيادة الوطنية.


سيدي اللواء حضرة الضباط
وسط الثورة العلمية التي نشهد في زمننا المعاصر، حيث الكفاءة تتصدّر السباق، وحيث مستوى تقدم الشعوب، يُقاس بمدى قدرات أفرادها على الخلق والإبداع، تبدو هذه القدرات صعبة التحقيق، ما لم تتوافر البيئة المناسبة لها. وإنطلاقاً من ذلك، فإننا في كلية فؤاد شهاب للقيادة والأركان، حيث يبدأ القادة أولى خطواتهم نحو القيادة، نتطلع الى نهج جديد في التدريب، لا يعتمد على التلقين أو التعليم من جانب واحد أساسه المدرب فحسب، بل يعتمد أيضاً على المشاركة، حيث الكلّ يتعلّم من الكلّ، عندما يتاح للمرء أن يطلق أفكاره وطاقاته، التي تتفاعل بدورها مع أفكار وطاقات الآخرين، مما يسهم في تحديد الخطأ والصواب، وتوسيع آفاق المعرفة لدى الجميع.
نحن على يقين تام بأن التغيير والتطوير دونهما عقبات، إذ يتطلبان وسائل وإمكانات، وتحضير مناهج ومواد، وإعداد مدربين وتهيئة تلامذة، ولكن لا بد من السير في هذا الاتجاه، وإن في خطواته الأولى، وصولاً إلى الهدف المنشود.


أيها الضباط المتخرجون
ليكن وجودكم في الكلية على امتداد عام بمثابة استراحة محارب، تفيّأتم خلالها ظلال مدربين، جففوا بمعارفهم عرق الأيام الماضية عن جباهكم، ورووا بعطائهم السخي، ظمأكم في مسيرة الكد المضنية، وأضاؤوا لكم الطريق المفعم بالآمال. فقبل أن تغادورا لتستأنفوا مهماتكم في الوحدات، أوصيكم بأن تدربوا مرؤوسيكم على الثقة بالذات، فمنها ينبع الأمل وفيها تكمن الطاقات، ولمن يقول منهم لا أستطيع، قولوا له: حاول، ولمن يقول لا أعرف، قولوا له: تعلّم، ولمن يقول هذا مستحيل، قولوا له: جرّب، هكذا قال نابوليون.
أوصيكم بألا تهدروا الوقت، فالمحافظة عليه تعتبر المقياس الأول لحضارة الشعوب.
أعطوا وقتاً للعمل فهو سر نجاحكم، وللفكر فهو ينبوع قوتكم، وللمطالعة فهي مصدر معرفتكم... ختاماً، أتوجه بالشكر للعماد قهوجي قائد الجيش، لرعايته الدائمة للكلية، وأهنئ المتخرجين ومن بينهم الضباط الأشقاء من المملكة العربية السعودية والمملكة الأردنية الهاشمية، الذين تميزوا بالإنضباط والمناقبية والمشاركة الفاعلة، وحسن التصرّف والأداء. كذلك أتوجّه بالتقدير الى الضباط المدربين اللبنانيين، والأساتذة المدنيين على جهودهم المبذولة طوال الدورة، ومعهم الضباط المدربين الفرنسيين الذين أظهروا كل إندفاع والتزام، وتميّزوا بالثقافة الواسعة وسعة الإطلاع. وبإنتظار مزيد من المناسبات المشرقة، أتمنى للجميع دوام السمو والتقدم والنجاح.
 

عشتم - عاش الجيش - عاش لبنان