تربية وطفولة

تربية وطفولة
إعداد: ماري الأشقر
اختصاصية في علم النفس

رسوم الأطفال مرآة تعكس صورة الأهل في نفوس الصغار. هذا ما يؤكده علماء النفس الذين دأبوا أخيرًا على تحليل هذه الرسوم. وقد وضعت الباحثة الفرنسية سيلفى شيرمي كارو كتابًا قيّمًا بعنوان: افهمي طفلك من رسومه، تعتبر فيه أن الرسوم رسالة يوجهها الطفل إلى الكبار، وتدعو الأهل لالتقاط الرسالة العفوية، والمبادرة إلى فتح حوار مع الطفل انطلاقًا منها.
تعرض المؤلفة تعقيدات عالم الطفل النفسي، وتصور ما تسميه بـ«مسرحه الداخلي»، وفيه مشاهد عن الأهل والمحيط وجسم الطفل نفسه. ثم تنتقل إلى تحليل الأشكال والمواضيع التي يرسمها: الشجرة، البيت، الحيوانات والطائرات الخ... في ما يلي نتوقف عند الرموز والأشكال المتعلقة بالأم.

 

الماء والأمومة
الشخصيات التي يرسمها الطفل واضحة لا صعوبة في تحديدها. فباستطاعتنا التعرف بسهولة إلى شخصية الأم والأب في رسومه.
العنصر الأنثوي قد يرمز إليه الماء. إنه أصل الحياة، ومثله الماء الراكد في احشاء يسبح داخلها الجنين في فترة ما قبل الولادة. هذه المرحلة من حياة الجنين متصلة باللاوعي عنده، وتسبق أول تميّز لفرديته. والماء يوحي بحالة الانصهار مع المحيط الذي يعيشه الجنين داخل الرحم. إذًا هو في رسم الطفل يرمز إلى السلطة الأنثوية، إلى الأم، سواء كانت حقيقية أو بديلة. وفي الماء نكتشف أحاسيس الطفل وعواطفه، وطاقته على الاستيعاب. صورة الماء المتناغم مع شكل الأرض التي يسير عليها، أو الذي يتخذ شكل وعاء يحويه، توحي بالليونة والقدرة على التكيّف، وبأجواء الخيال والحلم والاستسلام.
الأمومة، يمكن أن تتمثل بمساحة من الماء، قد تكون البحر والبحيرة، أو مياهًا راكدة صامتة تحمل في احشائها الحياة.

 

الغابة وجه من وجوه الأمومة
الغابة الظليلة، البعيدة الأعماق والمليئة بالأسرار، قد تصلح هي الأخرى كرمز للأنوثة. إنها الحامية تارة، ومصدر التهديد تارة أخرى. فهي الملجأ، وأيضًا خطر الالتقاء بالشّر، وانعكاس لمخاوفنا الكامنة، هي اللاوعي. في القصص الرمزية النموذجية، غالبًا ما تكون الغابة مركز حماية البطل في الأوقات العصيبة على الرغم من كونها مصدرًا للخطر، فهي غالبًا ما توفّر له المخبأ والغذاء. الغابة تعكس وجهًا من وجوه الأم، بنوع خاص وجهها الذي يؤمن الوقاية والحماية.
الماء ورطوبة الأرض، عنصران متعلقان بالأنوثة. الأرض التي توفّر الغذاء، وتتلقى وتغيّر، وتحتوي، المراحل السابقة للنضج، هي الأم الكونية التي تعطي الحياة وتأخذها. أحيانًا يرسم الطفل في استدارة الروابي، استدارات جسد أمه، رمز الحب والغذاء والحنان.

 

الكهف وقوس قزح
الكهف الذي قد يعبّر عن القلق لكونه مظلمًا ومغطى بالصخور، قد يكون هو الآخر رمزًا للأمومة، الكهف بطن الأرض قد يرمز إلى أحشاء الأمومة مع ما في ذلك من توق الطفل إلى استعادة لحظات عمره الأولى، إلى «الفردوس المفقود».
جميع العناصر التي تحتوي وتحمي، وتصلح كمأوى وملجأ، ترمز إلى الأنوثة، وبنوع خاص إلى الأم. وقد يؤدي قوس قزح الدور نفسه أيضًا، عندما يرسم الطفل نفسه واقفًا تحته محتميًا به. وأحيانًا يجّسد وجود الأم أو الأنوثة، بزهرة بسيطة تفوح منها الجاذبية والنعومة والحنان، فالزهور تمثل العاطفة إجمالًا.
بعض أنواع الحيوانات، تمثل الأم السلبية المتسلّطة التي تمنع شخصية ولدها من النمو. يتجلى هذا مثلًا في صورة العنكبوت الطويل الأطراف الذي يوحي شكله بأنه يهدد. ويظهر أيضًا في رسم الساحرة الخطرة واللامحدودة السلطة والقدرات.

 

رسم نموذجي
رسمت طفلة صغيرة في الخامسة من عمرها امرأة ملطخة بالأسود، مما يوحي بقلق الطفلة وبخوفها من غضب الأم. وتظهر في الرسم امرأة أخرى، ساحرة طيبة تعطي القوة والاطمئنان. نحن إذًا أمام وجهين لأم واحدة: أم تحبّ، وفي الوقت نفسه، هي صلبة متطلبة، تفرض العقاب. الطفل يحسّ هذين الوجهين بقوة، ويشعر تجاهما بضعف كبير.
أخيرًا، رسوم الطفل رسالة عفوية تضيء على شخصية أمه، وهي تدعو إلى فتح حوار معه، قد يكون ضروريًا.