إقتصاد ومال

ترشيد الطاقة يتقدّم عالمياً
إعداد: تريز منصور

إنتاجها من الموارد المتجدّدة يجذب الإستثمارات الضخمة

 

تواجه البشرية اليوم أكبر معضلتين في تاريخها، التغيير المناخي والزيادة المطّردة في عدد سكان الأرض، الذي سيبلغ نحو تسعة مليارات نسمة العام 2050، بينما يعاني نحو 1.5 بليون شخص الحرمان من الكهرباء. وانطلاقاً من هذا الواقع تبرز الحاجة الملحة الى التعاون الدولي من أجل تأمين استثمارات في توليد الكهرباء من الطاقة المتجدّدة (هواء، شمس ومياه) وتكنولوجيا تخفض كلفة إنتاجها، مما يحد من انبعاث الغازات المسبّبة لارتفاع درجة حرارة الأرض (الإحتباس الحراري).
وتشكّل الطاقة المتجدّدة «ثورة خضراء» في القرن الحالي وسيكون العقد المقبل عقد الطاقة المتجدّدة كما كان العقد الماضي «عقد الإنترنت»، بحيث أن قيمة الإستثمارات المطلوبة في قطاع الطاقة المتجدّدة عالمياً قد ارتفعت بين العامين 2004 و2009 الى 155 مليار دولار.
أين لبنان من كل ما يحضّر له العالم في مجال ترشيد الطاقة والإستثمار في قطاع الطاقة المتجدّدة، خصوصاً وأنه يعاني أزمة كهرباء دقت ناقوس الخطر الصيف الفائت، في مجالات الإنتاج والتوزيع وأسعار الفيول...؟

 

برنامج لدعم إنتاج الطاقة البديلة
أطلق مصرف لبنان برنامج دعم المشاريع والإستثمارات في الطاقة المتجدّدة وحفظ الطاقة، والمموّل ضمن هبة من الإتحاد الأوروبي بقيمة 15 مليون يورو موزّعة بين مصرف لبنان (12.2) وشركة كفالات (مليونان و600 ألف يورو).
يأتي هذا المشروع في سياق سعي المصرف المركزي الى تشجيع المبادرات الخاصة بالإستفادة من الموارد المتجدّدة، وهو كان أصدر سابقاً عدة تعاميم حول الطاقة والبيئة وأهمية الإستثمار في الطاقة المتجدّدة التي يمكن أن تؤمن وفراً مهماً في التكلفة التي يتحمّلها الأفراد أو المؤسسات، إضافة الى كونها نظيفة بيئياً.
وللقطاع الجديد مستقبل واعد، كما يؤمل أن يوفر فرصاً إقتصادية للبنان إذا تمكّن أن يكون مركزاً لمؤسسات تطور التقنيات التي لها علاقة بالطاقة عموماً.
وفق مصادر مصرف لبنان فإن الأموال التي سبق ذكرها ستستعمل في دعم خفض تكلفة إستدانة المؤسسات الصغيرة أو المتوسطة لتطوير مشاريع الطاقة المتجدّدة. وسوف تكون قيمة هذا الدعم 5 في المئة من قيمة القرض عندما يكون القرض حاصلاً على دعم آخر، مثل القروض المدعومة من الصناعة أو  الزراعة أو السياحة أو التكنولوجيا، ويبلغ حدود الـ15 في المئة في حال عدم وجود دعم فعلي.
الهدف من ذلك أن تقارب الفائدة الصفر في المئة، وأن تكون القروض لآجال متوسطة وطويلة، بحيث أن الوفر الذي يوجده استخدام التقنيات للطاقة المتجدّدة يفي مع الوقت قيمة القرض. ويؤكد المصدر أن هذا الموضوع قيد المتابعة والتحضير وسيتم إطلاق مشروع «نيريا» الذي سيكون إطاراً للعمل، يشارك فيه الإتحاد الأوروبي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومصرف لبنان ومؤسسات حكومية أخرى، لطرح المشاريع والسياسات الملائمة لإطلاق الطاقة المتجدّدة، لا سيما أن الهدف الأساسي اليوم تقليص الفاتورة الإجمالية لاستهلاك الطاقة في البلاد وتعزيز القدرة التنافسية للمؤسسات اللبنانية الصغيرة والمتوسطة الحجم.

 

كفالات ومشاريع الطاقة
تمرّ القروض المدعومة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة عبر شركة كفالات التي شرح رئيس مجلس إدارتها ومديرها العام الدكتور خاطر أبي حبيب، مساهمتها في تشجيع إنتاج الطاقة البديلة وآلية تطبيق برنامج الطاقة الرشيدة.
من البرامج التي وضعتها الشركة أخيراً برنامج «كفالات» للطاقة وهو مكمّل لبرامجها السابقة في مجال الطاقة، مدته سبع سنوات مع فترة سماح. ويمكن بموجبه للمستفيد من برامج الطاقة المستدامة أن يطور نظام الطاقة العامل في مصنعه أو شركته... سواء كان هذا النظام مستداماً أو تقليدياً (صديق للبيئة أم غير صديق لها).
الهدف من هذا البرنامج العمل على تطوير إنتاج الطاقة من خلال الموارد المتجدّدة (الشمس، الهواء، المياه). ومبدأ الإستدامة بالطاقة ينطلق من فكرة الطاقة الرشيدة التي تتعدى الإستعمال الروتيني للطاقة التقليدية، خصوصاً حين تصل نسبة الإستعمال الى الذروة، وبالتالي ينبغي استعمالها والإستفادة منها بأفضل الطرق.
ويوضح الدكتور أبي حبيب، أنه انطلاقاً من هذه الخلفية، وبالتعاون مع الإتحاد الأوروبي، الذي وضع هبة بتصرّف الشركة بقيمة مليونين و600 ألف يورو، تستعمل كاحتياط الى جانب أموال شركة كفالات الخاصة، لهندسة برامج تمويل تعطي أفضلية واضحة للطاقة الرشيدة والمستدامة، وضعت كفالات ثلاثة برامج ضمن البرنامج الرئيس:
- برنامج الترشيد، وهو ينطبق على استثمارات في القطاعات التي تشملها كفالات، في حال أرادت هذه المؤسسات أن ترشّد أجهزة الطاقة الموجودة لديها، بزيادة إنتاجيتها وتحاشي الهدر أو ما شابه. في هذه الحال فإن السقف الأعلى للإقتراض هو ثلاثمائة مليون ليرة لبنانية في برنامج كفالات الأساسي، وهو يرتفع الى 600 مليون إذا كان القرض من خلال برنامج كفالات الإضافي لترشيد الطاقة. والمفارقة الجديدة هنا، أن فترة القرض تمتد لعشر سنوات (بهدف التشجيع على اعتماد الطاقة المتجدّدة)، الأمر الذي يشكّل حافزاً للمؤسسات لاستعمال الأساليب الرشيدة.
- البرنامج الثاني يتيح كفالة قروض تستعملها المؤسسات لإنتاج الطاقة  المستدامة، مدة هذه القروض خمسة عشر عاماً، وتشمل فترة سماح سنتين، فيما تصل قيمتها الى مليار و200 ألف ليرة لبنانية، لتكون مدعومة ومعفية من الإحتياطي الإلزامي.
- البرنامج الثالث يشبه سابقه في جميع تفاصيله، ولكنه موجّه الى المرحلة اللاحقة، أي عندما يسمح التشريع اللبناني للمنتج الخاص بيع إنتاجه من الطاقة الى الشبكة العامة، في حال توافر الفائض لديه، أسوة بدول العالم المتطورة كألمانيا، وكندا والدانمارك... وسوف تكون مدة هذا القرض 15 سنة، ولكن مع فترة سماح ثلاث سنوات، لأن توقعاتنا لنسبة الإستثمارات في هذا المجال سوف تكون أكبر.

 

اتفاق بين لبنان والإتحاد الأوروبي
عن مضامين الإتفاق الذي تمّ بين لبنان وبين الإتحاد الأوروبي في هذا المضمار يقول أبي حبيب:
 لقد خصص الإتحاد الأوروبي مبلغاً قدره 12.2 مليون يورو هبة لمصرف لبنان تستعمل في دعم فوائد الطاقة الرشيدة والمستدامة وتطويرها. وفي هذا الإطار فإن المصرف يقوم بإعداد الدراسات اللازمة لتطوير العديد من البرامج الأخرى (غير دعم القروض التي تكفلها شركة كفالات). من هذه البرامج ما هو موجّه للأفراد والمنازل، ومنها ما هو موجّه الى المشاريع الكبيرة التي تتعدى المشاريع التي تكفلها كفالات. وإذا جمعنا هذه البرامج، سنجد أن مجمل هذه الحوافز المصرفية المالية، هي أفضل ما يوجد في العالم على مستوى التمويل، ولكن هذا لا يعني أن الحوافز هي الأفضل في العالم، باعتبار أن هناك بعض الدول مثل ألمانيا وكندا والدانمارك... يشتري الطاقة من المنتجين الأفراد في حقل الطاقة المتجدّدة بأسعار تشجيعية مضاعفة عن أسعار الطاقة التقليدية.
وأشار الى أن هذه القروض سوف تخضع للتصنيف الفني من قبل مؤسسات متخصصة، للتمييز بين ما يشكّل ترشيداً للطاقة وإنتاج طاقة مستدامة، وبين ما لا يحظى بهذا التوصيف. كما وأن تعميماً صدر عن مصرف لبنان لتغطية هذه البرامج ودعمها.
وتوقّع الدكتور أبي حبيب أن تكون انطلاقة هذه البرامج خجولة نسبياً في الفترة الأولى، باعتبار أن التعرّف عليها سوف يستغرق وقتاً، لكن الأمور ستتسارع في الفترة اللاحقة، ومن جهتها سوف تقوم كفالات بإعداد حلقات حوار لتوسيع المعرفة في هذا المجال. وأكد أن الهدف من هذه البرامج ليس ترشيد الطاقة، وتخفيض الكلفة الوطنية فحسب، بل تعزيز الطلب على الخدمة في قطاع سيكون الأكثر نمواً في الإقتصاد العالمي الحديث في السنوات القادمة، وسوف تكون هنالك منافسة إقليمية شديدة على مركز هذه الخدمات التقنية والمعرفية.
وختم قائلاً: إن عدداً كبيراً من اللبنانيين يعملون في الشركات الرائدة في هذا الحقل في أوروبا وأميركا الشمالية، ووجود سوق للخدمات في لبنان، سوف يشجع على العودة، وفتح مكاتب للخدمات وإنتاج البرامج التي تخدم السوق اللبناني وتستخرج منه ربحية كافية كي تستمر وتنطلق لخدمة السوق الإقليمي وأفريقيا، حيث التنافس في هذه الحقول وفي هذه المناطق في أوجه.

 

وزارة الطاقة والمياه
أعلن وزير الطاقة والمياه المهندس جبران باسيل اعتماد استراتيجية وطنية شاملة لكفاءة الطاقة، مرفقة بمشروع قانون حفظ الطاقة، لافتاً الى أن وزارة الطاقة والمياه وضعت خطة، على أن تتقدم بها قريباً الى مجلس الوزراء، تمهيداً لإقرارها في المجلس النيابي.
كما أطلقت الوزارة ثلاثة مشاريع، الأول قضى بتوزيع 3 ملايين لمبة موفرة للطاقة على مليون منزل، علماً أن هذه اللمبات الإقتصادية تحقّق وفراً سنوياً إجمالياً بحدود 76 مليون دولار. أما المشروع الثاني فيتعلق باعتماد الطاقة الشمسية لتسخين المياه. ويقضي المشروع بأن تقدم المصارف للراغبين قروضاً بسيطة، وبفائدة صفر في المئة، مع تقسيط على 5 سنوات، وستسهم الوزارة بـ200 دولار تحسم من ثمن كل سخان شمسي يتم تركيبه من خلال هذا المشروع.
الى ذلك ثمة مشروع ثالث محوره الإنارة العامة للأوتوسترادات والطرق التي كثيراً ما تكون مضاءة نهاراً ومظلمة ليلاً، وبموجب هذا المشروع سيصار الى توزيع «الفوتو سنسر» على كل البلديات بكلفة بسيطة، ما يوجد نظاماً موحداً لكل البلديات، ويحقق وفراً سنوياً مهماً في وقت تبلغ فيه مستحقات كهرباء لبنان من المؤسسات العامة، نحو 500 مليار دولار.

 

كفالات
كفالات، هي شركة مساهمة لبنانية مالية ذات منفعة عامة، تعود ملكيتها للمؤسسة الوطنية لضمان الودائع (75٪) ولخمسين مصرفاً لبنانياً (25٪).
تعمل كفالات على مساعدة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم (العاملة في لبنان)، للحصول على تمويل مصرفي عن طريق منح كفالات لقروض مصرفية، بناءً على دراسات جدوى وخطط مؤسسية مقدّمة من طالبي القروض، تبرهن على استدامة النشاط الإقتصادي الذي هو محور طلب القرض. تتوجه شركة كفالات ببرامجها الى المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي تعمل في أحد القطاعات الإقتصادية التالية: الصناعة، الزراعة، السياحة، الإنتاج الحرفي، والتقنيات المتطورة.
تستفيد القروض المكفولة من قبل شركة كفالات من دعم مالي لخفض الفوائد عليها.
وقد تمّ إنشاء برنامج الدعم هذا لتخفيض الأعباء المالية على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي تقترض من أجل تمويل نشاطاتها.
تقوم وزارة المالية اللبنانية بدفع هذا الدعم بإدارة المصرف المركزي اللبناني. ويتمّ إصدار كفالة القرض بناءً على جدوى المشروع المقدّم وذلك لصالح المصرف المقرض.
وتمكن الكفالة المقترض من تقديم ضمانة للمصرف المقرض وبذلك تنخفض مخاطر القرض على المصرف، مما يزيد من رغبة المصرف بتمويل النشاط الاقتصادي المقترح. ونتيجة للكفالة هذه، فإن المصرف المقرض قد يخفض من الكفالات والضمانات الأخرى التي يطلبها عادة للموافقة على القرض. إلا أن القرار النهائي للموافقة على القرض يكون في يد المصرف المقرض، وهو يحدد أيضاً شروط القرض.
بالإضافة الى صفة الضمانة المرتبطة بالكفالة، فإن المقترض المستفيد من كفالة شركة كفالات، يحصل مباشرة على دعم مالي يخفض الفوائد المترتبة على القرض، ما يسمح للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم من الإقتراض من المصارف بكلفة تمويلية معقولة.

 

الطاقة المتجدّدة في العالم
تشكل الطاقة المتجدّدة «ثورة خضراء في القرن الحالي» وسيكون العقد المقبل عقد الطاقة المتجدّدة كما كان العقد الماضي «عقد الانترنت»، بحيث أن قيمة الإستثمارات المطلوبة في قطاع الطاقة المتجدّدة عالمياً قد ارتفعت بين العامين 2004 و 2009 إلى 155 بليون دولار.
ومن ناحية أخرى، باتت الطاقة المتجدّدة قضية عالمية، بسبب زيادة عدد السكان وازدياد الحاجة إلى الطاقة لتحقيق تنمية إقتصادية مستدامة.
وقد أشارت التوقعات العام 2009 الى زيادة الإعتماد على الوقود الأحفوري في توليد الطاقة، ما يحمل تبعات خطيرة، إذ يرفع إستهلاك العالم من النفط 44 في المئة بين العامين 2006 و2033 في الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية، الأمر الذي يدعو الى ضرورة التعاون الدولي وتوحيد الجهود للحفاظ على مصادر الطاقة في العالم وتأمين احتياجاته منها، ما يتطلب تأمين استثمارات في توليد الطاقة المتجدّدة واعتماد تكنولوجيا تخفض كلفة إنتاجها.