تسليح وتطوّر

تسليح الجيش وتطوير قدراته الجدارة والثقة وفّرا المساعدة
إعداد: ريما سليم ضوميط

في حين عجزت السياسات عن تأمين الحد الأدنى الواجب للجيش، استطاع هذا الجيش تطوير قدراته بشكلٍ لافت... فالجدارة التي أثبتها في جميع المعارك التي خاضها والاستحقاقات التي واجهها، والثقة التي نالها بفضل أدائه على مختلف الأصعدة، كانت الطريق إلى تسليحه وتطوير قدراته.
والمعلوم أنّ المساعدات التي حصل عليها الجيش اللبناني لم تكن لتجد طريقها إليه لولا الكفاءة التي أثبتها والثقة التي استحقها. والأمر نفسه يسري على الدعم الذي يلقاه  من أطراف محليين يدركون أنّ الاستثمار في الأمن لا بد منه من أجل الاستثمار في سائر المجالات.

 

وضع الجيش خلال السنوات الماضية خططًا استراتيجية لتطوير قدراته بما يخدم مهماته من جهة، وسعيه إلى مواكبة التطور الحاصل في مجال التكنولوجيا العسكرية من جهة أخرى. وقد تمكن من تطوير إمكاناته العسكرية بشكلٍ ملحوظ على صعيدي القدرات البشرية والأسلحة الذكية والمتطورة التي استخدمها بفعاليةٍ في حربه ضد الإرهاب، وكان حصوله عليها نتيجة الثقة بأدائه، وهذا ما عبّرت عنه تصريحات مسؤولين وقادة كبار في المجتمع الدولي. فالتقشّف في الموازنة الدفاعية للجيش اللبناني لم يُثنِ القيادة عن إعداد الخطط لتسليحه وتطوير قدراته الدفاعية، وكان الاعتماد في الجزء الأكبر من عملية التسلّح وتطوير العتاد والمعدات (حوالى 90 في المئة) على المساعدات الدولية. فالولايات المتحدة الأميركية قدّمت للجيش اللبناني مساعدات عسكرية بلغت قيمتها منذ العام 2007 وحتى اليوم حوالى 2.2 مليار دولار. ويشير مرجع في الجيش إلى أنّ هذه المساعدات تُمنح عبر مصدرين: الأول هو الهبات التي تُقدَم عبر وزارة الدفاع الأميركية، وتشمل معدات عسكرية يعود اختيارها للجهة المانحة، وقد بلغت قيمتها حوالى 104 مليون دولار في العام 2018. أما المصدر الثاني، فهو برنامج المساعدات العسكرية المخصصة للبنان عبر وزارة الخارجية الأميركية، والذي يعود بموجبه لقيادة الجيش اللبناني تحديد أنواع العتاد والمعدات والأسلحة التي تحتاجها، على أن يتمّ تأمينها من ضمن الموازنة الأميركية المحددة له. في هذا الشق، بلغت قيمة المساعدات حوالى 180 مليون دولار في العام 2018.
ويوضح المرجع نفسه أنّ قيمة المساعدات الدولية التي خُصّصت للجيش في العام 2007 تزايدت بوتيرة متسارعة في السنوات اللاحقة، كما ازداد عدد الدول المانحة ومن بينها بريطانيا، كندا، ألمانيا، وإيطاليا. أما السبب فيعود إلى الثقة الدولية بأداء الجيش وبحسن إدارته للموارد العسكرية والاستفادة منها إلى أقصى حد ممكن لا سيما في تصدّيه لعمليات الإرهاب وفي فرضه الأمن والسيطرة على الحدود اللبنانية، الأمر الذي يشكل ضرورة ملحة للمجتمع الدولي.
تكمن أهمية المساعدات الممنوحة في عدم حصرها بالمعدات والأسلحة والأعتدة العسكرية، وإنما تضمينها أيضًا خدمات الصيانة المستمرة، والدورات التدريبية على الأسلحة والمعدات الممنوحة، لا سيما الأسلحة الذكية الحديثة، وهذا بحد ذاته تطوير لقدرات العسكريين في الجيش اللبناني.
شملت المساعدات الدولية التي قدّمت إلى الجيش اللبناني مختلف الأسلحة الجوية منها والبرية والبحرية، وأسهمت بشكلٍ أساسي في تعزيز قدراته وتطوير كفاءاته على مستويات متعددة: أمن الحدود ومراقبتها، الدعم بالنيران، المناورة، القتال البري، النقل، الدعم الجوي، الاستطلاع، الأمن السيبراني، والدعم اللوجستي.

 

تجهيز أفواج الحدود البرية
من أبرز المشاريع التي موّلتها المساعدات الدولية، مشروع تجهيز أفواج الحدود البرية، الذي بوشر العمل فيه منذ العام 2012، تحت إشراف لجنة عليا لبنانية - أميركية مشتركة، برئاسة قائد الجيش، وعضوية السفيرة الأميركية والسفير البريطاني، بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من الضباط تشرف على تنفيذ المشروع وإدارته. الهدف من المشروع، مكافحة التهريب على أنواعه، ومنع تسلّل مجموعات إرهابية عبر الحدود. وقد أسهمت فيه ثلاث دول هي الولايات المتحدة الأميركية، بريطانيا، وكندا، وبلغت كلفته حوالى مئة مليون دولار، من ضمنها المعدات والتدريب، والصيانة. في موازاة عملية التجهيز التي قامت بها الدول الثلاث، اضطلعت قيادة الجيش اللبناني بجهودٍ جبارةٍ لإنشاء الأفواج وتجهيزها بالأفراد والعديد ومختلف المستلزمات. أُنجز هذا المشروع في معظم مراحله، ولم يبقَ سوى بعض الخطوات المتعلقة بسد الثغرات المتبقية على الحدود.
وفي إطاره، قدّمت بريطانيا مساعدة لبناء 76 مركز مراقبة ومراكز لإمرة السرايا، كما قدّمت آليات للنقل، وأجهزة إشارة، وأوفدت مدربين لتدريب العسكريين على المعدات المذكورة.
أما الولايات المتحدة، فقدّمت كاميرات مراقبة وشبكة رادارات تمّ تثبيتها على الحدود الشمالية - الشرقية مع سوريا وربطها بمركز التحكم الرئيسي في وزارة الدفاع. وقد أدى هذا الأمر إلى ارتفاع نسبة الدقة في المراقبة والسيطرة في المنطقة المشار إليها إلى تسعين في المئة. كما قدّمت أميركا أجهزة لكشف أسلحة الدمار الشامل (المواد الكيميائية، أو الإشعاعية)، بالإضافة إلى أسلحة إجمالية وفردية وهواوين وذخيرة وآليات مدرّعة نوع «هامفي».
بدورها، قدّمت كندا عتادًا شتويًا ومعدات خاصة بالثلج، بالإضافة إلى شاحنات نقل ولوجستية للمياه والمحروقات.


القوات الجوية
بدأ مشروع تطوير القوات الجوية في العام 2009، وبلغت كلفته حوالى الـ 500 مليون دولار. بموجبه، قدّمت الولايات المتحدة طائرات مقاتلة من نوع Cessna مجهزة بصواريخ Hellfire، بالإضافة إلى سرب من الطائرات الحديثة Super tucano التي أسهمت السعودية بمبلغ ستين مليون دولار من قيمتها. ومن المرتقب أيضًا تسلّم ست طوافات MD-530 D في العام ٢٠٢١ قادرة على تحقيق إصابات دقيقة بفعل الصواريخ الموجهة باللايزر Laser Guided Rocket. كذلك، تمّ تزويد القوات الجوية كميات كبيرة من الصواريخ الموجهة باللايزر، وتدريب طيارين من الجيش اللبناني على الطائرات والأسلحة الحديثة في الولايات المتحدة الأميركية.
وفي إطار تطوير القدرة على المراقبة والاستطلاع، زُوِّدت القوات الجوية طائرات مراقبة من نوع Scan Eagle من دون طيار قادرة على القيام بعمليات استطلاع دقيق (نهاري وليلي) لفترات طويلة. إلى ذلك، قدمت الولايات المتحدة تسع طوافات Huey II بالإضافة إلى ثلاث من المرتقب وصولها في العام القادم لتطوير قدرات النقل في الجيش. ويتمّ العمل على تسليح هذه الطوافات بأسلحةٍ وصواريخ.
بدورها، قدّمت الإمارات العربية المتحدة سبع طوافات من نوع Puma.

 

القوات البحرية
من أبرز التقديمات الأميركية للقوات البحرية، زورق حديث اسمه «القناص طرابلس» طوله 42 مترًا، تتجاوز قيمته الثلاثين مليون دولار، وهو مجهز بمعداتٍ ملاحية حديثة. كما زوّدت القوات البحرية وفوج مغاوير البحر زوارق دورية يبلغ طول الواحد منها 11 مترًا.
في إطارٍ مماثل، قدّمت ألمانيا للقوات الجوية عتاد شبكة راداري، كما قامت بتجهيز بعض الخافرات والزوارق برادارات وأجهزة إشارة، وبصيانة بعض المراكب. وقدّمت إيطاليا عتادًا هيدروغرافيًا ومركبًا للمسح تحت المياه.

 

تطوير القدرة النارية لدى القوات البرية
شملت خطة دعم الجيش اللبناني تطوير قدراته النارية. وفي هذا الإطار، تمّ تزويده حوالى 200 مدفع هاوزر من عيار 155 ملم من العتاد الدفاعي الفائض لدى القوات الأميركية بأسعارٍ رمزية لا تتعدى الخمسين ألف دولار للمدفع الواحد، تمّ دفعها من أصل المساعدات. كذلك، شملت الهبات 32 آلية نوع برادلي ( أحدث عربة قتال مسلسلة لدى الجيش الأميركي) مزودة مدفع 25 ملم وصواريخ تاو Tow وأنظمة مراقبة متطوّرة ليلية - نهارية.
إلى ذلك، عُقدت اتفاقيات ضمن إطار المساعدات يحصل الجيش بموجبها على حوالى سبعين ألف بندقية م 16(قيمة الواحدة ما بين 1000 و1400 دولار)، بهدف استبدال البنادق القديمة بأخرى حديثة خلال العامين القادمين. كذلك، تمّ تحقيق أعداد كبيرة من مدافع الهاون من عيارات مختلفة 120 و81 و60 ملم، مع أسلحة إجمالية وقاذف أوتوماتيكي للرمانات من عيار 40 ملم (MK-19). يضاف إلى ما ذُكِر كميات كبيرة من البنادق القناصة من عيارات مختلفة 7.62 و12.7 ملم ومناظير ليلية حديثة، مع ذخائر من مختلف الأنواع من عيار 5.56 وقذائف مدفعية عيار 155 ملم. كما تم تحقيق كميات كبيرة من صواريخ تاو المضادة للدروع وقواعد إطلاق الصواريخ. من جهةٍ أخرى، أعدت الولايات المتحدة برنامج تدريب مكثف للأفواج الخاصة والتدخل وبعض الألوية.
بدورها، زوّدت فرنسا الجيش آليات من نوع Vab Mephisto مجهزة بأسلحةٍ مضادة للدروع، وصواريخ HOT، كما جهزت الأفواج الخاصة بمختلف الأسلحة والأعتدة الخفيفة والمتوسطة، والعتاد الخاص بالقتال الليلي.

 

عمليات قتال مشترك
يؤكد المرجع العسكري أنّ الجيش اللبناني دخل مرحلة جديدة باستخدامه وسائل التكنولوجيا الحديثة والأسلحة الذكية، وهو بات يملك سلاحًا متطورًا أسهم بشكلٍ فعالٍ في مواجهة الإرهاب وحفظ الأمن في الداخل، بالإضافة إلى حماية الحدود ومراقبتها، مع إمكان القيام بعملياتٍ مشتركة joint operations كمثل تلك التي اعتمدتها القوات البرية والجوية في عملية «فجر الجرود»، إذ تمّ استخدام طائرات من نوع Cessna Caravan لتحديد مراكز الإرهابيين بالليزر وصواريخ من نوع Copperhead M712 لاستهدافها.
نظرًا لنجاح هذا النوع من العمليات، سوف يتمّ تزويد القوات الخاصة وبعض قطع المدفعية تجهيزات خاصة Jtac equipment تمكّنها من القيام بعملياتٍ مشتركة مع القوات الجوية، فيُصار إلى تحديد الأهداف عبر laser radio laptop ، ومن ثم ضربها للحصول على أهداف دقيقة.

 

تطوير قدرة النقل
يعمل الجيش على تحديث أسطول النقل من خلال خطة خمسية لتحديث الآليات، تندرج في إطار المساعدات الدولية، وتبلغ كلفتها ما بين 400 و500 مليون دولار. وكان سبق أن حصل على مساعدات من الولايات المتحدة شملت شاحنات ورافعات وآليات للنقل وحاملات دبابات. كما قدّمت الصين كمية من الشاحنات بسعة خمسة أطنان.
إلى ذلك، تمّ تزويد الجيش مئة شاحنة «كاماس» روسية الصنع.

 

خطط حالية ومستقبلية
إضافة إلى المشاريع التي سبق ذكرها، يعمل الجيش من خلال المساعدات الدولية على تطوير قدراته في القتال الليلي، من خلال تجهيزات وأعتدة متكاملة. كما يسعى إلى تطوير اللوجستية، ومنظومة القيادة والسيطرة والاتصالات عبر خططٍ يُتوقّع أن تنفّذ خلال العام القادم. كذلك، يتمّ العمل على إنشاء لجان لوضع خطط تهدف إلى تطوير قدرة الجيش على حماية قاعدة معلوماته من الخطر السيبراني.