كلمتي

" تشخيص" الارهاب
إعداد: العميد الركن صالح حاج سليمان
مدير التوجيه

رحم الله شيخ الصحافة اللبنانية المرحوم سعيد فريحة الذي استهوته، في صياغة عناوين مقالاته، كلمات مثل: الشبكة، الصنارة... وكانت حصيلة صيده نصوص ممتعة في السياسة والفن والمجتمع، لا زال طعمها طيب المذاق حتى الآن. لكن، يا ليت الأديب اللبناني الراحل يعرف أن ما يشغلنا الآن، ويعكّر صفونا، ويضرب أحلام أجيالنا، هو تلك الشبكة الإسرائيلية الخبيثة التي خاطت أقنعتها على مدى زمن طويل استفادت خلاله من بعض المصاعب والأزمات التي عصفت بمجتمعنا، والتي شكلت ثقوباً خطرة في نسيجنا وثغرات مؤذية في جبهتنا التاريخية ضد السيطرة والعدوان.

منذ نشوء كيانها العنصري سنة 1948، لا بل قبل ذلك التاريخ حين كانت خلاياها تخطط على مهل لصيد تلتهمه في أوقات خاطفة، نجحت إسرائيل اكثر من مرة في معارك عسكرية ظاهرة، وفي ارتكابات تخريبية خفية، سواء ضد لبنان أو ضد أشقائه ، وكانت لذلك نتائج خطيرة، من احتلال وتدمير وتخريب وخسائر في الأرواح والممتلكات... إلاّ أن نجاحها الأكبر هو تمكنها، في بعض الأوساط العالمية، من إلصاق تهمة الإرهاب بنا، على رغم أنها معتدية متطاولة، في الوقت الذي نقيم نحن في أرضنا، ندافع عن حقنا في العلن من دون مواربة.

ويضيف جيشنا اليوم إلى نجاحاته نجاحاً إضافياً يتمثل في ضبط شبكة تخريب إسرائيلية جديدة، وفي إجهاض مخطط خبيث كان له، لو استمر، أن ينشر الدمار ويزيد الضحايا ويخل بالأمن والاستقرار، خصوصاً وأن البلاد على موعد مع موسمها السياحي السنوي.

لو اجتمع أهل الرأي وشغلوا البال قليلاً بتحديد الإرهاب وتوصيفه وتشخيصه، لما كان هذا الإرهاب غير ما تفعله إسرائيل، سواء أعلنوا ذلك أو لم يعلنوه. ولو أرادوا زيادة تحديده وتوصيفه وتشخيصه لما قالوا عنه إلا انه إرهاب الدولة، لا بل إرهاب التقنية والتكنولوجيا ورأس المال، وإرهاب التعدي على مواطنين يرصدون عدوهم بالعين المجردة، ويرفعون في وجهه الحجر والعصا والبندقية، وإذا حمي الوطيس يحولون الكتف إلى قاعدة لإطلاق قاذف فردي صغير، وهم يفعلون ذلك وأقدامهم فوق ترابهم الوطني، فأي من الطرفين هو مرتكب الإرهاب؟

يعرف العالم في دوله دولاً تنشر بعض المخبرين في دول أخرى، أو توظف بعض الخونة من اجل كسب معلومة أو بث خبر كاذب، لكنه لا يعرف، إلا في القليل القليل، دولاً تستبيح حرمات دول أخرى بالدم والنار والاغتيالات والتفجيرات والشائعات والترهيب وتعكير الأجواء، وإذا حصل ذلك فإنما يرتفع الصوت العالمي مستنكراً ومندداً، فما هو الرد اليوم وقد تواصل كشف العملاء وشبكات التخريب الإسرائيلية في أحيائنا وشوارعنا؟ ثم ما هو الرد، وما هو الدعم وما هي المساعدة، وجيشنا يواصل رسالته معتمداً على عقيدته الوطنية ووحدته الداخلية وتضحية عناصره في غياب البحبوحة المطلوبة في العتاد والوسائل؟

إنها شبكة، صحيح، لكننا لن نكون الضحايا المساكين بين خيوطها، فهذه سواعدنا مشدودة وعيوننا ساهرة. وهذا شعبنا، وهذا ترابنا، وهذه ماؤنا، ولا بد لنا أن ننسج من تلك الخيوط خيمة للأمن والسلام.