- En
- Fr
- عربي
نحن والقانون
ما زال الجهل المُطبق مُسيطرًا على عقول ونفوس البعض الذين يُطلقون العنان لفوّهات مسدساتهم وبنادقهم ومفرقعاتهم، المُرخَّصة وغير المُرخَّصة، في أي مناسبة، تافهة كانت أم مهمّة. فمن الأعياد إلى مناسبات الفرح والحزن، مرورًا بالاحتفاء بنتائج الانتخابات أو الامتحانات الرسمية، وحفلات التخرّج والمباريات الرياضية والمهرجانات الفنية والثقافية وغيرها... في هذه المناسبات وسواها يحصل أحيانًا كثيرة أن ينطلق الرصاص في الهواء ليقتل ويجرح أبرياء لا ناقة لهم ولا جمل، ويزرع الرعب في نفوس المواطنين الذين باتوا مصابين بأمراضٍ جسدية ونفسية مختلفة، من جراء مشاكل الحياة وهمومها، إضافة إلى وقوع الأضرار بالممتلكات العامة والخاصة...
إطلاق الرصاص ابتهاجًا أو حتى حزنًا، من أسوأ العادات المنتشرة لدى بعض اللبنانيين الذين لم تردعهم الحوادث التي أدت إلى إصابة وموت كثيرين، وهذا ما عبّر عنه انتشار عبارة ”فرحك موّت فرحتنا“ كهاشتاج بعد وفاة طفل بعمر 11 عامًا1.
وقد جرت العادة، للأسف، على توقيف عدة أشخاص بناءً لإشارة القضاء المختصّ، ولكن سرعان ما يتمّ إطلاق سراح العديد منهم نتيجة تدخّل الوساطات بطريقةٍ غير مشروعة، رغم أنّ هذه التصرفات لا تُعتبر عادة سيئة فحسب، بل أيضًا جريمة يُعاقب عليها قانون تجريم إطلاق العيارات النارية في الهواء رقم 71 تاريخ 27 /10 /2016.
وأمام ضغط الرأي العام وهول الكارثة، صدر عن مجلس النواب بتاريخ 15 /5 /2025 قانون بتعديل القانون رقم 71/2016، وقضى التعديل بمضاعفة العقوبة بحق مطلقي النار.
تجريم وعقوبة إطلاق العيارات النارية في الهواء وفق القانون رقم 71/2016، وتعديلاته بتاريخ 15 /5 /2025:
أ- كل من أقدم لأي سبب كان على إطلاق عيارات نارية في الهواء من سلاح حربي مرخص أو غير مرخص به، يُعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامةٍ من ثمانية أضعاف إلى عشرة أضعاف الحد الأدنى الرسمي للأجور. ويُصادر السلاح في جميع الأحوال ويمنع الجاني من الاستحصال على رخصة أسلحة مدى الحياة. وتُضاعف العقوبة بحق مطلقي النار بموجب القانون الجديد تاريخ 15 /5 /2025.
ب- إذا أدى الفعل المذكور إلى مرض أو تعطيل شخص عن العمل مدة تقل عن عشرة أيام، عوقب المجرم بالحبس من تسعة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة من عشرة أضعاف إلى خمسة عشر ضعف الحد الأدنى الرسمي للأجور. وتُضاعف العقوبة بحق مطلقي النار بموجب القانون الجديد تاريخ 15 /5 /2025.
ج- إذا تجاوز المرض أو التعطيل عن العمل العشرة أيام قُضي بعقوبة الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات فضلًا عن الغرامة السابق ذكرها. وتُضاعف العقوبة بحق مطلقي النار بموجب القانون الجديد تاريخ 15 /5/ 2025.
د- إذا أدى الفعل المذكور إلى قطع أو استئصال عضو أو بتر أحد الأطراف أو إلى تعطيل أحدهما أو تعطيل إحدى الحواس عن العمل أو تسبب في إحداث تشويه جسيم أو أي عاهة أخرى دائمة أو لها مظهر العاهة الدائمة، عوقب المجرم بالأشغال الشاقة المؤقتة عشر سنوات على الأكثر وبغرامة من خمسة عشر ضعفًا إلى عشرين ضعف الحد الأدنى الرسمي للأجور. وبموجب القانون الجديد تُضاعف العقوبة بحق مطلقي النار.
هـ- إذا أدى الفعل المذكور إلى الموت، يعاقب الجاني بالأشغال الشاقة المؤقتة لمدة لا تقل عن عشر سنوات ولا تتجاوز الخمس عشرة سنة وبغرامة من عشرين إلى خمسة وعشرين ضعف الحد الأدنى الرسمي للأجور. هنا أيضًا ضاعف القانون الجديد العقوبة.
جرائم إطلاق أسهم نارية بصورةٍ يُحتمل معها وقوع خطر على الأشخاص أو الأشياء:
كل من أقدم في الأماكن الآهلة على هذه الأفعال، يُعاقب بالحبس حتى ستة أشهر وبالغرامة من مئة ألف إلى مليون ليرة أو بإحدى هاتين العقوبتين. وتصادر الأسلحة والأسهم المضبوطة (م 752 عقوبات).
جرائم الإيذاء أو القتل القصدي مع توافر القصد الاحتمالي نتيجة إطلاق النار أو المفرقعات النارية:
إذا ثبت أنّ المتهم قد قصد إطلاق النار أو المفرقعات النارية لإرهاب خصومه مع علمه الأكيد وتوقّعه أنّ من شأن قيامه بذلك وفي ظروف حصوله الواقعية إيقاع الأذى الجسدي، بمن قصد إرهابهم، وعلى الرغم من ذلك، أقدم على فعله الجرمي، متسببًا بأذيتهم أو وفاتهم، يُعتبر فعله من قبيل الإيذاء القصدي أو القتل القصدي المبني على القصد الاحتمالي كونه قد توقَّع حصول النتيجة الجرمية الناشئة عن فعله فقبل بالمخاطرة؛ إذ تُعدّ الجريمة مقصودة وإن تجاوزت النتيجة الجرمية الناشئة عن الفعل أو عدم الفعل قصد الفاعل إذا كان قد توقَّع حصولها فَقَبل بالمخاطرة (م 189 عقوبات)٢، وبالتالي:
أ- في حالة الوفاة: تتمّ ملاحقة الفاعل بجرم القتل القصدي نتيجة اعتداء شخص على حياة شخص آخر بصورة إرادية تؤدي إلى وفاته من دون وجه حق، عاملًا لهذه النتيجة، قاصدًا بلوغها. ويُعاقب على القتل القصدي بالأشغال الشاقة، المؤقتة أو المؤبدة حسب ظروف الجرم (م 547 و548 عقوبات).
ب- في حالة الإيذاء: تتم ملاحقة الفعل بجرم الإيذاء القصدي نتيجة الاعتداء وإلحاق الأذى بجسم الإنسان الحي، وتوافر الرابطة السببية بين الفعل والنتيجة، وتوافر القصد الجرمي للإيذاء الذي يتكون من عنصري العلم والإرادة؛ أي أن يعلم الجاني بأنّ فعله - إطلاق النار أو المفرقعات النارية مع توافر القصد الاحتمالي - يقع على جسم إنسان حي والمساس بسلامته، وتوقَّع حصول الإيذاء فَقَبل بالمخاطرة.
ج- في حالة إجهاض حامل: يُعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة عشر سنوات على الأكثر من تسبب، بالضرب أو الجرح أو الإيذاء، بإجهاض حامل وهو على علم بحملها (م 558/554 عقوبات). كأن يتوقَّع الفاعل بأنّ قيامه بإطلاق النار أو المفرقعات النارية من شأنه أن يؤدي إلى إجهاض امرأة يعلم أنّها حامل، فيقبل بالمخاطرة. عندها يُعتبر مرتكبًا جناية الإيذاء القصدي نتيجة القصد الاحتمالي، لأنّ الجريمة تعدّ مقصودة وإن تجاوزت النتيجة الجرمية قصد الفاعل لأنّه توقَّع حصولها فَقَبل بالمخاطرة.
الإحالة أمام المحكمة العسكرية
يُحال المُرتكب إلى المحكمة العسكرية لمحاكمته في جرائم إطلاق عيارات نارية في الهواء (م 79 من قانون الأسلحة والذخائر).
اقتراح تعديل قانوني جديد
رغم تشديد العقوبة بموجب قانون 15 /5 /2025، ما زالت هذه الآفة مُـتفشية، ولهذا نرى أنّه من الضروري القيام بتعديلٍ قانوني جديد، يقضي بعدم جواز منح فاعل هذه الجريمة الأسباب المُخفَّفة، مع وجوب الفصل النهائي بالدعوى خلال شهر واحد كحدٍ أقصى؛ فيُصبح القاضي ملزمًا تطبيق العقوبة المُشدَّدة من دون جواز تخفيفها، ومن دون جواز تأجيل الفصل بالدعاوى ذات الصلة بتلك الجرائم.
وقد سبق أن حصل أمر مشابه مرتين في لبنان (1959 و1994). فبسبب تفشي جرائم القتل بشكلٍ واسع نتيجة انتشار ظاهرة حمل السلاح والوضع الأمني وتداعيات حوادث 1958، صدر القانون 16 /2 /1959 الذي قضى بإنزال عقوبة الإعدام بمن يقتل إنسانًا قصدًا. وتمّ تعليق تطبيق أحكام المادتين/547/ و/548/ من قانون العقوبات مؤقتًا، إلى أن ألغي بتاريخ 18 /5 /1965 بعد انخفاض نسبة هذه الجرائم. وكذلك سنة 1994 عندما صدر القانون رقم 302/1994 الذي أوجب إنزال عقوبة الإعدام بمن يرتكب جريمة القتل المتعمد والدافع السياسي، وبمن يقتل إنسانًا قصدًا، ومنع منح فاعل الجريمة الأسباب المُخفَّفة3، إلى أن ألغي هذا القانون بتاريخ 2 /8 /2001، وأعيد العمل بالمادتين /547/ و/548/ عقوبات اللتين تعاقبان على القتل القصدي بالأشغال الشاقة المؤقتة أو المؤبدة، وليس بعقوبة الإعدام التي تُطبَّق على جريمة القتل العمدي وفي الحالات العمدية المُعدَّدة في المادة /549/ عقوبات، والعودة إلى الحالة الطبيعية بعد انخفاض نسبة جرائم القتل.











