دراسات وأبحاث

تطوّر قواها العسكرية بهدوء وثبات
إعداد: د. أحمد علو
عميد متقاعد

الصين: سياسة النفس الطويل ومواجهة التحديات

 

«اذا كنت تعرف العدو وتعرف نفسك فلست بحاجة الى الخوف من نتائج مئة معركة».
(صن تزو - قائد ومفكر استراتيجي صيني عاش في القرن الخامس ق.م).


مطلع العام الحالي (2012)، اعلن الرئيس الاميركي باراك اوباما تخفيض ميزانية الدفاع الاميركية، ولكنه كشف عن استراتيجية جديدة للولايات المتحدة ترتكز على الدفاع عن منطقة الباسيفيك - آسيا الشرقية، ومواجهة تنامي القوة العسكرية الصاعدة للصين والتي بإمكانها تهديد مصالح الولايات المتحدة  وقواعدها وحلفائها في المنطقة (كوريا الجنوبية وتايوان واليابان واستراليا)، وفي منطقة بحر الصين الجنوبي حيث يحتدم الخلاف على ملكية البحر وعلى استخراج موارده البترولية، ما بين الصين من جهة وعدد من الدول المشاطئة الاخرى الحليفة للولايات المتحدة (كالفيليبين وتايوان وبروناي وفييتنام وماليزيا).


الصعود الصيني بين الواقع والمتوقع
مع تنامي الدور الخارجي للعملاق الآسيوي سياسيًا واقتصاديًا، ينظر الكثير من المراقبين إلى الصين باعتبارها «قوة عظمى صاعدة»، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: إلى متى سوف تستمر هذه النظرة؟ ومتى ينظر العالم إلى الصين باعتبارها قوة عظمى حقيقية؟
تكاد الصين أن تكون بالفعل هي القوة الكبرى الوحيدة على صعيد القارة الآسيوية، على الرغم من بعض المنافسة التي قد تواجهها من قبل اليابان أو الهند، أما على الصعيد العالمي، فقد بدأ النفوذ الصيني يتسع إلى مناطق مختلفة، من بينها القارة الأفريقية، وأميركا اللاتينية، بل انه امتد أيضًا إلى بعض المناطق في القارة الأوروبية.
إلا أن العديد من الخبراء والمحللين السياسيين يرون أنه حتى تصبح الصين قوة عظمى حقيقية، فإن نفوذها الخارجي يجب ألا يقتصر على القطاعات الاقتصادية وحسب، بل ينبغي أن يتضمن أيضًا وجودًا عسكريًا ملموسًا يؤثر في الأحداث والتطورات السياسية الجارية.
وبحسب لورنس سايز، أستاذ العلوم السياسية في مركز الدراسات الشرقية والأفريقية في لندن، فإن «الصين حينما تقرر أن تضم تايوان إليها، تكون قد أصبحت قوة عظمى».
تعتبر الحكومة الصينية المركزية أن تايوان جزء من أراضي «البر الرئيس» للصين، وتهدد بكين باستخدام القوة العسكرية لضم الجزيرة، في حال أقدمت على إعلان استقلالها عن «الوطن الأم».
وبينما يعتقد سايز أن الصين قد تصبح القوة العسكرية الأولى في العالم بعد 20 عامًا، فإنه يشدد على أن «النقطة المحورية هي القوة العسكرية، أي أن تكون لديك القدرة على تهديد جيرانك، التهديد بعمل عسكري مع القدرة على مواجهة التحديات، والصين تدرك حتى اللحظة أنها ستخسر أي حرب مع الولايات المتحدة اليوم».
في السياق نفسه يرى ألكسندر نيل، الباحث في الشؤون الآسيوية (معهد رويال يونايتد سيرفسيز – لندن)، أنه «عندما يصبح بإمكان الصين أن تشكل تحديًا حقيقيًا (عسكريًا) للولايات المتحدة، فإنه سيكون ذلك اليوم الذي تصبح فيه قوة عالمية عظمى، وتكون لدى قواتها القدرة على الوصول والانتشار في أماكن مختلفة من العالم، مع القدرة على حماية مصالحها».
أما في الصين فينفي كبار القادة العسكريين عادة أن تكون بلادهم تسعى لأن تصبح قوة عسكرية عظمى، وقد وجّه رئيس الأركان العامة للجيش الصيني، الجنرال تشن بينغ دي، في الفترة الأخيرة رسائل واضحة إلى نظرائه في الولايات المتحدة، بأن هناك «فجوة تتسع بازدياد» بين الجيشين الأميركي والصيني.
وقال الجنرال الصيني خلال زيارة قام بها إلى واشنطن في أيار من العام 2011، إن العلاقات بين البلدين تعاني المشاكل عندما «يتم تجاهل بكين»، وقال في خطاب ألقاه في كلية الدفاع العسكري في العاصمة الأميركية: «من الطبيعي والضروري حصول تعاون بين الجيشين في طريق السلام والاستقرار»، مؤكدًا أن بلاده لا يمكنها مجاراة القدرات العسكرية الهائلة للولايات المتحدة.
تصريحات رئيس الأركان الصيني جاءت على ما يبدو ردًا على تقارير سابقة، لوزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون»، جاء فيها أن الصين تطور قدراتها العسكرية، عبر صواريخ بالستية بعيدة المدى، وأخرى مضادة للسفن، يمكن أن «تغيّر ميزان القوى في المنطقة»، وتساعد بكين على تسوية نزاعات إقليمية.

 

الخطر الصيني بعيون اميركية: بين «الفوبيا الصينية» (Sinophobia) وكره الاجانب (Xenophobia)
«إذا كنت بعيدًا عن العدو اجعله يعتقد انك قريب، وتظاهر بالنقص وشجع غطرسة عدوك».
صن تزو
تطرقت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) في تقريرها السنوي حول قوة الصين العسكرية للعام 2011 إلى قضية تايوان باعتبارها أحد الشؤون السياسية الداخلية الصينية، واتهم التقرير الصين بتطوير القوات البحرية وتعزيز التبادلات الخارجية وتطوير الأسلحة والمعدات. من جهتها أعربت وزارة الدفاع الصينية عن «استيائها الشديد» و«رفضها التام» هذا التقرير الذي رأت فيه تجاهلاً للحقائق.
ومن الملاحظ أن وزارة الدفاع الأميركية, تقوم كل سنة منذ العام 2000 بتقديم تقرير حول قوة الصين العسكرية إلى الكونغرس الأميركي، علمًا أن نظرية التهديد الصيني ظهرت لأول مرّة في تقرير ذلك العام.
ويرى جيا شيو دونغ الخبير الصيني في العلاقات الصينية الأميركية أنّ التقرير السنوي للبنتاغون يتابع التطورات الجديدة لقوة الصين العسكرية، إلاّ أنّه يركز دائمًا على نظرية التهديد الصيني لخدمة استراتيجية الولايات المتحدة والحفاظ على ترتيباتها العسكرية في العالم ومستوى الانفاق الدفاعي الأميركي، معتبرًا أن الإتهامات الأميركية لا تعدو كونها سوء فهم لسياسية الصين الدفاعية الوطنية.

 

مخاطر الأمن الصيني وتحدياته
«فرصة تأمين انفسنا ضد الهزيمة في أيدينا، لكن فرصة هزيمة العدو يقدمها العدو نفسه».
صن تزو
الصين دولة عظمى صاعدة وهي عضو في منظمة شنغهاي للتعاون وفي منظومة دول الـ«بريكس» (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب افريقيا)، وهي تواجه في صعودها تحديات ومخاطر شتى تتمثل بطول حدودها البرية وبمشكلة تايوان إضافة إلى مصادر الطاقة وخطوط الإمداد التي تحتاج إليها والحركات الإنفصالية في بعض الأقاليم.
• الحدود: يبلغ طول حدود الصين البرية  حوالى 22800 كلم (اطول حدود في العالم)، يتاخمها من الشرق جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، ومن الشمال منغوليا، ومن الشمال الشرقي روسيا، ومن الشمال الغربي كازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان، ومن الغرب والجنوب الغربي أفغانستان وباكستان والهند ونيبال وبوتان، ومن الجنوب ميانمار ولاوس وفيتنام.    
وتواجه الصين عبر البحار جمهورية كوريا واليابان والفيليبين وبروناي وماليزيا وإندونيسيا في الشرق والجنوب الشرقي، ويبلغ طول سواحلها حوالى 18 ألف كيلومتر.                                                                       
• مشكلة تايوان: كانت تايوان جزءًا من الصين حتى العام 1895، حيث ضمت إلى الإمبراطورية اليابانية بموجب معاهدة «شيمونوسكي» التي انهت الحرب اليابانية - الصينية الأولى. وبعد أن هزمت اليابان في الحرب العالمية الثانية، تنازلت عن الجزيرة للصين العام 1945. وبعد 4 سنوات انتهت الحرب الأهلية الصينية (1927-1949) بسقوط جميع الأراضي الصينية في يد الشيوعيين باستثناء جزيرة تايوان. فانتقل شيانج كاي شيك رئيس الحكومة الوطنية آنذاك إلى الجزيرة وأطلق عليها اسم «جمهورية الصين». وما زالت علاقات الصين وتايوان معقدة حيث تطالب كل منهما بالسيادة على عموم أراضي بلاد الصين، ولا تعترف أي منهما بالأخرى. وعلى الرغم من وجود علاقات اقتصادية بين الجمهوريتين فإن حكومة جمهورية الصين الشعبية تقاطع أي دولة تعترف بجمهورية الصين (تايوان)، لذلك تفضل غالبية دول العالم تبادل بعثات اقتصادية مع تايوان بدلًا من بعثات ديبلوماسية رسمية.
• مصادر الطاقة وخطوط الإمداد: فرض التطور الاقتصادي على الصين تزايد الحاجة الى الموارد وبخاصة الطاقة من نفط وغاز، حتى اصبحت اليوم ثاني اكبر مستهلك لهما وهي تستورد القسم الاكبر من حاجتها من الخارج  اي من الشرق الاوسط وافريقيا وحتى فنزويلا، ولذلك اصبحت مضطرة الى حماية مصالحها وتأمين هذه الموارد في مصادرها وخطوط نقلها عبر البحار او اليابسة. وكذلك فهي بحاجة الى الاسواق لتصدير انتاجها الصناعي والزراعي وغيرهما، وهذا ما فرض عليها ان تدخل كلاعب جيوستراتيجي على مستوى عالم اليوم، وأن تنشر قواتها في البر والبحر لحماية اساطيلها التجارية، ولحماية مصادرها من الطاقة ومصالحها في الدول المعرضة لمخاطر قد تهدد استمرار وصول هذه الموارد.
• الحركات الانفصالية في بعض الاقاليم: تواجه الصين بعض المشاكل الانفصالية في عدد من اقاليمها وبخاصة التيبت وسينكيانغ (تركستان الشرقية)، ومنغوليا الداخلية، وهذه المناطق غنية بالموارد الضرورية لنهضة الصين الحديثة ولبناء قوتها العالمية وبعدها الجيوستراتيجي الدولي.   

                                                                                               

القوة العسكرية الصينية
تعتبر الصين ثالث قوة عسكرية في العالم بعد الولايات المتحدة الاميركية وروسيا الاتحادية، ففي العقد الأخير عملت جمهورية الصين الشعبية على تحديث جيشها ليتلاءم مع التطور التقني وتحديات العصر ومع مركزها الاستراتيجي في العالم.   
                                                                             
يعتبر جيش التحرير الشعبي الصيني (PLA) الأضخم في العالم (2.25مليون جندي عامل) يضاف اليه حوالى المليون من الاحتياط. ويمكن تقسيم هذا الجيش كما يأتي:
• جيش البر: ويضم أكثر من 1,5مليون جندي وفيه عشرات الفرق والالوية من المشاة المؤللة والقوات الخاصة وآلاف المدرعات الحديثة والمدفعية الآلية، وغيرها من صنوف الاسلحة البرية التقليدية الحديثة.          
• القوات الجوية: عملت جمهورية الصين الشعبية على تحديث سلاحها الجوي ليواكب احدث الاسلحة الجوية في العالم، فقد قامت بشراء طائرات سوخوي 30 وسوخوي 27 العالية التقنية من روسيا، كما أنتجت مقاتلاتها الحديثة الخاصة بها، ومنها «تشينغدو j-10» التي تشبه الميراج 2000 و«شينيانج j-11B» وهي نسخة مشابهة للسوخوي 27 مع بعض الفوارق. والعام 2010 أطلقت الصين تجاربها على طائرتها الشبحية الجديدة «تشانغدو  J-20».
تعتبر الصين اليوم ثالث قوة جوية في العالم بعد الولايات المتحدة وروسيا وتمتلك اكثر من 3 آلاف طائرة بينها حوالى 2300 - 2500 طائرة  مقاتلة من مختلف الانواع والمهمات، كذلك طائرات الرادار وطائرات الامداد والنقل مع جيش جوي يقدر بحوالى 250000 رجل، تعمل تحت إمرته فرق وألوية الصواريخ المضادة للطائرات «سام» ووحدات القوات المنقولة جوًا.
• القوات البحرية: تتوزع القوات البحرية الصينية على ثلاثة أساطيل تنتشر في بحارها الشمالية والشرقية والجنوبية، وتضم هذه القوات حوالى 250 ألف رجل وسفن سطح وغواصات ووحدات دفاع ساحلية وقوات بحرية (مارينز)، كما تضم اسراب طيران متمركزة على الشواطئ وطائرات هليكوبتر. وفي السنوات الأخيرة، ركزت الصين الجهود على بناء قوات بحرية تتمتع بالقدرة على الانتشار خارج حدودها ومياهها الاقليمية (مخطط المياه الزرقاء اي الانتشار في أعالي البحار والمحيطات)، وقد دشنت في صيف العام 2011 أول حاملة طائرات لها كانت اشترتها من الاتحاد السوفياتي السابق، وهي تمتلك مئات السفن الحربية وغواصات نووية.
• القوة الصاروخية: امتلكت الصين في الفترة الأخيرة وطورت أنظمة صواريخ أرض -جو (أس - 300 ) الروسية، والتي تعتبر من بين أفضل أنظمة اعتراض الطائرات في العالم. ومعلوم أن روسيا قامت بتطوير جيل جديد من هذه الصواريخ هو منظومة «أس – 400 ترايمف» القادرة على رصد الأهداف  الجوية على بعد 400 كلم وتدميرها، وهي تعد أكثر أنظمة الدفاع الجوي تطورًا حتى اليوم، وقد أفادت بعض التقارير بأن الصين خصصت مبلغ 500 مليون دولار للحصول على بعضها بسعر مخفض، لتعمد بعد ذلك إلى تصنيعها وتطويرها في مصانعها وفق حاجتها.
كذلك تمتلك الصين آلاف الصواريخ البالستية وصواريخ الكروز، وقد اتهمت منذ فترة بأنها تطوّر اسلحة تعمل بالنبض الكهرومغناطيسي (electro-magnetic-pulse) لتدمير حاملات الطائرات المعادية.
• الاقمار الصناعية: مع نهاية العام المنصرم (2011)، بدأت الصين اعتماد نظامها الخاص لـ«تحديد المواقع العالمية» (GPS) تحت اسم «Beidou» وهو يغطي الصين والمنطقة المجاورة، وسيغطي في نهاية 2012 منطقة الباسيفيك، ويفترض  به تغطية بقية العالم العام 2020. وبذلك تخلصت الصين من اعتمادها على الشبكة الاميركية (GPS)، وارتاح عسكريوها من هاجس لجوء الولايات المتحدة الى قطع الشبكة عنهم  في حالة النزاع معها او حالات الطوارئ.
إلى ذلك تعتبر الصين ثالث دولة في العالم بعد روسيا والولايات المتحدة تضع انسانًا في مدار حول الارض ( العام 2003) وتطمح إلى إرسال آخر إلى القمر، وهي تطور برنامجها الفضائي بشكل مستمر منذ مطلع  سبعينيات القرن الماضي.
• القدرة النووية: تمتلك الصين أسلحة نووية وأنظمة توصيل لها (تقدر بما بين 100 الى 400 رأس نووي وفق بعض المصادر، ويذهب البعض الآخر الى أنها تمتلك أضعاف هذا العدد مع وسائل إيصالها!)، ولديها صواريخ باليستية مختلفة الاحجام والمدى يصل بعضها الى حوالى 15 ألف كلم (عابرة للقارات).

 

تطوير القدرات
ختامًا، مما لا شك فيه أن نمو الدول الاقتصادي وصعودها العالمي يصاحبه حكمًا تطوير قدراتها العسكرية والتكنولوجيا المواكبة لها، كما أن الوفر المالي يدفع هذه الدول إلى تعزيز قدراتها العسكرية وتطويرها لحماية مصالحها وتأمين استمرار تفوقها على الدول الاخرى المنافسة لها. وهذا ما نشهده في الصين التي تندفع في بناء قواتها العسكرية في المجالات المختلفة وتطويرها بهدوء استجابة للتحديات والمخاطر التي تواجهها، مستفيدة من الفائض المالي والتكنولوجيا الحديثة لديها. وهي تقوم بذلك على طريقة «النفس الطويل» وربما يأتي اليوم الذي تصبح فيه قوة عظمى عسكرية بالمقاييس العالمية المعروفة. وإذ يرى بعض المحللين والمتابعين عن كثب أن هذا اليوم ليس ببعيد، يقول مستشار الأمن القومي الاميركي الاسبق زبيغنيو بريجنسكي في كتابه «رقعة الشطرنج الكبرى»: «إن الصين سترتقي خلال العقدين القادمين ليس إلى مصاف الدولة المهيمنة في الشرق الاقصى فحسب بل الى مصاف قوة عالمية من الطراز الاول»...

 

الميزانية العسكرية
كانت الميزانية الرسمية المعلنة لجيش جمهورية الصين الشعبية للعام 2009، 77.8 مليار دولار أميركي. إلا أن الولايات المتحدة تقول إن الصين لا تنشر أرقام إنفاقها العسكري الحقيقي. وتقدر وكالة الاستخبارات المركزية أن ميزانية الصين العسكرية للعام 2008 كانت ما بين 105 إلى 150 مليار دولار.


المراجع:       
• www.wikipedia.org
• www.arabicxinhuanet.com
• www.msnbc.msn.com
• www.arabic.cnn.com