تاريخ معاصر

تطوُّر بُنية الجيش اللبناني بين 1945 و1958
إعداد: د. ألكسندر أبي يونس
باحث وأستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية

ينطوي تاريخ الجيش اللبناني خلال الفترة الممتدة بين العامين 1945 و1958 على الكثير من الدلالات العسكرية والوطنية، فهذه الفترة أعقبت استقلال لبنان في العام 1943، ثمّ تأسيس الجيش رسميًا في العام 1945.

من جهة أولى، شكّلت عملية بناء المؤسسة العسكرية وتطويرها وتعزيز دورها، إحدى تجليّات إرادة السلطة السياسية في بناء مؤسسات الدولة على ركائز متينة، قادرة على ضمان ديمومة الوطن وترسيخ هويته وموقعه الإقليمي والدولي، فضلًا عن تأمين مصالح اللبنانيين كافة، وإزالة أسباب بعض التباينات التي كانت قائمة بينهم في المراحل التي سبقت إعلان الاستقلال، لا سيّما حول الهوية الوطنية والعلاقة مع الجوار. من جهة أخرى، شكّلت هذه العملية تحدّيًا أمام القيادة العسكرية إزاء جدارتها في الاضطلاع بمسؤولية إعداد الجيش وتنظيمه، ليُسهم بشكلٍ فاعل في تثبيت دعائم الوطن المستقلّ حديثًا، ويتمكّن من حمايته.

لقد كان الجيش بقيادة الرئيس الراحل اللواء فؤاد شهاب على قدر المسؤوليات والآمال المعقودة عليه، بخاصةٍ في النقلة النوعية التي حقّقها على صعيد إعادة التنظيم وإنشاء وحدات جديدة من مختلف القوى والاختصاصات، وتأمين كميات من الأعتدة والأسلحة. وعلى الرغم من أنّ هذا التطور لم يصل إلى المستوى المنشود الذي يلبّي حاجات الجيش وتطلّعات قيادته، إلّا أنّه قدّم دليلًا واضحًا عن صواب رؤية القيادة العسكرية، وإرادتها الثابتة في بناء جيشٍ قويٍّ يشكّل سياجًا للبنان.

لقد كان السؤال في لبنان: ما هي السياسة الدفاعية الواجب اتّباعها؟ وأي جيش نريد؟ هل يتم إنشاء جيش تقليدي، مثل جيوش بقية الدول، تُناط به مهمة الدفاع عن الكيان؟ أم الاكتفاء بتعزيز قوى الأمن الداخلي والأمن العام والشرطة وغيرها فقط؟ أم تقليد النظام السويسري الدفاعي مع الحياد؟ بذل قائد الجيش الزعيم فؤاد شهاب وأركانه جهودًا كبيرة لإقناع السياسيين اللبنانيين، وبخاصةٍ رئيس الجمهورية الشيخ بشارة الخوري بضرورة بناء جيش وطني قوي، لحماية الدولة الفتية والنظام والشعب، على اعتبار أنّ دولة لا يحميها جيش قوي هي «دولة في مهب الريح».

تسلّم وحدات الجيش

جرت مراسم تسلّم الوحدات الخاصة اللبنانية باحتفالٍ أُقيم في الأول من آب 1945 الساعة التاسعة صباحًا، أمام مبنى القيادة الجديدة في طريق الشام قرب المتحف الوطني. حضره رئيس الجمهورية بشارة الخوري، ورئيس مجلس الوزراء عبد الحميد كرامي والوزراء، كما حضره بعض القادة العسكريين يتقدّمهم الزعيم فؤاد شهاب قائد الجيش، الزعيم سليمان نوفل رئيس أركان وزارة الدفاع الوطني، وعدد من أركان القيادة الجديدة. وبعد أن ألقى رئيس الجمهورية خطابًا في المناسبة، جرى عرض عسكري رمزي للوحدات اللبنانية أمام السلطة السياسية والمواطنين الذين غصّت بهم الأرصفة وهتفوا لجيشهم الوطني وعلمه الجديد.

 

العديد والتنظيم

ضمّ العديد البشري الذي تسلّمته الحكومة اللبنانية في الأول من آب 1945 من اللجنتين اللبنانية والفرنسية 125 ضابطًا، و503 رتباء، و2672 فردًا، أي ما مجموعه 3300 عنصر. وتكوّن الجيش من ثلاثة أفواج من المشاة «القناصة»، ومجموعة خيّالة ومدرعات، وكذلك مجموعة مدفعية لا تزيد عن بطاريّتين (10 مدافع، 105 و75 ملم) بالإضافة إلى بعض وحدات الإسناد والإدارة والهندسة والاتصالات، وغيرها من وسائل الدعم.

نصّ المرسوم رقم 3650 الذي نُشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 1/8/1945 على إنشاء مركز رئيس أركان حرب عام في وزارة الدفاع الوطني وتولّى هذا المنصب الزعيم سليمان نوفل، كما عُيّن الزعيم فؤاد شهاب قائدًا للجيش اللبناني، وفصلت دوائر الشرطة عن قيادة الدرك. واقع الوحدات العسكرية التي تسلّمتها الدولة اللبنانية فرض على قائد الجيش وأركانه أن يضعوا الخطط اللازمة ويشرعوا في تنظيم المصالح والأجهزة الإدارية والمالية والصحية والقضائية التي تكوّن منها الجيش اللبناني في ما بعد. كان على القيادة إحصاء العناصر والمعدّات، وإنشاء الوحدات وتوزيع هذه العناصر والأعتدة عليها ووضع التعليمات وتأمين إقامتها في المواقع التابعة لها، وتعيين قادة المناطق والوحدات في مختلف الأنحاء اللبنانية.

نظّم قائد الجيش وأركانه الجيش خلال أسبوع واحد، اعتبارًا من 31 تموز 1945، ليتركّز الجهد بعدها على إنشاء المصالح والأجهزة وتأمين الوسائل الأساسية لتجهيز هذه القوى بما تحتاجه من التموين والألبسة ووسائل الاعتناء الذاتي، والتدريب بما توافر، بانتظار تخصيص الاعتمادات المالية في الموازنة العامة للدولة.

خلال شهر آب 1945، تابعت القيادة عملية التنظيم وتعيين قادة المناطق والوحدات. ففي 24 آب صدرت مذكرة خدمة رقم 75/3/س عيّنت قادة المناطق العسكرية، وهي: منطقة جبل لبنان - منطقة لبنان الشمالي - منطقة لبنان الجنوبي - منطقة البقاع. وراعت المذكرة احتفاظ موقع بيروت بالتنظيم السابق ذاته واعتبرته كمنطقةٍ عسكرية.

وفي الأول من أيلول 1945، أصدر قائد الجيش أمرًا باستخدام اللغة العربية في الجيش لتسهيل عملية التخاطب والمراسلات والإدارة، فشُكّلت لجنة لتعريب المفردات والتعليمات والنشرات الفرنسية. وفي 18 تشرين الأول 1945، أُنشئت المحكمة العسكرية بموجب مرسوم جمهوري رقم 820 واتخذت مقرًّا لها في مبنى وزارة الدفاع الوطني شارع فؤاد الأول – قرب المتحف من الجهة الغربية، وتألّفت من عسكريين ومدنيين، ومدّعي عام الاستئناف ومدعي عام بيروت، وقضاة التحقيق. وبموجب قرار صادر عن وزير الدفاع الوطني بتاريخ 31/12/1945 تألّفت هيئة دائمة وهيئة احتياطية للمحكمة العسكرية ضمّت ضباطًا من الجيش وآخرين من الدرك.

كان من المنطقي والضروري، أن تواكب عملية إعادة بناء القوات الخاصة وتنظيمها وتشكيلها، إضافة إلى غيرها من المصالح والوحدات اللبنانية التي تسلّمتها الحكومة اللبنانية، خطوات أخرى تنزع عنها كل ما له علاقة قانونية أو سياسية أو تنظيمية بسلطة الانتداب. وقد عملت قيادة الجيش على تمتين اللحمة بين العسكريين، وصهرهم في متّحد واحد يتخطّى الولاءات الطائفية والمذهبية، عنوانه الولاء للجيش والوطن. من هنا كان لا بدّ من إصدار قانون لبناني ينظّم مهمّات الجيش اللبناني العتيد ودور وزارة الدفاع الوطني. لهذا، وبتاريخ 4 أيلول 1945 صدر مرسوم يحمل الرقم 3860/K يحدّد مهمات وزارة الدفاع الوطني، ناسخًا قانون القوات الخاصة رقم 3045 تاريخ 20 آذار 1930 الذي كان ساري المفعول حتى ما بعد عملية تسلّم هذه القوات من قبل السلطة اللبنانية.

 

مقر عام الجيش

كان من بين الوحدات التي تسلّمتها السلطة اللبنانية في الأول من آب 1945 «سرية المقر العام» (Compagnie de Q . G). تُعتبر هذه السرية النواة الأساسية لقيادة الجيش والقطعة الإدارية والتنظيمية التي تضم القيادة والأركان والمصالح المدبرة والشُّعَب، كما أنّها كانت تضم في ذلك الوقت بحكم موقعها الجغرافي، مقر وزارة الدفاع الوطني، وموقع بيروت مع ما يحتويه من وحدات وسرايا بالإضافة إلى قيادة الموقع.

مع مطلع العام 1947 صدرت مذكرة خدمة رقمها 4153/3 باللغة الفرنسية، تتضمن التعليمات الدائمة لتنظيم وعمل مقر عام الجيش الذي تألّف من: الأركان العامة – أفراد قيادة المصالح – العديد اللازم والضروري للخدمات العامة – الحرس الجمهوري – الشرطة العسكرية – موسيقى الجيش – المحكمة العسكرية وموقع بيروت، وتشكّل هذه المجموعة «لفيف المقر العام» الذي وصل عديده في 1 كانون الثاني 1950 إلى 55 ضابطًا، و506 رتباء وأفراد، و195 مدنيًا.

وفي 29 تموز 1948 صدر مرسوم جمهوري رقم 12610 نصّ على إنشاء مديرية عامة في وزارة الدفاع الوطني، بدلًا من رئاسة الأركان العامة لوزارة الدفاع. وشهدت نهاية العام 1949 تطويع 320 عنصرًا جديدًا في الجيش، 150 منهم لمصلحة الفوج المدرّع، و70 عنصرًا لفوج الخيّالة، و100 عنصر لفوج المدفعية.

 

تنظيم القوى البريّة وتطويرها

نصّ قانون الدفاع 3860/K في مادته الأولى على وجوب «تأليف جيش برّي يتناسب وحاجة الدفاع عن البلاد»، على أن تؤلّف وحدات جوية وبحرية عندما تقتضي الحاجة، لذلك انصبّ اهتمام القيادة وتركيزها على القوى البرية كمرحلةٍ أولى، وهكذا أولت عنايتها لتطوير قوات المشاة والمدرعات والمدفعية وغيرها من الوحدات الداعمة لهذه القوى بغية تسهيل قيامها بالمهمات المطلوبة منها، وذلك من خلال تطويع عناصر جديدة، وشراء أعتدة وأسلحة وذخائر كافية لتنفيذ خطط الدفاع.

سلاح المشاة

يعود تاريخ أفواج القناصة اللبنانية أو ما عُرف لاحقًا بسلاح المشاة، إلى فترة الانتداب الفرنسي على لبنان وسوريا، ذلك أن هذه السلطة  هي التي أنشأت بعض أفواج المشاة (القناصة) من بين أبناء بعض بلدان المشرق (Autochtone) لمساعدتها على ترسيخ نفوذها من جهة، والمساهمة في بناء جيوش وطنية لهذه البلدان، تساعد في بناء السلطة الوطنية بعد انتهاء الانتداب من جهة أخرى. وفي هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى أنّ أفواج القناصة اللبنانية الأول والثاني والثالث قد أُنشئت بقرارات من سلطة الانتداب خلال فترات متفاوتة، وفق رغبة الأخيرة وحاجتها. وكانت هذه الأفواج تضم في صفوفها لبنانيين وسوريين مع أرجحية للعناصر اللبنانيين، ولكن قيادتها وبعض المراكز الأساسية في هيكليّتها كانت تخضع لضباط ورتباء فرنسيين. واستمرّ الأمر على هذه الصورة، حتى تمّ الاتفاق بين الحكومتين اللبنانية والسورية والسلطات الفرنسية المنتدبة على تسليم هذه القوات المعروفة باسم القوات الخاصة (Troupes Spéciales) إلى الحكومتين المذكورتين اعتبارًا من 1 آب 1945.

في العام 1950، تمّ تنظيم أفواج القناصة اللبنانية، أي فوجي القناصة اللبنانيّين الأول والثاني اللذين أُنشئا في 1 /4 /1930 وأُلحقا بنصف اللواء الثالث، وفوج القناصة اللبناني الثالث الذي أنشئ بتاريخ 21 /9 /1939 من أربع سرايا وألحق بالنصف الآخر للواء نفسه. وكان عديده في العام 1958: 12 ضابطًا و417 رتيبًا وفردًا. وبتاريخ 6 /3 /1946 أُنشئ فوج القناصة اللبناني الرابع، وقد جاء تنظيمه سنة 1958 كما يلي: سريّة مصالح تضمّ قيادة الفوج وأركانه، ثلاث سرايا قتال وسرية مساندة. وقد بلغ عديده 13 ضابطًا و621 رتيبًا وفردًا. كما أنشئ فوج القناصة الخامس اعتبارًا من 16 /9 /1950، وتألّف هذا الفوج سنة 1955 من قيادة الفوج، وثلاث سرايا مشاة وسريّة ثقيلة، وكان عديده: 13 ضابطًا، 63 رتيبًا، و495 فردًا، ووضعت بتصرّفه 7 خيول و59 بغلًا. وفي 1 تموز 1957 أَنشأت قيادة الجيش فوج القناصة اللبناني السادس، وتشكّل من قيادة الفوج وسرية المصالح، والسرية الأولى، والسرية الثانية وسرية المساندة. وبلغ عديده 11 ضابطًا، و678 رتيبًا وفردًا.

أما أسلحة المشاة فكانت:

- الرشاش هوتشكيس:

- الرشاش 24-29: FM 24/29 Fusil Mitrailleur Chauchat.

- المدفع 106 ملم عديم الإرتداد: M40 Recoilless Rifle.

- القذيفة أو الرمانة البندقية: Grenade à fusil TVB.

- الخراقة: Blindicide RL-83 ou RL100.

- مدافع الهاون :Mortar (الهاون 60 ملم - الهاون 81 ملم - الهاون 120 ملم).

 

فوج المدرّع وسلاحه

في الأول من آب 1945 تسلَّمت الحكومة اللبنانية سرية الدبابات وكوكبة المصفحات الثالثة. وكانت هذه الوحدات تضم عناصر من اللبنانيين والسوريين (4 ضباط، 23 رتيبًا، و116 من الأفراد). كما تسلّمت 18 دبابة رينو، و5 مصفّحات دودج وGMC، و20 شاحنة، ومدافع وبنادق. وفي 1 أيلول 1945، تمّ تأليف كتيبة المصفحات والدبابات اللبنانية من بقايا سريّة الدبابات القديمة وكوكبة المصفحات الثالثة. وبتاريخ 1/3/1950 أصبح عديد الفوج 369 عنصرًا، وعتاده 22 دبابة رينو و17 مصفحة «دودج» و«GMC»، و26 مصفحة «ستكهاوند» و«سكاوت كار».

كان شراء دبابات جديدة من نوع «شيرمن» أميركية الصنع مطلع الخمسينيات وازدياد عديد الفوج، عاملًا دفع قيادة الجيش إلى إنشاء فيلق المدرعات اعتبارًا من 25/3/1951. وفي 1/8/1955 تمّ إلغاء فيلق المدرعات وأصبح «الفوج المدرّع»، كذلك أُلغي الفوج الآلي وأُنشئ بدلًا منه فوج الكشاف في التاريخ عينه. وبعد تسلّم الجيش عددًا من دبابات «شاريوتير» و«آ.أم.إكس 13» مطلع العام 1957، تمّ إنشاء كتيبة دبابات جديدة في فوج المدرّع (في 22/2/1957)، والذي أصبح يتألّف من 17 دبابة رينو، و25 دبابة شيرمن، و22 دبابة آ.أم.إكس 13، و20 دبابة شاريوتير. أما بالنسبة إلى عديده فقد أصبح منذ أول آذار 1957، 13 ضابطًا و306 عناصر. وبتاريخ 9/10/1957، استُبدلت تسمية الفوج المدرّع بالفوج المدرّع الأول وارتفع عديده سنة 1958 إلى 480 عنصرًا، وأصبح عتاده 90 دبابة متنوّعة، و19 ملالة، وحضيرة مدفع 106 ملم.

 

إنشاء الكتائب المصفّحة المستقلّة

أتاح المرسوم رقم 5098 الصادر في 5 حزيران 1951 في مادته الأولى لقائد الجيش إنشاء الوحدات العسكرية أو إلغاءها أو إعادة تنظيمها. لذلك أنشأ اللواء فؤاد شهاب بتاريخ 28 /1 /1956 كتيبتي مصفحات الألوية الأولى والثانية. وفي 28 /7 /1956 ألغت قيادة الجيش كتائب المصفحات القديمة وأصبحت اعتبارًا من 1 آب 1956 ثلاث كتائب مصفَّحة مستقلّة.

 

من فوج الخيالة الخفيفة إلى الفوج الآلي ففوج الكشاف

تسلّم الجيش اللبناني وحدة الخيّالة وسرية الدبابات سنة 1945، وبتاريخ 1 /10 /1949 تمّ تشكيل فوج الخيّالة الخفيفة. وفي 28/ 6 /1950 أُعيد تنظيمه، وجُهّز بالعربات المدرّعة والدبابات والأسلحة الفردية والهاون والسيوف، وبــ 259 جوادًا لعناصر الفوج، و29 جوادًا للجيش، و12 بغلًا. أما عديده فتألف من 10 ضباط، و39 رتيبًا، و265 فردًا. وفي 1 آذار 1953، أنشئ الفوج الآلي من العناصر المكوّنة لفوج الخيالة الخفيفة بعد إلغاء هذا الأخير بتاريخ 24 /2/ 1953، وأصبح مؤلّفًا من 45 صف ضابط، و361 عريف وجندي. وجهّز بــــ: 62 «جيب»، 14 «بيك أب»، سيارة صحية واحدة، 4 شاحنات 3 طن، صهريج واحد، قاطرة واحدة، 3 مطابخ نقّالة، 15 ملالة، «جيب» لتصليح أعطال الميكانيك، و33 قاطرة Remorque.

وبتاريخ 1 / 8 /1955 أنشئ فوج الكشّاف من عناصر الفوج الآلي الذي ألغي اعتبارًا من 31 /7 /1955. تألّف ملاك هذا الفوج من 14 ضابطًا، و60 رتيبًا، و439 عريفًا وجنديًا. وجهّز بــ 64 «جيب»، 16 «بيك أب»، 6 شاحنات، سيارة صحية، قاطرة واحدة، صهريج، «جيب» للتصليح، 3 مطابخ نقّالة، 28 مقطورة عادية، ودراجة نارية منفردة.

 

أنواع المدرعات

توافرت للجيش اللبناني في هذه الفترة دبابات رينو الفرنسية Renault FT-17 et FT-18، ودبابة رينو المعدّلة سنة 1940 R35، ودبابة AMX13، ودبابة شيرمن الأميركية Sherman Tank M4 A1، ودبابة شاريوتير البريطانية Charioteer أو                                 ،

أو دبابة م 41 الأميركية M41 Walker Bulldog. كما امتلك الجيش اللبناني مصفحات ستكهاوند الأميركية Staghound T17، والعربة المدرّعة الأميركية سكاوت كار Scout Car، والمصفحة الإنكليزية مارمون Marmon-Herington Armored Car MK11، وناقلة الجند البرمائية الأميركية الصنع 59M، والمصفّحة ج. أم. سي .GMC واقتصرت أسلحة الخيّالة على السيف، والبندقية الفرنسية موسكتون Mousqueton Berthier.

 

فوج المدفعية وسلاحه

في الأول من آب 1945 تسلَّمت الحكومة اللبنانية، بموجب الاتفاق مع سلطات الانتداب الفرنسية والملحق الخاص بالوحدات المسلَّحة، مجموعة المدفعية الخامسة (5ème Groupe d’Artillerie) التي كانت تتشكَّل ن عناصر لبنانيين وتعمل ضمن فوج المدفعية الفرنسية قبل التاريخ المذكور. في 3/10/1945، تألّف عديد الفوج من 7 ضباط، و40 رتيبًا، و80 فردًا. وفي العام 1950 بلغ عدد ضبّاطه 18، بالإضافة إلى 356 من الرتباء والأفراد. وفي سنة 1957 تمّ تزويد الفوج مدافع جديدة، وأنشئ فوجا مدفعية ميدان من عيار 155 ملم و105 ملم. وفي السنة ذاتها أُطلقت عليهما تسمية جديدة وهي فوج المدفعية الأول (155 ملم)، وفوج المدفعية الثاني (105 ملم). وفي 1/12/1958 تمّ إنشاء بطارية مدفعية رابعة أُلحقت بفوج المدفعية الأول.

شملت أسلحة المدفعية مدافع الميدان من مدفع 75 ملم الفرنسي French 75 mm Field Gun، ومدفع 65 ملم الجبلي الفرنسي Canon de 65  Shneider Montagne، والمدفع 105 ملم الجبلي الفرنسي Canon Court de 105 mm Montagne Modèle 1919  والمدفع الأميركي الخفيف عيار 105 ملم M101A1- Light Howitzer، والمدفع الأميركي عيار 155 ملم هاوتزر M114-155mm Howitzer، والمدفع الأميركي 37 ملم.

 

سلاح الهندسة والمخابرات (الاتصالات)

اعتبارًا من 1 آب 1945 تسلّم الجيش اللبناني سرية نقَّابين - لغَّامين، (2ème Cie Spéciale des Sapeurs Mineurs) و«السرية الخاصة للتلغراف» (Compgnie Spéciale Télégraphique)، وقد شكّلتا لفيفًا مشتركًا سُمّي بلفيف الهندسة والمخابرات (Groupement Mixte de Génie et de Transmissions) أو ما يُعرف بسرية الإنشاءات والتي كانت تضم مفرزة مخابرات، وفصيلة هاتف، وفصيلة لاسلكي، ومفرزة الهندسة. في العام 1950 أعادت قيادة الجيش تنظيم «لفيف الهندسة والمخابرات» الذي تألّف عديده من 7 ضابط و207 رتباء وأفراد. وفي 28/9/1956 ألغي هذا اللفيف وأنشئ اعتبارًا من 1/11/1956 فوجا الهندسة والمخابرات (المخابرات هنا تعني الإشارة وليس المكتب الثاني). بلغ عديد الفوج في العام 1958، 7 ضباط، 28 صف ضابط، و343 عريفًا وجنديًا. أما في ما يتعلّق بتجهيزاته، فكانت لديه مجموعة من الآليات ومعدّات مختلفة خاصّة بعمله في مجالات البناء والتصليح.

 

السلاح المضاد للطائرات

عمدت قيادة الجيش تماشيًا مع توجّهها، إلى جعل المدفعية الميدانية أكثر حركية، ونيرانها أكثر قوة وغزارة وفاعلية. وتطبيقًا للمخطط الجديد لتنظيم فوج المدفعية الهادف إلى التخفيف من الاعتماد على المدفعية الجبلية عيار 75 ملم، وتحويل مدافع الهاون 120 إلى أفواج القناصة، تمّ إنشاء بطارية مدفعية مضادة للطائرات عيار 40 ملم في الفوج. وفي 31/12/1954 تمّ إلغاء هذه البطارية، وأُنشئ الفوج المضاد للطائرات اعتبارًا من 1/1/1955. في العام 1958 تألّف هذا الفوج من 6 ضباط، و45 رتيبًا، و412 فردًا، وشكّلت المدافع عيار 20 ملم أبرز عتاده.

 

سلاح النقل البرّي

من بين الوحدات التي تسلّمتها الحكومة اللبنانية في الأول من آب 1945، السرية اللبنانية للنقل بالسيارات (Compagnie Libanaise du Train Auto)  والسرية اللبنانية للنقل على الدواب أو الخيول (Compagnie Libanaise du Train Hippo). أولت قيادة الجيش اهتمامًا خاصًا بهذه الوحدة، ذلك أنّ معظم وحدات الجيش الباقية كانت تعتمد بشكل كامل في تنقّلاتها عليها، بما تحوزه من حيوانات وسيارات قليلة العدد، وذلك نتيجة ضعف الإمكانات المادية للدولة في حينه، وعدم وجود طرقات في الأماكن النائية لنقل المدفعية والأعتدة والذخائر إليها، ليتسنّى للجيش القيام بالمهمات المطلوبة منه. من هنا، ركّزت القيادة على الاهتمام بنوعية الخيول والدواب وصحّـتها، وعلى تأمين الأعداد الكافية منها لتلبية حاجات الوحدات القتالية في حالات الضرورة والطوارئ. كان موضوع تنظيم مجموعة النقل على الدواب يحتاج إلى إعادة نظر مستمرة كونها كائنات حيّة وتتطلب جهوزيتها كادرًا بشريًّا خبيرًا في رعايتها وإدارتها. وعالج عدد من مذكرات الخدمة موضوع تنظيم «مجموعة النقل على الدواب ومستودع الخيول» (Groupe de transport Hippo et de Remonte).

تألّف سلاح النقل من سرية السيارات، عديدها 7 ضباط، و225 رتيبًا وفردًا، وآلياتها 12 «جيب»، 14 سيارة خفيفة، 10 «جيب ستايشن»، 7 «بيك أب»، 5 صهاريج، و101 شاحنات T.T.N. وسرية الخيول والمستودع، عديدها 3 ضباط و170 رتيبًا وفردًا، ولديها 16 حصانًا و239 بغلًا. وبتاريخ 19/12/1953، ألغى اللواء شهاب قائد الجيش سريّة السيارات وسريّة النقل ومستودع الخيول، وأنشأ اعتبارًا من 1/1/1954 فوج النقل، فبلغ عديده 15 ضابطًا و541 رتيبًا وفردًا، وضمّت تجهيزاته 113 شاحنة كبيرة و24 سيارة جيب و15 بيك أب و11 سيارة «ستايشن»، و8 صهاريج مياه وصهريجين للوقود، وسيارتين صحيّـتين، وكان لديه 19 حصانًا و200 بغلٍ.

 

موسيقى الجيش اللبناني

أُلحقت موسيقى الجيش بلفيف المقر العام سنة 1945. وسنة 1950 تمّ تنظيم هذا اللفيف من جديد، وضُمّت مفرزة الموسيقى العسكرية إلى سريّة الحرس الجمهوري التابعة للفيف المقر العام، وتألّفت من ضابطين و60 عنصرًا. أولت قيادة الجيش هذه المفرزة اهتمامًا ملحوظًا، ورغبت في تطويرها سواء بالعديد أو الوسائل والآلات الحديثة. ففي العام 1955 أمر قائد الجيش بالاستعانة بأحد الخبراء الفرنسيين لتحقيق ذلك، وبالفعل فقد تمّ التعاقد مع الخبير الفرنسي النقيب الموسيقي كميل هنري بوفور (Camille Henri Beaufort) لإعادة تنظيم الموسيقى العسكرية وتطويرها. وصل الخبير الفرنسي «بوفور» في أيلول 1956، وقام بوضع دراسة فنيّة وبشرية لتحسين أداء موسيقى الجيش وذلك بالتعاون مع رتباء وأفراد المفرزة اللبنانيين الذين بلغ عددهم 84 سنة 1956.

 

الشرطة العسكرية

أُنشِئَت شرطة الجيش بتاريخ 4/4/1946 تحت اسم «فرقة شرطة الجيش» وكانت تابعة للمقر العام وتتمركز في المحكمة العسكرية ضمن موقع بيروت في مبنى القيادة. حدّدت قيادة الجيش تنظيم شرطة الجيش وسير أعمالها بخاصةٍ وأنها تعتبر أداة مراقبة وردع وتفتيش. وفي العام 1954 تشكّلت سرية شرطة الجيش من ضابطين، و39 صف ضابط، و31 عريفًا، و42 جنديًا.

 

المستشفى العسكري

في مطلع العام 1946 أُنشئ في منطقة بدارو - ثكنة المصالح، التي كانت تُعرف باسم «بارك دي غول» (Parc de Gaulle) «مستوصف عسكري مركزي»، وقد تمّ تطويره خلال الأعوام التالية وشمل التطوير الأبنية والتجهيزات والعناصر البشرية المدرَّبة والمتخصِّصة. وفي 19 تموز 1948 تَقرَّر إنشاء «المستشفى العسكري» في ثكنة المصالح، وباشر عمله في 1 آب 1948، وبلغ عديده 6 ضباط منهم 5 أطباء، 6 رتباء و19 فردًا، و14 مدنيًّا.

تألّف المستشفى العسكري في ذلك الوقت من مبنَيَيْن متجاورين، وكل منهما مؤلّف من طبقتين. وقد تمّ وصلهما بسقف واحد ليشكّلا مبنًى واحدًا من طبقتَين في مطلع العام 1949. أما المستشفى فكان يضم غرفة للجراحة وغرفة للأشعة وغرفة معاينة وغرفة صغيرة كمختبر لفحص البول، وقد تألّف الفريق الطبي المدني الذي بدأ العمل من 7 أطباء باختصاصات مختلفة، مع ممرضتين، وصيدلي، ومحضّر صيدلي، واثنين من الكتبة.

في العام 1950 أصبح المستشفى العسكري مؤلّفًا من ثلاث طبقات وفيه مئة سرير، وغرف العمليات على اختلافها، ومختبرات للجراثيم والطفيليات والكيمياء وغرف خاصة لعمليات الأنف والأذن والحنجرة ومختبر للأشعة السينية (X-Ray) وعيادة لطب الأسنان، وعيادة للأمراض الجراحية. وصرّح اللواء شهاب بأن «آلة التصوير الكبيرة الموجودة في المستشفى هي الأولى من نوعها في الشرق، وأن جميع آلات الجراحة والتطهير والأسرّة وغيرها تمّ صنعها سنة 1949 في الولايات المتحدة الأميركية.»

 

القوات الجوّية

عندما تسلّمت الحكومة اللبنانية الوحدات الخاصة من سلطات الانتداب في 1/8/1945، كان من بينها السرية الخاصة للقاعدة الجوية رقم «1»: (CIE SPECIAL DE BASE DE L’AIR n°1) وهذه السرية كانت تتألّف من العناصر اللبنانيين الذين عملوا في القاعدة الجوية في رياق، ومنهم بعض الفنيين وعناصر الصيانة والمشاغل وغيرهم، مع الإشارة إلى أنّه لم يكن لدى الجيش اللبناني في تلك الفترة طائرات أو طيّارون. فسلاح الجوّ الفرنسي في لبنان كان فرنسيًا، بطائراته وطيّاريه، وكل ما تسلّمه لبنان هو مطار رياق، ومطار الإسطبل الذي يقع على مسافة حوالى 15 كلم جنوب رياق، ومطار مجدلون جنوب مدينة بعلبك، ومطار إيعات إلى الشمال الشرقي منها، ومطار مرجعيون-الخيام المعروف بمطار المرج (بناه الجيش الإنكليزي سنة 1942)، وما عُرِف بـ «سطح ماء الطيارات» في طرابلس، وكان مخصَّصًا للطائرات المزوّدة بمزالج للهبوط فوق المياه.

ومنذ العام 1945 كانت مسألة تأمين سلاح جوي في صلب رؤية قائد الجيش آنذاك اللواء فؤاد شهاب، الهادفة إلى بناء جيش قوي قادر على حماية الكيان اللبناني، إلّا أنّ الإمكانات الاقتصادية المتواضعة حالت دون تحقيق هذا الأمر بالسرعة المطلوبة. شكّلت الحرب العربية الإسرائيلية الأولى سنة 1948، ومشاركة أفواج القناصة اللبنانية فيها من دون غطاء جوي، حافزًا لقيادة الجيش والسلطة السياسية لشراء بعض الطائرات الحربية من بريطانيا وإيطاليا لتشكّل أول دفعة، وأساسًا في بناء سلاح جوي فاعل في ما بعد. حدّدت مذكرة الخدمة رقم 68/3 تاريخ 10 حزيران 1949 إنشاء سلاح الجوّ اللبناني، ونظّمت هيكليته وملاكاته التي تضمّنت: القاعدة الجوية، الحرس، مشاغل الصيانة، المخازن الفنيّة، الرصد الجوي، مدرسة الطيران ومجموعة الطيران.

عملت قيادة الجيش على إعادة تحديث قاعدة رياق الجوية، فرمّمت الأبنية، وأعادت تأهيل مرائب الطائرات، وبرج المراقبة، وبرج المظلّات، وثكنة الجنود والمدارج والمصانع، والنادي والمساكن، بالإضافة إلى تمديد شبكات المياه والكهرباء والتدفئة المركزية وغيرها. وفي العام 1952، أُعيد تنظيم سلاح الجو وأصبح ملاكه البشري على الشكل الآتي: ضباط: 43، رتباء وأفراد: 332، ومدنيون: 62. وفي العام 1953 تألّف سلاح الطيران من قسمين: الجويّون والمطاريّون.

كان لازدياد عدد الطائرات وكثافة حركة الطيران العسكري في قاعدة رياق تأثير على سلامة الطيران، وبخاصةٍ الطائرات النفّاثة التي لم تعد منطقة البقاع تلائمها للقيام بمهمات الطيران الليلي. لذا أشار رئيس المفرزة البريطانية للتدريب في القاعدة الكولونيل سنكلير SINCLAIR، على قائد السلاح بضرورة البحث عن قطعة أرض على الساحل تصلح لتكون قاعدة جوية ثانية ولاستخدام الطيران النفّاث ليلًا ونهارًا. وبعد قيامهما بجولة على طول الساحل اللبناني، اختارا موقع مطار بيروت الدولي لإقامة قاعدة ثانوية، لا سيّما وأنّ المطار كان سيُدشّن في 23 نيسان 1954 ويُفتتح أمام الملاحة الجوية. وهكذا أنشئت القاعدة الجوية في مطار بيروت الدولي، وعُرفت حينها باسم «مفرزة خلدة». وفي 1/6/1957، أَنشأت مجموعة من المدنيين في هذه القاعدة، مدرسة لتعليم الطيران الشراعي وممارسته. وفي 1 /6 /1958، أنشئت قاعدة طيران ثانوية في خلدة، وأُلحق بها 11 ضابطًا، و9 صفوف ضباط، و4 عرفاء و12 جنديًا. وبعد وصول طائرات «الهوكر هانتر» التي تدرّب عليها الضباط الطيّارون اللبنانيون والفنيون في القاعدة البريطانية في قبرص، عمدت قيادة الجيش في 26 /12 /1958 إلى تنظيم رفّ طيران (Escadron) مؤلّف من سِربَين (Escadrille) يتوزّعان بين رياق وخلدة.

وقد توافرت في سلاح الجو اللبناني ما بين 1949 و1958 الطائرات الآتي ذكرها: سافويا ماركيتي الإيطالية (SM.79L Savoia-Marchetti) - برنتس البريطانية (T1 Percival Prentice) - شيبمانك الكندية (Chipmunk) - ماكي الإيطالية (Macchi) - بروكتور البريطانية (Percival Proctor) - هارفرد الأميركية (Harverd Na-26) - دوف البريطانية (DH104 Dove1) - فامبير البريطانية (Vampire T55) - والهوكر هانتر البريطانية Hawker Hunter().

القوات البحرية

أنشأت قيادة الجيش سلاح البحرية بتاريخ 1 شباط 1955، وقد تشكّل من قاعدة بحرية، وزوارق حربية (3 vedettes de 20m et une de 10m) تمركزت في قاعدة بيروت البحرية - مرفأ بيروت. وخلال شهر تموز 1954 سافرت بعثة عسكرية لبنانية إلى ANTIBES الفرنسية حيث الشركة التي صنّعت خافرتين، فاستلمهما الجيش وأطلق عليهما اسمَي «بيبلوس» و«صيدون». وفي العام 1955 استلم الجيش الخافرة «بيروت»، كما استلم في العام 1958 مركب إنزال أميركي طوله 40 مترًا أطلق عليه اسم «صور».

المدرسة الحربية

بقيت المدرسة الحربية متمركزة في حمص حتى العام 1945، وكانت تضم تلامذة ضباط من لبنان وسوريا. وبعد تسلّم الحكومة اللبنانية الوحدات العسكرية اللبنانية من سلطات الانتداب، كان من الطبيعي أن يعود التلامذة الضباط اللبنانيون إلى وطنهم. وبالفعل عادت خلال شهر آب 1945 دورتا 1943-1945 و1944-1946. مكث هؤلاء التلامذة حوالى شهر في كوسبا - الكورة، وتابعوا دراستهم هناك، ثم انتقلوا بعد ذلك وأقاموا في دير مار أنطونيوس -بعبدا. وفي مطلع العام 1946 قرّرت الحكومة اللبنانية إنشاء «المدرسة العسكرية» أو «مدرسة الضباط» في لبنان، وقد تشكّل عديدها من 3 ضباط و75 رتيبًا وفردًا، وفي 25 تشرين الأول 1946 أُعيد تنظيمها. ومع مطلع خمسينيات القرن العشرين، تغيّر نظام التدريب والدراسة في المدرسة، فبعد أن كانت مدّة الدراسة سنتين، يتخرّج بعدها التلامذة الضباط الناجحون برتبة ملازم، أصبحت هذه المدة 3 سنوات (دورتا 1949-1951 و1949-1952).

سعت قيادة الجيش إلى بناء مدرسة خاصة بالضباط، تستقل عن ثكنة شكري غانم، وتليق بتلامذتها وضباط المستقبل. تمّ إنجاز البناء الجديد مع نهاية العام 1951، في الطرف الجنوبي الغربي من الثكنة المذكورة. وتلازمًا مع هذا الإنجاز، أصدر وزير الدفاع الوطني بتاريخ 29/10/1951 قرارًا يحمل الرقم 125 أطلق بموجبه اسم «المدرسة الحربية» على المدرسة العسكرية أو مدرسة الضباط، وعمل بهذا القرار اعتبارًا من أول تشرين الثاني 1951. وقد تمّ تخريج 13 دورة لتلامذة ضباط خلال السنوات الممتدّة ما بين 1945 و1958.

 

مديرية المخابرات وإنشاء المكتب الثاني

مع تأسيس الجيش اللبناني، كان من الطبيعي إنشاء جهاز الإستخبارات العسكرية وذلك بغية حماية الجيش وأفراده، وتأمين المعلومات الضرورية لأي عمل أو مهمة يقوم بها، إلى جانب السهر على أمن الوطن وسلامة شعبه، وتوفير المعلومات والمعطيات اللازمة للقيادة السياسية والعسكرية لاتخاذ القرار السياسي أو العسكري المناسب. مع مطلع شهر آب 1945، أرسل الزعيم فؤاد شهاب النقيب إميل البستاني إلى مقر المكتب الثاني الفرنسي في منطقة «بئر حسن» - بيروت، الذي كان بقيادة المقدم الفرنسي (Michelot) «ميشلو»، وذلك بغية إجراء التدريبات فيه، وتحصيل ما أمكن من معلومات ووسائل، تفيد في إنشاء جهاز مخابرات للجيش اللبناني. وبالفعل، قام النقيب البستاني بعد ذلك بوضع أسس إنشاء المكتب الثاني في الجيش اللبناني ليبدأ عمله في مطلع تشرين الثاني 1945. اقتصر عديده في البداية على ضابطٍ وثلاثة مخبرين مدنيين وبعض العسكريين. وكانت الاعتمادات المالية لهذا الجهاز ضئيلة وبلغت حوالى 17 ألف ليرة لبنانية سنويًا. تطور عمل المكتب اعتبارًا من العام 1956 وذلك بسبب ازدياد الحوادث في البلاد، وبخاصةٍ بعد العدوان الثلاثي على مصر وموقف لبنان الرسمي منه. ففي تلك الفترة زيدت ميزانية المكتب وتوسّع نشاطه ونطاق عمله، ونما دوره وتعزّزت فاعليته سواء على صعيد المؤسسة أو على صعيد الوطن، لا سيّما خلال العام 1958 نتيجة الصراع الدائر في هذه المنطقة بين دولها من جهة، وبين الأحلاف الكبرى من جهة ثانية.

الألبسة والشارات

كان من الطبيعي أن تلجأ قيادة الجيش الجديدة، بعد تسلّمها الوحدات اللبنانية المختلفة، إلى عملية دمج هذه الوحدات وتصنيفها وفق الاختصاصات المتوافرة، بما يكفل إعادة هيكلة الجيش الوطني وبنائه على أسس جديدة.

وفي إطار هذا التوجّه، قرّرت القيادة تعديل الألبسة والشارات العسكرية الموروثة عن الانتداب الفرنسي أو تغييرها، واقترحت على السلطة السياسية ذلك، وبالفعل أصدر رئيس الجمهورية مرسومًا رقمه 4298 قضى بتحوير لباس الضباط والرتباء، واعتمار قبعات الرأس وشارات الرتب والسلاح، وكيفية وضعها واستعمالها، وذلك اعتبارًا من 22 تشرين الثاني 1945. وحدّدت مذكرة الخدمة الرقم 1670/1 تاريخ 5 تشرين الثاني 1945 أحكام تنفيذ هذا المرسوم وطرقه. وفي 15 كانون الأول 1948، صدرت مذكرة الخدمة الرقم 15/3 التي تضمّنت التعليمات الدائمة لهندام عسكريّي الجيش.

 

ثكنات الجيش اللبناني

اعتبارًا من أول تشرين الثاني 1945، بدأ إطلاق أسماء لبنانية واستبدال أخرى على بعض الثكنات التي تسلّمها الجيش اللبناني من القوات الفرنسية، وأصبحت بعض الثكنات تحمل الأسماء الآتية:

 -ثكنة المير بشير بدلًا من كاريّير- بيروت.

 -ثكنة يوسف الطرابلسي بدلًا من غورو- بيروت.

 -ثكنة الأمير فخر الدين بدلًا من غورو- بعلبك.

 -ثكنة الياس لاوون بدلًا من تامبلييه - طرابلس.

 -معتقل 22 تشرين الثاني بدلًا من ثكنة راشيا - راشيا الوادي.

 -ثكنة بنيامين تاجر بدلًا من ثكنة مرجعيون - مرجعيون.

 -معسكر هاني شقير بدلًا من الضبية - الضبية.

- ثكنة ريمون الحايك بدلًا من المية ومية في المية ومية - صيدا.

قبيل نهاية الأربعينيات، تغيّرت أسماء ثكنات أخرى كانت تحمل أسماء فرنسية، فمثلًا أطلق اسم النقيب الشهيد «محمد زغيب» على ثكنة «ويغان» في الجعيتاوي- الأشرفية، وأطلق اسم «فخر الدين» على ثكنة «لمبروان» في الرملة البيضاء، كذلك أطلق اسم «إميل الحلو» على ثكنة «غرانجيه» (Granger)  في المزرعة - بيروت. وأطلق اسم الملازم أول الشهيد الياس أبو سليمان على ثكنة أبلح.

والتزامًا بالتقليد العسكري، وتكريمًا لشهداء الجيش، أصدر وزير الدفاع الوطني خلال العامين 1957 و1958 قرارات أطلق بموجبها أسماء عدد من الضباط الشهداء على ثكنات جديدة، ونقل تسمية ثكنات إلى ثكنات أخرى وفق الجدول رقم 2:

 

سياج لبنان الاستقلال

من الواضح أن الجيش اللبناني قد حقّق قفزة نوعية خلال هذه الفترة (١٩٤٥-١٩٥٨)، الأمر الذي مكّنه القيام بدورٍ دفاعي وأمني وإنمائي. فالجيش اللبناني الفتيّ بعمره، والمتواضع بإمكاناته، لم يتطلّب الكثير من الوقت، ليثبت أنه سياج لبنان الاستقلال، وأنه ذو عقيدة وطنية صلبة، قادرة على تجديد نفسها بنفسها، لأنها نابعة من صميم المجتمع اللبناني ومن رسالة لبنان. استطاع الجيش ببنيته المتواضعة الانتصار على العدو الاسرائيلي في معركة المالكية سنة ١٩٤٨، واستطاع أن يكون العين الساهرة على استقرار الداخل، أمنًا وإنماءً، ومساندة مؤسسات الدولة الحديثة العهد، ودعمًا للسلطة الشرعية في تثبيت ركائز الوطن الخارج للتوّ من الانتداب الفرنسي. وليس من المغالاة القول، إن بصمات هذه الحقبة المفصلية قد طبعت مسيرة الجيش في المراحل اللاحقة، فتضحيات الجيش في تلك الحقبة، وتماسكه أمام الأخطار والتحديات، وابتعاده عن التجاذبات السياسية المحليّة، لا تزال العناوين العريضة لنهجه الوطني، الذي نشهد تجليّاته اليوم في نظرة المواطن إلى الجيش، كأهل للثقة وكخشبة خلاص في أزمنة الشدائد والمحن.

 

المراجع

- قيادة الجيش اللبناني- مديرية التوجيه: تاريخ الجيش اللبناني، الجزء الأول (1920-1945)، اليرزة، 2009.

- قيادة الجيش اللبناني- مديرية التوجيه: تاريخ الجيش اللبناني، الجزء الثاني (1945-1958)، اليرزة، 2016.  

- أرشيف مجلة الجندي اللبناني.