نافذة

تعتَمِر بلدًا بأكملِه

بقلم: روني ألفا

 

ما معنى أن تعُدّ أرغفة في ربطةِ الخبز قبل أن تخرج من بيتِكَ في أمر مهمّة. أنتَ أبٌ وأمٌّ وأخٌ وابنُ عَمّ ووصيٌّ. كلّ هذا في بزّة واحدة. بشَحطة واحدة أو شَحطتَين على كتفيك أو بدرزة نجوم وسيوف فوقهما لا همّ. المهمة التي تنتظركَ لا تُفَونِسُ بعددِ النجوم طالما أنَّ نعلَيكَ تضيئان طريق الوطن. أنتَ الوحيد المجاز له السير على الأقدام والأقدار. كلّما بكّلتَ آخِر عروة من قميصكَ العسكري تذكَّر أنكَ تعتَمِر بلدًا بأكمله. هذا أنت. لا تكبُّرًا ولا مشاوَفَة إنما اعرَف من أنت. قد يتناقص مسحوق الحليب لأطفالِك. يشربه أطفالُكَ من مسحوق كرامتِك. قد تقتصد باللحوم. من لحمك ودمِك تُطعِم جوع الوطن. هذا هو أنت الحقيقي وإياكَ أن تنسى من أنت.

لا تلتفت إلى فتات السياسة. أنتَ أكبر منها. هي مراوِغة وأنتَ واضح كحدّ السيف. هيَ مناوِرَة في ملعب السلطة. مناوراتُكَ أنت في ملاعِب الخدمة. لا شأن لك بكل ما يُقالُ عنك. قل كلمتَك ولا تمشِ. دعهم يتصارعون على كسرة. صارع من أجل شلح أرز. ستتذكرك هذه الشجرة المباركة كلما هبّت عاصفة. في كل عاصفة كُن عاطِفَة. هذا أنت. ادخل حرمَ ثكنَتِك كأنك داخلٌ إلى محراب. صلِّ لربِّك وللبنان. من يصلّي للبنان قلّة وأنت كثرَةُ القِلّة. تسكن ضمير الناس ومن يسكن في هذه المنازل لا يبغي القصور. على تختِك الحديدي يغرّد نومُكَ بأحلامٍ متواضعة. ما أحلى تواضعكَ أمام جبروت الطغيان. سلاحك عكّازة شيخوخة الوطن حينًا وعصا سحرية تحوّل النحاس ذهبًا والخردةَ جوهرةً ثمينة. أنتَ لا تخطئ. اطمئن. أنت تمحو خطايا الآخرين.

كبِّر وحَمدِل واتلُ الفاتِحَة والأبانا. كم يفرحان بلقائهما على شفتَيك وفي قلبِك. صلاتُكَ الوحيدة المقبولة. شفاعة وطن ينتظر ولادةً لن تأتي إلا بأوجاعِك. وحياةَ الله نحلف وحياتَك. لو عددت اللبنانيين الذين يباركون طلّتَكَ على طرقات الوطن الحزينة لبكيتَ فرحًا. شدّة وتزول يا جيش لبنان والنّصرُ صَبرُ ساعة. لستَ مكسَر عَصا. أنت كاسر العُصاة. موجود في كل مكان. تُهاتفك الأمكنة فتَحضَر. يحدثُ أن نتمنّى لقياكَ على حاجز أمني. غريب كيف لا نخاف من الحواجز حين تكون أنت. حاجز يطيح بكل الحواجز.

ليس غريبًا أن يتقاتل من هنا ومن هناك أبناء الوطن ويُجمِعوا عليك. كل شيءٍ يكاد يقسّمهم وتوحّدهم أنت. في كل بلدان العالم الجيش يقوم بواجباته إلا في لبنان. الجيش في لبنان يقوم بواجباتنا. يعطينا درسًا كيفَ تُصان تذكرة الهوية. أهلٌ نحن وإياك. لا وظيفة ولا دور ولا شيء من كلّ هذه الترّهات. أنتَ وطن للوطن. قدرُكَ أن تحبّ وتحمي وتردع. كن في كل زقاق. في كل شارع وقرية ومدينة. آخر ملاذ لسلمنا الأهلي بين يديك. أول وآخِر من ننتمي إليه في لبنان والمهجر. زِن دموعَنا وضحكاتنا تُقَدَّرُ بالأطنان من أجلِك. تمشي بين النقاط فتحتار النقاط بأي توازن تمشي!

وهرة قيادتك تكفيكَ مؤونة سنوات من العزّ. تعلم أنها لا تنام حتى يهنأ نومك. تجوع حتى تشبَع. تفتح جراحها لتلتئم جراحُك. أنتَ مسنود على جبل. محمول على أكفّ. محمي بِشفار العيون. لا تنسَ كم نحبُّك. لا حاجة للمحبوب أن يسمع كلمة أحبُّك على مدار الساعة. شدّة وتزول يا جيش لبنان البطل. قائدك مؤتمنٌ عليك. أمانتك قلادة حول عنقه. لن يمرّ وقت طويل حتى تعرف أنّ المسنود على جبل هو جبل أيضًا. دمتَ لنا ودمنا لك. موحَّدون في المصيبة والأزمة والمحنة ولكن أيضًا في الرّجاء وقمم العزائم. آتون على فصل الشتاء يا وطن. اهطُل دفئًا وسلامًا في بيوتنا الصغيرة.