- En
- Fr
- عربي
زيادة الأعمال
في عالم ريادة الأعمال، تبرز الأفكار المبتكرة كحجر الأساس لمشاريع ناجحة ومستدامة. لكن تحويل هذه الأفكار إلى مشاريع حقيقية يتطلب بيئة داعمة تجمع بين التوجيه والتدريب والتمويل. ومن هنا، تأتي أهمية الحاضنات والمبادرات التي تمكّن روّاد الأعمال، لا سيما النساء، من الانطلاق بمشاريعهن وتحقيق أثر ملموس، كما تفعل مدينة بيروت الرقمية (BDD – Beirut Digital District)، ”والوكالة الجامعية للفرنكوفونية في الشرق الأوسط“.
على مدى الأعوام الثلاثة عشر الماضية، منحت الوكالة الجامعية للفرنكوفونية في الشرق الأوسط، بالشراكة مع بيريتك وصحيفة لوريان لوجور، النساء الفرنكوفونيات الرائدات في مجال الأعمال، الفرصة لتطوير مشاريعهن الريادية وتحويلها إلى شركات من خلال مسابقة «المرأة الفرنكوفونية صاحبة الأعمال». وفي هذا العام، توزعت الجائزة على ثلاثة مشاريع لبنانية ومشروع واحد من الشرق الأوسط.
اقتصاد المعرفة وريادة الأعمال
يُترجم عمل هذه الشركات ضمن ما يُسمى بالاقتصاد الجديد أو اقتصاد المعرفة Knowledge Economy القائم على الابتكار واستخدام المعرفة كأداة أساسية لإنتاج منافع اقتصادية جديدة أو لزيادة الفوائد الموجودة. وهذا يختلف تمامًا عن الاقتصادات الصناعية، إذ تركّز اقتصادات المعرفة على العوامل غير الملموسة مثل المعلومات بدلًا من المواد الخام، وبالتالي فهي مدفوعة باقتصادات الوفرة بدلًا من الندرة.
لبنان واقتصاد المعرفة
تتطلب الصناعات المعرفية (الحوسبة، الإعلام، الطب…) أفرادًا ذوي كفاءة فكرية عالية؛ ويتمّ تزويدهم المعرفة بغية إيصالهم إلى مستوى تعليمي يؤهلهم لأن يكونوا صانعي قرار مستقلين ومرنين، إلى جانب كونهم خبراء في مجالات تخصصهم.
تعتمد الأسواق المتقدمة بشكل متزايد على اقتصاد المعرفة، إذ ترتفع نسبة إنتاج المعارف والمعلومات واستخدامها وتوزيعها، وذلك بالاعتماد بشكلٍ أساسي على رأس المال البشري. ويُعدّ لبنان مرشحًا مثاليًّا لهذا النموذج الاقتصادي نظرًا لغناه بالموارد البشرية القادرة على الإبداع والابتكار والتفوّق.
يُذكر في هذا الإطار، أنّ الاقتصاد المعرفي الرقمي في لبنان يسجّل نموًا سنويًّا يراوح بين 7 و9 في المئة. وفي العام 2019، صنّف الاتحاد الدولي للاتصالات لبنان في المرتبة الأولى بين 19 دولة عربية، وفي المرتبة الثانية بين الدول الواحدة والخمسين ذات الدخل المتوسط إلى المرتفع، في ما يتعلّق باختراق الحزمة العريضة للخطوط الهاتفية الثابتة Fixed Broadband Penetration، ما يعكس تقدمًا ملحوظًا في البنية التحتية الرقمية.
فمنذ العام 2013، أَولى مصرف لبنان اهتمامًا بالغًا بتعزيز الاقتصاد المعرفي الرقمي برافعتَيه: المهارات الرقمية والمسرّعات الرقمية، وقد أطلق مبادرات لتطوير هذا القطاع، بالتعاون مع القطاع المصرفي والدول المتقدّمة للاستفادة من خبراتها.
وفي إطار مواكبة التحولات الاقتصادية العالمية والاندماج في اقتصاد المعرفة، وبهدف خلق منصّة للشركات الناشئة Financial Platform في لبنان، أطلق مصرف لبنان في العام 2013، التعميم رقم 331، الذي أتاح توفير 400 مليون دولار للاستثمار في الشركات اللبنانية الناشئة الـ Startups، (تم تعليق العمل في هذا المرسوم إثر الأزمة المالية في العام 2019). ولتسهيل عمل هذا النوع من الشركات، أُطلق في الربع الأول من العام 2014 AltCity، وهو مجتمع بدء التشغيل الذي يساعد روّاد الأعمال في الوصول إلى أول عميل أو مستثمر لهم خلال فترة قصيرة. وقد نتج عن هذا التعميم تأسيس 300 شركة ناشئة في السنوات الثلاث الأولى، كما كان له الفضل في إطلاق المسوّق سيكنس Seeqnce بالتعاون بين مصرف لبنان ولجنة خارطة الطريق إلى الاقتصاد الرقمي، وترتكز مهمته على تسويق الشركات الناشئة اللبنانية عبر العالم، في المعارض والمؤتمرات والمجموعات الاستثمارية العالمية*.
بيروت الرقمية: تعزيز اقتصاد المعرفة
إلى ذلك، تؤدي مدينة بيروت الرقمية (BDD) دورًا محوريًّا في دعم القطاع الرقمي وتعزيز اقتصاد المعرفة، إذ تشكّل بيئة حاضنة للشركات الناشئة (Startups) وتسرّع نموّها. وفي هذا السياق، أكّدت مديرة مكتب التنمية في BDD، كيم معوّض، أنّ المدينة جزء لا يتجزأ من النظام البيئي التكنولوجي، مشيرةً إلى احتضانها عددًا من الشركاء والشركات الناشئة العاملة في هذا المجال. كما شدّدت على أهمية المركز في تنمية الابتكار، من خلال استضافة فعاليات تكنولوجية متعدّدة تسهم في تطوير الأفكار الإبداعية وتحويلها إلى مشاريع قابلة للتنفيذ.
ولفتت معوّض إلى المبادرات القائمة على التكنولوجيا، التي تطلقها BDD، مشيرةً إلى المزايا التي تقدّمها لرواد الأعمال، سواء عبر توفير بيئة عمل متكاملة أو إتاحة الوصول إلى موارد متطوّرة وفرص للتواصل والتوجيه من خبراء القطاع. وأوضحت أنّ هذه العوامل تؤدي دورًا أساسيًّا في دعم الشباب، من خلال تسريع نموّ مشاريعهم وتحويل أفكارهم إلى نماذج أعمال ناجحة.
وعن كيفية دعم المشاريع في ظل غياب القروض المدعومة وفق المرسوم 331، أكّدت معوّض أنّ BDD تعتمد نهجًا شاملًا يتجاوز الدعم المالي المباشر، ليشمل الإرشاد والتوجيه وورش العمل التي تساعد روّاد الأعمال على تطوير مشاريعهم وجعلها قابلة للاستمرار. وأشارت إلى أنّ المركز يربط هؤلاء الرواد بمجموعةٍ واسعة من أصحاب المصالح، بمن فيهم خبراء الصناعة والمستثمرون ورواد الأعمال الآخرون. وفي حين أنّ غياب القروض المدعومة بموجب المرسوم 331 قد يشكل تحديًا بالنسبة إليهم، فإنّهم يركّزون على بناء منظومة متكاملة قائمة على المعرفة والتشبيك والتعاون، من خلال شراكات مع مؤسسات محلية ودولية.
وأوضحت معوّض أنّ BDD تعمل على تيسير وصول الشباب إلى بدائل تمويلية، مثل رأس المال الاستثماري، والتمويل الجماعي، والاستثمار من قبل رجال الأعمال، إلى جانب تقديم استشارات حول استراتيجيات تطوير المشاريع، وتحديد الأسواق المستهدفة وتحسين المنتجات.
دعم رائدات الأعمال
وعن دعم BDD للفائزات في مسابقة المرأة الفرنكوفونية صاحبة الأعمال 2024، التي نظّمتها الوكالة الجامعية للفرنكوفونية في الشرق الأوسط، أعربت معوّض عن فخرها بمساندة رائدات الأعمال، مؤكدةً أنّ النساء الرياديات يشكّلن عنصرًا أساسيًّا في قيادة التغيير داخل لبنان وخارجه. كما أشادت بالمسابقة ووصفتها بالمبادرة القيّمة التي تستحق الاستمرار.
وأكدت التزام مدينة بيروت الرقمية بتوفير بيئة داعمة للمواهب، لافتةً إلى أنّ رئيسها التنفيذي شارك في لجنة تحكيم المسابقة هذا العام. وأضافت: «لم يقتصر تقديم الدعم للفائزات على تكريمهنّ لإنجازاتهنّ الريادية، بل شمل أيضًا توفير الإرشاد وإتاحة الوصول إلى شبكة من الخبراء والموارد التي تساعدهنّ في تطوير أعمالهنّ وتوسيع نطاقها». وأعلنت عن الإيمان بقدرة المواهب اللبنانية على التألق محليًّا ودوليًّا، ورأت أنّ دعم الفائزين هو الطريقة المثلى التي تسهم في تعزيز الابتكار وريادة الأعمال داخل البلاد.
وختمت بالقول: «نتطلع إلى مستقبل أكثر إشراقًا للبنان، فعلى الرغم من التحديات، نمتلك إمكانات كبيرة علينا رعايتها ودعمها. ونؤمن بأنّ الابتكار هو مفتاح النهوض، وملتزمون برؤية هذا النظام البيئي ينمو ويزدهر في قلب بيروت. شعارنا لهذا العام: «يجب أن تجرؤ بيروت على الحلم»، لأننا معًا قادرون على تحقيق إنجازات عظيمة، وإعادة لبنان إلى موقعه الريادي كمركزٍ للإبداع والابتكار في المنطقة».
الفائزات ومشاريعهن: ابتكار وإبداع
إيما سليمان – مشروع Cogny
حازت إيما سليمان على المركز الأول في لبنان عن مشروع Cogny، الذي يهدف إلى تطوير أداة سريرية من الجيل الجديد معدّة للتقييمات النفسية العصبية وإعادة التأهيل العصبي. يرمي المشروع إلى إنشاء أداة مصمّمة خصيصًا لتشخيص اضطراب نقص الانتباه ADD، سواء كان مصحوبًا بفرط النشاط (ADHD) أم لا. ويعتمد على تقنيات حديثة، مثل المعلوماتية المكانية والاستشعار البيولوجي، لإحداث نقلة نوعية في طرق التقييم التقليدية. نجح فريق Cogny في تحقيق عدّة خطوات بارزة، منها تصميم سيناريو لعب مبني على دراسات علمية، وتطوير اللعبة ذاتيًّا، وإرساء خط أنابيب بيانات لأجهزة الاستشعار الحيوية. كما أطلق مرحلة تجريبية في المركز الطبي التابع للجامعة الأميركية في بيروت بعد استيفاء جميع الموافقات القانونية اللازمة.
ريا رزق الله بخعازي – مشروع Kids Baking Box
ريا رزق الله بخعازي، الفائزة الثانية، قدّمت مشروع Kids Baking Box، الذي انطلق خلال جائحة كورونا بهدف تعليم الأطفال فن الطهي وتعزيز إبداعهم. ويعتبر المشروع شبكة تعليمية ثقافية تقدم مروحة واسعة من أنشطة تعليم قواعد الطهي للأطفال موجودة داخل صندوق. ويتضمن المشروع نشاطات رئيسية كتنظيم حفلات أعياد الميلاد في دور الحضانات والمدارس.
وأعلنت بخعازي لمجلة «الجيش» عن الخطوة المستقبلية للمشروع وهي تأسيس أكاديمية متخصصة بتعليم فن الطبخ للأولاد من عمر 3 سنوات لغاية 15سنة، إضافة إلى تنظيم الحفلات الخاصة بهم.
وأكدت أنّ المسابقة ساعدتها في تطوير مشروعها، خصوصًا من خلال متابعة مؤسسة «بيريتك Berytech» التي وفّرت لها الدعم على المستويات التنظيمية والاستراتيجية والتمويلية والتسويقية. وشجّعت الشباب على السعي وراء أحلامه، داعيةً النساء إلى عدم الاكتفاء بدور الأمومة، بل العمل على تحقيق طموحاتهن.
هيا حامد – مشروع Pharma Organic
الفائزة الثالثة، الدكتورة الصيدلانية هيا حامد، وهي أستاذة محاضرة في كلية الصيدلة في إحدى الجامعات، قدّمت مشروع Pharma Organic، وهو منتج صحي نباتي حيوي يُستخدم لمواجهة الطفرات الفيروسية والالتهابات، مع مراعاة معايير الفعالية والأمان وحماية البيئة، إضافةً إلى الكلفة العادلة.
أوضحت حامد أنّ فكرة مشروعها بدأت بـ «خربشات قلم» لمعادلة كيميائية حصلت بموجبها على براءة اختراع من وزارة الاقتصاد. وكانت أبحاثها حول الزيوت الأساسية محور رسالة الماجستير الخاصة بها، إذ خططت لإطلاق عطر، لكنها حوّلته إلى دواء عضوي ضد لدغات الحشرات، مستوحًى من النباتات البرية التي كانت تجمعها فجرًا.
وروت أنّها استعانت بدايةً بمشروع اليونيسف «Gil» لمساعدتها في تأسيس شركتها، وتحويل مشروعها إلى منتج. ومن بعدها شاركت في مسابقة AUF وفازت بالمركز الثالث، ما منحها تدريبًا مكثّفًا على إبراز نقاط القوة في مشروعها وتقديمه أمام لجنة التحكيم في غضون ثلاث دقائق. وهي تعمل حاليًّا على تثبيت شركتها داخل مدينة بيروت الرقمية بالتعاون مع «بيريتك»، في إطار برنامج يمتد لستة أشهر.
وتوجّهت حامد إلى زملائها الشباب قائلة: «لا تُهملوا أحلامكم، بل آمنوا بأنكم قادرون على تحقيقها وتحويلها إلى مشاريع مُنتجة بفضل المؤسسات الحاضنة». وأشارت إلى المعاناة التي تعرّضت لها خلال الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على النبطية (مدينتها) حيث دُمّرت شركتها، وها هي اليوم تعيد ترميمها من جديد، ورغم ذلك لم تستسلم بل أكملت المشاركة في المسابقة التي بدأت قبل تطور الأحداث في حزيران 2024.
يارا أبو دلحه – مشروع Nomad Workshops
على المستوى الإقليمي، فازت يارا أبو دلحه عن مشروع Nomad Workshops، الذي يقدّم ورشًا تعليمية تفاعلية تهدف إلى تعزيز الإبداع والتفاعل الاجتماعي بعيدًا عن الوسائل الرقمية. وتتنوّع الأنشطة التي يوفّرها المشروع، الذي يجمع بين الورش الإبداعية والنزهات في الطبيعة مرورًا بالأنشطة العائلية…