من الذاكرة

تقليد سيوف الحق في محطات تاريخية
إعداد: تريز منصور

في الأول من آب تلمع السيوف وتتشابك، ويؤدي الضباط المتخرجون يمين المضي قدمًا في طريق الحفاظ على كرامة لبنان وسيادته واستقلاله بأغلى الأثمان. مرّ هذا الاحتفال بعدّة محطات منذ تاريخ تأسيس الجيش في العام ١٩٤٥، وتنقّل بين عدة تواريخ وأمكنة إلى أن صار بحلّته المعهودة اليوم.


التلازم المعهود اليوم بين زمان الاحتفال بتخريج الضباط (الأول من آب) ومكانه (الكلّية الحربية)، لم يكن قائمًا. فالموعد تأرجح بين تواريخ مختلفة في شهري أيلول وتشرين الأول من السنة، إلى أن استقرّ في الأول من آب. وكذلك الأمر بالنسبة إلى المكان، إذ تنقّل الاحتفال بين عدة أمكنة قبل إنشاء المدرسة الحربية في الفياضية، والتي باتت اليوم الكلّية الحربية.
أول احتفال بتقليد السيوف للضباط كان في ٢٩ أيلول ١٩٤٥، مع تخريج «دورة النصر» في ثكنة الأمير فخر الدين - بيروت. في العام التالي جرى تخريج «دورة ضباط ٢٢ تشرين الثاني»، وكان ذلك في ٢٤ تشرين الأول ١٩٤٦، في الملعب البلدي - بيروت.
وفي حين غاب الاحتفال في العام ١٩٤٧، تتالت بعد ذلك عدّة دورات، فتم تخريج «دورة فلسطين» (١٢ تشرين الأول ١٩٤٨) في الملعب البلدي - بيروت، و«دورة محمد زغيب» (١٢ تشرين الأول ١٩٤٩) في ثكنة الأمير فخر الدين - بيروت، و«دورة الملازم الياس أبو سليمان» (١٢ تشرين الأول ١٩٥٠) في الملعب البلدي - بيروت، «ودورة رياض الصلح» (٢٩ أيلول ١٩٥١) في الباحة الخارجية لقصر بيت الدين.
 

إنشاء المدرسة الحربية
كانت دورة الملازم أول يوسف (جوزف) الطرابلسي التي تخرجت في تشرين الأول ١٩٥٢، أول دورة تتسلّم سيوفها في باحة الأسود في المدرسة الحربية. فبعد مساعٍ حثيثة بذلتها قيادة الجيش لإنشاء مدرسة خاصة تليق بالضباط، أسوة بسائر جيوش العالم، أُنشئت المدرسة الحربية بتاريخ ٢٩ أيلول ١٩٥١. وفي العام التالي كانت جاهزة لاستقبال احتفال تخريج الضباط. وحتى أواخر الخمسينيات ظلّ الاحتفال يقام هناك لكن في تواريخ مختلفة من شهر أيلول.
 

العيد والسيف
منذ العام ١٩٦٦ اقترن عيد الجيش في الأول من آب باحتفال تخريج الضباط في الملعب الأخضر في ثكنة شكري غانم - الفياضية، وسط أجواء احتفالية وطنية، يقلّد خلالها رئيس الجمهورية السيوف للضباط المتخرجين، في حضور جميع أركان الدولة وهيئات السلك الدبلوماسي والأهالي، ويُنقل الاحتفال مباشرة على الهواء عبر أثير محطات التلفزة والإذاعات المحلية.
وجدير بالذكر، أنّه تمّ تخريج الضباط الجدد لثلاث مرات متتالية بين العامين ٢٠١٤ و٢٠١٦، في احتفالات رمزية جرت في ساحة العلم في الكلّية الحربية، من دون تقليدهم السيوف، وذلك بسبب الفراغ في سدّة رئاسة الجمهورية.
في الأول من آب ٢٠١٧، عادت الأعراس الوطنية إلى الملعب الأخضر في ثكنة شكري غانم في الفياضية، وعادت معها الحياة تنبض في عروق الكلّية الحربية، حيث تمّ تخريج دورة «المقدم الشهيد صبحي العاقوري»، فتسلّم المتخرجون وكذلك طلعاء دورات الأعوام ٢٠١٤، ٢٠١٥ و٢٠١٦ سيوف الحق والكرامة من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وكذلك الأمر بالنسبة الى دورتَي العامين ٢٠١٨ و٢٠١٩. أما في العامين السابق والحالي فقد فرضت جائحة كورونا إيقاعها.


محطات في مئوية الكلّية الحربية
بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى نظّم الجيش الفرنسي في الدول الخاضعة لانتدابه وحدات من مختلف الأسلحة، فبرزت الحاجة إلى ضباط ومترجمين واختصاصيين وطنيين، بهدف تشكيل ملاكات لهذه الوحدات وتحضيرها لتصبح مستقلّة. وعلى هذا الأساس تم إنشاء مدرسة حربية في دمشق في العام ١٩٢١ لإعداد ضباط لزوم الوحدات الجديدة وتدريبهم وتخريجهم. وبقيت المدرسة الحربية في دمشق حتى العام ١٩٣٢، وانتقلت بعدها إلى حمص.
في ١٥ آب ١٩٤٥، تمّ تسليم منشآت المدرسة الحربية في حمص إلى السلطات السورية، وانتقلت الوحدات اللبنانية والفرنسية إلى لبنان. التحق المدرّبون والتلامذة في ثكنة القبة في طرابلس ووُضعوا إداريًا في إحدى سرايا الكتيبة الثالثة المتمركزة هناك. ومنح التلامذة مأذونية لمدة ١٥ يومًا وطُلب إليهم الالتحاق بمخيمٍ أقيم في بلدة كوسبا - قضاء الكورة في لبنان الشمالي. في ٢٥ أيلول من العام نفسه، انتقلت المدرسة إلى دير مار أنطونيوس في بعبدا. وفي ١٤ تشرين الثاني ١٩٤٦، انتقلت مجددًا وتمركزت في ثكنة شكري غانم في الفياضية، وأُلحقت إداريًا بمفرزة القيادة والإدارة. وكانت الأبنية عبارة عن منشآت كان يستعملها الإنكليز قبل مغادرتهم لبنان. وقد بقيت المدرسة في موقعها حتى يومنا هذا. وفي الحادي والثلاثين من كانون الأول ١٩٥١ يوم ذكرى الجلاء قام فخامة رئيس الجمهورية في حينه الشيخ بشارة الخوري بتدشين الأبنية الجديدة للمدرسة الحربية.
تم تغيير اسم المدرسة الحربية في لبنان إلى الكلّية الحربية ووضع نظام جديد لها بموجب قانون رقم ١٦٣ تاريخ ١٧ /٠٨ /٢٠١١ والمعمم تحت رقم ت/٢٧٦ خ / دراسات تاريخ ١٢ /١٠ /٢٠١١.