مواسم وخيرات

تقليم الأشجار المثمرة ضروري ولكن... حذار العشوائية
إعداد: د. حسين حمود
أستاذ محاضر في كلية الزراعة - الجامعة اللبنانية

تقليم الأشجار إختصاص يقوم على أسس علمية واضحة، يتطلّب معرفة نظرية وخبرة طويلة بكل نوع من الأشجار المثمرة، لذا فالتقليم غير الصحيح يؤدي في معظم الأحيان الى ترك الشجرة من دون ثمار، وبالتالي فإن خيار عدم التقليم يبقى أقل ضرراً من التقليم الخاطئ.

 

تعريف التقليم
التقليم هو إزالة جزء من أغصان الشجرة وأفرعها لتوجيه شكلها وحجمها وارتفاعها ونموّها، إذ يؤثر ذلك على هيكل الشجرة وتوزيع الثمار عليه بشكل متساوٍ وتحسين نوعية الثمار من ناحية الحجم واللون والطعم، كما يساهم التقليم في الحفاظ على استمرارية إنتاجية الأشجار المثمرة لأطول فترة ممكنة. من ناحية أخرى، يساعد التقليم على تسهيل القيام بالعمليات الزراعية الأخرى من فلاحة ونكش وتسميد ورشّ وقطاف وغيره، وفي تجديد عمر الأشجار المسنّة التي انخفضت إنتاجيتها دون المستوى الاقتصادي.
يقوم التقليم على أسس علمية واضحة، ولكي يكون ناجحاً يتطلّب معرفة نظرية وتطبيقية، وبالتالي خبرة طويلة بكل نوع من أنواع الأشجار المثمرة، لأن لكل منها خصائص ذاتية تتميز بها عن غيرها من حيث البراعم الزهرية والثمرية وأمكنة تموضعها على الأفرع الحديثة أو الأغصان الهيكلية وغيرها. إن عدم المعرفة الكافية بخصائص نمو الصنف المراد تقليمه وبأمكنة حمل الأعضاء الزهرية والثمرية يؤدي في معظم الأحيان الى إزالة الأفرع حاملة البراعم الثمرية، وبالتالي الى ترك الشجرة من دون ثمار وفقدان الإنتاج.

 

نوعان من التقليم
- تقليم التربية: يرمي إلى تشكيل هيكل الشجرة من حيث الإرتفاع والحجم والمجموع الخضري وكثافة النمو وتحديد زوايا التفرّع، للوصول بالشجرة الى حالة الإنتاج الإقتصادي عند بلوغ مرحلة الإثمار.
- تقليم الإثمار: الغاية منه هي الحفاظ على إستمرارية إثمار الشجرة والحصول على إنتاج ثمري ذي نوعية جيدة، والحفاظ على الشجرة لتكون قوية بحيث تتمكن من حمل الإنتاج الثمري ومقاومة الكسر والصمود بوجه الرياح، وهذا يتطلب إقامة أفرع بزاوية بحدود 45 درجة لتستطيع هذه الأفرع النمو مع الوقت بحيث تصبح أكثر سماكة وأشدّ صلابة.

 

التفاحيات
تشمل التفاحيات أشجار التفاح والإجاص والسفرجل، وتعتمد طريقة تقليم هذه الأشجار على كثافة الزراعة، ففي النظام التقليدي للزراعة أي النظام القليل الكثافة تربّى الأشجار بالشكل الهرمي المحسّن أو بالشكل الكأسي، أما في النظام الكثيف فتستعمل بشكل عام طريقة التربية على أسلاك وهي بالميتا بأذرع موجّهة طابقياً وبالميتا بأذرع موجّهة غير طابقية، غير أننا سنكتفي هنا بتسليط الضوء على طرق التربية في إطار النظام التقليدي للزراعة، كونه يغطي الغالبية العظمى من المساحات المزروعة بالتفاحيات في لبنان.

 

تربية الشكل الهرمي المحسّن
تكمن الميزة الأساسية لهذا الشكل في وجود 4 - 5 أغصان هيكلية أساسية موزّعة بشكل لولبي وفي تقليم الغصن الأم، وبذلك يوجّه نمو الشجرة باتجاه العرض حيث تبقى قليلة الإرتفاع، الأمر الذي يسهّل عملية التقليم والوقاية وقطف الثمار، والأهم من ذلك هو أن الجزء الأعلى من الهيكل مفتوح مما يؤمّن وصول أشعة الشمس الى جميع أجزائه.
بعد الزرع تقلّم النصبة إلى ارتفاع 70 - 80 سم عن سطح التربة. خلال العام الأول تنمو عدة أفرع، وفي الشتاء أي في مرحلة السكون الشتوي (أفضلها بالنسبة الى معظم المناطق الجبلية اللبنانية خلال كانون أول - كانون ثاني- شباط)، نختار منها ثلاثة أفرع فنخصّص الأعلى ارتفاعاً لنمو الساق، والفرعين الإثنين الطرفيين لتكوين الأغصان الأساسية «الهيكلية»، ونقوم بإزالة الفروع الباقية.
خلال الأعوام التالية نكرّر في الشتاء العملية نفسها بحيث نبقي ثلاثة فروع، الأعلى لنمو الساق والآخرَين لتكوين الأغصان الهيكلية للطابق الثاني. عندما يتكوّن 4 - 5 أغصان هيكلية نقوم مجدّداً بتقصير الساق الأم وبذلك نحصل على هيكل هرمي محسّن «معدل». ومن الضروري أن تكون الزاوية التي تشكّلها الأغصان الهيكلية مع الساق 45 درجة لتأمين قوة تحمّل الشجرة.
بالنسبة الى الأفرع الثانوية يجب أن تتوزّع على الأغصان الهيكلية بحيث لا تلتقي ولا تتلامس، كما يجب إزالة كل الأفرع العمودية والشاذة والمدلاة والموجهة الى داخل الهيكل، والإبقاء على الأفرع التي تنمو في الفراغ وجانبياً. كذلك يتوجب إبقاء الساق الأم أعلى من الأغصان الأخرى بحوالى 20سم، ومن أجل الحفاظ على التوازن الخضري والثمري للشجرة يجب عدم السماح بأن تنمو الأغصان السفلية وتتجاوز إرتفاع الأغصان الفوقية، كما هو غير مقبول أن تنمو الأغصان الفوقية بسرعة كبيرة على حساب الأغصان السفلية.
أما في ما يتعلق بتقليم الأثمار في التفاحيات، فهو يؤدي دوراً مميّزاً، بحيث يفترض القيام به كل عام، لا سيما أن أي تأخير يؤدي الى خفض الإنتاج وأحياناً إلى توقّف الحمل، هذا ويختلف التقليم الثمري من شجرة الى أخرى وذلك وفق عمرها وصنفها وكمية البراعم فيها. وتهدف هذه العملية الى الوصول الى كثافة مثالية من الثمار.
يتم ذلك من خلال تخفيف الأغصان الهيكلية عندما يلاحظ بأن أبعادها تجاوزت أبعاد الأفرع الثمرية، كما تتم إزالة الأفرع الثمرية الضعيفة، ولا بد من التنويه بأن إجراء عملية التقليم الثمري مرتبط بكمية البراعم الزهرية، ففي السنة التي تتميّز بحمل غزير من البراعم نجري عملية التقليم الثمري بشكل جائر، أما السنين قليلة الحمل أو الخالية من البراعم الزهرية فلا نطبّق فيها التقليم.
في مرحلة الإثمار الإقتصادي يطبّق مبدأ تنظيم الحمل، بحيث يرمي التقليم الى تحقيق وضع متلائم بين النموّات الخضرية والنموّات الثمرية، والمعيار الأساسي لذلك هو تحقيق تناسق نسبي بين البراعم الخضرية والبراعم الزهرية، والتي يجب أن تكون بحدود 2-3 برعم خضري مقابل برعم زهري واحد. أما في حالة الحمل الزائد فيتم إزالة قسم من الدوابر والأفرع الثمرية القصيرة، اما الأفرع الثمرية الطويلة فتقصّر الى الأعلى من أحد البراعم الخضرية.
عندما تصبح الأشجار في طور الشيخوخة نقوم بتجديد الأفرع النصف هيكلية من تاج الشجرة، ويتم إختزال الأفرع بعمر 3-4 سنوات بتقصيرها الى نقطة تفرّع تساعد على استمرار عملية النمو الخضري، وبعد 5 سنوات تتم عملية تجديد ثانية للأفرع بعمر 5-6 سنوات، وثالثة على الأفرع بعمر 7-8 سنوات، حيث تقصّر من نقطة لا يزيد القطر عندها عن 7سم.

 

تربية الشكل الكأسي
بعد الزرع تقصّر النصبة الى إرتفاع 100سم، يخصّص القسم الأسفل بإرتفاع 60سم عن سطح التربة لنمو الجذع، أما الأربعون سم الأخرى فتخصّص لاختيار ثلاثة أفرع لتشكّل الأغصان الهيكلية للشجرة بمسافة 20سم بين الواحدة والأخرى، شرط أن يشكّل كل فرع مع الآخر زاوية بحوالى 120 درجة. يتم ذلك في الشتاء الأول حيث تزال كل الأفرع الأخرى.
خلال الشتاء الثاني يتم تقليم الأغصان الهيكلية بحيث تكون على الإرتفاع نفسه، كما تزال الفروع النامية على الجذع والتي بإمكانها أن تنافس الأغصان الهيكلية.
في بداية الربيع الثالث تتكوّن الفروع الثانوية الأولى، ويزداد طول الأغصان الهيكلية (الأساسية) لتشكّل المجموعة الثانية من الفروع الثانوية. ينبغي في هذه الحال ترك مسافة 60 - 80سم بين المجموعة الأولى والثانية من الفروع الثانوية والتي تتكوّن على الجهة المقابلة للمجموعة الأولى. أما النموّات الجديدة للأغصان الهيكلية فلا يجب تقصيرها إذا كانت بالطول نفسه بل تتم إزالة جميع الفروع الملتوية والتي تعرقل نمو الفروع الثانوية أو الأغصان الأولية، أما الفروع الثانوية فلا تقصّر بل يتم اختيار تلك التي تشكّل 45 درجة بالنسبة الى الغصن الأولي.
في العام الرابع والسنوات التالية يقضي التقليم بتخفيف أفرع الأغصان الأولية، أما ما تبقى فهو مماثل لما نقوم به في السنوات الماضية. تتكوّن على الفروع الثانوية الفروع الثالثية التي يجب أن تتوزّع بمسافة 20 - 30سم، بين الواحد والآخر. إلى جانب ذلك، يفترض تخفيف عدد الأفرع وإزالة تلك التي تنمو أفقياً وكذلك جميع الطرود ذات النمو الكبير لأنها تخلّ بالتوازن العام للشجرة.

 

تقليم الأثمار للشكل الكأسي عند التفاحيات
إن تربية الشكل الكأسي هي الأكثر شيوعاً عند أشجار اللوزيات أي الدراق واللوز والخوخ والمشمش، إلا أن تطبيق هذا الشكل في التفاحيات (تفاح وإجاص وسفرجل) يزداد إنتشاراً من يوم الى آخر لما لهذا الشكل من حسنات سبق وذكرناها. وتتميّز الأشجار المربّاة بهذه الطريقة عادة بجذع قصير يحمل في جزئه الأعلى ثلاثة أذرع رئيسة، تستمر هذه التربية من السنة الأولى حتى الرابعة.
في السنة الأولى (في الشتاء) تقصّ الغرّاس بعد زرعها على إرتفاع 75سم عن سطح التربة، يتم إنتخاب 3 أذرع رئيسة وتزال جميع النموات الأخرى. ينبغي مراعاة أن يكون أول ذراع منتخب مرتفعاً عن سطح التربة 40 - 50سم، وأن يبعد الثاني عن الأول 10 - 15سم وكذلك الثاني عن الثالث، كما يجب مراعاة أن لا تقل الزوايا التي تشكّل هذه الأذرع مع الساق عن 60 درجة وأن لا تزيد عن 80 درجة وذلك لتوفير صلابة إتصال للأذرع بالساق.
في السنة الثانية يتم إنتخاب 3 - 5 أفرع جانبية على الساق، موزّعة بشكل دائري ومتوازن حول الساق ثم نقوم بتقليم الأفرع المنتخبة على بعد 50- 60سم من منشئها.
في السنة الثالثة تقتصر عملية التقليم على انتخاب 2 - 3 أفرع على كل فرع من السنة الماضية، موزّعة ومتباعدة وتضمن إنفتاح قلب الشجرة، في حين تزال الأفرع الضيقة والمتزاحمة والمتشابكة ويقلّم كل فرع منتخب على 30 - 40سم من قاعدته.
عندما تبلغ الشجرة السنة الرابعة نقوم بإنتخاب 2 - 3 أفرع موزّعة ومتباعدة وغير متشابكة على الأفرع النصف هيكلية، ويقلّم كل منها على 20 - 30سم من قاعدتها. خلال هذه السنة تبدأ أعضاء الإثمار بالظهور على قواعد الأفرع الهيكلية ونصف الهيكلية وتبدأ الشجرة بالحمل التبشيري.

 

اللوزيات
تتطلّب شجرة الدراق أكثر من أي شجرة أخرى تقليماً دورياً كل عام لأن عدم التقليم يؤدي الى تدهورها بسرعة. ولنجاح عملية التقليم لا بد من مراعاة الآتي:
- يحمل الدرّاق الثمار على أفرع بعمر سنة.
- الأفرع الخضرية والشحمية لا تعطي ثماراً.
- الباقات الزهرية لا تقلّم.
- الأفرع الثمرية البسيطة لا تقلّم.
- الأفرع المختلطة، تقلّم على عدة براعم ومن الضروري أن يتم التقليم على برعم خضري.
-الأفرع الشحمية، تقلّم تقليماً طويلاً لتحل في مرحلة لاحقة محل الفرع الهيكلي اليابس أو المسن.
- الأفرع الخضرية، تقلّم على مسافة برعمين لتكوين أفرع ثمرية في العام القادم.
- الأفرع المركّبة، عندما يتفرّع غصن الحمل الى ثلاثة: فرع وسطي يحمل الثمار وفرعان جانبيان (إستبدال) نقوم بقصّ الفرع الوسطي الذي حمل الثمار في السنة الماضية. أما بالنسبة الى فرعي الإستبدال فنقوم بالتالي:
إذا كان الفرع العلوي مختلطاً والفرع السفلي خضرياً نقصّ الفرع المختلط على عدة براعم (3 أزواج من البراعم) ونقلّم الفرع السفلي على برعمين وهذا ما يسمى بالطريقة المخلبية، أما في حال العكس أي عندما يكون الفرع العلوي خضرياً والسفلي مختلطاً فنقلّم الفرع العلوي بأكمله والمختلط على عدة براعم (3 - 4 أزواج من البراعم) ليؤمن الإثمار وفروع الاستبدال، أما إذا كان فرعا الإستبدال مختلطين فنقوم بتقليم الفرع الداخلي على ثمانية براعم.
أيضاً هناك بعض النصائح والتوجيهات التي يجب التقيّد بها بالنسبة الى شجرة المشمش مثل:
- ضرورة قطع الأفرع التي تحمل دوابر تجاوز عمرها الست سنوات.
- ضرورة تأخير التقليم حتى انتهاء مرحلة التزهير لكي لا تتعرّض للصقيع.
- ضرورة أن يتراوح طول النموّات الثمرية عند الأشجار حديثة الإثمار بين 35 و70سم، وعند الأشجار كبيرة العمر بين 25 و35سم، وإزالة جميع النموّات الجانبية على الساق.