أفاق التكنولوجيا

تقنيات التجسس الحديثة
إعداد: الملازم ربيع دوغان

عـالـم كله عيون


«ربما تجدها كلها أو بعضها، وربما تكتشف أن ابنك يلعب غداً بنموذج مصغر لها، ما دام الصينيون قد فكوها، فأبشر.. كل شيء سيكون مقلداً بدقة، ورخيصاً لأقصى درجة»، هذا بالضبط ما قاله أحد خبراء هندسة الطيران العسكريين، عند سؤاله عن الطائرة الأميركية التي ضبطها الصينيون متلبسة بمراقبتهم، فكان جزاؤها أن يتم فكها قطعة قطعة، والكشف عن أسرارها...
أشعلت قضية تلك الطائرة الأميركية فضول الملايين لمعرفة نوعية المهمة التي يقوم بها مثل هذا النوع من الطائرات، كما بدأ الناس يبحثون عن الجديد والمثير في عالم الجاسوسية.

 

خسارة فادحة

حسب تحليلات مصادر عسكرية عديدة، فإن احتجاز الدولة الصينية للطائرة الأميركية يعتبر خسارة عسكرية فادحة بسبب ما تحتويه الطائرة من أجهزة حساسة للغاية من الناحية الأمنية.
فالطائرة والتي هي من نوع «EP-3E ARIES II» تعتبر جوهرة تاج البحرية الأميركية من حيث قدرتها على جمع المعلومات شديدة الحساسية؛ فتلك الطائرة محمّلة بأجهزة استقبال وهوائيات قادرة على اعتراض وتحليل الاتصالات اللاسلكية العسكرية والمدنية، بالإضافة إلى الأنواع الأخرى من الاتصالات الالتكرونية، من بريد الكتروني وأجهزة فاكس واتصالات هاتفية، ويمكن للقوات الأميركية من خلال تحليل هذه الاتصالات التعرّف على خطط وتحركات القوات الصينية في حالتي السلم والحرب.
تبلغ كلفة هذه الطائرة 63 مليون دولار وهي قادرة على الطيران لما يزيد عن اثنتي عشرة ساعة ولمسافة 0003 ميل بحري، أي ما يوازي 5555 كلم. ويوجد من هذا النوع نحو 21 طائرة لدى البحرية الأميركية، وتتسع لـ42 فرداً هم طاقم الطائرة الكاملة ما بين طيارين وتقنيين. وللطائرة أربعة محركات، وطولها 82.23 متراً وعرضها بالجناحين 63.03 متراً. ويتوقع أن تكون الطائرة قد اتجهت إلى سواحل الصين من القاعدة الأميركية المتواجــــدة في اليابـان.
وقد كانت مسؤولية تلك الطائرة القيام برحلات منتظمة على السواحل الصينية من أجل معرفة وتحديث شفرات الاتصال الخاصة بالأجهزة الصينية، من خلال التعرّف على التوقيع الالكتروني ومصدر وتردد هذه الاتصالات، والتي يتم تغييرها بشكل مستمر من أجل تمويه السلطات الأميركية.
ومع أن تعليمات وزارة الدفاع الأميركية واضحة لطاقم مثل هذه الطائرات بالنسبة إلى ضرورة تخريب الأجهزة الحساسة وأية معلومات سرية موجودة على الطائرة فور وقوعها في أيدي العدو، فإنه حتى ما يتبقى بعد عملية التخريب من معالجات (processors) قوية للغاية، ودوائر الكترونية شديدة السرعة لا تمتلك مثلها الدولة الصينية، يمكن استغلالها من أجل بناء قذائف باليستية وأسلحة نووية وأنظمة لاقتفاء أجهزة الرادار شديدة الحساسية.
عالم الجاسوسية مليء دائماً بالأجهزة المتخصصة من أجل أداء المهمات الصعبة. فهناك الكاميرات صغيرة الحجم لتصوير المستندات الهامة، والتي يمكن للجاسوس اخفاؤها في كعب حذائه، وهناك علبة السجائر التي استخدمها جاسوس الـ«كي جي بي» نيكولاي خوخلوف في أوائل الخمسينيات، والذي كان يحمل السجائر المزيفة التي بها رصاصات مسممة.
وهناك أيضاً الشمسية ذات الطرف المدبب المسموم، والتي استخدمت لقتل المنشقّ البلغاري جيورجي ماركوف في أثناء ركوبه أحد الاتوبيسات في لندن. ثم هناك الأجهزة الحديثة والتي يمكن شراؤها من الأماكن المتخصصة أو حتى من على الانترنت، مثل الهاتف المحمول المجهز بجهاز تخليط يقوم بتغيير شفرات الاتصال 051 مرة في الثانية، مما يعطي للمتكلم الأمان التام من أجل نقل المعلومات الهامة بدون خوف من التنصت. أو الجهاز الصغير الذي يخبرك بوجود متنصت لمكالماتك الهاتفية، أو الجهاز الذي يخبرك بمكان وجود أجهزة التنصت بمنزلك، أو الساعة اليدوية المجهزة بكاميرا الفيديو، أو الجهاز الصغير الذي يركب في لوحة المفاتيح الخاصة بكمبيوتر أحد الأشخاص، والذي يسجل الأصوات الصادرة في أثناء الكتابة على لوحة المفاتيح للتعرف على كل حرف يضغط عليه، وبالتالي يستطيع التعرف على ما يكتبـه الشخص المتجسس عليه على جهـازه الخاص!! وغيره وغيره.
ومع طرافة وربما فائدة هذه الأجهزة بالنسبة إلى بعض الجواسيس، فإن عالم الجاسوسية في حقيقة الأمر قد أصبح أعقد وأكثر تقنية من مثل هذه الأجهزة بكثير.

 

عالم شديد التعقيد

تمثل الأقمار الصناعية ربما أهم طرق التجسس في الوقت الحالي، ويمثل التواجد الأميركي في الفضاء الخارجي نحو 09% من المواصلات الفضائية. وهناك أنواع عديدة من الأقمار الصناعية، فهناك مثلاً الأقمار الخاصة بالتقاط الصور والتي تمرّ فوق أية نقطة على الكرة الأرضية مرتين يومياً. تتراوح قدرة التبين لهذه الأقمار ما بين 01 سنتيمترات إلى حوالى متر واحد.
وقد حدثت تطورات هامة في تكنولوجيا تحليل الصور الملتقطة، بحيث أصبح من الممكن تكوين صورة ثلاثية الأبعاد تبعاً للمعلومات القادمة من الفضاء الخارجي والتي استخدمت عام 5991 في تزويد الطيارين بالمعلومات اللازمة عن الأهداف المنشودة في البوسنة، كما تستخدم في اكتشاف نقاط ضعف المناطق الواقعة تحت حراسة مشددة والتابعة لكبار تجار المخدرات من أجل اقتحامها.
هذا بالإضافة إلى وجود ملف كامل من هذه الصور ثلاثية الأبعاد لدى الحكومة الأميركية حول مصانع الأسلحة العراقية، والتي كان يتم عرضها على فرق التفتيش قبل سفرها إلى العراق. ويمكن لهذه الأقمار الرؤية عبر السحب وليلاً، بل وباستطاعة بعضها اكتشاف التحركات القائمة تحت سطح الأرض!!
وهناك نوع آخرمن الأقمار الصناعية تقوم بالاستطلاع الالكتروني، والقادرة على اعتراض ملايين الاتصالات الهاتفية ورسائل الفاكس والبريد الالكتروني يومياً من العالم أجمع. ومع أن الشبكة تسيطر عليها الولايات المتحدة الأميركية، فإن الدول الناطقة بالانكليزية (بريطانيا وكندا واستراليا ونيوزيلندا) تشترك معها فيها. وقد صممت شبكة «ايتشالون» في أول الأمر منذ نحو عشرين سنة من أجل مراقبة الاتصالات العسكرية والدبلوماسية للاتحاد السوفياتي وحلفائه من دول الكتلة الشرقية. ولكن مهمتها الرسمية تحوّلت بعد انتهاء الحرب الباردة للكشف عن خطط الإرهابيين وتجار المخدرات والاستخبارات السياسية والدبلوماسية.
وقامت الدول المشاركة في الشبكة بإنشاء محطات أرضية للاعتراض الالكتروني، وبإنشاء أقمار صناعية لالتقاط جميع الاتصالات للأقمار الصناعية والموجات الصغرى والاتصالات الخلوية واتصالات الألياف الضوئية. تقوم الشبكة بتفنيد الإشارات المعترضة في كمبيوترات ضخمة تسمى بالقواميس، والمبرمجة على البحث في كل اتصال عن كلمات أو عبارات أو عناوين أو حتى أصوات معينة. كل دولة من الدول المشاركة في الشبكة مسؤولة عن مراقبة جزء معين من الكرة الأرضية. وهناك ايضاً أقمار الإنذار المبكر، والتي تكتشف اطلاق الصواريخ من أراضي العدو، وأقمار اكتشاف الانفجارات من أجل متابعة التجارب النووية.

 

عصر جديد للتجسّس

دخول الحاسوب الآلي إلى أغلب الأجهزة الحكومية وغير الحكومية، بل وإلى الكثير من المنازل بالإضافة إلى انتشار الانترنت انتشار النيران في الحشائش الجافة، أدى إلى دخول عصر جديد من التجسّس أيضاً.
يقول أحد الجواسيس السابقين إن 09% من المعلومات التي يحتاج إليها أي جاسوس يستطيع أن يحصل عليها من المصادر العامة. والانترنت قد جعل المصادر العامة متوافرة بشكل لم يسبق له مثيل. كما أن الكثير من الاتصالات تحصل من خلال البريد الالكتروني وغرف الدردشة، والتي تحصل الدول نتيجة مراقبتها على معلومات هامة للغاية. هذا بالإضافة إلى إمكان اختراق أجهزة الكمبيوتر الخاصة عبر الانترنت من خلال أجزاء الكمبيوتر المفتوحة دائماً، مثل المودم أو آلات الطباعة.
ويوفر الانترنت أيضاً سبيلاً للاتصال ما بين الأنظمة أو الجماعات المختلفة أضمن إلى حد ما من طرق الاتصال التقليدية، بسبب سعة الانترنت الهائلة وبالتالي صعوبة مراقبة جميع الاتصالات القائمة بها، كما أن الانترنت يوفر لتلك الجماعات، بل وللأجهزة الحكومية، ساحة خصبة للتعرف على الناس ومعرفـة المناسب منهم للتجنيد.
وهكذا، وباختصار شديد نرى كيف يراقب العالم بعضه البعض بإحساس مستمر من الريبة والشك والترقب.