كلمتي

تمّوز
إعداد: العميد الركن صالح حاج سليمان
مدير التوجيه

كان تمّوز دائماً شهر الحروب والثورات، ومحطة تغيير وجهة السّير في تاريخ الكثير من الدول والشعوب والحضارات. وكانت تلك الحروب اعتداءات على الحقوق في حين ومدافعات عنها في أحيان، وما ضاعت حقوق آمن بها أصحابها، ودافعوا عنها، واستبسلوا في سبيل رفع الظلم عن كاهلها، واستشهدوا وهم يرفعون راياتها، ويثبتون شرعيتها في سجلات الخلود.
وحصتنا نحن من تمّوز كانت العام 2006 في موقعة عبّر فيها لبنان كاملاً، مؤسسة عسكرية وشعباً مقاوماً، عن صمود واضح، وإرادة صلبة، وبطولات مميّزة، وكانت النتائج دروساً وعبراً ومفاخر ومنائر تحكي عن كيف يكون افتداء الوطن، وكيف يكون الدفاع عن قدسية الأرض، وكيف يكون سلاح الحق غالباً منتصراً برجاحة العقل وصلابة الساعد وصفاء الضمير.
كانت ترسانة إسرائيل العسكرية جاهزة، وكان الحقد كبيراً والقصف عنيفاً والدمار كبيراً. لم يسترح شعب لبنان في لحظة واحدة خلال الشهر الساخن والطويل، ولم يكن لديه وقت إلا للدفاع ورد العدوان. مآتم الشهداء لم تنل حقها الكافي، إلا أن أرواح هؤلاء الأبطال كانت تعرف ما يجري وهي في طريقها الى ربها، ولم تكن لتعتب. وجراح المصابين كنت تنتظر، وكانت النفوس قادرة على الصبر وعلى إسكات أصوات الأنين. وكانت الأمهات تكتم صراخها، فالأيام تسير في درب البطولة لا في درب الشكوى والبكاء، الصلاة سريعة، والعزاء مؤجل، وأخو الشهيد مدعو لأن يحلّ محل أخيه جندياً مقاتلاً مناضلاً وعاملاً مفاخراً ومعالجاً يبسلم ويشفي ويجدّد الهمم.
انتبه العالم الى ما يجري، واطمأن أنصار العدالة الإنسانية الى قدرة الحق، على الدفاع عن نفسه في وجه الطغيان، حتى ولو كان ميزان القوى لا يدل على تكافؤ في العتاد ولا يشير الى تعادل في السلاح، واستيقظت إسرائيل من أحلام غطرستها لتجد نفسها على طاولة المراقبين والمحلّلين دولة صغيرة تواجهها الصعوبات وتتهدّدها المغامرات وتخيفها البطولات ويرعبها الحق المبين.
كان تموز قاسياً مضنياً محرقاً، لكنه كان بليغاً في دروسه، وكان واضحاً واثقاً في دلالاته، وها هي الشهور التالية متأنية متمهلة، يحسب العدو فيها ألف حساب قبل السير في تهوّر أو الإقدام على مغامرة.