موضوع الغلاف

تنظيف الجرود الشرقية الشمالية: الصعوبات كثيرة لكن العمل بدأ...
إعداد: باسكال معوّض بومارون

تطلّب تنظيف نحو 70 في المئة من الأراضي اللبنانية الملوثة بالألغام والقنابل وسواها من مخلفات الحروب، سنوات طويلة وجهودًا جبّارة فضلًا عن سقوط شهداء وجرحى.

 

اليوم، يواجه المركز اللبناني للأعمال المتعلقة بالألغام تحديًا جديدًا يتمثل بتطهير المناطق التي كان يحتلها الإرهابيون في جرود عرسال ورأس بعلبك. فهؤلاء تركوا خلفهم كمًا هائلًا من القنابل والقذائف والشرائك الخداعية والعبوات الناسفة المرتجلة.
رئيس المركز اللبناني للأعمال المتعلقة بالألغام العميد الركن جهاد البشعلاني يتحدث عن هذا الموضوع...


• بداية، أين أصبحنا اليوم من عملية تنظيف الأراضي اللبنانية من الألغام وسواها من مخلفات الحرب، وما هو حجم المساحات التي ما زالت بحاجة إلى المعالجة لتصبح آمنة؟
- لقد قطعت المؤسسة العسكرية شوطًا هامًا على صعيد تنظيف الأراضي الملوثة بالألغام وسواها من مخلفات الحروب، فالجيش اللبناني خاض سباقًا مع الخطر والوقت لمكافحة هذه الآفة، لنصل إلى ما تحقّق على الأرض حتى اليوم. فبفضل جهود فوج الهندسة في الجيش، والمنظمات غير الحكومية التي تعمل بإشراف المركز اللبناني للأعمال المتعلقة بالألغام، تم تنظيف حوالى 108 مليون متر مربع من مجموع الأراضي الملوثة في لبنان، أي ما يعادل 70 في المئة منها. وقد جرى تنظيف الأراضي الأقرب إلى المناطق الآهلة والتي تشكّل الأفضلية الأولى في العمل بالنسبة إلينا، اليوم ما زلنا نواجه تحدي تنظيف ما تبقّى.


• ما هي الصعوبات التي تواجهها عملية تنظيف الجرود التي كان يحتلها الإرهابيون؟
- كانت مشكلة التفخيخات والألغام التي زرعها الإرهابيون من أهم الصعوبات التي واجهها الجيش في معاركه ضدهم، خصوصًا خلال عملية «فجر الجرود»، وتكمن الصعوبة بالنسبة للأعمال الإنسانية في تنظيف الأراضي التي كانت تحت سيطرتهم بالمساحات الشاسعة وعدم وجود معلومات موثوقة حول الأماكن المفخّخة وأنواع التفخيخات. فالإرهابيون فرّوا من الجرود مخلّفين وراءهم كمًا هائلًا من العبوات غير النظامية التي تفنّنوا بتصميمها وتنفيذها بمختلف الأنواع والأحجام، والمنتشرة بشكلٍ كبير في الجرود الشمالية الشرقية.
لقد ارتكزنا بشكلٍ أساسي في جمع المعلومات على عمل وحدات الهندسة في أثناء عملية «فجر الجرود» وما بعدها. ولاحقًا عملنا على جمع المعلومات من السكان المحليين الذين ساعدونا على قدر استطاعتهم. إضافة إلى ذلك، ثمة صعوبات بسبب المناخ القاسي في تلك المنطقة، ما أوقف أعمال نزع الألغام خلال أشهر الشتاء القارس، فضلًا عن أنّ المسافة للوصول إلى أقرب مستشفى تشكّل تحديًا بحد ذاته لناحية الإخلاء الصحي عند حصول أي حادث مع العاملين المختصين.


• هل يتطلب التعامل مع هذه المخلفات تقنيات ووسائل مختلفة عن تلك التي استُخدمت في الجنوب مثلًا لتنظيف الأراضي من مخلفات العدو الإسرائيلي؟
- إنّ وجود خطر العبوات غير النظامية يجعل عملية التنظيف أكثر تعقيدًا، فالتفتيش عن العبوات يتطلّب تقنيات ومبادئ مختلفة عن تلك المستعملة في الكشف عن باقي الأجسام الخطرة المتفجرة كالألغام ضد الأشخاص أو الآليات؛ ناهيك عن أنّ لا شكل تقليديًا محددًا للعبوات المرتجلة، بل إنّ عملية تصنيعها وتشغيلها لا يحدّها سوى مخيّلة الإرهابي الذي وضعها. ولهذه الغاية استخدمنا وللمرة الأولى في هذا المجال الطائرة المسيّرة Drone للقيام بمسحٍ غير تقني للأراضي.
وقد وضع المركز معايير وطنية لهذه المهمة قبل البدء بها، وتم التخطيط لها بالتنسيق والتعاون مع المنظمات غير الحكومية العاملة في لبنان للاستفادة من خبرتها في هذا المجال في بلدان أخرى. بالإضافة إلى ذلك تم تنظيم دورات تدريبية للعاملين في هذه المنظمات في المدرسة الإقليمية لنزع الألغام لأهدافٍ إنسانية في حمانا، شملت عمليات وتقنيات الإزالة الخاصة.
 

• هل قام المركز بأي أعمال توعية في المنطقة؟
- نعم بالطبع، منذ اللحظات الأولى لانتهاء معركة «فجر الجرود»، قام المركز بإدارة حملة توعية شملت مختلف القرى المحيطة بالبقعة الملوثة، والحملة ما زالت قائمة حتى اليوم بالتعاون مع المنظمات غير الحكومية الدولية منها والمحلية.
 

• حاليًا، ما هو الوضع بالنسبة إلى تنظيف الجرود؟ حجم المساحات الواجب معالجتها، طبيعتها، نوعية الألغام والتفخيخات وكميتها... وهل ثمة خطة محددة في هذا المجال وما هي أبرز خطوطها؟
- تم تقسيم مشروع تنظيف الجرود الشمالية الشرقية إلى ثلاث مراحل أساسية: الأولى تشمل مسحًا عامًا للمنطقة ومساحتها الإجمالية تزيد عن 300 مليون متر مربع، الهدف منها تحديد أماكن الخطر ونوعه إن أمكن؛ وعلى أساس نتائج هذه المرحلة، يتم تحديد الأفضليات في التنظيف، والإمكانات المطلوبة والوقت اللازم.
انتهت هذه المرحلة بمعظمها في تشرين الأول من العام الماضي، وتم تحديد المساحة الملوثة بـ1,3 مليون متر مربع تقريبًا، قد تكون هذه المساحة أكبر، إذ ثمة مناطق تحتاج إلى تدخّل يدوي لتحديد الخطر فيها.
المرحلة الثانية هي مرحلة التنظيف، وقد بدأت مباشرة بعد المرحلة الأولى في تشرين الأول السابق، لكنّ وعورة هذه المنطقة والأحوال الجوية السيئة أدت إلى توقف العمليات في فصل الشتاء، ومع بداية شهر آذار، انطلقت مجددًا. من المخطط، بحسب الإمكانات المتوافرة حاليًا، أن تنتهي هذه المرحلة خلال سنتين أو ثلاث، وذلك مرهون بالنتائج التي تتحقّق على الأرض وباستمرار الدعم المادي.
أما المرحلة الثالثة فتأتي بعد انتهاء التنظيف، حيث من المتوقع ظهور أجسام غير منفجرة في أماكن لا يمكن الوصول إليها في الوقت الحالي، وحينها سيتم تدريب فريق تدخّل لاتخاذ ما يلزم من إجراءات.

 

بزّة حديثة توفر الحماية لخبراء الذخائر والمتفجرات
يستخدم خبراء الذخائر والمتفجرات في فوج الهندسة حاليًا البزّة EOD9 التي تتميز بمواصفات مهمة على صعيد حماية مرتديها من مفاعيل العصف والتشظّي الناجم عن الانفجار، إذ توفر له الحماية من شظيّة تصل سرعتها إلى 1100 متر في الثانية.
تسلّم الجيش 9 قطع من هذه البزّة أواخر العام 2016 عبر هبة قدّمتها الولايات المتحدة الأميركية، وتسلّم قطعتين إضافيتين في هبة قدمتها كندا.
ارتدى النقابون هذه البزّة الحديثة في أثناء تنظيف البقع المشبوهة في جرود رأس بعلبك وعرسال، وثمة أخرى أقدم منها هي الـ EOD٨، تستخدمها أرهاط الخبراء التابعين لفوج الهندسة والمنتشرين في النبطية ورأس بعلبك والمدينة الكشفية.
يراوح وزن الـEOD9 بين 30 و 45 كلغ، وذلك حسب قياسها والجزئيات المجهزة بها. وهي تتألف من: سترة واقية، سروال واقٍ، خوذة، وجزئيات متمّمة. في الخوذة جهاز تهوئة ويمكن تزويدها جهاز اتصال (سلكي أو لاسلكي) يؤمن التواصل بين الخبير والفريق خلال العمل.
يمكن تجهيز البزّة أيضًا بجهاز تبريد، وهي من صنع شركة MED – ENG الكندية.