اقتصاد ومال

توطين الرواتب خطوة نحو تطوير الإدارة ومواكبة العصر
إعداد: تيريز منصور

تسعى الإدارات العامة, وخصوصاً وزارة المالية, الى تطوير وتحديث ومكننة أعمالها لتتمكن من مواكبة التطور التكنولوجي الحاصل في معـظم دول العالم, والمتعـلق بشكـل خـاص بتسهـيل عملـيات القبض والدفع...
ومن أهم الخطوات التي خططتها في هذا المجال (بتاريخ 10/ 12/ 2001), دفع الرواتب وملحقاتها بواسطة المصارف التجارية, أو عبر ما يسمى بـ”التوطين”. وكانت قيادة الجيش السبّاقة في هذا المجال, حيث بدأت بتنفيذ مشروع توطين رواتب الضباط والعسكريين بتاريخ 8/5/2000, إيماناً منها بضرورة مواكبة التطور, وحرصاً منها على الحد من مخاطر نقل الأموال وحفظها, وتسهيل عمل معتمدي القبض.
ما هي الخطوات التي خطتها قيادة الجيش ووزارة المالية في مشروع توطين الرواتب؟ ما هي حسنات وسلبيات هذا المشروع على الإقتصاد وعلى العسكريين والموظفين؟ الى ما هنالك من أسئلة حملتها مجلة “الجيش” الى كل من مدير القضايا الإدارية والمالية العقيد الركن الإداري محمد الصيداني, ومستشار وزير المالية السيد عوني بلطه جي.

 

العقيد الركن الصيداني:
القيادة تحرص على مواكبة التطور والحفاظ على حقوق العسكريين

مدير القضايا الإدارية والمالية العقيد الركن الإداري محمد الصيداني أوضح أنه “بتاريخ 8/ 5/ 2000, أصدرت قيادة الجيش مذكرة تدعو الى توطين رواتب ضباط مقر عام الجيش, وذلك بعد توقيع بروتوكول تعاون مع ثلاثة مصارف هامة مشاركة في بروتوكول التعاون مع جهاز إسكان العسكريين”.
وأضاف: “بدأنا تنفيذ هذه الخطوة كتجربة شملت 300 ضابط في مقر عام الجيش, على أن يتم تعميمها على باقي الضباط في حال نجاحها. وهذا ما حصل, فبتاريخ 10/ 8/ 2001 تم توطين رواتب باقي ضباط الجيش, وذلك في المصارف الثلاثة الأولى وفي ثلاثة مصارف أخرى جديدة.
والجدير ذكره هنا أن التحضير لهذا العمل المتطور تمّ بين فريق عمل من وزارة الدفاع, وآخر من مصرف لبنان ووزارة المالية, وفريق عمل من المصارف الستة وليس من جمعية المصارف, التي رغبت بالمشاركة في هذا العمل الناجح, ومع أول مجموعة من القطاع العام تقوم بهذا المشروع. ولكن قرار القائد حصر التعاون مع كل مصرف وقع بروتوكول تعاون مع جهاز إسكان العسكريين فقط. وهكذا فإن عدد المصارف المتعاونة مع قيادة الجيش في مشروع توطين رواتب العسكريين هو في حدود الـ18 مصرفاً”. وتابع العقيد الصيداني: “في شباط 2002 قررت قيادة الجيش ضمّ رواتب العسكريين كافة الى مشروع توطين الرواتب. وفي الوقت عينه أصدرت وزارة المالية في شهر آذار 2002 قراراً يقضي بتوطين رواتب القطاع العام على مراحل, بالتعاون مع المصارف العاملة على الأراضي اللبنانية كافة.
وعندها إرتأت القيادة وضع عقد يرعى, بالاضافة الى المصالح الإدارية والمالية بين قيادة الجيش والمصارف التجارية, قضية الحفاظ على حقوق العسكريين, وأهمها حصول العسكري على راتبه بأقل كلفة ممكنة وضمن المهل المعتادة, أي قبل آخر يوم عمل من آخر الشهر. وبعدها قامت القيادة بتحضير العسكريين لهذه الخطوة ضمن الإجراءات التالية:
1­-  تعميم إرشادات مفصلة عن توطين رواتب العسكريين, مع لائحة بأسماء المصارف المعتمدة, وذلك على وحدات وقطع الجيش كافة.
2- ­ تعميم دليل مفصّل مع صور حول كيفية إستعمال الصراف الآلي I.T.M ) ) على جميع وحدات وقطع الجيش.
3- ­ إقامة حلقات تدريبية حول كيفية إستعمال البطاقات الممغنطة ولمدة ثلاثة أيام في نادي الرتباء. تابع هذه الحلقات عسكريون من رتبة معاون ومؤهل, وشارك فيها فريق عمل من المصارف المتعاونة, علماً أن الدروس كانت على الصراف الآلي نفسه.
ومن جهة أخرى أوصت القيادة الرتباء الذين تابعوا الحلقات التدريبية, بأن ينقلوا المعلومات الضرورية الى باقي الرتباء زملائهم.
4- ­ شكلت القيادة لجنة مهمتها متابعة هذا الموضوع خلال العام 2002 والتنسيق مع الأجهزة المختصة أي وزارة المالية ومصرف لبنان, ووضع التعليمات والأسس الإدارية لمواكبة هذا الموضوع.
5- ­ تم تقسيم العسكريين الى ثلاث فئات:
-­ الفئة الأولى: من المعاون الى المؤهل الأول.
-­ الفئة الثانية: من الرقيب الى الرقيب الأول.
-­ الفئة الثالثة: باقي الأفراد.
حالياً تم تنفيذ المرحلة التي تشمل الفئة الأولى, وبالتالي فالذين تشملهم أصبحوا يتقاضون رواتبهم إسوة بالضباط بواسطة الصراف الآلي, أما الفئة الثانية فسوف يشملها التنفيذ في شهر شباط من العام 2003, لأسباب إدارية نظراً لما تشهده الأشهر الأخيرة من العام من استحقاقات إدارية ومالية في المصارف والإدارات العامة (تسكير حسابات وأعياد...) ويليها البدء بتنفيذ المرحلة الثالثة في شهر نيسان من العام 2003.
أما بالنسبة للموظفين المدنيين في وزارة الدفاع, فقد تم التنسيق مع وزارة المالية التي تشرف مباشرة على توطين رواتب جميع الموظفين في الإدارات العامة كافة, باستثناء العسكريين, بهدف توطين رواتب الموظفين التابعين لها, وقامت بتنفيذ ما يتوجب عليها, وإبلاغ جميع الموظفين بهذه الخطوة ودعتهم الى إختيار المصرف الذي يرتاح كل منهم إليه لتوطين راتبه فيه. وبناء على ذلك سوف يتم البدء بتنفيذ هذه الخطوة في 1/ 2/ 2003”.
وأشار العقيد الركن الصيداني الى أنه تم تسويق المصارف الـ18 واطلاع العسكريين على شروطها بالتوطين عبر إعلان في مجلة “الجيش”, كما تم توزيع منشورات تتعلق بالمصارف وبشروطها للموضوع عينه على 264 مركز عسكري.
وعن أهداف دفع الرواتب بواسطة المصارف التجارية أو بما يسمى بـ”التوطين” قال العقيد الصيداني: “بعد إقرار سلسلة الرتب والرواتب الأخيرة, أصبحت الأرقام المالية المتداولة لدى جميع معتمدي قبض الرواتب في جميع إدارات الدولة, بما فيها قيادة الجيش, مرتفعة نسبياً بالحجم وبالكمية.
ونظراً للإستعمال الكبير لبطاقات الإعتماد أو الإئتمان في مختلف دول العالم, وحرصاً منها على الحد من مخاطر حمل النقود والسرقات التي قد تنتج عنها, ارتأت قيادة الجيش بأن تكون السباقة باعتماد القبض في المصارف وباعتماد البطاقة الممغنطة كرديف”.
وعن حسنات وسلبيات هذا المشروع أوضح: “إن الحسنات تكمن في تحديث ومكننة الإدارة وفي مواكبة التطور المالي والنقدي العالمي. ومن حسنات هذا المشروع أن القرض الشخصي مع عملية التوطين بات محصوراً في مصرف واحد.
أما سيئات توطين الرواتب فهي ضئيلة نسبياً وهي محصورة بالرسوم علماً أن قيمتها هي أقل من واحد في المئة, وفي كيفية التعاطي مع الصراف الآلي وفي التساؤلات الصغيرة”.
وختم العقيد الركن الصيداني بالقول: “لا يمكننا تقييم نجاح أو فشل عمل ما, أو تحديد نقاط الضعف فيه, إلا بعد مرور سنة مالية كاملة على البدء بتنفيذ هذا المشروع, إن كان على صعيد قيادة الجيش أو على صعيد الإدارة العامة.
وسوف تعقد جلسات تقييم للخطوات التي نفذت بين وزارة المالية ومصرف لبنان وجمعية المصارف وقيادة الجيش.
كما أن القيادة سوف تقوم في الصيف المقبل, بإعادة تقييم للعقد مع المصارف وتطويره وتوحيده مع جميع المصارف, وسوف يتم الأخذ بعين الإعتبار المخالفات التي حصلت خلال هذه الفترة. علماً أن هناك لجنة مختصة تقوم حالياً بمتابعة المخالفات وتوقيفها, وتنفيذ العقد بحذافيره”.

 

بلطه جي:
مشروع توطين الرواتب تكلل بالنجاح والمراجعات بشأنه ضئيلة نسبياً

مستشار وزير المالية السيد عوني بلطه جي إعتبر من جهته “أن عملية دفع الرواتب وملحقاتها بواسطة المصارف التجارية هي جزء من مشروع تحديث الإدارة في وزارة المالية, وصولاً الى إستعمال الكومبيوتر في كل أقسام الوزارة خلال عمليات القبض أو الدفع. والمرحلة الأولى في مشروع التحديث هذا كانت مع ميكانيك السيارات”.
وأضاف: “لقد اتخذت وزارة المالية قراراً يحمـل الرقـم 1994, بتاريخ 19 كانون الأول 2001, يقضـي بدفـع الرواتب بواسطة المصارف التجارية لموظفي وزارة المالية والمتقاعدين كخطوة أولى. وهـكذا بدأ تنفيذ هذا القـرار في أواخـر آذار مـع موظـفي وزارة المالية.
وبعد دراسة وتقويم تجربة وزارة المالية, بدأ تطبيق المشروع على باقي الوزارات بطريقة منتظمة, تجنباً للإرباك والضغوط على الإدارات والموظفين, والجدير ذكره أن قرار التوطين لم يطبق على موظفي وزارة الخارجية لغاية اليوم, نظراً للتحويلات المالية الخارجية.
ويشمل مشروع توطين الرواتب موظفي المصالح والمؤسسات العامة والبلديات. وكان مجلس الوزراء قد أصدر في شهر حزيران الماضي قراراً ينص على ضرورة إنجاز مشروع “دفع الرواتب بواسطة المصارف التجارية” قبل نهاية العام 2002.
وتجدر الإشارة الى أنه كان قد تم الإتفاق بين وزارة المالية وجمعية المصارف وبالتالي مع المصارف كافة على الشروط الرئيسية للتوطين, حفاظاً على حقوق الموظفين, وتم الإتفاق أيضاً على الإجراءات العملانية على الأرض كافة (كالدفع, التسجيل, منح البطاقات الآلية وغيرها...).
وعن حسنات مشروع دفع الرواتب بواسطة المصارف التجارية (التوطين), أوضح السيد بلطه جي أن “حسنات هذه الخطوة عديدة ويستفيد منها كل من الوزارات والمصارف والموظفين على حد سواء.
إن إفادة الموظف من مشروع التوطين تكمن في مجالات عديدة أهمها طريقة القبض بواسطة الصراف الآلي المتوافر في المناطق اللبنانية كافة, وبطريقة تدريجية ومن دون أية عمولة. وتكمن الإفادة في التسهيلات الإئتمانية وقروض الإسكان والمدارس والسيارات...
أما إفادة المصارف من مشروع توطين الرواتب فتتمـحور حول توطـيد العلاقات مع شريحة كبيرة وجديدة من المجتمع, وذلك من خلال الخدمات الممـيزة التـي تقدمـها للزبائن والتي تـعززها المنافسـة في ما بينها.
أما بالنسبة للدولة اللبنانية وبالتالي الى الوزارات, فلقد سهّل مشروع توطين الرواتب العمل والإجراءات الإدارية, حيث تم إختصار الحوالات الشهرية التي كانت تصدر بآلاف أسماء معتمدي القبض, وأصبحت تصدر اليوم بعشرات الأسماء فقط.
ومن إيجابيات التوطين أيضاً بالنسبة للوزارات والمؤسسات العامة أنه ألغى عمليات حمل ونقل وحفظ الأموال النقدية وبالتالي كل الأخطاء الناتجة عنها.
كما جنّب التوطين الإزدحام الذي كان يعاني منه المتقاعدون على صناديق الدفع في أول الشهر, سيما وأنهم في أعمار متقدمة في السن وبينهم من يعاني من حالات مرضية معقدة”.
وعن صحة الشائعة المتداولة من أن الدولة بدأت بتطبيق مشروع توطين الرواتب من جراء إنعدام السيولة لديها وبالتالي إفلاسها, أكد “أن المصارف التجارية ليس لها علاقة برواتب الموظفين العامين, وأن الدولة هي التي تحوّل هذه المبالغ عبر مصرف لبنان الى المصارف التجارية شهرياً, ولن تكون مبالغ الرواتب بمثابة ديون جديدة من المصارف وهذه الطريقة الحديثة والمتطورة بالدفع والتي اعتمدتها الدولة هي طريقة معتمدة في معظم دول العالم المتقدم ومنذ زمن بعيد”.
وأشار السيد بلطه جي الى “أن المؤسسة العسكرية كانت السبّاقة في تطبيق صرف الرواتب بواسطة المصارف التجارية منذ نحو سنتين, والتي بدأت هذا المشروع وفق خطة وضعتها قيادة الجيش وكانت مرحلتها الأولى مع الضباط وهي تتم اليوم مع المؤهلين والرتباء والأفراد.
وكانت المؤسسة العسكرية قد وقعت إتفاقاً مباشراً مع بعض المصارف التجارية والتي تغطي بفروعها المناطق اللبنانية كافة, وتقدم أفضل الخدمات والتسهيلات للعسكريين.
أما بالنسبة للموظفين المدنيين في وزارة الدفاع والذين يتقاضون رواتبهم من وزارة المالية, فقد تم تأخير توطين رواتبهم, وذلك بناء على طلب من قيادة الجيش, ريثما تنهي الإتفاقية نهائياً مع المصارف التجارية, وبالتالي حتى يستفيد الموظف المدني في الجيش من التسهيلات المصرفية تماماً كما يستفيد منها الضباط والعسكريون”.
وختـم أخيراً السيد بلطه جي بأن خطوة توطين الرواتب تكللت بالنجـاح, وأن المراجعات كانت ضئيلة جداً مقارنة مع الأعداد الكبيرة. وأمل بأن تخطو الإدارة اللبنانية خطوات متطورة لصالح الوطن والمواطن.