العوافي يا وطن

ثابتون ...
إعداد: إلهام نصر تابت

إنّه كانون يا وطن...ولكانون بأوله وثانيه حساب في بلادنا. إنّه موسم البرد القاسي، والسبيل إلى الدفء مفقود في الكثير الكثير من بيوتنا. لسنا في أوروبا حيث المفاعلات النووية تؤمن الطاقة بدلًا من الغاز الذي لم يعد متوافرًا كما من قبل بفعل الحرب الروسية - الأوكرانية. نحن في لبنان يا وطن، لن يكون في بيوتنا مازوت أو حتى حطب. نحن في لبنان يا وطن. نحن في لبنان حيث يتمدد الشلل سياسيًا واقتصاديًا ويزداد البؤس اجتماعيًا، وحيث تكبر المخاوف كلما ازداد عمر الأزمة يومًا ولا شيء في الأفق يُبشر ببدء ترسيم طريق الحل. فقر، يأس، جمود، فراغ، وكأننا دخلنا في الأزمة عصر أمس، ولم تعصر أعمارنا سنواتها التي مرت.

إنّه كانون يا وطن، وكانون أيضًا شهر الفرح والأمل، شهر ينتظره الكبار والصغار، علّ المخلّص الآتي يبشرنا بخلاص ما. وهو أيضًا الشهر الذي يساوي اقتصاديًا كل شهور السنة، لذلك تنتظره المؤسسات التجارية والسياحية شهرًا ملكًا. لكن ما محل كانون بشهريه من الإعراب في قاموسنا نحن الذين نمثل الأكثرية المسحوقة؟

كانون في مراكزنا النائية ثلج وجليد ورجال ثابتون في مواقعهم كما الجبال لا تزحزحها ريح. كانون في ثكناتنا ومواقعنا عمل وسهر ويقظة، الحمل يكبر ويكبر، لكن الإصرار لدينا أكبر. ملتزمون عهودنا، ملتزمون قسمنا، ملتزمون حماية هذا الوطن المنهك حتى آخر نسمة حياة في عروقنا. لن تسمحوا يا رجالنا، ونساءنا، يا من أقسمتم وأثبتم وفاءكم ليمين الشرف، لن تسمحوا للفراغ القاتل والبؤس المستشري بأخذ البلد إلى مجاهل الفلتان الأمني، لن يتزحزح صمودكم، ولن يمس إرادتكم الصلبة أي تردد. سوف تحافظون على الاستقرار، سوف تواصلون احتضان وطنكم الذي ما عاد له من المؤسسات سواكم. سوف تواصلون احتضان شعبكم وكل من فيه لكم بمثابة ابن وبنت وأهل.

لن تترددوا في ملاحقة مجرمين ولن تتأخروا في مساعدة محتاجين. سوف تظلون جسمًا واحدًا متماسكًا يدرأ الفتن، ويجابه محاولات التخريب. وستظلون الأمل الساطع والبرهان الأكيد على أنّ لبنان سينهض. ستستمرون في ثباتكم لتعيدوا بناء ثقة مواطنيكم بالدولة، الثقة التي هدرها الآخرون بفسادهم ومصالحهم وخلافاتهم. ستستمرون في ثباتكم وستظلون وجه الدولة الذي يُحبه الناس، وساعِد الدولة الحاضر دومًا للخدمة من دون تأفف أو تذمّر، وإن غابت جميع المؤسسات عن الخدمة وحتى عن السمع لأسباب كثيرة.

سوف تودعون كانون الأول من دون أن تصل إلى أولادكم هدايا العيد، لكنكم ستواصلون السهر ليستمتع الباقون برفاهية أعيادهم. وسوف يُطل كانون الثاني ومعه عام جديد تبدأونه بالتعب كما ختمتم سابقه. لا أحد يستطيع أن يعدكم بالراحة والاسترخاء أو باستعادة جنى العمر، ما دامت الأزمات تتخطى الأيام والسنوات مواصلة زرع الخراب. لكنكم أنتم، وأنتم فقط قادرون على تجديد وعدكم للبنانيين بأنّكم لن تخذلوا ثقتهم، لن تتخلوا عنهم، لن تسمحوا بضياع ما تبقى من معالم الدولة، وما زرعتموه من أمل في النفوس.

كان الرهان عليكم طوال السنوات الصعبة التي مرّت، وسيظل هذا الرهان قائمًا. وستظلون الأوفياء، الأنقياء، الشجعان، الأقوياء. وسيشير إليكم اللبنانيون والعالم بأنّكم من حمى لبنان، لأنّكم ثابتون، ثابتون، ثابتون.

العوافي يا جيشنا

العوافي يا وطن