بإختصار

ثقة متبادلة
إعداد: العميد الركن حسن أيوب
مدير التوجيه

مَن غير تلك الأحياء والبلدات والقرى، بأنديتها ومؤسّساتها الاجتماعية وجمهور مواطنيها، يعرف إخلاص الجيش لواجباته، وتمسّكه بأمن وطنه وسلامة مواطنيه؟
مهمّات  على مدار الساعات، وأخطار تنشأ هنا وهناك عند جوانب الطرق، يتحيّن القيّمون عليها الفرص والمناسبات للتعدّي على المواطنين والعسكريّين، فينبري هؤلاء جميعًا للتصدّي للإرهاب كلّ بوسيلته، قلمًا كانت أو بندقية. سهر لا يفرّق بين ليل ونهار. مطلوبون للعدالة يتخفّون ويتوارون عن الأنظار، ويمهّدون لارتكابات جديدة لا بدّ من ضربها في المهد بهمم متجدّدة، وإرادات متحفّزة، وجهود موصولة متواصلة، وعهود لا تنفصم عراها.
وتدور على ألسنة العسكريين والمواطنين وفي عقولهم، عبارة طيّبة مخلصة، تختصر ما في القلوب وتعبّر عمّا في الصّدور: «وعدي إلك وحدك». وعد العسكري هو للوطن وحده، لعَلمه وترابه وشعبه، لسيادته وحريته واستقلاله. ووعد المواطن هو للجيش، لجنوده ورتبائه وضبّاطه، ولقيادته. والوعد هنا ليس وعدًا بالعطاء فقط، إنّما وعد بالأخذ والعطاء على السّواء. أنت تفرح كثيرًا حين تقدّم شيئًا ما لإنسان تحبّه، وأنت تفرح أيضًا وتعتزّ، حين تأخذ منه. ما تعطيه عزيز، وما تأخذه عزيز هو الآخر. هكذا هو وعد النّاس للجيش. وعد باستمرار المحبّة، وتجديد الثّقة، والإعلان عن الاستعداد الدّائم للالتحاق بثكناته والانتساب إلى صفوفه. والوعد من ناحية أخرى هو الركون إلى المؤسّسة العسكرية، لمواجهة المصاعب والأعباء، وما أكثرها عندنا. المؤسسة تتلقّى طلبات مواطنيها برضى واقتناع، وباستعداد كامل للبذل والتضحية، مع ثقتها بتعاون هؤلاء وتجاوبهم مع جهودها.
«وعدي إلك وحدك» إشارة واضحة إلى صدق لا تشوبه شائبة، وكرم لا يقابل إلاّ بالكرم، وعطاء يشمل الجميع. فكم من مرّة أعلنت القيادة، أنّ الثقة بها هي أيضًا تعبير عن الاطمئنان إلى أداء وحدات الجيش كاملة، وأنّ التكريم الموجّه إليها يتوزّع في الحال أوسمة على صدور العسكريين جميعًا، فلولا تضحيات هؤلاء، لما تمّ التنفيذ في أرض الواقع، إلاّ أنّنا نضيف: لولا حكمة القيادة وتبصّرها وصلابة موقفها لما نجح التنفيذ ولضاعت الجهود هباءً أمام الرّياح العاتية.
الثقة المتبادلة على المستوى الشخصي، أعبّر عنها اليوم وأنا أغادر المؤسسة العسكرية إلى التقاعد. ثقة القيادة بي التي قرّرت أن أكون مديرًا للتوجيه طوال ثلاث سنوات، وثقتي بالقيادة التي خبرت عن كثب توجهاتها الوطنية الصافية، ورؤيتها الصائبة، وحكمتها في معالجة مختلف الأمور. وإنّي على يقين تام بأنّها ستحفظ الجيش، الذي بدوره سينجح في حماية مكتسبات الشعب، والعبور بسفينة الوطن، من ضفة الخوف والقلق على المصير إلى ضفة الأمان والاستقرار.