عبارة

ثمن المواجهة
إعداد: العميد علي قانصو
مدير التوجيه

لم يكن الجنديّ في غفلة من أمره وهو يواجه هذه المعركة المصيريّة، فهو كان ينتظر الخطر الإرهابي والعدوان الشّرير في أي وقت. كان حذرًا مستنفرًا ساهرًا ما فيه الكفاية، إنّما كان من الصّعب أن يحدّد لحظة الغدر به وبأهله المواطنين.
خطر مثل هذا يستدعي التضّحيات الجسام. عدوّ خطر هيأت له الظروف أن يشرع في تنفيذ مخططه الإجرامي، وأن يستفيد من عنصر الغدر في الفترة الأولى، انطلاقًا من منطقة عرسال الحدودية، حدود السيادة والكرامة الوطنية.
لجأ العدو الإرهابي إلى التّلطّي خلف المواطنين والنّازحين المدنيين، وإلى الاحتماء في المساكن والمؤسّسات الخاصة والعامّة، ممّا حدّ من طواعية الوحدات في استخدام النيران اللازمة وبالشّكل المطلوب والفعّال، وذلك حرصًا على النّاس، والتزامًا بقوانين الحرب، إلاّ أنّ الرّؤية انقشعت بعد السّاعات الأولى للاشتباكات، فتغلّب العسكريّون على جراحاتهم، وخاضوا غمار المعركة بشجاعة قلّ نظيرها، إذ استردّوا المراكز، ودمّروا المسلّحين الذّين صرع بعضهم، وجرح البعض أيضًا، وفرّ الباقون، فيما كان ثمن المواجهات القاسية ارتفاع قافلة من العسكريين الشهداء وجرح وفقدان عددٍ من الرفاق، هؤلاء جميعًا سطّروا بدمائهم وآلامهم، دروسًا لا تنسى في البطولة والتضحية والاستشهاد، ونكران الذات دفاعًا عن الأهل والتراب.
وقف المواطن في أرض المعركة إلى جانب المؤسّسة العسكريّة خلافًا لكلّ شائعة، وانبرى معرّضًا نفسه للخطر، رافضًا التعّدي على قريته وبلدته وأرضه، وعلى جيشه الوطني. وفي مناطق الوطن كافة، هبّ المواطنون مندّدين بالاعتداء على العسكريّين، موجهّين الرسّائل إلى القيادة، معلنين الوقوف إلى جانبها، مستنكرين التّطاول على كرامة الجيش وسيادة الوطن.
التضحيات الكبيرة التي قدّمها الجيش في هذه المعركة التي توزّع أبطالها على مختلف المناطق والطوائف اللبنانية، ما هي إلاّ تجسيد لإيمان المؤسسة العسكرية بالعيش المشترك الواحد، الذي يشكّل جوهر رسالة لبنان، لا بل علّة بقائه واستمراره، فهذه التضحيات هي التي أخمدت نار الفتنة، وأنقذت الوطن من خطر الفوضى والتفكك والانهيار، في أدقّ مرحلة من تاريخه، وفي أوسع هجمة إرهابية يتعرض لها.
لقد خبر اللبنانيّون خضوع وطنهم في الماضي لصراعات الآخرين على أرضهم، ولمسوا ورأوا بأمّ العين ما تركه انسياقهم وراء تلك الصّراعات من خراب، ومن توقّف لعجلة الحضارة والانتاج والعمران، واستخلصوا أنّ الرّجوع إلى تلك الحقبة ممنوع على الإطلاق، والسبيل الى ذلك، هو التفافهم حول جيشهم الذي يعبّر أصدق تعبير عن وحدتهم وتطلعاتهم، ويشكّل الضمانة الأولى لأمنهم واستقرارهم.