ذكرى

جامعة الروح القدستكرّم وديع الصافي في مؤتمر دولي
إعداد: جان دارك أبي ياغي

كرّمت جامعة الروح القدس - الكسليك الفنان الكبير الراحل وديع الصافي في مؤتمر دولي، من تنظيم كلية الموسيقى فيها بالتعاون مع المجمع العربي للموسيقى التابع لجامعة الدول العربية. شارك في المؤتمر نخبة من الباحثين اللبنانيين والعرب، قدّموا أبحاثًا تمحورت حول وديع الصافي، الإنسان والفنّان والمطرب والملحّن، الذي أوجد «مدرسة» ونهجًا في الغناء والأداء والتلحين.

 

حضر حفل الإفتتاح (قاعة البابا يوحنا بولس الثاني- حرم الجامعة الرئيس) الرئيس العام للرهبانية اللبنانية المارونية الأباتي طنوس نعمة ممثلًا بالأب المدبر أيوب شهوان، رئيس الجامعة الأب هادي محفوظ، عميد كلية الموسيقى الأب يوسف طنوس، رئيس المجمع العربي للموسيقى الأمين بشيشي ممثلا بأمين المجمع الدكتور كفاح فاخوري، بالإضافة إلى عائلة وديع الصافي، وعدد من الفعاليات الفنية والثقافية والاجتماعية والتربوية...
بداية تحدّث عميد كلية الموسيقى الأب يوسف طنوس الذي اعتبر «أن وديع الصافي يمثّل الموهبة الفطريّة التي تبلورت وصقلت من خلال الممارسة، ومن خلال الاحتكاك بالوسط الفنيّ الذي لم يكن يقبل سوى المواهب المتميّزة التي يمكنها أن تُغني الموسيقى وتطوّرها». وقال: «جمع وديع الصافي الصوت المميّز والأداء المتقن والموهبة التلحينيّة الفطرية الآسرة، فأبدع في أساليب غنائيّة وتلحينيّة متعدّدة. وكان للموّال والإرتجال حصّتهما في إبداعاته، فقد أغناهما بمدى صوتيّ واسع ومتجانس نادر، وبفنّ راق ومبدع اغتنى بمصادر موسيقيّة متنوّعة». واعتبر أن المؤتمر يسلّط الضوء على فنّان مبدع «مدرسة» في الغناء والإرتجال والأداء والتلحين، ساهمت في تطوير الموسيقى العربية واللبنانية... وخلص إلى أنه «مع موجة العولمة الموسيقية الجارفة، وفي زمن ضياع الهويّة الموسيقيّة اللبنانية والعربية، يبقى وديع الصافي المنارة أو البوصلة الموسيقية، التي تهدي كلّ العابرين... وإنّ الإنطلاق من التراث في أي عمليّة تطوير أو تجديد للغناء اللبناني والعربي يجب أن يكون ركيزة كلّ موسيقى تحمل الهويّة الموسيقيّة اللبنانية والعربيّة».
كلمة رئيس المجمع العربي للموسيقى (جامعة الدول العربيّة) الأمين بشيشي، ألقاها ممثله الدكتور كفاح فاخوري الذي ذكّر بحادثة طريفة وقعت خلال إحدى زيارات الأستاذ وديع الصافي للجزائر، قال: «كان ذلك منذ أربعين سنة خلت، ولم يكن المنظمون على دراية بما يلزم في حالات معينة. بعد وصلة أجهد نفسه خلالها، عبّر الأستاذ وديع بالإشارة أنه يريد أن يشرب، فأتوه بكأس ماء معدني شرب منه جرعة والتفت إلى الجمهور وقال: كأس ليلى، فدوّى تصفيق الجمهور وأدرك أحد العارفين أن الفنان يرغب في تسخين حباله الصوتية كي يسلطن، فأتوا له بقنّينة زادته حيوية، وأبدع وتألّق كعادته».
أعمال المؤتمر توزّعت على عدة محاور: صوت وديع الصافي وخصائصه، الموّال والإرتجال عند وديع الصافي، الأنواع الغنائيّة التي غنّاها، وديع الصافي الملحّن، ومدرسة وديع الصافي. وقد ركّز المحاضرون على مساحة الصوت الكبيرة التي يتمتّع بها الصافي، إلى جانب موهبته الفطريّة. فالغناء اللبناني يتميّز بالموّال الذي يشبه الجبل اللبناني الشامخ، وعندما يغنّي الصافي موّالًا، فهو يعلو بصوته كالجبل. وهذا النوع يبتعد عن «غناء الصحراء» الذي يكون هادئًا فلا يعلو ولا ينخفض، ويبتعد أيضًا عن «غناء البادية» أو «غناء البحر» المتموّج كالموج. وفي ما خص الأنواع الغنائية كان تركيز على غناء الصافي إضافة إلى صوته وألحانه، غَنّى الصافي مختلف الألوان الغنائية من «البدوي» إلى «الجبلي» و«الساحلي» و«القصيد» و«الموشّح»، ولذلك هو شخصية فنية متكاملة. ملحّن، مطرب ومؤدّ، وهذه الصفات الثلاث سمحت له بخلق مدرسته ولونه الخاص.
والمقصود بمدرسة الصافي الغنائية، وفق ما أوضح أحد الباحثين، هو الأسلوب الفني لناحية نوعية الألحان، خامة الصوت، العُرَب الصوتية، القفلات التي يستخدمها، مدى الصوت والمواضيع المغنّاة. فكلّ هذه الخصائــص تشـكّل الأســلوب الغنــائي والتلحينــي الذي بــات يُعرف اليوم بأســلوب وديــع الصافي.
يذكر أن المؤتمر كرّم الصافي غناء في حفلتين، الأولى كانت في ختام الإفتتاح حيث أحيت فرقة الغناء العربي لكلية الموسيقى في الجامعة، حفلة موسيقية بقيادة الأستاذة غادة شبير، قدّم خلالها أعضاء الفرقة الذين هم بمعظمهم من طلاب الغناء العربي في الكلية، باقة من المقطوعات الموسيقية لوديع الصافي، من أغان وموشحات ومواويل... لاقت استحسان الحضور وأعادته إلى زمن التراث الموسيقي الأصيل.
وفي اختتام المؤتمر أحيت جوقة جامعة الروح القدس بقيادة الأب يوسف طنوس حفلة موسيقية أخرى ضمّت باقة من تراتيل وأغاني وديع الصافي. ووزّعت الجوائز على المتبارين في الغناء من أعمال وديع الصافي.