مناورات وتمارين

جاهزون لأداء الواجب كاملًا...
إعداد: الرقيب أول كرستينا عباس

منذ انطلاق «الأسد المتأهب» في العام ٢٠١١ يشارك الجيش اللبناني في هذا التمرين الذي يُقام في الأردن وتُشرف عليه الولايات المتحدة الأميركية ويُعتبر من أكبر التدريبات العسكرية في المنطقة. وهو أول حدث من نوعه في مجال تنفيذ سيناريوهات متقدمة للقضاء على الإرهاب، وعمليات عسكرية مشتركة من قِبل عدد كبير من جيوش الدول الصديقة.

مشاركة الجيش اللبناني في التمرين بنسخته العاشرة (أيلول ٢٠٢٢) أكدت مرة جديدة الكفاءة العالية التي يتمتع بها عسكريونا الذين عادوا إلى لبنان مزودين الكثير من المعارف والخبرات فضلًا عن الإعجاب والاحترام.

 

يُشكّل «الأسد المتأهب» «حدثًا متعدد الأوجه يدل على التزامنا الشراكات واستجابة القوة المشتركة التي تعمل في بيئات معقدة لا تسمح بالانتصارات السهلة أو المكاسب السريعة»، وفق ما قال الجنرال ستيفن دي ميليانو مدير إدارة التدريب والتمارين في القيادة المركزية الأميركية قُبيل انطلاق التمرين. وأضاف: «على نحو أوسع، تمكّن الشراكات الجيوش من تنمية قدراتها والاستجابة بسرعة لحالات الأزمات الصعبة». وحسب ميليانو يؤكد التمرين «التزام الولايات المتحدة تجاه الشركاء في الشرق الأوسط والدفاع المشترك ضد التهديدات الهجينة من قبل الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية. وبينما نواجه أعمالًا عدوانية متزايدة من جانب قوى خبيثة في جميع أنحاء العالم، فإنّ هذه الشراكات تمكننا من مواجهة التهديدات الجديدة والمستمرة معًا».

 

مواجهة التهديدات الإقليمية

تضمّن برنامج «الأسد المتأهب ٢٠٢٢» مهمة لقاذفة قنابل بعيدة المدى، وتهديدات سيبرانية من خصوم وهميين، وصقل مهارات الاتصال والتنسيق بين الوكالات، وتطوير مهارات مكافحة الإرهاب، وتحقيق التزامن في قدرات الدفاع الصاروخي الجوي المتكاملة، وتعزيز كفاءات الأمن البحري والحدودي، والاستجابة للكوارث، والمساعدات الإنسانية.

واختبر سيناريو التمرين قابلية التشغيل البيني لمواجهة التحديات الإقليمية عبر المجالات الجوية والبرية والبحرية والسيبرانية. وتألّف بناؤه من تدريب ميداني ومناورات باستخدام الذخيرة الحية للأسلحة المشتركة، وتمرين لمركز القيادة، وندوة لكبار القادة لتسهيل تبادل المعلومات من المستويات التكتيكية إلى المستويات الاستراتيجية.

 

أهداف التمرين والقوى المشاركة

أوضح قائد القوات المركزية الأميركية الفريق أول مايكل كوريلا Michael Corella أنّ الخطط الموضوعة لتمرين الأسد المتأهب ٢٠٢٢ مصممة لتحقيق ثلاثة أهداف أساسية هي: بناء قاعدة للتشغيل البيني مع القوات المشاركة، والحفاظ على شراكات قوية في المنطقة، وتعزيز الأمن الإقليمي. وعن حجم القوى المشاركة قال كوريلا أنّها «تضم ١٨٥٠ جنديًا أميركيًا تدربوا إلى جانب أكثر من ٢٧٠٠ أردنيًا بالإضافة إلى قوات من ٢٦ دولة شريكة أخرى يُقدر عددها بنحو ٨٠٠ عسكري».

 

جيوش كثيرة وأمر عمليات موحّد!

اعتمد التمرين سيناريوهات تحاكي التهديدات الأمنية في المنطقة، وكُلّف قادة القوات المشارِكة بالتخطيط للعمليات العسكرية، إذ وضع كل قائد وحدة أمر عمليات يمكن تنفيذه للسيناريو المطروح. وبعد شرح كل أوامر العمليات المُخطَط لها، كانت الأفكار تُدمج في أمر عمليات موحَد يتم تنفيذه. وقد أتاحت هذه الآلية أن تستفيد القوى المشارِكة من خبرات وقدرات بعضها بعضًا.

في ما يخص الجيش اللبناني، شاركت وحدتان من فوجَي المغاوير ومغاوير البحر، وتميزتا بأداء عالي المستوى عكس قدرات جيشنا ومهارات عناصره وتطور تدريباتهم.

 

المغاوير: المفاجأة في التخطيط للعمليات

نفّذ عناصر فوج المغاوير في منطقة ياجوز القريبة من العاصمة عَمان، سيناريوهَين محتملَين: يحاكي الأول مداهمة قريتَين متباعدتَين جغرافيًا فيهما مجموعات إرهابية، وتخلّل هذا السيناريو عملية إخلاء أحد المصابين، ومواكبته منذ اللحظات الأولى لإصابته وتقديم الإسعافات الأولية اللازمة له وصولًا إلى نقله بأمان إلى المستشفى.

أما السيناريو الثاني، فقد كان عبارة عن مداهمة قرية تتألف من ١٢٨ منزلًا، ثم تعدّلت الخطة لتصبح مداهمة ١٠ مبانٍ موجودة في وسط القرية، وبذلك يكون المشرفون على التمرين قد أشركوا عنصر المفاجأة في التخطيط للعمليات، الأمر الذي قد يواجهه أي جيش في معركته ضد الإرهاب.

ويشير آمر الفصيلة المنتدبة إلى التمرين الملازم أول زهير داغر إلى أنّ عدد عسكرييه الذين شاركوا كان ٣٠، وقد تم اختيارهم على أساس مهاراتهم. وهو يوضح أنّ التدريبات التي خضعوا لها قبل أسبوعَين من المناورة كانت عبارة عن رمايات بالذخيرة الحية، وقتال في الأماكن المبنية ومداهمات. ويضيف: « التدريب هو خبزنا اليومي، نثابر على متابعته ونعمل على تطويره، ونستفيد من خبرات جيوش أجنبية صديقة مثل الجيشين الأميركي والبريطاني»، منوّهًا بأنّ هذا العامل سمح لعناصر الفوج بالاندماج فورًا مع الجيوش التي نفّذوا المناورة إلى جانبها (العراق، السعودية، الأردن، قبرص، كازخستان، فرنسا وأميركا).

ويلفت الملازم أول داغر إلى تميّز عسكريي الجيش اللبناني في تمرين «الأسد المتأهب» بانضباطهم ومناقبيتهم. كما يشير إلى أنّ عناصر فوج المغاوير استطاعوا تصميم مجسّمات تحاكي طبيعة الأرض التي سيقومون بمداهمتها، واستخدموا هذه المجسّمات في أثناء شرح خطة الهجوم النهائية، الأمر الذي أذهل المشاركين من الدول الأخرى. كذلك، يشير الملازم أول داغر إلى الدقة في عمل مسعفي الفوج الذين شرحوا خطة الإخلاء الطبي ونظموا عملية تقديم الإسعافات الأولية، وخلال التنفيذ التزموا الخطة بحذافيرها.

 

تجربة فريدة

في سرية المهمات الخاصة التابعة لفوج المغاوير، نلتقي المعاون أول الياس الأسمر الذي يخبرنا باعتزاز عن سرعة تأقلم عسكريي الفوج مع عناصر الجيوش الأخرى ومع طبيعة الأرض في الأردن. ويقول عن تجربته: «نفّذنا كل ما طُلب منا بجدية تامة، وشاركنا في المداهمات بسلاسة، فهي تُعد جزءًا من عملنا اليومي. أنا أفتخر بأنني عسكري في الجيش اللبناني، فبفضل تطور إمكاناتنا البشرية، نجحنا وأظهرنا مدى كفاءتنا في التعامل مع التحديات المختلفة رغم تواضع إمكاناتنا المادية. وأكّد أنّه بالإضافة إلى التعرّف على قدرات الجيوش الأخرى، فإنّ المشاركة في هذا التمرين جعلته يتعلّم من الأخطاء الصغيرة التي قد تحصل، كالانحراف الطفيف عن المسار، ليحسّن أداءه في مهمات ومناورات أخرى.

من جهته، عبّر آمر الحضيرة في السرية الخامسة من فوج المغاوير المعاون أول كُتيبة عبد اللطيف عن مدى فخره بمشاركته في هذا التمرين للمرة الأولى في حياته العسكرية لأنّه من خلاله استطاع التعرّف على أساليب الهجوم التي تعتمدها الجيوش المشاركة، والتي تختلف بين فصيلة وأخرى. وقال:«اكتسبنا خبرة إضافية من خلال تعاملنا مع مجموعات تمتلك قدرات مختلفة، خصوصًا على صعيد مداهمة عدد كبير من المباني في بقعة جغرافية معينة».

 

مغاوير البحر: الاحتراف في أعلى مستوياته

شارك من فوج مغاوير البحر ٣١ عسكريًا يتوزعون بين ضباط ورتباء وأفراد تم اختيارهم على أساس الكفاءة، وخضعوا لاختبارات داخلية وفق الاختصاصات (مداهمة سفن، قنص، إسعاف، وعمليات برمائية). ثم خضعوا على مدى ثلاثة أسابيع لبرنامج تدريبي متنوع هدفه اختبار المهارات الفردية والجماعية، وفق ما يفيدنا رئيس الفرع الثالث في الفوج الرائد قاسم ركين. وهو يشير إلى أنّ التدريبات التي يتابعها الفوج مع الفرق الأجنبية عززت كفاءة العناصر وحرفيتها، خصوصًا في كل ما يتعلّق بالشق البحري (مداهمة سفن، تأمين شاطئ وحماية أهداف حساسة). فهذه التدريبات جعلت مغاوير البحر يتعاملون مع المناورات والأهداف غير المحضرة مسبقًا في «الأسد المتأهب» بكفاءة عالية.

تمركزت قوى مغاوير البحر اللبنانية في منطقة العقبة، حيث كانت في أتم الجهوزية لتنفيذ المهمات الموكلة إليها. وشاركت في جميع النشاطات المتعلّقة بالعمليات البحرية إلى جانب وحدة من الجيش الأميركي ٥ Seal Team بالإضافة إلى فريق مكافحة الإرهاب المائي الأردني. شمل السيناريو الذي نفذته هذه القوى مع الجانبين الأميركي والأردني مداهمة سفن عسكرية ومدنية غير متعاونة وتوقيف مطلوبين واحتلال شاطئ ومداهمة مبنى تتحصن فيه مجموعة إرهابية. وقد أظهر عسكريو الفوج مستوى عاليًا جدًا من الكفاءة والانضباط، كما أكدوا امتلاكهم مهارات مميّزة، وقدرتهم على العمل كفريق متجانس، ما أثار إعجاب المشاركين الآخرين والمنظّمين.

ويعبّر الرقيب أول عبد الرحمن الدرباس من سرية الاستطلاع في فوج مغاوير البحر عن الشعور نفسه، مؤكدًا: «أصبحنا قادرين على تنفيذ هذا النوع من المناورات والمهمات باحتراف عالي المستوى وبدقة متناهية».

في الخلاصة كانت تجربة «الأسد المتأهب» بالنسبة لمغاوير البحر فرصة لمعرفة مهارات القوات الخاصة المشتركة وقدراتها، ولمعرفة كفاءة عناصره وقدراتهم، كما كانت مناسبة لتبادل الخبرات والمعارف مع المشاركين الآخرين، والتمرّس في تنفيذ مهمات تشارك فيها وحدات من عدة دول، علمًا أنّ المهارات والتقنيات القتالية لدى الدول المشاركة هي متقاربة وموحدة نظرًا لاعتماد البرامج التدريبية نفسها. من جهة أخرى أتاح هذا التمرين مجال التعرّف إلى العتاد الخاص بالمداهمة الذي تملكه سفن الجيوش الصديقة.

وما سبق ذكره يدعو الرقيب أول عبد الرحمن الدرباس من سرية الاستطلاع في فوج مغاوير البحر إلى الإعراب عن فرحه بالمشاركة في هذا التمرين المهم، مؤكدًا: «أصبحنا قادرين على تنفيذ هذا النوع من المناورات والمهمات باحتراف عالي المستوى وبدقة متناهية».

الأسد المتأهب مناورة جديدة تجمع جيشنا بعدد من أهم جيوش العالم، ويثبت خلالها عسكريونا أنّهم على قدر المسؤولية وأنّهم يمتلكون مهارات وكفاءات تضاهي ما تمتلكه أكبر الجيوش. وإذا كانت مشاركتهم في هذا التمرين محط إعجاب في السنوات السابقة، فإنّ أداءهم هذه السنة رغم كل الظروف التي يعيشونها، أثبت أنّهم يمتلكون من العزم والإرادة ما يكفي لتذليل كل الصعوبات مهما كانت قاسية. وأنّهم دائمًا جاهزون لأداء واجبهم كاملًا، سواء كان مهمة عملانية، تدريبية أو إنسانية.

 

عرض لكفاءة القوات المشاركة

لفت قائد القوات المركزية الأميركية عقب التمرين إلى أنّ التدريبات المشتركة هي جزء مهم من نشاط القيادة المركزية الأميركية في المنطقة على الرغم من الصعوبة التي تواجهها بسبب تعدد اللغات والبلدان والعمليات، وأكّد أنّ «الأسد المتأهب» كان عرضًا لكفاءة القوات الموجودة هنا». وأضاف: «الأهمية الحقيقية لهذا التمرين تكمن في نضج قدراتنا القتالية كشركاء ونموها بشكل أقوى حتى نتمكن من الاستجابة بكفاءة وسرعة في أثناء أي أزمة، وتعزيز القدرات التي تتيح لنا الاستجابة السريعة عندما يتعرض أمن المنطقة للخطر».