جدلية مصالح الموقف الأميركي ومبادئه من الثورتين التونسية والمصرية

جدلية مصالح الموقف الأميركي ومبادئه من الثورتين التونسية والمصرية
إعداد: أ.د.غسان العزي
أستاذ في العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية

المقدّمة

تنقسم دراسات التحوّل الديموقراطي[1] (أو  الترانزيتولوجيا) بين وجهتَي نظر، تعتبره الأولى شأنًا داخليًا يقتصر فيه الدور الخارجي على مجرّد المساهمة في خلق بيئة ملائمة أو غير ملائمة للتحوّل، في حين ترى الثانية أنّ تحقّق الديموقراطية يعتمد على جهات فاعلة خارجية أكثر منه على العوامل الداخلية السياسية والاجتماعية. وقد أحصى الباحثون أربع موجات تحوّل ديموقراطي في العالم إلى الآن، أبرزها تلك التي أسقطت جدار برلين في العام ١٩٨٩ وأنهت المعسكر الشرقي السابق الذي تحوّلت دوله من الشيوعية إلى الليبرالية. وكان للولايات المتحدة دور حاسم في هذا التحوّل الذي استخدمت من أجله وسائل الضغط المتاحة كلها على الاتحاد  السوفياتي طوال عقود طويلة، وأقنعت حلفاءها أن يمارسوا بدورهم مثل هذه الضغوط[2]، في وقت كانت تتحالف فيه مع أنظمة استبدادية في أميركا اللاتينية والشرق الأوسط وأفريقيا. وبعد حدوث التحوّل الديموقراطي في دول المعسكر الشرقي، استمرت واشنطن في مساعدتها على تكريسه وترسيخه عبر المساعدات بشتى أنواعها، وإدخالها في حلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي.

من الأهمية بمكان دراسة موقف الولايات المتحدة من التحوّل الديموقراطي العربي لانخراطها القوي في قضايا الشرق الأوسط وقدرتها على تأدية دور فاعل في إعاقة التحوّل أو مساعدته  في هذه المنطقة.

تسعى هذه الدراسة إلى سبر أغوار مواقف إدارة أوباما من الانتفاضات الشعبية التونسية والمصرية، والسؤال الذي تطرحه: كيف تطور رد الفعل الأميركي من الحذر والترقّب لينتقل إلى الإعجاب بالانتقال السياسي (ولا نقول التحوّل الديموقراطي) الحاصل، ليعود مجدّدًا إلى الترقّب والبراغماتية إزاء التطورات التي أفضت في النهاية إلى عودة الدولة العميقة في تونس ومصر وأنهت ما سمّي جزافًا بالربيع العربي.

ومن دون الخوض في معاني المصطلحات، لا بد من توخّي الحذر حيال تعبير الربيع العربي المستوحى من ربيع الشعوب الأوروبية (١٨٤٨) أو بودابست (١٩٥٦) أو براغ (١٩٦٨)، أو أوروبا الشرقية (١٩٨٩). فالظروف التاريخية والجغرافية والاجتماعية مختلفة في هذه البلدان، وفي البلدان العربية التي اختلفت في ما بينها بالنسبة لمجريات الربيع ونتائجه. أما عن تعبير ثورة، فهو الآخر ليس ملائمًا تمامًا لأنّه يعني إحلال نظام سياسي جدّ مختلف مكان نظام بائد[3]، وهذا ما لم يحصل في تونس ومصر رغم سقوط الرئيسين فيهما. كذلك، إنّ تعبير انتفاضة يقتصر على هبة شعبية مؤقتة تحمل مطالب محددة قد يتم تلبيتها فتتوقف. ما حدث لم يكن ربيعًا، وكان أقل من ثورة وأكثر من انتفاضة، إنّه يقترب من كل منها من دون أن يتطابق معها بالضرورة.

لماذا توقفت هذه الدراسة عند الحالتين التونسية والمصرية من دون سواهما؟

تونس ليست الحليف الأهم لواشنطن في المنطقة، لكن يحتفظ البَلَدان بعلاقاتٍ وثيقة منذ استقلال تونس عن فرنسا في العام ١٩٥٦. وفي تونس بدايةً، كان على إدارة أوباما أن تقوم بردّ فعلها الأول على انتفاضة شعبية شكّلت مفاجأة بقوّتها واتّساعها. أما مصر، فهي الحليف الأهم بعد إسرائيل للولايات المتحدة في المنطقة، وبالتالي لا مناص من دراسة موقفها مما حصل لأهميته وتأثيره. وقد تزامنت الثورتان التونسية والمصرية تقريبًا، وسقط حسني مبارك بعد أقل من ثلاثة أسابيع على سقوط بن علي، كما تزامنت تطورات الانتقال السياسي بعدها. وتميّز البَلَدان بسقوط رأس النظام من دون تدخّل عسكري خارجي أو داخلي، أو سفك دماء، كما حصل في دول الربيع العربية الأخرى التي تحولت ساحات حروب أهلية ودولية.

لذلك، من المهم دراسة ردود فعل واشنطن حيالهما، هل كان دافعها العلاقات والمصالح أو المبادئ والقيم (الحرية، الديموقراطية، حقوق الإنسان ...) التي تدّعي اعتناقها والسعي لنشرها؟ ونظرًا لأهمية مصر الاستراتيجية، هل تبنّت إدارة أوباما وضعًا خاصًا حيالها؟ وكيف تطور موقفها إزاء الثورتين من الحذر والترقّب إلى التأييد، ومن الإعجاب إلى القلق من النتائج التي تمخّضت عنها الثورتان والتي عادت إلى التكيّف معها، وكأنّ شيئًا لم يكن؟

من الناحية المنهجية، تعتمد هذه الدراسة على منهج النظم (ديفيد إيستون) معتبرة أنّ ما حدث في تونس ومصر بدايةً كان بمثابة مدخلات لنسف القرار السياسي الأميركي، والذي كانت ردود فعله بمثابة مخرجات، عادت إليه بطريقة التغذية العكسية لتؤثر فيه بعدما تأثرت به. وهكذا، طوال أعوام أربعة تقريبًا (٢٠١١-٢٠١٤)، كان هناك أفعال وردود أفعال في عملية تفاعلية ما بين المواقف الأميركية، وتطورات مسار الانتقال السياسي في كل من تونس ومصر.

القسم الأول من الدراسة يسلّط الضوء على تطور نظرة الولايات المتحدة إلى الديموقراطية في العالم العربي، منذ بداية الحرب الباردة إلى نهاية عهد الرئيس بوش الابن، الأمر الذي يساعد على فهم مواقف إدارة أوباما حيال التطورات التونسية والمصرية (القسم الثاني).

 

الولايات المتحدة والديموقراطية في الشرق الأوسط

بعد الحرب العالمية الثانية تطورت السياسة الخارجية الأميركية في حقب ثلاث أساسية: الأولى هي الحرب الباردة (١٩٤٧-١٩٩٠) حيث النظام الدولي ثنائي القطبية، ثم خلال العقد الأخير من القرن المنصرم حيث صاغت إدارة كلينتون استراتيجية تسعى إلى بناء نظام دولي أحادي القطبية بالدبلوماسية وذريعة نشر الديموقراطية من غير الاستخدام المفرط للقوة العسكرية. وأخيرًا، فإنّ إدارة بوش الابن حاولت استثمار تفجيرات ١١ أيلول ٢٠٠١ الإرهابية في محاولة لفرض نظام دولي أحادي تحت هيمنتها ولو بالقوة .

خلال الحرب الباردة، حكمت المواجهة مع المعسكر الشرقي سياسات الإدارات الأميركية المتعاقبة، والتي نظرت إلى الشرق الأوسط من زاوية هذه المواجهة. لم يكن من مكان لمفهوم الديموقراطية في هذه المنطقة حيث تحالفت واشنطن، كما الاتحاد السوفياتي من جهته، مع أنظمة بعيدة عن الديموقراطية. وبعد اختفاء التهديد الشيوعي، عثرت مراكز العصف الفكري الأميركية المؤثرة في القرار السياسي على تهديد جديد أرادته بديلًا عن العدو القديم، لتبرير سياساتها الهجومية الدولية وإنفاقها الدفاعي المتضخم، هو الأصولية الإسلامية التي كانت حليفًا لها إبّان الحرب الباردة لاسيما في مواجهة الغزو السوفياتي لأفغانستان. وجاءت تفجيرات ١١ أيلول ٢٠٠١ لتفتح حقبة جديدة في التعاطي الأميركي مع العالم العربي، سعيًا للسيطرة الناجزة من خلاله على النظام الدولي الجديد بحسب رؤية المحافظين الجدد.

 

أ- خلال الحرب الباردة: المصالح لا المبادئ

في هذه الفترة (١٩٤٧-١٩٩٠) تزعّمت واشنطن ما سمّته العالم الحر في وجه المعسكر الشرقي الذي قاده الاتحاد  السوفياتي. وقد استخدمت قيم الديموقراطية وحقوق الإنسان، من ضمن أدوات أخرى، في صراعها معه. لكنّها في الواقع، تحالفت مع أنظمة عربية غير ديموقراطية في سبيل تأمين النفط بأسعار معقولة وممرات عبوره (الشرق الأوسط يضم ٦٦٪ من الاحتياطات النفطية العالمية) إلى الدول الغربية الحليفة. وفضّلت الستاتيكو على تغيرات سياسية مجهولة النتائج، فالاستقرار كان أهم من الحرية والديموقراطية.

والحال هذه كان منع انتشار الشيوعية هدفًا أميركيًا له الأولوية، عملًا باستراتيجية صدّ التهديد الشيوعي التي كتب عنها جورج كينان (مستر أكس) في الفورين أفيرز[4]، والتي كشف عنها الرئيس ترومان في خطابه في ١٢ آذار ١٩٤٧ أمام الكونغرس.

وكانت الولايات المتحدة، في خمسينيات القرن المنصرم وستينياته، في مواجهة مع المد القومي العربي انطلاقًا من مصر جمال عبد الناصر. وكانت السي.آي.إيه، بالاشتراك مع الاستخبارات البريطانية قد أسهمت بالانقلاب على محمد مصدق في إيران الذي انتُخب ديموقراطيًا في ٢٩ نيسان١٩٥١، لأنّه كان يحمل مشروعًا لإفادة الشعب الإيراني من ثروته النفطية. من جهته، كان عبد الناصر يحمل مشاريع داخلية وإقليمية لا تُرضي الأميركيين الذين يقدّمون لإسرائيل أشكال الدعم كلها، على أساس أنّها في نظرهم الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط.

نتائج حرب حزيران ١٩٦٧ قوّت من أواصر التحالف الأميركي-الإسرائيلي، والذي سيضحّي من ثوابت السياسة الأميركية في الشرق الأوسط مع النفط. وقد انتهت هذه الحرب باحتلال إسرائيل للمزيد من الأراضي العربية، وتسديد ضربة قاصمة للقومية العربية، الأمر الذي أخلى مكانًا واسعًا لصعود منظمة التحرير الفلسطينية والتيارات الإسلامية السياسية التي كان بعضها حليفًا لواشنطن في وجه الاتحاد السوفياتي الملحد.

بلغ التحالف الأميركي مع بعض التنظيمات الإسلامية المتطرفة أَوَجّه خلال مقاومة الاحتلال السوفياتي لأفغانستان، فقد استقبل الرئيس ريغان في البيت الأبيض، في ٢/٢/١٩٨٣ممثلين للمجاهدين الأفغان حيث وصفهم بالمناضلين من أجل الحرية.

وفي الحقيقة، أنّ الاتحاد السوفياتي هو الآخر كان يدعم أنظمة عسكرية واستبدادية في المنطقة، طالما أنّها معادية للأمبريالية الأميركية، وبالتالي فإنّ الأنظمة البعيدة عن الديموقراطية وحقوق الانسان كانت تتلقى دعمًا من القوّتين العظيمتين. لم يكن أحد يكترث لمثل هذه المبادىء والقيم، فالأولوية كانت للصراع الأيديولوجي والاستراتيجي بين المعسكرَين.

 

ب- غداة سقوط جدار برلين: العدو الجديد

انتهى الصراع الإيديولوجي الذي كان سائدًا خلال الحرب الباردة بشكلٍ مفاجىء. وجد الأميركيون أنفسهم فجأة من دون عدو يبرّر لهم تكاليف سياسات الهيمنة كلها، على ما قاله أحد مستشاري الرئيس غورباتشيف للرئيس بوش الأب في العام 1990:"سنقوم بعملٍ مريع ضدكم. سنحرمكم من العدو، فمن الآن وصاعدًا، لن يكون لكم أعداء"[5]. لكنّ هذا المستشار لم يكن يعرف أنّ مراكز التفكير Think tanks في الولايات المتحدة ستعثر قريبًا على هذا العدو: الإسلام السياسي.

خلال الحرب الباردة كانت الأنظمة والحركات الإسلامية عمومًا أقرب إلى الولايات المتحدة منها إلى الاتحاد السوفياتي الشيوعي الملحد. وكانت بعض هذه الحركات تتلقّى الدعم من واشنطن في أكثر من مكان ولغير هدف، كزعزعة استقرار حكمٍ يناوىء الأميركيين. لكنّ المصالح الثابتة تبرر تغيير التحالفات المتغيرة بطبيعتها.

ففي التسعينيات، ساد الكلام في الأدبيات السياسية الغربية حول هذا الخطر الإسلامي، وهناك من رأى في حرب الخليج الثانية حربًا أولى بين الإسلام والغرب. وفي العام 1993 نشر صموئيل هانتنغتون مقالته الشهيرة في الفورين أفيرز، التي استقطبت الاهتمام الدولي قبل أن تتحول إلى كتاب في العام 1996، تُرجِم إلى معظم اللغات العالمية وتسبّب بجدلٍ واسع[6].

إنّ إدارة الرئيس كلينتون لم تتبنَّ أطروحة صدام الحضارات، بل أعلنت على لسان مستشار الأمن القومي أنطوني ليك في العام 1993، نهاية مبدأ الصد Endiguement الذي حكم السياسة الدولية الأميركية خلال الحرب الباردة، لمصلحة مبدأ جديد هو التوسيع Enlargement، أي توسيع نطاق الحرية والليبرالية (بالمعنى الاقتصادي على الأرجح) وفرضهما بشتّى الوسائل على أنحاء المعمورة كافة[7].

لماذا كانت مراكز التفكير think tanks القريبة من الليكود الإسرائيلي والمحافظين الجدد والأصوليين المسيحيين تعمل على صناعة رأي غربي يتّخذ من الإسلام عدوًا؟

هذا لأنّ قراءتها للعالم بعد انهيار جدار برلين سيكون أكثر خطورة، والدولة الأعظم تحتاج لعدوٍ مخيف يبرّر لها سياسات الهيمنة على النظام الدولي وزيادة الإنفاق العسكري وتطوير السلاح بدلًا من نزعه .

لماذا الإسلام السياسي تحديدًا يُعتبر عدوًا؟

لأنّ في أميركا اللاتينية لم يعد الغرينغو Gringos كما كانوا عليه في أعين الأميركيين، والصين لم تعد كما كانت عليه أيام ماوتسي تونغ، والمعسكر الشرقي السابق انتهى وسارعت دوله إلى الدخول في اقتصاد السوق والاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي. أما الإسلام، فميزته أنّه يقبع في مناطق غنية بالنفط والمواد الأولية والممرات الاستراتيجية التي يُعتبر مسيطرًا عليها من يسيطر على النظام الدولي. ثم إنّ البلدان الإسلامية في جلّها تعاني من أزمات اجتماعية وسياسية واقتصادية تجعل من السهل الضغط عليها لاتخاذ قرارات وأعمال مناسبة للمصلحة الأميركية. والإسلام، مثل الشيوعية، يمكن أن يكون عدوًا خارجيًا عالميًا وداخليًا في الوقت نفسه من خلال المهاجرين المسلمين الذين يعيشون في الدول الغربية، وتعاني علاقاتهم بها الكثير من الأزمات والمشاكل.

 

ج- إدارة بوش الابن وجعل "الشرق الأوسط الكبير" ديموقراطيًا

على الرغم من أنّ استراتيجية  كلينتون قامت على توسيع نطاق الديموقراطية ليشمل العالم، إلا أنّها استمرت في التعامل مع الأوتوقراطيات العربية بمعزلٍ عن تجاوزاتها لحقوق الإنسان. وكانت إدارة بوش الأب قد دعمت النظام الجزائري، عندما ألغى الانتخابات التشريعية التي فازت فيها الجبهة الإسلامية للخلاص في العام 1991. برّر ذلك وزير الخارجية الأميركي آنذاك جيمس بيكر بالقول: "بشكلٍ عام، عندما ندعم الديموقراطية فإنّنا نقبل بما تقدمه لنا (...)، لم نطبّق ذلك على الجزائر لأنّ الخيارات الأصولية كانت معاكسة لقيمنا ومصلحتنا"[8].

ثم كشفت تفجيرات 11 أيلول 2001، التي حلت كـ"نعمة إلهية" على المحافظين الجدد[9]، أنّ استقرار الأنظمة العربية الموالية لا يعني بالضرورة أمن الولايات المتحدة. عبّر الرئيس بوش عن ذلك بالقول: "إنّ تعايش الأمم الغربية مع نقص الحرية في الشرق الأوسط خلال الستين سنة الماضية لم يكفِ لضمان أمننا، لأنّ الأمن والاستقرار لا يمكن تحقيقهما من دون حرية ولا على حسابها"[10]. وهذا ما كرّرته وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس على مسامع طلاب جامعة القاهرة في حزيران 2005:"من الآن وصاعدًا تفضّل الولايات المتحدة الحرية على الاستقرار"[11]. في حين وصفت إصلاحات حسني مبارك بغير الكافية أمام طلاب معهد العلوم السياسية في باريس وقالت:"يجب أن تحل دولة القانون محل حالة الطوارئ والنظام القضائي المستقل محل العدالة الانتقائية، وأن تُؤمن الحكومة المصرية بشعبها"[12]. كما أعلنت عن تبنّي إدارتها لدبلوماسية جديدة وصفتها بالتحويلية[13] Transformative Diplomacy ، تقوم على الأمل بالتغيير الديموقراطي في المنطقة على المدى الأطول.

لكن في الحقيقة لم يكن مشروع أميركا الديموقرطي سوى غطاء لغزو العراق في العام 2003، والذي برّرته واشنطن بوجود أسلحة دمار شامل في العراق وتعاونه مع تنظيم القاعدة. وإذ تبيّن بعد وقت قصير أنّ هذا غير صحيح، لجأت إلى تلك الذريعة فكشفت في شباط 2004 عن مشروعها الشهير لـ"الشرق الأوسط الكبير" الذي ينطلق بعد جعل العراق ديموقراطيًا، إلى تغيير وجه المنطقة بكاملها. وقد نشرت صحيفتا الواشنطن بوست والحياة في 7 شباط 2004 تفاصيل هذا المشروع الذي يتضمّن بنودًا حول الحكم الرشيد وحرية المرأة والحريات العامة والانتخابات وغيرها. لكنّ سياساتها كانت تتجه نحو فشل ذريع، إذ كان العراق تحت الاحتلال يعيش كارثة حقيقية، ويتجه صوب التفكك والانحلال والتشرذم العرقي والمذهبي والإرهاب، في وقت كانت تتعرض فيه قوات الاحتلال الأميركية لمقاومة شرسة تجبرها على الانسحاب.

تعرّض مشروع الشرق الأوسط الكبير لمعارضة من قبل النُخَب العربية (وثيقة اجتماع مكتبة الإسكندرية في نيسان 2004) والأنظمة أيضًا. فقد ذهب إلى واشنطن تباعًا زعماء عرب، مثل الرئيس المصري والملك الأردني لإقناع الإدارة أنّ الديموقراطية لا تُرمى من الطائرات الحربية أو تُفرَض فرضًا من الخارج. كذلك أعلنت قمة الاتحاد الأوروبي في بروكسل، في آذار 2004، أنّ المشروع في صيغته الأميركية غير قابل للتطبيق، ويدعم الأوروبيون الديموقراطية في العالم العربي ولكن ليس بالغزو العسكري.

في هذا الوقت، كانت إدارة بوش قد أَهملت كليًا الملف الفلسطيني، ثم دعمت العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز 2006، والذي أعلنت رايس أنّه المدخل إلى الشرق الأوسط الجديد، كما أنّها لم تعترف بالانتخابات الفلسطينية التي فازت فيها حماس في العام نفسه. وهذه سلبيات أعاقت مشروعها المعلن للمنطقة والذي لم يحظَ بأي دعم شعبي أو رسمي عربي.

ثم جاء تقرير هاملتون - بيكر (الأول ديموقراطي والثاني جمهوري) بطلبٍ من الكونغرس في العام 2007 ليعلن فشل السياسة المتّبعة في العراق ويقترح استراتيجية للخروج. وبذلك لم تعد الديموقراطية على جدول الأعمال الأميركي، هذا إذا كانت عليه بالفعل وليس كمجرد ذريعة، إزاء كلفة مرتفعة في العراق (4,97 مليار دولار شهريًا) وأفغانستان (5,76 مليار دولار شهريًا) تتحمّلها الميزانية الدفاعية (4000 مليار دولار) في عشر سنوات هو الرقم الرائج يتحمّل نصفه البنتاغون تقريبًا[14]، وتخبّط في المستنقعين، بالإضافة إلى توترات في العلاقات مع الحلفاء وتصاعد للإرهاب الذي كرّس بوش مدة ولايَتَيْه لمحاربته.

 

 إدارة أوباما والربيع العربي

لفهم سياسة ومواقف إدارة أوباما حيال الثورات العربية ينبغي أن تؤخذ بعَيْن الاعتبار ثلاثة اعتبارات[15]:

• مصالح أميركا في الشرق الأوسط منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

• التَّرِكة الشرق أوسطية لثماني سنوات من حكم بوش والمحافظين الجدد.

• الخطوات الأولى لسياسة أوباما الشرق-أوسطية منذ اعتلائه السلطة في كانون الثاني ٢٠٠٩ حتى نشوب "الثورات" التونسية ثم المصرية بعدها بعامَيْن.

بالنسبة للمصالح القومية الأميركية  يمكن اختصارها بما يأتي:

• استقرار الطاقة وأمنها وممرات عبورها إلى الغرب.

• الإبقاء على الهيمنة  الأميركية.

• المحافظة على الأنظمة الموالية والدفاع عنها.

• ديمومة التحالف الاستراتيجي مع إسرائيل.

• الحرب الشاملة على الإرهاب منذ إدارة بوش الابن وتفجيرات ١١ أيلول الإرهابية[16].

لقد ورث أوباما تَرِكة ثقيلة عن سلفه: مغامرات عسكرية مدمرة، غزو للعراق على قاعدة مزاعم كاذبة أدى إلى انقسامات سياسية ومذهبية خطيرة، اللجوء إلى التعذيب لاسيما في سجون أبو غرِيْب العراقي وباغرام الأفغاني وغوانتانامو، ناهيك عن السجون السرّية على خلفية خطاب معاد للعرب والمسلمين، بالإضافة إلى انحياز واضح لإسرائيل على حساب مسار السلام، وتأييد اعتداءاتها على لبنان في تموز ٢٠٠٦، وغزة في كانون الأول ٢٠٠٨.

في هذه الظروف نظرت الشعوب العربية باستحسان إلى فوز باراك أوباما في الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني ٢٠٠٨، وهو الذي كان كسيناتورٍ ديموقراطي، من القلائل الذين رفضوا الغزو الأميركي للعراق، في وقت كان هذا الموقف يتطلّب شجاعة استثنائية نظرًا لشبه الإجماع الأميركي حول إدارة بوش العازمة على هذا الغزو.

 

أ-الخطوات السياسية الأولى لأوباما حيال الشرق الأوسط

وصل الرئيس الأميركي الخامس والأربعون إلى السلطة مع القناعة بضرورة إطلاق دينامية جديدة حيال العالم، لاسيما الجزء العربي والإسلامي منه، مع التبرّؤ من السياسات التي انتهجها سلفه.

في خطاب التنصيب[17] في ٢٠ كانون الثاني ٢٠٠٩، قام بتحديد الرهانات الجديدة التي سوف يسعى لتحقيقها. وصف بلاده أنّها صديقة لكل أمة، لكل رجل وامرأة وطفل يسعون إلى مستقبل سلام وكرامة، ومستعدة لتولّي القيادة مجددًا. وكرّر الوعد بالانسحاب من العراق وخَفْض التهديد النووي والتصدي لشبح الاحتباس الحراري.

وبعد تنصيبه بأسبوعٍ واحد، في ٢٦/١٢/٢٠٠٩ في مقابلة مع العربية، شدّد على إرادته الانخراط في المنطقة بهدف تحقيق السلام. وفي ٢١/٣/٢٠٠٩، توجّه إلى الإيرانيين شعبًا وحكومةً مهنّئًا بعيد النيروز، وهي المرة الأولى التي يمدّ فيها رئيس أميركي اليد إلى النظام الإيراني منذ انتصار الثورة الإسلامية في شباط ١٩٧٩.

أما الخطاب المفصلي والذي وعد بانطلاقةٍ جديدة في العلاقات مع الشعوب العربية والإسلامية، فكان ذلك الذي ألقاه  في جامعة القاهرة[18] في ٤حزيران ٢٠٠٩، كرّر خلاله الوعود والإشارات في اتجاه مثل هذه العلاقات، لا سيما حين استقبل محمود عباس في البيت الأبيض واعدًا إياه العمل على تسوية النزاع على قاعدة حل الدولتين بعد إلزام إسرائيل وقف الاستيطان.

في هذا الخطاب، وعد بدعم الديموقراطية في العالم العربي والإسلامي، وهو كلام سوف يتذكره المراقبون غداة الثورات العربية، إلى درجة أنّ بعضهم، ممن يؤمن بنظرية المؤامرة، استند إليه كدليلٍ على المعرفة المسبقة للإدارة الأميركية بما سيجري في العالم العربي في مطلع العام٢٠١١، بل واتّهمها بالتخطيط المسبق له[19].

قال أوباما بأنّه أتى إلى القاهرة ليعبّر عن بداية جديدة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي، وكرّر تأييده لحل الدولتين والوعد بالعمل لإطلاق مفاوضات تفضي إلى تسوية سلمية تُنهي الصراع في الشرق الأوسط، واعتبر أنّ مبادرة السلام العربية بداية هامة. واحتل مفهوم الديموقراطية حيّزًا مهمًا من الخطاب الذي اعتبر بأنّه لا يمكن ولا ينبغي لأي دولة أن تفرض نظامًا للحكم على أي دولة أخرى. واعتبر أنّ قيم الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان ليست أفكارًا أميركية فحسب، بل هي حقوق إنسانية، وهي الحقوق التي سندعمها في كل مكان. كما وعد أن تحترم إدارته حق من يرفعون أصواتهم جميعًا حول العالم، للتعبير عن آرائهم بأسلوبٍ سلمي يراعي القانون، حتى لو كانت آراؤهم مخالفة لآرائنا، وسنرحب بالحكومات المنتخبة شرط أن تحترم أفراد الشعب جميعهم في ممارستهم للحكم، مضيفًا أنّه يجب على الحكام أن يمارسوا سلطاتهم من خلال الاتفاق في الرأي وليس عن طريق الإكراه، وأن يعطوا الأولوية لمصالح الشعب.

لقد ارتفعت نسبة التأييد الشعبي للزعامة الأميركية في بلدان الجامعة العربية بنسبةٍ تتراوح بين ١٠ و١٢٪، من خلال استطلاع للرأي أجراه معهد غالوب بين آذار وتشرين الثاني ٢٠٠٩، لكنّ النسبة بقيت عمومًا متدنية (نسبة التأييد في مصر ٣٧٪ فقط)، في تونس زادت نسبة التأييد ٢٣ نقطة، لكنّها بقيت أدنى من عدم التأييد (٣٧٪ في مقابل ٤٩٪)[20].

وبمعزلٍ عن أدبيات أوباما السياسية الإيجابية بمجملها، فإنّ عجزه عن لَيّ ذراع نتنياهو في مسألة المستوطنات، وتحقيق الوعد بإيجاد تسوية سلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ودفع الأنظمة العربية الحليفة إلى إجراء إصلاحات سياسية حقيقية، أسهم في تراجع مصداقيته إزاء الشعوب العربية. من ناحية أخرى، فقد أفضت انتخابات الكونغرس النصفية في تشرين الثاني ٢٠١٠ إلى حصول الجمهوريين على أغلبية مقاعد الكونغرس، ما دعا الإدارة التي تعاني في سبيل تمرير مشاريعها الاجتماعية والاقتصادية الداخلية وغيرها (أوباما كير، والعجز عن تنفيذ الوعد بإغلاق معتقل غوانتانامو، إلخ..)، إلى التخفيف من انخراطها في الشرق الأوسط المعقّد، لا سيما بعد إعلان استراتيجية الاستدارة نحو آسيا استعدادًا للانتخابات الرئاسية في العام ٢٠١٢( pivot to Asia).

 

ب- الموقف المتدرج من الثورتين التونسية والمصرية

من الصعوبة العثور على تصريح واحد للرئيس أوباما في الأسابيع الأولى للحراك الشعبي التونسي. ففي خطابه في ١٨ كانون الأول 2010 غداة إحراق محمد البوعزيزي نفسه لم يتفوّه بكلمةٍ واحدة عن الحدث التونسي، حتى بعد المظاهرات الصاخبة في الأيام التالية.

يبدو أنّ الإدارة الأميركية فُوجئت في تسارع الأحداث في تونس[21]. وكان أوباما قد أرسل مذكرة  عن الإصلاح السياسي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى أعضاء فريق الأمن القومي في آب٢٠١٠ حول إمكانات التمرّد في المنطقة، بعد فشل الثورة الخضراء في طهران في حزيران ٢٠٠٩. في هذه الوثيقة تدرس الإدارة الأميركية استراتيجيات الإصلاح السياسي بلدًا بلدًا في المنطقة[22]. رغم ذلك فشلت السي.آي .إيه في تقديم توقعات للإدارة حول ما سيحدث في تونس ومصر[23]. هذا على الرغم من أنّ المجتمع المدني والمنظمات الدولية تبنّوا على الفور نظرة تضامنية حيال الثورة عارية اليدين[24].

لقد أبدت الحكومة الأميركية الحذر والترقّب مع علمها التام بالمشاكل الاقتصادية والسياسية في تونس ومصر وحالة الغليان الشعبي فيهما. وتشهد برقيات ويكيليكس على ذلك، منها واحدة في ١٧ تموز ٢٠٠٩ تتناول هشاشة وضع نظام بن علي وتقتضي المصلحة الأميركية التراجع عن دعمه، وعِلم واشنطن التام بطبيعة نظامَي بن علي ومبارك الفاسدين، والمناهضة لحقوق الإنسان[25].

الحذر الأميركي مردّه على ما يبدو مراعاة الحلفاء التاريخيين. فلطالما فضّلت واشنطن استقرار الأنظمة التسلطية على بدائل أصولية إسلامية  محتملة أو أخرى معادية لها، كما تكشف إحدى البرقيات الدبلوماسية في أيار ٢٠٠٩، التي وصفت حسني مبارك أنّه ضمانة ضد التطرف الديني وصعود الإخوان المسلمين[26].

لم تختلف إدارة أوباما عن سابقتها، فطلبت عبر وزيرة خارجيتها كوندوليزا رايس من القاهرة إجراء بعض الإصلاحات، لأنّ الأوضاع لم تعد تُطاق وواشنطن لم تعد قادرة على التضحية بالحرية لمصلحة الاستقرار. وهكذا يبدو أنّ واشنطن، بمعزلٍ عمّن يسكن البيت الأبيض، تفضّل التطور التدريجي في اتجاه الصلاح على الثورة [27]evolution not revolution.

وإذا كانت الانتفاضة التونسية لا تشكّل تهديدًا حقيقيًا للمصالح الأميركية، فالحالة المصرية مختلفة، نظرًا لموقع مصر وأهميتها وعلاقاتها الاستراتيجية بواشنطن، واتفاقية السلام التي تربطها بإسرائيل. في تونس، في ١٤ كانون الثاني، لاذ بن علي بالفرار بشكلٍ مفاجئ، أما في مصر فاستمرّ التصعيد فترة أطول ومعه الترقّب الأميركي. قبلها بيومٍ واحد، أعلنت هيلاري كلينتون من الدوحة أنّه آن الأوان للنظر إلى المجتمع المدني ليس كتهديدٍ ولكن كشريكٍ[28]. وفي ٢٥ من الشهر نفسه، قالت بأنّ الحكومة المصرية مستقرة، رغم المظاهرات الصاخبة والحشود في ميدان التحرير، وبعدها بيومين قال نائب الرئيس جو بايدن: "إنّ حسني مبارك ليس بديكتاتور[29]" قبل أن يُعيّن الجنرال عمر سليمان، المقرّب من واشنطن نائبًا له. وفي خطاب غير واضح أبدى أوباما بعضًا من الثقة بنظام مبارك قائلًا إنّه اتصل به ليخبره أنّ الستاتيكو لم يعد مقبولًا ويجب إجراء تغييرات[30]، ويبدو أنّ أوباما لم يكن متأكدًا بعد من قوة الانتفاضة وعزيمتها التي عمّت مصر وليس فقط ميدان التحرير بالقاهرة، رغم أنّه اعترف أنّ الانتقال السياسي يجب أن يحصل بطريقةٍ سلمية وفورًا[31].

أخذ خطاب أوباما يتكيّف مع الأوضاع الميدانية، فالمظاهرات راحت تتزايد قوة واتساعًا ونفوذًا، وواشنطن بدورها راحت تذهب في اتجاه قبول فكرة السقوط الحتمي للنظام المصري. وقد طلب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ السيناتور الديموقراطي جون كيري من الرئيس مبارك التنحّي عن منصبه ومساعدته على وضع حكومة انتقالية[32].

وهكذا، فإذا كان لا بد من انتقال سياسي، فبطريقةٍ هادئة وبالتنسيق مع الحليف مبارك وليس على طريقة الانقلاب أو الثورة، والشخص الذي كان يمكن أن يحل محل مبارك ليس إلا أحد أقرب المقرّبين لواشنطن وإسرائيل أيضًا: عمر سليمان.

ينبغي ألّا ننسى أنّ واشنطن هدفت كذلك إلى طمأنة حلفائها لاسيما في الخليج العربي. ففي ٢٠ تشرين الأول ٢٠١٠، كانت قد وقّعت عقودًا لبيع أسلحة إلى السعودية بقيمة ٦٠ مليار دولار[33]، وبالتالي لم يكن ممكنًا التخلّي الفوري عن بن علي ومبارك من دون الشعور بالحرج إزاء الحلفاء المحافظين في المنطقة. فالوضع الجيواستراتيجي الناجم عن الثورات العربية هدّد نسق التحالفات القائم في المنطقة.

يُرجّح أنّ واشنطن أدّت دورًا في إقناع نظامَي بن علي ومبارك بعدم اللجوء المفرط إلى القوة، فقائد الأركان التونسي الجنرال رشيد بن عمّار مقرّب منها، وتخلّيه عن بن علي أسهم في دفعه إلى الفرار، وعندما أمر بن علي قطع الإنترنت تدخّلت الخارجية الأميركية واستدعت السفير التونسي في واشنطن لتطلب منع وقف العنف ضد المتظاهرين وإعادة الإنترنت وصون الحريات[34]. وعندما سقط بن علي توجّه أوباما بالتهنئة للشعب التونسي على شجاعته وكرامته وكفاحه من أجل الحقوق الكونية وأضاف أنّ مستقبل تونس سيكون أفضل، داعيًا إلى إجراء انتخابات ديموقراطية نزيهة في القريب العاجل والتي تعكس تطلعات الشعب التونسي[35].

في مصر، استخدمت قوات الأمن، بغطاءٍ من الجيش ودعمه أشكال القوة كلها في وجه المتظاهرين[36] الذين بدورهم بيّنوا عن عزمٍ على مواجهة القوة كما حصل في يوم الجمل في ميدان التحرير. وفي ١١ شباط حيّا أوباما مبادرة مبارك بالتنحّي لأنّه استجاب إلى عطش الشعب المصري للتغيير[37]، داعيًا في الوقت نفسه إلى إجراء انتخابات حرة وديموقراطية.

في ١٩ أيار ٢٠١١، ألقى أوباما خطابًا وضعه في استمرارية خطاب القاهرة قبل ثلاث سنوات مع الفارق أنّه لم يعد يتعلّق الأمر بانطلاقة جديدة للسياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط، ولكن بتغييراتٍ حدثت فعلًا تستحق الاهتمام والدعم تكرّرت في هذا الخطاب. كلمات مثل التحوّل والتغيير والحرية وغيرها، وحيّا الشباب التونسي والمصري الذي أطلق حركة من أجل التغيير باسم إرادة الحرية[38].

 

ج- أوباما وعودة الدولة العميقة

ما حصل في بداية ٢٠١١ في تونس ومصر كان مجرد سقوط لرأس النظام، وليس تحوّلًا ديموقراطيًا حقيقيًا. في مصر، تسلّم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، برئاسة وزير الدفاع المشير طنطاوي، عملية الانتقال، وفي تونس حكومة مؤقتة برئاسة الباجي قائد السبسي، أحد قدماء النظام. وفي الحالتين عُيّنت لجان ومجالس لصياغة دستور جديد وتنظيم انتخابات برلمانية، انتهت في تونس في ٢٣/١٠/٢٠١١ بحصول حزب النهضة الإسلامي على الأغلبية. في مصر، فاز حزب الحرية والعدالة (الإخوان المسلمون) بمثل هذه الأغلبية في انتخابات جرت في شباط ٢٠١٢. في تونس انتُخِب المنصف المرزوقي رئيسًا للجمهورية في ٢١/١٢/٢٠١١، فكلّف الرجل الثاني في حزب النهضة حمادي جبالي تشكيل الحكومة، ووعد بوضع الشريعة الإسلامية في صلب الدستور. وفي مصر حصلت التعديلات الدستورية (تحديد ولاية الرئيس وشروط الترشح للانتخابات وغيرها) على موافقة الشعب في استفتاء شعبي (٧٧٪) في ١٩/٣/ ٢٠١١.

لم يخلُ العام ٢٠١١ من الاضطرابات، ففي القاهرة اجتاحت المظاهرات السفارة الإسرائيلية في ٩/٩ قبل أن تبدأ بمطالبة العسكر الرحيل في تشرين الثاني.

في ٤ حزيران ٢٠١٢، قرّرت المحكمة الدستورية العليا في القاهرة حل البرلمان المنتخب، قبل يومين من إجراء الانتخابات الرئاسية التي تَنَافس فيها الجنرال أحمد شفيق رئيس الوزراء السابق في عهد مبارك، والدكتور محمد مرسي من الإخوان المسلمين، وفاز فيها الأخير. شكّل حل البرلمان بالنسبة لواشنطن إنذارًا عن تعرّض المسار الديموقراطي إلى عرقلة جدية، لذلك هدّدت بتجميد المساعدة السنوية لمصر البالغة ١،٣ مليار دولار[39]. وقد سارع أوباما إلى تهنئة مرسي معتبرًا أنّه منعطَف في تحوّل البلد نحو الديموقراطية، الأمر الذي جلب له انتقادات من سياسيين ومراقبين، رأوا أنّه يكرّر الخطأ نفسه الذي ارتكبه مع حسني مبارك من خلال دعم نظام لا يحترم المبادئ الديموقراطية[40]. والهم الذي حكم هؤلاء هو موقف الإخوان من إسرائيل وما إذا كانوا سينتهجون سياسات معادية لها. لكنّ مرسي ضاعف الإشارات الدالة على تمسّكه بالعلاقة مع إسرائيل واتفاقية السلام معها. وخلال حكمه بدا بوضوحٍ وجود هوّة بين مواقف الإدارة المؤيدة لعملية الانتقال السياسي ولو على يد إسلاميين، ومواقف أعضاء في الكونغرس ومراكز العصف الفكري ولوبيات تعبّر عن قلقها إزاء جعل مصر تابعة للإخوان.

وغداة الانتخابات الرئاسية، فبدلًا من أن يحتفل المصريون بالانتقال من حكومة عسكرية انتقالية، إلى حكومة منتخبة ديموقراطيًا، فإنّ عددًا كبيرًا منهم ذهب إلى التظاهر في ميدان التحرير. وفي الكونغرس، ارتفعت الأصوات الخائفة من أن تكون الثورة المصرية خرجت عن مسارها ومن الصعب إعادة السيطرة عليها. كذلك انتشر القلق من الإعلان الدستوري الصادر عن القوات المسلحة في ١٧ حزيران ٢٠١٣، الذي يتيح لها الاحتفاظ بصلاحيات تشريعية ومالية تكبّل يد الرئيس المنتخب وتلغي البرلمان كقوةٍ موازنة لسلطة العسكر.

وازداد ضغط الكونغرس على الرئيس لوقف المساعدات المالية إلى الجيش المصري، الأمر الذي أصبح رسميًا في أيلول ٢٠١٢. في ١٤ من هذا الشهر هُوجمت السفارة الأميركية ومدرسة أميركية في تونس، وعلى الرغم من جهود الرئيس مرزوقي التأكيد على أفضل العلاقات مع واشنطن، إلا أنّ هذه العلاقات أُصيبت بفتورٍ كبير. في مصر وفي الشهر نفسه، قامت مظاهرات معادية للأميركيين، وتوقفت المباحثات حول المساعدات الأميركية والتي أُعيد إطلاقها غداة انتخاب الرئيس مرسي، وصرّح الأميركيون بأنّها لن تعود قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني[41]. واتصل أوباما بمرسي ليطلب منه التصريح علنًا وبقوةٍ ضد المظاهرات المعادية لأميركا في مصر[42]. في ١١ أيلول تعرضت السفارة الأميركية في بنغازي، إلى هجوم انتهى بإحراقها وموت ثلاثة أشخاص منهم السفير الأميركي كريس ستيفن. وأدان أوباما هذا العنف من دون معنى رافضًا اعتباره مخطط له بشكلٍ مسبق. لكن هيلاري كلينتون عادت واعتبرت رسميًا أنّه عمل إرهابي منظّم. وكان على الرئيس أوباما مواجهة انتقادات في واشنطن حيث انتشر التساؤل "لماذا علينا أن نستمر في إرسال أميركيين إلى أجزاء من العالم حيث الشعوب تكرهنا"[43].

وفي ١٣ أيلول، وصف أوباما نظيره المصري بأنّه ليس حليفًا ولا عدوًا للولايات المتحدة[44]. وبدت هذه الأخيرة في لحظة عجز إزاء تطورات الأوضاع في مصر وتونس. فقد سبق واستقبلت استلام العسكريين للسلطة بترحابٍ شديد بعد تنحّي مبارك، فهم حلفاؤها منذ العام ١٩٧٩، لكن مع صعود الإخوان المسلمين والسلفيين، خشيت واشنطن من صراع مقبل ما بين العسكر والإخوان، وهذا ما سوف يحصل بالفعل.

فعلى خلفية مظاهرات شعبية حاشدة ضد الرئيس مرسي، قام وزير الدفاع وقائد القوات المسلحة في ١٢ آب ٢٠١٢، المشير عبد الفتاح السيسي بانقلابٍ عليه، قدّمه على أنّه استجابة للانتفاضة الشعبية، وعيّن مكانه رئيس المحكمة الدستورية العليا عدلي منصور لمرحلةٍ انتقالية. وبدأت على الفور عملية مطاردة للإخوان المسلمين وكوادرهم، الذين زُجَّ معظمهم في السجون. وهذه المرة أيضًا كان رد فعل أوباما مشوبًا بالحذر والترقّب، لأنّه تفادى استخدام مفردة انقلاب في وجه من طالب، في واشنطن، تطبيق قانون المساعدة الخارجية الرقم ٥٠٨ للعام ١٩٦١، الذي يمنع مثل هذه المساعدة عن الحكومات الناجمة عن انقلاب[45]. وأعلن الناطق باسم البيت الأبيض جاي كارين أنّه ليس من مصلحة الولايات المتحدة تعديل برنامج مساعداتها لمصر على الفور [46].

هنا تبدو بوضوحٍ ضغوط الدولة العميقة في واشنطن التي تخشى من أن يؤدي وقف المساعدات إلى إلحاق ضرر بالغ بالتحالف مع مصر، والضروري للحفاظ على الاستقرار واتفاقية السلام مع إسرائيل[47]. وفي الحقيقة، لا يضير واشنطن أن يتسلّم العسكريون السلطة، وهم حلفاؤها، محل الإسلاميين، شريطة أن لا تفلت الأمور عن السيطرة. فقد أكّد وزير الخارجية جون كيري أنّ تدخّل الجيش المصري هدف إلى إعادة الديموقراطية. وفي ٢١ تشرين الثاني ٢٠١٣ وجّه انتقادات عنيفة للإخوان المسلمين في تونس ومصر معتبرًا أنّهم سرقوا ثورات الربيع العربي[48].

لقد انقسم الأميركيون بين من رأى أنّ وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة فرصة ستدفعهم إلى الاعتدال والمرونة ومواجهة التطرف الإسلامي، على أساس أنّ المعارضة شيء والحكم شيء آخر، ومن خشي من جعل الربيع العربي تابعًا للإخوان من خلال سن قوانين مناهضة للمرأة والحريات والديموقراطية مع العلم أنّ الإسلام لا يتّفق مع الديموقراطية.

مواقف أوباما كانت تعكس هذا الانقسام، فتبدو متردّدة وغير قادرة على الحسم والجزم. ومجرد تقاربه مع الإخوان المسلمين جلب له انتقادات اليساريين والقوميين في مصر وخارجها.

لكن أمام القمع الدموي للاعتصام الإخواني في ساحة رابعة العدوية في القاهرة في ١٤/٨/٢٠١٣، (٦٢٧ قتيلًا و٣٠٠٠ جريح) اضطرت الإدارة الأميركية إلى إلغاء تمارين مشتركة كانت مقررة سلفًا مع الجيش المصري، وتعليق جزء من مساعداتها المالية لمصر، وكأنها تتّخذ موقفًا وسطيًا لا يضر بمصالحها ولا يقطع مع الحكومة المصرية، التي أعلن وزير خارجيتها نبيل فهمي أنّ تبعية مصر للمساعدات الأميركية ينبغي أن لا تدوم، وذلك تجاوبًا مع الرأي العام المصري الذي اعتبر أنّ كرامته تقتضي إنهاء هذه التبعية. عدا ذلك، فقد توجّه السيسي في آذار ٢٠١٤، إلى مقابلة بوتين في موسكو لمناقشة إمكانية شراء أسلحة روسية قبل أن يستقبل وزير الدفاع الروسي في القاهرة ،في إشارة إلى امتلاكه لخيار تنويع مصادر تسلح الجيش المصري.

استمرت إدارة أوباما في تفادي استخدام تعبير انقلاب كي لا تضطر إلى الوقف النهائي لمساعداتها، التي يحتاجها الجيش المصري في مواجهة الإرهاب المتعاظم في مصر، لا سيما سيناء والذي قد يمتد ليهدّد إسرائيل. ووجدت هذه الإدارة نفسها أمام الخيار، ليس بين الجيش المصري والديموقراطية ولكن بين الجيش والإسلاميين، فاختارت الجيش. ويمكن قراءة تصريح كيري عن الجيش الذي يعيد الديموقراطية على أنّه يأس أميركي من التحوّل الديموقراطي في مصر[49]. الأمر الذي لم يمنع واشنطن من استنكار أحكام الإعدام التي صدرت في القاهرة بحق ٦٨٣ شخصًا في ٢٨ نيسان ٢٠١٤، معتبرةً أنّها تتحدى أدنى معايير العدالة الدولية، وتشجّع على التطرف وعدم الاستقرار[50]. وكل ما فعله أوباما حيال انتخاب السيسي رئيسًا للجمهورية في ٢٩ أيار ٢٠١٤، هو عدم المسارعة إلى تهنئته تمامًا، على عكس ما فعل فلاديمير بوتين.

في تونس، كان الوضع أقل اضطرابًا على الرغم من أعمال العنف التي سادت في العام ٢٠١٣، حيث قُتل ثمانية جنود في جبل الشعانبي على يد جماعات إرهابية تمركزت فيه، واغتيال المعارض العلماني شكري بلعيد في ٦ شباط، ثم النائب المعارض محمد براهمي في ٢٥ تموز، وإعلان الحكومة الرسمي أنّ جماعة أنصار الشريعة إرهابية.

لكن في مواجهة الأزمة الأمنية والسياسية، أعلن زعيم حزب النهضة راشد الغنوشي عن خارطة طريق للخروج من الأزمة، يتعهّد فيها حزبه بالتخلي عن السلطة. وفي ٩/١/٢٠١٤، استقالت الحكومة، وكلّف المستقل مهدي جمعة تشكيل حكومة وفاق وطني قبل أن يستقبله أوباما في البيت الأبيض في ٣/٤/٢٠١٤، مهنئًا تونس على التحوّل الديموقراطي، ومؤكدًا على الشراكة الاستراتيجية معها. وفي ٢٦/١/٢٠١٤، تم تبنّي دستور جديد يضم الحريات الأساسية كلها. وبعدها تم انتخاب زعيم حزب نداء تونس الباجي قائد السيسي رئيسًا للجمهورية، والذي سارع أوباما إلى تهنئته، مع الوعد بتوثيق عرى العلاقات والشراكة الاستراتيجية بين البلدين.

 

الخاتمة

نعود إلى السؤال كيف تطور موقف إدارة أوباما حيال الثورتين التونسية والمصرية من الحذر والترقّب إلى تأييدهما، ومن الإعجاب بهما إلى القلق حيال النتائج التي تمخّضت عنهما؟

بدايةً، فوجئت الإدارة بسرعة الانتفاضات الشعبية واتساعها قبل أن تضطر لأخذها بعين الاعتبار، ولكن من زاوية مصالحها في المنطقة. استراتيجية مرافقة هذه الانتفاضات كانت واضحة ببراغمتيتها حيال مصر الشريك التاريخي والمرتبط بمعاهدة سلام مع إسرائيل. ردود الفعل حيال مصر هدفت إلى إدارة الأزمات الناتجة عن تطور الأوضاع، أكثر منها إلى صياغة سياسة أميركية جديدة في المنطقة، تضر بتحالفات واشنطن التقليدية القائمة.

عشية العام ٢٠١٤، نلاحظ حذرًا أميركيًا شديدًا حيال سلطة الجيش في مصر، بين الانتقادات الموجهة له بسبب قمعه للمتظاهرين الإسلاميين، وانقلابه على الرئيس المنتخب، وصولًا إلى انتخاب السيسي وتجميد جزء من المساعدات الأميركية من جهة، مع الاستمرار بتقديم مساعدات جوهرية للجيش المصري، وأخيرًا الخضوع للأمر الواقع المتمثل بسيطرة الجيش الناجزة على الحكم بعد إطاحته بالإخوان المسلمين ووضعهم على لائحة الإرهاب. شاركت في صياغة القرار الأميركي قوى عديدة في واشنطن، من كونغرس ولوبيات وإعلام وشركات كبرى وغيرها، وكان هناك خلافات داخل الإدارة نفسها بين البيت الأبيض ووزارة الخارجية طورًا، والدفاع حينًا، من دون نسيان العوامل الخارجية من حلفاء مثل إسرائيل ودول الخليج العربي وأوروبا ناهيك عن القوى الشبابية في مصر والعالم العربي.

بالإضافة إلى ذلك، فإنّ فشل أوباما في تحقيق الوعد بإيجاد تسوية سلمية للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي وعجزه الفاضح عن لَيّ ذراع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في مسألة الاستيطان، أضعف كثيرًا مصداقيته لدى الشعوب العربية، والتي كشفت عن كراهيتها من خلال التظاهرات المعادية واستطلاعات الرأي.

في تونس، كانت الأمور أقل صعوبة بالنسبة لأوباما، ليس لأنّ هذا البلد أقل أهمية استراتيجية للولايات المتحدة من مصر، ولكن لأنّ الشعب هناك هو الذي أطاح بالحكومة التي تزعمها الإسلاميون، وليس الجيش كما في الحالة المصرية. صحيح أنّ أعمال عنف واضطرابات رافقت عملية الانتقال السياسي في تونس، إلا أنّها بقيت أقل خطورة وقدرة على إحداث تغييرات استراتيجية عميقة في المشهد الإقليمي نظرًا لبعد تونس عن إسرائيل، وعدم ارتباطها معها بمعاهدة أو مفاوضات سلام. ثم إنّ الإسلاميين في تونس برهنوا عن تمسّك بالسلطة أقل من نظرائهم المصريين. وربما أدّت الطبيعة المختلفة للحزبين على الرغم من الإيديولوجيا الواحدة، دورًا في السلوك المختلف لكل منهما.

في المحصّلة، يمكن القول بأنّ إدارة أوباما نجحت باتخاذها هذه المواقف من الثورات العربية، وفي التأكد من أنّ الأنظمة الجديدة الناجمة عنها في تونس ومصر ستستمر في العمل مع الولايات المتحدة، تمامًا كما كانت عليه الأمور في السابق[51].

في مصر وتونس عادت الدولة العميقة، ولم تحدث تغييرات جذرية في نظام الحكم ولا أشخاص الطبقة السياسية الحاكمة. عاد الجيش المصري إلى الحكم، أو لنَقُل أنّه بقي فيه، أما في تونس فبقي تحالف الجيش مع واشنطن، وهو الذي أسهم في دفع بن علي إلى الفرار، وتسلّم السلطة رجال آتون، أو بعضهم على الأقل، من زمن بورقيبة وبن علي وفي طليعتهم رئيس الجمهورية نفسه السيسي، دونما معارضة من التونسيين الذين فضّلوا ذلك على الفوضى التي قد تحل نتيجة تنامي نفوذ الإسلام الراديكالي والحركات العنفية. الشعوب نفسها أدركت بحدسها أنّه من الأفضل التعامل مع الوضع القائم على السعي لتغييره على حساب الاستقرار والحرية معًا، كما حدث في غير بلد عربي لم يخرج بعد من النفق الذي دخل فيه منذ العام ٢٠١١. وهذا ما لا يضير الولايات المتحدة في شيء.

 

قائمة المراجع

- سورنسن غيورغ، "الديموقراطية والتحوّل الديموقراطي، السيرورات والمأمول في عالم متغيّر"، ترجمة عمر البطاينة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت، نيسان، ٢٠١٥.

- العزي غسان، "السياسات الأميركية حيال التحوّل الديموقراطي الأوروبي (١٩٨٩) والعربي (٢٠١١)"، سياسات عربية، العدد ١٠ أيلول، ٢٠١٤.

- بشاره عزمي، "الثورة التونسية المجيدة، بنية ثورة وصيرورتها من خلال يومياتها"، المركز العربي للأبحاث وتحليل السياسات، الطبعة الثانية (صفحة 496).

- الأسواني علاء، "جمهورية كأن"، دار الآداب، بيروت ٢٠١٨ (صفحة 519).

 

- Ait-Chaalal Amine, «les Etats-Unis face au “printemps arabe”: mise en perspective à partir des revolutions tunisienne et egyptienne», Alternatives Sud,Vol.19-2012.

- Baker Samia, ‘Le document qui prouve que le printemps arabe a été provoqué par les Etats-Unis” Breibart News, 23/9/2016.

- Bettaieb Virgine et al.(dir.)”Degage ,la revolution tunisienne” 17 dec.2010-14 janv.2011” Asnières-sur-seine,ed. Du Layeur,2011.

- Belasco Amy,”The Costs of Iraq, Afghanistan and other Global War on Terror Operations Since 9/11”,(Congressional Research Service,March29,2011).

- Ben Saada Ahmad, le rôle des Etats Unis dans les revoltes arabes”,ed. Ellipses,Paris, Dec.2012.

- Biarnes Pierre, “le xxIéme siècle ne sera pas americain” ,ed. Du Rocher,Paris 1994.

- Discours of president Bush in National Endowment for Democracy,”Forward Strategy for Freedom in the Middle East”,nov.6,2003.

- Droz-Vincent Philippe, «Du 11 septembre aux révolutions arabes: les Etats-Unis et le Moyen-Orient», Politique étrangère, Automne 2011/3.

- Estival Jean Pierre, L’Europe face au Printemps Arabe, De l’espoir à l’inquiétude, Paris, L’Harmattan, 2012.

- Hoffmann Stanley, «l’Amérique vraiment impériale?»,ed .Audibert, paris 2003.

- Huntington Samuel,“Clash of civilization”, ed. Pinguin,1996

- Interview with J.A.Baker III, in D.Pipes,”Looking Back on the Middle East”, Middle East Quarterly, (Vol.1,N3,1994).

- Kagan Robert, Brookings Institution, Hearings, “Reflections on the Revolution in Egypt, Part I”, February 15, 2012.

- Kirkpatrick David D., Cooper Helene, Lander Mark, “Egypt, Hearing From Obama, Moves to Heal Rift From Protests”, The New York Times, September 13, 2012.

- Kitchen Nicholas, “The contradictions of hegemony: the United States and the Arab Spring. ”

- Laacha Smain, «Insurrections arabes .Utopie révolutionnaire et impensé démocratique», Paris Buchet/Chastel,2013.

- Mr X, ”The source of Soviet Conduct”,Foreign Affairs,July 1947. RAMSES 1990,ed. Denod, Paris 1990.

- http://opencrs.com/document/RL33110/ and Project Costs of War Report,(Brown University,Waston Institute for International Studies ,July 2011):

- http://costsofwar.org.

- www.america.gov/st/texttrans-french/2009/January/

- www.america.gov/st/peacesec-french/2009June/ 20090604162956eaif.as0.5829126. html. 2009012019 4254ptellivremos0. 958523.html. www.aidh.org/txtr ef/2005/us-02.htm.

.- http://www.lse.ac.uk/IDEAS/publications/reports/pdf/SR011/FINAL_LSE_IDEAS__UnitedStatesAnd .TheArabSpring_Kitchen.pdf.

- http://www.theguardian.com/world/us- embassy-- cables-documents/217138, http://www.theguardian com/world/us-embassy-cables-documents/207723.

-http://carnegieendowment.org/2003/04/29/liberalization-versus-democracy-understanding-arab-.political- reform/2bb8.

- http://www.cfr.org/middle-east-and-north -africa/clintons-remarks-forum-future-january-2011/p23831?cid=rss - middleeast - clinton_s_remarks_at_.forum_for-011311.

- http://www.gpo.gov/fdsys/pkg/CHRG- 112hhrg64483/.pdf/CHRG-112hhrg64483.pdf.

- http://www.worldtribune.com/2012/06/20/u-s-warns-egypt-it-may-suspend-military-aid/

- http://www.state.gov/r/pa/prs/ps/2011/01/154139 htm.

- http://www.whitehouse.gov/the- press- .office/2011/01/14/statement-president-events-tunisia.

- http://www.americanprogress.org/issues/security/news/2011/03/28/9203/can-america-rise-to-the-.occasion- in-the-middle-east/.

- http://www.whitehouse.gov/the-press- office/2011/05/19/remarks-president-middle-east-and- .north- africa%20

- http://video.foxnews.com/v/2719524655001/jeanine-why-do-we-keep-getting-into-these-messes/#sp=show- .clips

- http://abcnews.go.com/blogs/politics/2012/09/it- .depends-on-what-the-meaning-of-ally-is

- http://www.washingtonpost.com/blogs/wonkblog/wp/2013/07/09/the-u-s-gives-egypt-1-5-billion-a- year-.in-aid-heres-what-it-does/

- http://www.whitehouse.gov/the-press-office/2013/07/08/press-briefing-press-secretary-jay-carney-07082013.

- Max Fisher, “U.S. has spotty record on law requiring it to cut aid after coups”, The Washington Post, July 5, 2013.

- Secretary of State John Kerry, Remarks at the Overseas .Security Advisory Council's 28th Annual Briefing - November 20, 2013, http://www.state.gov/secretary/.remarks/2013/11/217782.htm.

- http://www.commentarymagazine.com/2013/08/08/note-to-obama-egypt-is-a-zero-sum-game-sisi-muslim- brotherhood.

- http://www.whitehouse.gov/the-press office/2014/ 04/28/statement-press-secretary-mass-.trials-and- sentencing-egypt.

 


[1]- أنظر على سبيل المثال: غيورغ سورنسن "الديموقراطية والتحوّل الديموقراطي، السيرورات والمأمول في عالم متغيّر"، ترجمة عمر البطاينة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت، نيسان ٢٠١٥.

[2]- العزي غسان، "السياسات الأميركية حيال التحوّل الديموقراطي الأوروبي (١٩٨٩) والعربي (٢٠١١)"، سياسات عربية، العدد

 ١٠ أيلول ٢٠١٤.

[3]- Laacha Smain, "Insurrections arabes .Utopie révolutionnaire et impensé démocratique", Paris

[4]- Mr X ,"The source of Soviet Conduct", Foreign Affairs, July,1947   7

[5]-Cf. RAMSES 1990, ed. Denod, Paris 1990.0

[6]-  Huntington Samuel, "Clash of civilization", ed. Pinguin,1996.6

[7]- Biarnes Pierre, "le xxIéme siècle ne sera pas americain", ed. Du Rocher, Paris 1994, p.78.8

[8]- Interview with J.A.Baker III, in D.Pipes, "Looking Back on the Middle East",Middle East Quarterly (Vol.1,N3,1994).4

[9]- .Hoffmann Stanley, "l’Amérique vraiment impériale?", ed .Audibert, paris 2003

[10]- His discours in National Endowment for Democracy,"Forward Strategy for Freedom in the Middle   

.East",nov.6,2003

[11]- www.aidh.org/txtref/2005/us-02.htm.m

[12]- Le monde,9 Fev.2005.5

[13]- Droz-Vincent Philippe, «Du 11 septembre aux révolutions arabes: les Etats-Unis et le Moyen-Orient»,(Politique

étrangère, Automne 2011/3) p.p.459-506.6

[14]- Belasco Amy, The Costs of Iraq, Afghanistan and other Global War on Terror Operations Since 9/11

(Congressional Research Service, March29,2011:http://opencrs.com/document/RL33110/ and Project Costs of

War Report, (Brown University,Waston Institute for International Studies, July 2011): http://costsofwar.org.

[15]- Ait-Chaalal Amine, "les Etats-Unis face au "printemps arabe": mise en perspective à partir des revolutions tunisienne et egyptienne", Alternatives Sud, Vol.19.9-2012,p.189

[16]- المرجع نفسه.

[17]- www.america.gov/st/texttrans-french/2009/January/20090120194254ptellivremos0. 958523.html.l

[18]- www.america.gov/st/peacesec-french/2009/June/20090604162956eaifas0.5829126. html.l

[19]- أنظر على سبيل المثال لا الحصر:

H "Hillary Clinton a soutenu le programme secret du printemps arabe qui a destabilisé le Moyen-Orient", Breibart News, 23/9/2016.6

Baker Samia, "Le document qui prouve que le printemps arabe a été provoqué par les Etats-Unis","le printemps arabe a été confectionné par les Americains via les cyber-collabos".s

Ben Saada Ahmad, "le role des Etats Unis dans les revoltes arabes",ed. Ellipses, Paris, Dec.2012.2

[20]- http://www.gallup.com/poll/118940/Approval-Leadership-Arab-Countries.aspx.x

[21]- لمتابعة الثورة التونسية من بداياتها أنظر: عزمي بشاره، "الثورة التونسية المجيدة، بنية ثورة وصيرورتها من خلال يومياتها"، المركز العربي

للأبحاث وتحليل السياسات، الطبعة الثانية، صفحة ٤٩٦.

[22]- Bettaieb Virgine et al.(dir.),"Degage ,la revolution tunisienne" 17 dec.2010-14 janv.2011" Asnières-sur-seine,ed

Du Layeur, 2011.p.20.0

[23]- Kitchen Nicholas, "The contradictions of hegemony: the United States and the Arab Spring", p.56

http://www.lse.ac.uk/IDEAS/publications/reports/pdf/SR011/FINAL_LSE_IDEAS__UnitedStatesAnd

TheArabSpring_Kitchen.pdf.f        

 

[24]- Estival Jean Pierre, L’Europe face au Printemps Arabe, De l’espoir à l’inquiétude, Paris, L’Harmattan, 2012 .p.13

[25]- http://www.theguardian.com/world/us- embassy-cables-documents/217138.8

[26]- http://www.theguardian.com/world/us-embassy-cables-documents/207723.3

[27]- http://carnegieendowment.org/2003/04/29/liberalization-versus-democracy-understanding-arab-political

 reform/2bb8.8

[28]- http://www.cfr.org/middle-east-and-north- africa/clintons-remarks-forum-future-january-2011/p23831?cid=rss

middleeast- clinton_s_remarks_at_forum_for-011311.1

[29]- http://www.gpo.gov/fdsys/pkg/CHRG- 112hhrg64483/pdf/CHRG-112hhrg64483.pdf.f

[30]- http://www.whitehouse.gov/the-press-office/2011/02/01/remarks-president.t

[31]- Ibid.d

[32]- http://boston.cbslocal.com/2011/02/01/sen-kerry-mubarak-should-step-down/.n

[33]- Washington Post, October 21,2010.0

[34]- http://www.state.gov/r/pa/prs/ps/2011/01/154139.htm.m

[35]- http://www.whitehouse.gov/the- press-office/2011/01/14/statement-president-events-tunisia.a

[36]- في روايته الأخيرة "جمهورية كأن" الصادرة عن دار الآداب في بيروت ٢٠١٨ (٥١٩ صفحة) يوثّق علاء الأسواني أساليب القمع المفرط

والقوة التي استخدمتها قوات الشرطة ضد المتظاهرين قبل وبعد تنحّي حسني مبارك.

[37]- http://www.americanprogress.org/issues/security/news/2011/03/28/9203/can-america-rise-to-the-occasion- in

the-middle-east/.t

[38]- http://www.whitehouse.gov/the-press-office/2011/05/19/remarks-president-middle-east-and-north- africa%20.0

[39]- ttp://www.worldtribune.com/2012/06/20/u-s-warns-egypt-it-may-suspend-military-aid/d

[40]- Robert Kagan, Brookings Institution, Hearings, “Reflections on the Revolution in Egypt, Part I", February 15

2012.2, op. cit, p. 8

[41]-.U"U.S. suspends aid talks with Egypt over anti-American protests, report says", Haaretz, September 18, 2012

[42]- Kirkpatrick David D., Cooper Helene, Lander Mark, "Egypt, Hearing From Obama, Moves to Heal Rift  From Protests", The New York Times, September 13, 2012.2

[43]- http://video.foxnews.com/v/2719524655001/jeanine-why-do-we-keep-getting-into-these-messes/#sp=show

.clips

[44]- http://abcnews.go.com/blogs/politics/2012/09/it-depends-on-what-the-meaning-of-ally-is/s

[45]- http://www.washingtonpost.com/blogs/wonkblog/wp/2013/07/09/the-u-s-gives-egypt-1-5-billion-a- year-in-aid

heres-what-it-does/ s

[46]- http://www.whitehouse.gov/the-press-office/2013/07/08/press-briefing-press-secretary-jay-carney-07082013.3

[47]- Max Fisher, "U.S. has spotty record on law requiring it to cut aid after coups", The Washington Post, July 5

2013.3

[48]- http://www.state.gov/secretary/remarks/2013/11/217782.htm.m

[49]- http://www.commentarymagazine.com/2013/08/08/note-to-obama-egypt-is-a-zero-sum-game-sisi-muslim

brotherhood/d

[50]- http://www.whitehouse.gov/the-press-office/2014/04/28/statement-press-secretary-mass-trials-and- sentencing

egypt.t

[51Kitchen Nicholas ,op.cit. p1.p

Controversy of interests and principles of the american position of the Tunusian and Egyptian revolutions
The studies of "  democratic transition"  (or transitology) are divided between two perspectives. The first one considers it as an internal affair in which the external role is limited to contributing on creating an  appropriate or inappropriate environment  for transformation, while the second considers that democracy depends on external actors rather than internal political and social factors. The researchers have counted four waves of democratic transformation in the world to date, most notably those that toppled the Berlin Wall in 1989 and ended the former eastern camp whose country turned from communism to liberalism. The United States played a crucial role in this transformation, in which it used all the means of pressure available to the Soviet Union for decades and convinced its allies to exercise such pressure at a time when it was allied with authoritarian regimes in Latin America, the Middle East and Africa. After the democratic transition in the eastern camp countries, Washington continued to help to consolidate  it through various kinds of assistance and through its introduction into NATO and the European Union.
It is important to examine the US position on the Arab democratic transition for its strong engagement in Middle East issues and its ability to play an active role in hindering or assisting the transformation of the region.
This study seeks to explore the positions of the Obama administration on the popular uprisings of Tunisia and Egypt, and the question that arises: How did the American reaction develop from caution and anticipation to move towards admitting the political transition (not to say the democratic transition), and to return to anticipation and pragmatism about developments that led to The end to the return of the ""  deep state"   in Tunisia and Egypt, which ended what was called the " Arab Spring"  .
Why did this study stop in the cases of Tunisia and Egypt without others?
Tunisia is not Washington's most important ally in the region, but the two countries have maintained close ties since Tunisia's independence from France in 1956. In Tunisia, the Obama administration initially had to react to a popular uprising that was a surprise in its strength and breadth. Egypt is the most important ally, after Israel, for the United States in the region and linked to a peace treaty with Israel.
 It is therefore important to examine Washington's reactions to them. Was it motivated by the relations, interests, principles and values (freedom, democracy, human rights ...) that it claims to embrace and seek to spread? Given Egypt's strategic importance, did the Obama administration adopt a special position on it? And how its position on the "  revolutions"  has evolved from caution and anticipation to support, and from admiration to concern over the outcome of the "  two revolutions"  which has returned to adapt to it, as if nothing had happened.
The first part of the study highlights the evolution of the US view of democracy in the Arab world from the beginning of the Cold War to the end of President Bush's term, helping to understand the Obama administration's positions on Tunisian and Egyptian developments (Part II).

Controverse d’intérêts et des principes dans la position américaine des révolutions tunisienne et égyptienne
Les études de "    transition démocratique"   (ou de transitologie) se divisent en deux perspectives. La première la considère comme une affaire interne dans laquelle le rôle extérieur se limite à contribuer à la création d'un environnement approprié ou inapproprié pour la transformation, tandis que le second considère que la démocratie dépend d'acteurs externes plutôt que de facteurs politiques et sociaux internes. Les chercheurs ont compté à ce jour quatre vagues de transition démocratique dans le monde, notamment celle qui a renversé le mur de Berlin en 1989 et mis fin à l'ancien camp de l'est dont les pays sont passés du communisme au libéralisme. Les États-Unis ont joué un rôle crucial dans cette transformation, en utilisant tous les moyens de pression dont disposait depuis des décennies contre l’Union Soviétique et en persuadant ses alliés d'exercer de telles pressions à un moment où ils étaient alliés à des régimes autoritaires en Amérique latine, au Moyen-Orient et en Afrique. Après la transition démocratique dans les pays  de l’est, Washington a continué à les aider par diverses formes d’assistance et a facilité leur introduction dans l’OTAN et l’Union européenne. Il est important d'examiner la position des États-Unis envers la transition démocratique arabe pour son engagement fort dans les problèmes du Moyen-Orient et leur capacité à jouer un rôle actif pour entraver ou aider la transformation de la région. Cette étude cherche à explorer les positions de l'Administration Obama envers les soulèvements populaires tunisien et égyptien. La question qui se pose: comment la réaction américaine a-t-elle évolué de la prudence et de l'anticipation pour aller de l'avant en admettant la transition politique (pour ne pas dire la transition démocratique)?  et à revenir  au pragmatisme face aux développements qui ont conduit à la fin au retour de "  l'Etat profond"  en Tunisie et en Égypte, mettant ainsi fin à ce que l'on appelait le "  printemps arabe"  . Pourquoi cette étude s'est-elle arrêtée aux cas de la Tunisie et de l'Egypte sans les autres? La Tunisie n'est pas l'allié le plus important d se Washington dans la région, mais les deux pays ont maintenu des liens étroits depuis l'indépendance de la Tunisie  en 1956. L'administration Obama a d'abord dû réagir à un soulèvement populaire surprenant par sa force et sa portée en Tunisie. L’Égypte est le principal allié, après Israël, des États-Unis dans la région et est liée à un traité de paix avec Israël.

 Aussi est-il important d'examiner les réactions de Washington à  l’égard des " révolutions"  tunisienne et égyptienne. Était-ce motivé par les relations, les intérêts, les principes et les valeurs (liberté, démocratie, droits de l'homme, etc.) qu'il prétend embrasser et chercher à répandre? Compte tenu de l'importance stratégique de l'Égypte, l'administration Obama a-t-elle adopté une position particulière à son égard? Et comment sa position envers les "  révolutions"   a-t-elle évolué de la prudence et de l’anticipation au soutien, et de l’admiration à l’inquiétude  envers les résultats des " deux révolutions"  avant  de s’y adapter, comme si de rien n'était.
 La première partie de l'étude met en lumière l'évolution de la conception américaine de la démocratie dans le monde arabe depuis le début de la guerre froide jusqu'à la fin du mandat du président Bush, ceci afin d’aider à comprendre les positions de l'administration Obama vis-à-vis des développements en Tunisie et en Égypte (partie II).