نحن والقانون

جرائم الشرف
إعداد: الدكتور نادر عبد العزيز شافي
(دكتوراه دولة في الحقوق محام بالإستئناف)


الشرف كلمة ذات دلالات ومعانٍ متعددة ومتنوعة، لا يمكن حصرها في تعريف جامد موحّد. فمفهوم الشرف يختلف من شخص الى آخر ومن مكان الى آخر، إذ أنه وليد عادات وتقاليد تختلف وفقاً للمجتمعات. وقد يرتبط هذا المفهوم بالكرامة والأخلاق والشهامة والتضحية والمروءة وغيرها من الفضائل، كما أنه قد يرتبط إرتباطاً وثيقاً في بعض المجتمعات بتصرفات المرأة وعلاقاتها الإجتماعية والجنسية وسلوكها في مجتمعها، كما هي الحال في المجتمعات الشرقية. فالمرأة في غالبية المجتمعات العربية مقيّدة بالعادات والتقاليد التي لا يحق لها أن تتجاوزها وإلا كانت عرضة للقتل أو التشويه أو الضرب أو غيره، خلافاً للمجتمعات الغربية حيث لا يحق لأحد التدخّل في حياتها الشخصية.

 

جرائم الشرف
الجرائم التي ترتكب إتقاءً للعار أو دفاعاً عن العرض أو الشرف أو العائلة، هي الجرائم التي اصطلح على تسميتها بـ«جرائم الشرف»، التي يرتكبها شخص فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في حالة الزنى المشهود أو التلبّس بالمواقعة أو الجماع غير المشروع أو في حالة مريبة مع آخر. وقد نصّت القوانين العربية بمعظمها على أحكام خاصة بجرائم الشرف، منها ما يعفي الفاعل من العقاب (عذر محلّ) ومنها ما يعطيه عذراً مخففاً.
تناولت جرائم الشرف المادة 562 من قانون العقوبات اللبناني التي كانت تسمح لمرتكب هذا الجرم بالإستفادة من العذر المحلّ من العقاب؛ أي تعفي من العقاب كل من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنى المشهود أو في حالة الجماع غير المشروع، فأقدم على قتل أحدهما أو إيذائه بغير عمد، بينما يستفيد مرتكب القتل من العـذر المخفـف إذا فاجـأ زوجـه أو أحـد أصـولـه أو فروعـه أو أختـه في حـالة مريبـة مع آخر.
إلا أنه بموجب القانون الرقم 7/99 الصادر بتاريخ 20/2/1999 أُلغيت المادة 562 واستعيض عنها بالنص الآتي: «يستفيد من العذر المخفّف من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في حالة الزنى المشهود أو في حالة الجماع غير المشروع فأقدم على قتل أحدهما أو إيذائه بغير عمد». حيث تناول التعديل العذر المحلّ ليصبح عذراً مخفّفاً إضافة الى إلغاء الفقرة الثانية من المادة 562 القديمة.

 

عناصر جريمة الشرف
سنداً الى المادة 562 من قانون العقوبات اللبناني، يتبيّن أن جريمة الشرف تتحقّق بتوافر العناصر الآتي ذكرها:
 

•عنصر المفاجأة:
اشترطت المادة 562 عقوبات توافر عنصر المفاجأة للإستفادة من العذر المخفّف للعقاب لمن يقدم على قتل أو إيذاء زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنى المشهود أو في حالة الجماع غير المشروع.
إن عنصر المفاجأة يولّد حالة الإستفزاز المؤدية الى تخفيف العقاب بسبب ما أحدثته من غضب وثورة عارمة وانتهاك لشرفه وشرف أسرته. ويجب التمييز هنا بين حالتين مختلفتين: الحالة الأولى هي عندما يشكّ الزوج بسلوك زوجته، والحالة الثانية هي عندما يتحقّق الزوج فعلاً بمشاهدة زوجته في حالة زنى مشهود،... لهذا لا يكون عنصر المفاجأة متحقّقاً إذا كان الزوج يعلم يقيناً أن زوجته تخونه مع آخر فصمّم على قتلها وهي في حالة الجرم المشهود، فإذا قتلها وآذاها وهي في هذه الحالة لا يكون مفاجأ بعملها غير المحقّق لأنه كان ينتظر ويتوقّع أن يشاهدها تقوم بهذا العمل؛ بمعنى أنه لم ينتقل من حالة الشك الى حالة اليقين، إنما توسّل الجرم أملاً بالإستفادة من منحة القانون، فلا يكون عنصر المفاجأة متوافراً.
إذاً يعتبر القانون أن عنصر المفاجأة يعزّز ظرف الإستفزاز الذي يؤدي الى حالة الإنفعال والغضب الشديدين والإحساس بالخيانة والإذلال والإحتقار، كالحالة التي يفاجأ بها الزوج عند مشاهدة خيانة زوجته له مع آخر في وضع الزنى المشهود فيقدم على قتلها أو إيذائها لوحدها أو مع شريكها. وكذلك الأمر بالنسبة الى الأب أو الأخ أو الإبن الذي يرتكب الجريمة تحت وطأة الإنفعال الشديد على أثر مفاجأته بعلاقات جماع غير مشروعة أقدمت عليها إبنته أو أخته أو والدته.
 

• الأشخاص المستفيدون من العذر المخفّف في جرائم الشرف:
حدّدت المادة 562 من قانون العقوبات الأشخاص المستفيدين من العذر المخفّف في جرائم الشرف، وهم: الزوج، الفرع، الأصل، الأخ.
وقد دلّت الأحكام القضائية أن المجنى عليهم هم دائماً من النساء اللواتي يتعرّضن للقتل أو الإيذاء عند مفاجأتهن بارتكاب جرم الزنى المشهود أو الجماع غير المشروع. والقاتل أو مرتكب جرم الإيذاء هو دائماً الرجال، فيكون إما الزوج أو الإبن أو الأب أو الأخ. إذ لم تلحظ قصور العدل حتى الآن قضية ارتكبت فيها امرأة مثل هذه الجرائم، بأن أقدمت امرأة على قتل زوجها أو إبنها أو أبيها أو أخيها لدى مفاجأتها أحدهم بجرم الزنى المشهود أو الجماع غير المشروع.
إن لفظة «زوج» تنطبق لغوياً على الزوج والزوجة معاً، وتصح أن تطلق على الزوج الرجل كما تطلق على الزوجة. وقد اعتبر البعض أن لفظة الزوج المذكورة في المادة 562 عقوبات تفيد الزوج الرجل وحده لتفسيرات عديدة استناداً الى ما ورد في لفظة «أخته»، وهذا ينسجم مع التقليد السائد في القانونين العثماني والفرنسي.
والمقصود بالفروع هم أولاد المجني عليه (مهما انحدروا)، كالإبن الذي يقدم على قتل والدته إثر مفاجأته بارتكابها جرم الزنى المشهود أو في حالة الجماع غير المشروع.
والأصول هم آباء أو أجداد المجني عليها (مهما علوا)، كالأب الذي يقتل إبنته التي فاجأها بارتكاب أفعال الزنى أو الجماع بصورة غير مشروعة.
وتبيّن الإجتهادات القضائية أن الأسباب التي يتذرّع بها الزوج لتبرير جرمه هي الخيانة الزوجية، أما الأسباب التي يتذرّع بها الأب أو الأخ أو الإبن فهي الحبل خارج علاقة الزواج الشرعي، أو فقدان الفتاة عذريتها على الرغم من عدم زواجها وفق الأصول الشرعية المتعارف عليها في المجتمع الشرقي. وهذا النوع من الجرائم كثير الوقوع لدى العشائر والمجتمعات الشرقية المحافظة، حيث يتّخذ رئيس العشيرة أو الأب أو الأخ أو الإبن قرار التخلص من المرأة التي تمرّدت على عادات العشيرة أو العائلة وتقاليدها.

 

الحالات المشمولة بالعذر المخفّف في جرائم الشرف
سنداً الى نص المادة 562 من قانون العقوبات، هناك حالاتان من العلاقات التي تسمح بالإستفادة من العذر المخفّف من العقاب في جرائم الشرف، وهما:

 

• حالة جرم الزنى المشهود:
الزنى هو إقدام شخص متزوج، رجلاً كان أم إمرأة، على الإتصال الجنسي بغير زوجه. ويعتبر المتزوج فاعلاً في جريمة الزنى، أما الطرف الآخر فيعتبر شريكاً فيها، وذلك لأن جوهر جريمة الزنى ليس الإتصال الجنسي بحد ذاته، بل ما ينطوي عليه هذا الإتصال من إخلال بواجب الإخلاص الزوجي الذي يعتبر عنصراً جوهرياً وأساس العلاقة الزوجية. وتجريم فعل الزنى وُضِعَ لحماية الكيان الزوجي كأساس للعائلة التي تشكّل نواة المجتمع. فيكون جرم الزنى جريمة ضد العائلة والمجتمع معاً، وليس مجرد جريمة فردية تتعلّق بزوجة الزاني أو زوج الزانية فقط. وقد نص قانون العقوبات اللبناني في المادة 487 منه على معاقبة المرأة الزانية، وفي المادة 488 منه على معاقبة الزوج الزاني.

 

• حالة الجماع غير المشروع:
هي حالة وجود علاقة جنسية غير مشروعة خارج نطاق الزواج الشرعي، وتقتضي الإشارة الى أن الفقرة الثانية من المادة 562 من قانون العقوبات القديمة التي أُلغيت (القانون الرقم 7/99)، كانت تشير الى حالة ثالثة هي الحالة المريبة مع آخر.

 

شرط الإرتكاب الفوري للفعل
في جرائم الشرف

لكي يستفيد الجاني في جريمة القتل أو مرتكب جرم الإيذاء من العذر المخفّف للعقاب في جرائم الشرف، يجب أن يكون قد أقدم على فعله فور مفاجأته بجرم الزنى المشهود أو الجماع غير المشروع من زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته. إذ أن مبررات هذا العذر المخفّف للعقاب هي ارتكاب الجرم تحت وطأة الإنفعال الشديد الطارئ على أثر المفاجأة المذكورة في جرائم الشرف، فإذا انقضى الوقت وزال الإنفعال الشديد المفاجئ لم يعد هناك من مبرر للعذر المخفّف، وانتقلنا من حالة المفاجأة الى حالة الإنتقام، وهذه مسألة موضوعية متروكة لتقدير المحكمة في كل قضية على حدة بالنظر الى ظروفها وملابساتها، للتأكد من توافر العذر المخفّف والدفاع الشريف.
 

• العذر المخفّف:
نصّت المادة 252 من قانون العقوبات على أنه يستفيد من العذر المخفّف فاعل الجريمة الذي أقدم عليها بثورة غضب شديد ناتج عن عمل غير محق وعلى جانب من الخطورة أتاه المجني عليه.
فالزوج الذي يقدم على قتل زوجته إثر مفاجأتها بجرم الزنى المشهود مع شخص آخر، يكون قد أقدم على ارتكاب جريمته تحت تأثير ثورة الغضب الشديد الذي أوجد عنصر مفاجأة زوجته بارتكابها عملاً مشيناً غير محق مع شخص آخر.
ويؤدي العذر المخفّف الى تخفيض العقاب، حيث نصّت المادة 251 عقوبات على أنه عندما ينص القانون على عذر مخفّف: إذا كان الفعل جناية توجب الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو الإعتقال المؤبد؛ حوّلت العقوبة الى الحبس سنة على الأقل وسبع سنوات على الأكثر. وإذا كان الفعل يؤلف إحدى الجنايات الأخرى تكون العقوبة الحبس من ستة أشهر الى خمس سنوات. وإذا كان الفعل جنحة فلا تجاوز العقوبة ستة أشهر. وإذا كان الفعل مخالفة، أمكن القاضي تخفيف العقوبة الى نصف الغرامة التكديرية...

 

• الدافع الشريف:
تستند جرائم الشرف بشكل رئيس الى توافر الدافع الشريف لدى من يقدم على ارتكاب جريمة قتل أو إيذاء بحق زوجته أو إبنته أو والدته أو شقيقته في إحدى حالتي جرم الزنى المشهود أو الجماع غير المشروع.
فالدافع هو العلة التي تحمل الفاعل على الفعل أو الغاية النهائية التي يتوخاها. ولا يكون عنصراً من عناصر التجريم إلا في الأحوال التي عيّنها القانون. ويكون الدافع شريفاً إذا كان متّسماً بالمروءة والشهامة ومجرّداً من الأنانية والإعتبارات الشخصية والمنفعة المادية. فإذا تبيّن القاضي أن الدافع كان شريفاً قضى بالعقوبات الآتية: الإعتقال المؤبد بدلاً من الإعدام - الإعتقال المؤبد أو لخمس عشرة سنة بدلاً من الأشغال الشاقة المؤبدة - الإعتقال المؤقت بدلاً من الأشغال الشاقة المؤقتة. الحبس البسيط بدلاً من الحبس مع التشغيل. وللقاضي فضلاً عن ذلك أن يعفي المحكوم عليه من لصق الحكم ونشره المفروضين كعقوبة (سنداً الى المادتين 192 و193 عقوبات).
إذاً للإستفادة من العذر المخفّف في جرائم الشرف، يجب توافر أسباب وعناصر هذا العذر استناداً الى الدافع الشريف الذي يبرّر ارتكاب ما أقدم عليه، كما يجب أن يكون قد أقدم على فعله فور مفاجأته بجرم الزنى المشهود أو الجماع غير المشروع.
أما إذا ارتكب جريمته بعد مرور مدة من الوقت متذرّعاً بأنه قام بذلك انتقاماً لنفسه ولشرفه ولعرضه ولعائلته أو عشيرته، فلا يستفيد من العذر المخفّف المنصوص عليه في المادة 562 عقوبات لأن ما قام به كان مبنياً على اعتبارات شخصية بهدف تأديب زوجته أو إبنته أو شقيقته انتقاماً لسمعته الشخصية وسمعة عائلته، ويكون بذلك قد نصّب نفسه محقّقاً ومدّعياً عاماً وقاضياً ومنفّذاً للعقوبة بصورة مخالفة للأصول القانونية.

 

شرط ارتكاب الفعل بغير عمد
في جرائم الشرف

الشخص الذي يستفيد من العذر المخفّف في جرائم الشرف هو الذي يرتكب جريمته بغير عمد سنداً الى المادة 562 من قانون العقوبات؛ كأن يقدم الزوج على قتل زوجته على أثر مفاجأتها بجرم الزنى المشهود مع شخص آخر من دون أن يكون الزوج قد خطّط مسبقاً لقتل زوجته وشريكها.
فعنصر العمد في جرائم الشرف ينفي توافر عنصر المفاجأة الذي يعتبر شرطاً أساسياً جوهرياً للإستفادة من العذر المخفّف للعقاب. فالزوج الذي يكون على علم ويقين بالخيانة الزوجية ويقرّر الإنتقام وقتل زوجته وشريكها أو أحدهما، ثم يراقبهما ليجدهما في حالة التلبّس بالزنى، يكون قد ارتكب جريمته عن سابق تصوّر وتخطيط وتصميم، ويكون عنصر العمد متحقّقاً في هذه الحالة ولا يستفيد من العذر المخفّف للعقاب المنصوص عليه في المادة 562 عقوبات.
إن عنصر العمد، عند توافر شروطه، يستبعد، مبدئياً، شرط المفاجأة وبالتالي عنصر الإستفزاز بسبب التناقض بين العمد والمفاجأة. إلا أن هذا الحل لا يرقى الى رتبة القاعدة القانونية إذ يقتضي التمييز بين وضعين: وضع الزوج الذي لم يساوره إلا الشك في سلوك زوجته المعيب، فراقبها ولمّا شاهدها في وضع الزنى المشهود أو وضع الريبة، أقدم على قتلها وحدها أو مع شريكها، ووضع الزوج الذي كان على يقين أن زوجته تخونه مع آخر فملأ الإنتقام صدره وصمّم على قتلها وأعدّ العدة لذلك، إلا أنه انتظر أو هيّأ الظرف المادي الذي يستطيع من خلاله أن يضبطها بالجرم المشهود حتى إذا حصل هذا الظرف قام بجريمته.
ويجب الإشارة الى ارتفاع عدة أصوات تطالب بإلغاء نص المادة 562 من قانون العقوبات لأنها تخالف مبادئ المساواة بين المرأة والرجل والحرية الفردية المنصوص عليها في المادتين 7 و8 من الدستور اللبناني، وفي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وفي الإتفاقيات والمواثيق الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، ولأن نص المادة 562 عقوبات يشجّع على ممارسة العنف العائلي ويشكّل تجاوزاً على سلطة القضاء حين يُمنح أفراد حق الإقتصاص المباشر واستيفاء الحق بالذات المعاقب عليها في المادة 429 عقوبات، ثم يلزم القضاء تخفيف عقابهم أو إعفائهم جزئياً من العقاب، كما يكرّس عقلية عشائرية تتناقض مع التطوّر الفكري والإجتماعي والحضاري.

 

المراجع:

- محكمة جنايات جبل لبنان،
قرار رقم 410/96، تاريخ 24/6/1996، المصنف السنوي في القضايا الجزائية للقاضي د. عفيف شمس الدين، 1996.
- فادي مغيزل وميريللا عبد الساتر: جرائم الشرف (دراسة قانونية)، مؤسسة جوزف ولور مغيزل، بيروت 1999.
- د. دريد بشراوي: مدى تطابق القوانين اللبنانية مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، مجلة العدل، 2001.
- المحامية سيتا كريشيكيان: جرائم الشرف، تحليل قانوني وتعليق، مجلة العدل، 2002، عدد 2 و3.