طب وصحة

جراحات البدانة: متى، لماذا وكيف؟...
إعداد: الرائد الطبيب حسام أبتر
اختصاصي في جراحة السمنة المفرطة

حين تبلغ السمنة حدّ تشكيل خطر حقيقي على حياة الإنسان، وتفشل محاولات إنقاص الوزن بواسطة الحمية الغذائية والتمارين الرياضية، نصبح أمام خيار العمل الجراحي. لكن ما هي أنواع العمليات الجراحية التي تجرى لمعالجة البدانة، وخصوصًا المفرطة منها؟ في ما يلي إضاءة على الموضوع.
 

وزن زائد أم بدانة؟
ينبغي التمييز بين ثلاث حالات من السمنة، وهذه الحالات هي: الوزن الزائد، والبدانة، والبدانة المفرطة. ويتمّ التشخيص من خلال مؤشر البدانة، أي ناتج قسمة الوزن على مربع الطول بالمتر. فإذا كانت نسبة المؤشر بين 25 و30 نكون في حالة زيادة الوزن، وبين 30 و35 نصبح في حالة البدانة، أما بعد الـ40، فنكون قد وصلنا إلى مرحلة البدانة المفرطة المرضيّة الحادة، وهي تستدعي إجراء عمل جراحي لتخفيض الوزن.

 

واقع البدانة ومخاطرها
تعتبر السمنة من أهم المشاكل التي تهدد صحة الإنسان، وهي ثاني سبب قاتل يمكن تجنّبه بعد التدخين، والسبب الرئيس الخامس للمخاطر الصحية العالمية. في العام 2016، أكدت الإحصاءات أن في العالم نحو 1.9 مليار شخص يعانون زيادة في الوزن، وصُنّف نحو 40? من البالغين على أنهم بدناء، بينما يعاني 600 مليون من البدانة المفرطة.
أما في لبنان، فقد تبيّن أن معدلات الإصابة بالبدانة آخذة في الارتفاع، وتشير التقديرات إلى أن 67? من اللبنانيين يعانون زيادة الوزن و30? مصابون بالبدانة. والخطورة الأكبر تكمن في أنّ هؤلاء غير مدركين لخطورة هذا المرض ويجهلون مضاعفاته وارتباطه بالإصابة بأمراض أخرى. فالذين يعانون السمنة هم أكثر عُرضة للإصابة بعدد هائل من الأمراض التي تُعدّ من الأسباب الرئيسة للمضاعفات الصحية والوفاة المبكرة. وعندما يرتفع مؤشر البدانة فوق الـ40 ينخفض متوسط العمر بمقدار 10 سنوات. وتظهر في الصورة أدناه الأمراض المرتبطة بالسمنة.

متى ينصح بالجراحة للتخلّص من البدانة؟
يؤدي التخلص من الوزن الزائد إلى تحسّن في الحالة الصحيّة والنفسية للإنسان. وأحيانًا تكون الجراحة الحلّ الأفضل للتخلص من هذا الوزن. فبالإضافة إلى تخفيض الوزن وتثبيته على المدى البعيد، تشفي العمليات الجراحية معظم المرضى من السكري، الضغط، وارتفاع معدل الدهنيات في الدم وغيرها الكثير من الأمراض.
توصي منظمة الصحة العالمية والجمعيات العلمية الجراحية حول العالم بإجراء جراحات السمنة للأشخـاص الذيـن يحملـون مؤشـر بدانـة بين 35 و40 إذا كانت لديهم مشاكل صحية مرتبطة بالسمنة، مثل: السكري، أمراض القلب، فرط الدهون في الدم، انقطاع النفس الانسدادي أثناء النوم، التهاب المفاصل مع آلام حادة، الديسك، والحالات التي لم تسجل نجاحًا أو أنّ نجاحها كان مؤقتًا في تخفيف الوزن بطرق أخرى غير الجراحة. أما المرضى الذين يعانون مؤشر بدانة فوق الـ40 فهم تلقائيًا بحاجة إلى عمل جراحي. وقد اعتمدت الدراسات الطبية الحديثة معيارًا إضافيًا يتمثل بمؤشر بدانة بين 30 و35 مع مرض سكري مزمن غير ممكن السيطرة عليه بالعلاجات التقليدية، فلدى هؤلاء المرضى فرصة أكبر للتخلص من الوزن الزائد ومرض السكري في الوقت نفسه من خلال عمليات جراحية تتيح التخلّص من البدانة. وفي ما يتعلق بالفئات العمرية التي يمكن أن تخضع لهذه العمليات، فهي تشمـل جميع من هم بين 16 و70 سنة.

 

أنواع الجراحات في علاج البدانة المفرطة
تجرى الغالبية العظمى من عمليات البدانة (أكثر من 95?) بالمنظار. وهي عمليات ناحجة تمامًا، وأعراضها الجانبية قليلة، ويستطيع معظم المرضى العودة إلى العمل بعد عشرة أيام من العملية، واستئناف ممارسة التمارين الرياضية بعد ثلاثة أسابيع.
هناك أكثر من 8 عمليات جراحية معروفة لتخفيف الوزن، ولكن سوف نتناول أكثرها شهرة، وهي خمس:

 

• تكميم المعدة بالمنظار Sleeve Gastrectomy:
عملية قصّ المعدة بالمنظار، أو ما يسمى التكميم، هي عملية حديثة، وهي الأكثر انتشارًا لمعالجة السمنة. يتمّ فيها تصغير حجم المعدة إلى ما يقارب 15? من حجمها الأساسي، عن طريق إزالة جزء كبير منها جراحيًا. تُجرى هذه العملية بموازاة قوس المعدة الأكبر، وهو الموقع الخاص بإفراز هرمونات تثير الجوع. بعد ذلك يتمّ ضمّ الأجزاء المفتوحة حتى تصبح المعدة على شكل الموزة.
تُصغّر هذه العملية حجم المعدة بشكل دائم، وتقلّل من احتمال حدوث القرح المعوية، والانسداد المعوي، والأنيميا (فقر الدم)، وهشاشة العظام، ونقص البروتين، ونقص الفيتامينات، فهي لا تؤثر على امتصاص المواد الغذائية. وهي تُعدّ خيارًا مغريًا للمصابين بمرض كرون، أو متلازمة القولون المتهيج. تستغرق هذه العملية نحو 30 إلى 60 دقيقة.

 

• تحوير المعدة Roux -en-Y Gastric Bypass:
هذه الجراحة مناسبة لمن يعاني فرط السمنة المرضية الحادة، وتعتبر الطريقة الأكثر رواجًا في الولايات المتحدة وكندا (51?). تبدأ العملية بفصل الجزء العلوي من المعدة عن بقية أجزائها، ثمّ يتمّ فصل الجزء الأوسط (الجيجينوم) من الإمعاء الدقيقة عن الجزء الأول (الإثني عشري)، ليوصل مباشرة بالجزء العلوي من المعدة. وبالتالي فإن الطعام القادم من المريء سيتخطى المعدة والجزء الأول من الإمعاء الدقيقة ويمرّ مباشرة إلى الجيجينوم.
عملية تحوير المعدة هي أكثر جراحات السمنة فعالية في علاج المشاكل الصحية المرتبطة بالسمنة، لا سيما بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من مرض السكري، إذ يشفى حوالى 80? منهم. يتطلب إجراء العملية حوالى الـ90 دقيقة، وهي تقلّص حجم المعدة بنسبة 90?.

 

• تحويل مسار المعدة المصغّر Mini Gastric Bypass:
هناك اختلافان رئيسان يميّزان هذه العملية عن عملية التحوير الكلاسيكية. الأول هو أن المعدة المصغّرة في عملية التحوير المصغر تكون أطول. والثاني والأهم، هو أن هناك قناة وصل واحدة بين المعدة والأمعاء الدقيقة. تتميز عملية التحوير المصغّر في كونها أبسط وأسرع، أما بالنسبة إلى فقدان الوزن فهو متساوٍ في كلتا العمليتين. لكن هناك احتمال أكبر لحدوث إسهال وسوء امتصاص في عملية التحوير المصغّر، بالإضافة إلى إمكان تعرّض المعدة لتهيّج العصارات الصفراوية، والتي من شأنها أن تتسبب على المدى الطويل بالقرحة.
على الرغم من أنّ عملية تحويل مسار المعدة المصغّر قد تمّ انتقادها كثيرًا من قبل الجراحين الأميركيين، إلّا أنها أصبحت عملية متداولة للتخلص من السمنة في العديد من البلدان الأوروبية. ونتائجها على المدى الطويل مشابهة جدًا لعملية تحوير المعدة، وهي تستغرق ما بين 60 و90 دقيقة.

 

• حلقة المعدة أو عملية تحزيم المعدة وربطها Laparoscopic Adjustable Gastric Banding:
انتشرت هذه العملية مطلع العام 1990 وأصبحت الأكثر استخدامًا لعلاج السمنة في أوروبا والشرق الأوسط. لكن الإقبال عليها تضاءل تدريجًا بسبب نتائجها المخيبة للآمال على المدى الطويل. هذا الأسلوب من الجراحة يعتمد على مبدأ بسيط، وهو الحدّ من حجم المعدة ما يؤدي إلى الشعور بالشبع، ولكنها لا تخفّض نسبة هرمون الجوع، لذلك فإن الصراع مع الجوع يظلّ قائمًا، وبالتالي، فإن نتائجها تعتمد أكثر على التزام المريض نظامًا غذائيًا وأسلوب حياة ملائمين.
تقتضي العملية ربط شريط من السيليكون المجوّف والمرن حول الجزء العلوي من المعدة، ما يؤدي إلى تصغير حجمها. ويستطيع الطبيب تغيير مقدار ضغط الشريط على المعدة، وبالتالي حجمها، عن طريق حقن الشريط الذي يتم غرسه في جدار البطن، بسائل السالين، أو سحبه مجددًا. بالمقارنة مع الجراحات الأخرى تتميّز هذه العملية بسهولتها وبنسبة أقل من المضاعفات الفورية. لكن مقدار تخفيضها للوزن أقل من بقية الطرق. لذلك فإن التزام حمية غذائية بعد العملية يُعدّ أمرًا ضروريًا، أما الوقت اللازم لإجرائها فلا يتجاوز الـ30 دقيقة.

 

• عملية طي المعدة الطولي Laparoscopic Gastric Plication:
يتمّ فيها طي المعدة عن طريق تقطيب جزء منها على شكل كم بالخياطة عوضًا عن قص وإزالة نسيج المعدة ما يحفظ قدراتها الطبيعية على امتصاص الغذاء. يقلّص ثني المعدة حجم معدة المريض بشكل كبير، ما يساعده على الشعور بالشبع والاكتفاء بكميات أصغر من الطعام. عملية ثني المعدة عملية مقيّدة تقلّل من المضاعفات التي تحصل مع ربط المعدة أو تكميمها، وذلك بسبب حصول التقييد المطلوب من دون استخدام أي أدوات مزروعة، أو الحاجة إلى استئصال (قصّ) المعدة وتدبيسها. تعتبر هذه العملية الأقل كلفة بين باقي العمليات ولكننا بحاجة إلى المزيد من البيانات في ما يتعلق بالنتائج على المدى الطويل. تتطلب العملية حوالى الـ 90 دقيقة.

 

ماذا عن الأكل؟
يجب على المريض اتّباع نظام غذائي يقتصر على السوائل لمدة أسبوعين على الأقل حتى تزول آثار العملية الجراحية من الجهاز الهضمي. في الأشهر الأولى يُعد الجفاف ونقص سوائل الجسم من المشاكل الشائعة، ولمنع التعرّض له، على المرضى ارتشاف جرعات صغيرة من الماء بشكل متكرّر على مدار اليوم. وفي حال تناول الطعام بسرعة، فإن جيب المعدة سوف يمتلئ أكثر مما ينبغي، ما قد يسبب القيء أو الشعور بألم في الصدر والبطن العلوي.
يرتبط النظام الغذائي الذي يُعتمد بعد الشفاء من العملية الجراحية بنوع هذه العملية، لكن معظم المرضى يحتاجون إلى تناول جرعات من الفيتاميــنــات (خصوصـًا  B12 وD) والمعادن (الكالسيوم والحديد بشكل خاص)، للتعويض عن النقص في امتصاص الغذاء كنتيجة للعملية الجراحية. كما ينصح الأطباء بتناول غذاء يتكون من نسبة عالية من البروتينات ونسب قليلة من الدهون والكحول.

 

المخاطر والمضاعفات
تحدث مشاكل صحية مباشرة بعد إجراء العملية لدى 5? فقط من المرضى، وخطر الموت نتيجة لهذه العملية هو بنسبة أقل من 0.1?. وبما أنه قد لوحظ أن معدل الإصابة بالمضاعفات يقلّ في حال كان الجرّاح الذي أجرى العملية خبيرًا بها، فمن المفضّل الخضوع لجراحة السمنة في وحدات متخصصة في هذا المجال للحدّ من احتمال حدوث تسرّب في المعدة، وهو أكثر المضاعفات خطورة (تراوح نسبته ما بين 1 و 5?).
يمكن تقسيم مضاعفات عمليات علاج السمنة إلى 3 أنواع:
1- مضاعفات جانبية تحصل في أثناء العملية كالإضرار بالطحال، أو العروق، أو انقطاع الدم عن الإمعاء.
2- مضاعفات جانبية بعد العملية، مثل النزيف، التهاب الجرح، وتخثّر الدم في الأوردة.
3- مضاعفات جانبية طويلة المدى، وتشمل ارتجاع أسيد المعدة (لدى 20? من المرضى)، ونقص في امتصاص المواد الغذائية، خصوصًا بعد عمليات تحوير المعدة. ويعاني بعض المرضى أيضًا من تساقط شعر (مؤقت) والتعب في بعض الأحيان، وتكوّن حصى في المرارة.
يمكن لبعض المرضى أن يستعيدوا بعض الوزن نتيجة لإعادة تمدّد المعدة، لهذا فإنه من الضروري المتابعة المنتظمة وإجراء تحاليل للدم على الأقل مرتين في السنة. كما يمكن حدوث ترهّل في الجلد ما يستدعي إجراء عمليات جراحية، كشد البطن واليدين والرجلين، بعد الوصول إلى الوزن المثالي.

 

جراحات السمنة في المستشفى العسكري المركزي
يعتبر المستشفى العسكري المركزي حاليًا من أبرز  المراكز الطبية المتخصصة في جراحة السمنة على مستوى لبنان. لقد أجريت فيه لغاية الآن نحو 710 عمليات جراحية للسمنة بمختلف أنواعها، وهو رقم يجعلها في طليعة المستشفيات المتخصصة في هذه الجراحة.
يطبّق المستشفى المعايير الطبية الدقيقة والعالمية لإجراء هذه الجراحات، بإشراف لجنة طبية تتألف من 5 اختصاصيين.
تقوم هذه اللجنة بدراسة كل حالة، إذ يخضع المريض للفحوصات الطبية اللازمة، فضلًا عن تحليل دقيق لطبيعة حياته وعاداته في الأكل، كما يتمّ التحقّق من محاولاته السابقة لتخفيض الوزن. بعد انتهاء هذه المعاينة وفي حال كان وضع المريض ملائمًا للقيام بالجراحة يتمّ إخضاعه لتقييم نفسي، وبعد ذلك يختار الطبيب الجرّاح العمل الجراحي المناسب للمريض ويجريه.
أخيرًا، الجراحة لمعالجة السمنة، هي الوحيدة التي أثبتت نجاحًا على المدى البعيد في تخفيض الوزن والقضاء على الأمراض المزمنة المتعلقة بالوزن الزائد، أو الحدّ من تأثيراتها.