قضايا إقليمية

جريمة إسرائيل المزدوجة بـين الإحتلال والتوطين
إعداد: إحسان مرتضى
باحث في الشؤون الإسرائيلية

تُعرِّف وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) ، اللاجئ بأنه "الشخص الذي كانت فلسطين مكان إقامته العادية لفترة لا تقل عن سنتين قبل نشوب النزاع الفلسطيني الإسرائيلي في عام 1948، والذي فقد من جراء ذلك النزاع دياره ومورد رزقه وأرضه. وحتى يكون اللاجئ مستحقاً لمساعدة الوكالة (الأونروا) يجب أن يكون مسجلاً لديها ومحتاجاً، كما يجب أن يكون قد لجأ الى الضفة الغربية من الأردن أو الضفة الشرقية منه أو قطاع غزه أو سوريا أو لبنان وهي المناطق المجاورة لإسرائيل".

ومن المعروف أن المنطق القانوني والإنساني يستوجب حل قضية اللاجئين الفلسطينيين المشردين في الشتات بعيداً عن وطنهم، وفقاً لمقررات الأمم المتحدة ذات الصلة بالموضوع مثل القرار رقم 194 الصادر عن الجمعية العامة في 11 كانون الأول1948   والذي نص في الفقرة  منه على أن "اللاجئين الراغبين في العودة الى ديارهم والعيش في سلام مع جيرانهم، يجب أن يسمح لهم بعمل ذلك في أقرب تاريخ ممكن... ويجب أن يدفع لأولئك الذين يختارون عدم العودة تعويض عن الممتلكات عن فقدانها أو عن إصابتها بأضرار". فهذا القرار وغيره من القرارات ذات الصلة يوفر حلاً للمشكلة عن طريق تنفيذ صيغة العودة أو التعويضات. وقد جرى بحث قضية اللاجئين، كما هو معروف في المفاوضات المتعددة الأطراف منذ مؤتمر مدريد عام 1991 بقصد دعم المفاوضات الثنائية، ولكن من دون تحقيق أي تقدم يذكر. ومن المسائل التي تحققت فقط، فتح حوار بين مجموعة كبيرة من الدول بالنسبة الى عدد من القضايا المتصلة مثل دراسة المعلومات والإحصاءات عن اللاجئين، والنظر في لمّ شمل العائلات الممزقة بين أرض الوطن والشتات، وفي رعاية الأطفال والتشغيل وقضايا اقتصادية اخرى.

وإثر تشكيل السلطة الوطنية الفلسطينية في أعقاب اتفاقيات أوسلو عام 1993، حصلت التباسات في الصفات التمثيلية والعملية ما بين السلطة والأونروا، وقد قيل في حينه أنه على الرغم من أن الشكوك والإتهامات التي كانت توجه الى الأونروا في بداية عملها، على أنها أداة لتوطين الفلسطينيين خارج ديارهم وحرمانهم من العودة إليها ­ وهي اتهامات لا تخلو من الصحة ­ فإن هذه المنظمة اعتبرت أهم مؤسسة حافظت، ولو بصورة غير مباشرة، على كيان الشعب الفلسطيني وهويته الوطنية. وهي اليوم تعتبر أكبر وأكفأ مؤسسة ترعى شؤون اللاجئين الفلسطينيين، خارج النطاق السياسي بما في ذلك منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية.

والجدير بالذكر أن الأعمال الإجرامية التي ارتكبتها المنظمات الصهيونية الإرهابية عام 1948 بحق المدنيين الفلسطينيين، أدت الى تهجير مئات الألوف من المواطنين العرب خصوصاً إثر ارتكاب مجازر دير ياسين وحيفا ويافا وصفد وبئر السبع وسواها، مما جعل الوسيط الدولي في حينه الكونت برنادوت يقول في تقريره: "لقد طرد، نتيجة الصراع في فلسطين، جميع السكان العرب تقريباً من المناطق التي وقعت تحت الإحتلال اليهودي. وشمل ذلك السكان العرب في يافا وحيفا وعكا واللد والرملة، وبعد أن كان مجموع السكان العرب في هذه المناطق يزيد على 400 ألف عربي قبل نشوب الصراع، اصبح عدد هؤلاء في المناطق التي سيطر عليها اليهود 50 ألفاً تقريباً". وبعد اغتياله على أيدي عصابات "شترن" اليهودية، أعاد الوسيط الدولي البديل رالف بانش، التقديرات، فرفع عدد اللاجئين الى أكثر من 472 ألفاً. وصرح بأن تقديرات الحكومات العربية في هذا الشأن تراوحت بين  740و780 الفاً. وجاء في تقرير مفوض الأونروا عام 1953 أن عدد اللاجئين وصل عام1950  الى 960 ألفاً. وفي عام 1967 بلغ عدد الفلسطينيين الذين هُجّروا من الضفة الغربية نحو 410آلاف، وبالتالي أصبح وضع هؤلاء النازحين الذين حرموا من حق العودة الى ديارهم مماثلاً لوضع اللاجئين الأوائل. وفي آخر إحصاء للأونروا جرى عام 1997 تبين أن عدد اللاجئين الفلسطينيين وصل الى نحو ثلاثة ملايين ونصف موزعين على لبنان وسوريا والأردن وقطاع غزة والضفة الغربية. من هنا يتضح أن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم لا ينحصر فقط في الوجهة الإنسانية أو الأخلاقية، بل يطال أيضاً المستويين السياسي والقانوني على اعتبار أن المشكلة هنا هي مشكلة دولة مغتصبة لحقوق سليبة، لأن فلسطين تحت الإنتداب، من وجهة نظر القانون الدولي، دولة ناقصة السيادة، وكان على بريطانيا بموجب ميثاق الأمم المتحدة، أن تمنحها استقلالها أو تضعها تحت نظام الوصاية. ومع ذلك فإن القرار 194 الخاص بعودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم ما يزال يمثل نوعاً من الشرعية الدولية لا سيما وأن مقدمة قرار الموافقة على قبول عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة حملت إشارة صريحة الى هذا القرار، إلا أن إسرائيل ضربت به وبسواه عرض الحائط فضاعت قضية اللاجئين ومأساتهم في حلقة مفرغة من التقارير والتوصيات والقرارات غير المطبقة، الصادرة عن مجلس الأمن أو الهيئة العامة للأمم المتحدة.

الأمر الخطير الذي برز في أعقاب أوسلو أن هذا الإتفاق قد فصل محنة لاجئي 1967 عن مأساة لاجئي 1948، وهو الأمر الذي استغله زعماء إسرائيل لتبرئة نفوسهم من مسؤولية تشريد أكثر من 70% من الشعب الفلسطيني بقولهم إن مسؤولية النزوح لا تقع على عاتقهم بل على عاتق الدول العربية التي نشرت الرعب وطلبت من الفلسطينيين المغادرة لفترة وجيزة من الوقت بحجة دخول قواتها العسكرية. وبالتالي فإسرائيل غير ملزمة بالتعويض لأنها استقبلت نسبة مئوية من "اللاجئين" أي المستوطنين اليهود والوافدين من هذه الدول. كما وأن فلسطينيي الشتات لا يمكنهم العودة الى بلادهم لأنهم اختاروا القتال والجهاد... والمؤسف أن المفاوض الفلسطيني بتوقيعه اتفاق أوسلو يكون قد أحل الإتفاقات التعاقدية محل المرجعيات الدولية.

في المحصلة تجمع إسرائيل اليوم بمجمل أحزابها السياسية والدينية على رفض حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، وتدعو الى توطينهم في البلدان المضيفة كمواطنين دائمين بحجة أن نصف قرن أو يزيد من التعايش المؤقت يمثل مدة كافية للتأقلم والانصهار، هذا ناهيك عن استمرار سعيها الدؤوب لطرد المزيد من الفلسطينيين من الأراضي المحتلة جميعاً وإسكانهم في العراق إثر احتلاله والمطالبة بتعويضات عن ممتلكات اليهود العراقيين المهاجرين.

من هنا يتبين أن محاولات الصهاينة تغييب فلسطين والفلسطينيين من الحضارة والتاريخ، كانت وما تزال هدفاً أساسياً للصهيونية المتطرفة التي تسعى لإيجاد إقناع عالمي بأن تاريخ اليهود انتهى بغيابهم عن "أرض الميعاد" حسب زعمهم، وأن عودتهم من المنافي والشتات، تشكل عودة التاريخ والحضارة الى المكان الذي فرغ باستيلاء غيرهم عليه، والمؤسف أنه بعد تنازل الفريق الفلسطيني المفاوض في أوسلو عن تاريخ يعود الى آلاف السنين، يحاول هذا الفريق الآن استجداء المغتصب لكي يعيد له بقعة من الأرض هنا أو هناك.