عبارة

جريمة الاحتكار
إعداد: العميد علي قانصو
مدير التوجيه

برزتْ في الآونة الأخيرة مشاهد احتكار أساسيات الحياة، وبات جزءًا من الأخبار اليومية رؤية خزانات الوقود ومخازن الدواء والسلع الغذائية المخبَّأة في مناطق متعددة. وقد بَذَلَ الجيش والقوى الأمنية الأخرى جهودًا استثنائية لتتبُّع هذه الظاهرة، وهي مهمة مستجدّة تُضاف بطبيعة الحال إلى المهمات التي ينفذها العسكريون في إطار الذود عن البلاد وصون أمنها واستقرارها.
لكنْ بعيدًا عن الإجراءات والتبعات التي يتعرض لها المحتكرون، وبصرف النظر عن المواد القانونية التي تُحدّد عقوبة المحتكِر، لا بد من التوقف عند هذا الفعل وتقييمه بميزان الضمير الإنساني والواجب الاجتماعي. فالاحتكار جريمةٌ شائنة لا تقتصر على الإضرار الجسدي والمادي بعدد كبير من اللبنانيين، بل تتجاوز ذلك إلى تهديد الأمن الاجتماعي، بخاصة على الصعيدين الغذائي والصحي، وتترك آثارًا كارثية على السكان إذ تساهم في زيادة الحرمان والاحتقان الداخلي، وبالتالي ارتفاع معدّل الجريمة ولا سيما في المناطق الفقيرة حيث يزداد عجزُ المواطنين عن تأمين الحاجات الضرورية. يأتي ذلك في وقت يحتاج فيه الوطن إلى تضافر جهود أبنائه جميعًا للتخفيف من وطأة الأزمة الخانقة التي نمرّ بها، لا استغلال آلام الناس بهدف مراكمة الأرباح.
فأيّ كسب مادي يساوي مضاعفة أوجاع المرضى المحتاجين إلى دواء، أو حرمان الأطفال من غذائهم أو منع المواد الأساسية عن آلاف العائلات؟ إنها أرباح مغمّسة بدموع المظلومين، يتحمّل المحتكِر مسؤوليتها الجزائية أمام القانون، ووِزْرَها الأخلاقي أمام خالقه ومجتمعه وأُسرتِه.
والواجب في المحنة الراهنة أن يتكاتف اللبنانيون، وأن يُعِينَ قويُّهم ضعيفَهم على تخطي الظروف القاسية، الأمر الذي يخفّف على مؤسسات الدولة، وتحديدًا المؤسسات الأمنية، الكثير من الوقت والجهد، ويتيح لها التفرُّغ لأداء الواجبات الضرورية. وتشمل هذه الأخيرة، بالنسبة إلى المؤسسة العسكرية، الحفاظ على أعلى درجات اليقظة منعًا لأي اعتداء قد يُقْدِم عليه أعداء الوطن، فهم كعادتهم لا يستريحون ويتحيّنون اللحظة المناسبة للنفاذ إلى ساحتنا، لكنّهم سيجدون بنادق العسكريين بالمرصاد.