نحن والقانون

جريمة خرق حرمة المنزل
إعداد: د. نادر شافي

يعتبر مبدأ حماية حرمة المنزل من المبادئ التي نصت عليها كافة التشريعات الداخلية والدولية، لا سيما في الاعلان العالمي لحقوق الانسان تاريخ 10/12/1948. كما تعتبر هذه الحرمة من القيم والمبادئ الانسانية السامية اللازمة لحماية الأسرة البشرية، وهي تقوم على أساس
العدل والمساواة بين كل أبناء البشر من دون تمييز وعلى أساس الحرية في التمتع بحياة كريمة. وهي تهدف الى تعزيز وحماية الحريات الشخصية للانسان والى العمل على صون كرامته وحقوقه الطبيعية والأساسية انطلاقاً من المبادئ الانسانية السامية التي تعترف بها كل المجتمعات البشرية.

 

القانون اللبناني

أقرّ  المشترع اللبناني مبدأ حماية حرمة المنزل في المادة 14 من الدستور التي نصت على ان للمنزل حرمة ولا يسوغ لأحد الدخول اليه إلا في الأحوال والطرق المبيّنة في القانون. كما نصت القوانين اللبنانية على صون حرمة المنزل وعاقبت على خرقها، فنصت المادة 571 من قانون العقوبات على انه «من دخل منزل أو مسكن آخر او ملحقات مسكنه او منزله، خلافاً لإرادته، وكذلك من مكث في الاماكن المذكورة خلافاً لإرادة من له الحق في إقصائه، عوقب بالحبس مدة لا تتجاوز الستة أشهر. ويقضى بالحبس من ثلاثة أشهر الى ثلاث سنوات إذا وقع الفعل ليلاً، أو بواسطة الكسر او العنف على الاشخاص، او باستعمال السلاح، او ارتكبه عدة اشخاص مجتمعين. ولا تجري الملاحقة في الحالة المنصوص عليها في الفقرة الاولى إلا بناء على شكوى الفريق المتضرر».
كما عاقبت المادة 370 من قانون العقوبات على جريمة خرق حرمة المنزل عندما يقترفها موظف عام، فنصت على ان «كل موظف يدخل بصفة كونه موظفاً منزل أحد الناس او ملحقات المنزل في غير الحالات التي ينص عليها القانون من دون مراعاة الأصول التي يفرضها، يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر الى ثلاث سنوات ولا تنقص عن ستة أشهر إذا رافق تحري المكان أو أي عمل تحكّم آخر أتاه الفاعل».
ان بحث جريمة خرق حرمة المنزل يستوجب البحث في مفهوم المنزل المخروقة حرمته، وصفة الفاعل، والحالات التي لا تعتبر خرقاً.


مفهوم المنزل

يُقصد بالمنزل، بمفهومه القانوني الواسع، كل مكان يعتبر الانسان نفسه فيه بمنأى عن أنظار الغير(1). وقد توسّع الاجتهاد القضائي في تفسير حرمة المنزل، فعنى بها كل ما له صفة المقام الخاص للشخص (Domicile - Home)، كالخيمة في البرية التي تستعمل للسكن(2) سواء أكان السكن دائماً أم مؤقتاً، وسواء أكان من يسكنه مالكاً إياه أم مستأجراً له أم منتفعاً به بإذن مالكه أو مستأجره. وذلك بمعزل عن قانونية السكن وطبيعة الاستعمال.
فالمفهوم القانوني للمنزل المقصود بالمادتين 370 و 571 من قانون العقوبات هو المكان المستعمل لسكن الشخص، سواء أكان بصورة مستمرة أو متقطعة، على أن يبقى الجرم قائماً بمعزل عما إذا كان الدخول اليه قد تمّ بحضور الساكن أو بغيابه، وعلة ذلك أن الحماية المقررة لحرمة المنزل تتناول المكان المعد للسكن، وليس حماية الملكية العقارية وفروعها المعاقب على الاعتداء عليها بنصوص أخرى (م 738 عقوبات). وبالتالي لا يكفي ليعتبر المكان منزلاً أو مسكناً ان يكون مقرّراً استعمال الشقة للسكن بالإيجار، بل يجب ان تكون الشقة مستعملة فعلاً كمسكن او كمنزل بالمفهوم المبين اعلاه(3).
ولا عبرة لنوعية المسكن او لمساحته او لمدة الاقامة فيه، سواء أكانت مستمرة ام مؤقتة، ولا يؤثر في اعتبار المسكن ما إذا كان جزء من المنزل مخصّصاً للعمل بالإضافة للسكن.
ولا يميّز القانون بين الإقامة الشرعية والإقامة غير الشرعية، فهو يؤمن الحماية لحرمة المنزل بمعزل عن حق الشخص في التواجد فيه، حتى ولو كان ينطبق على تلك الإقامة غير المشروعة وصف جرم آخر كإحتلال شقة أو اغتصاب عقار التي يعاقب عليها القانون اللبناني بموجب المادة 738 من قانون العقوبات.
وتمتدّ حرمة المنزل لتشمل ملحقاته وفقاً لصراحة نص المادتين 370 و 571 من قانون العقوبات، أي المنزل بمفهومه الواسع؛ فتعتبر من الملحقات: شرفات المنزل وسطحه الخاص به غير المشترك مع الغير، وتوابعه المسوّرة أو المتصلة به لحاجاته الخاصة، كالساحة والحديقة أو مربض الماشية، شرط أن تكون داخل سور المنزل.
ويجب ان يكون المنزل معداً للسكن، ومأهولاً فعلاً، بقطع النظر عمّا إذا كان شاغله موجوداً فيه عند حصول الاقتحام وخرق حرمة المنزل. ولا يعتبر ان للمنزل حرمة قانونية إذا لم يكن معداً للسكن، حتى ولو وجد فيه صاحبه بصورة عرضية لرؤيته فقط.

 

صفة الفاعل

ميّز القانون اللبناني في جريمة خرق حرمة المنزل حسب صفة الفاعل بين ارتكابها من موظف رسمي وبين ارتكابها من شخص عادي، على النحو التالي:
- إرتكاب الجرم من موظف رسمي: حدّدت المادة 370 من قانون العقوبات عناصر جريمة خرق حرمة المنزل من قبل موظف رسمي، وهي تشترط:
1- أن يكون الفاعل موظفاً رسمياً وفقاً للقانون.
2- أن يدخل المنزل بصفته موظفاً.
3- أن يتخطى حدود المنزل أو ملحقاته في غير الحالات التي ينص عليها القانون ومن دون مراعاة الأصول التي يفرضها.
4- أن تتوافر لديه النية الجرمية المتمثلة بعلمه أنه يدخل منزلاً أو ملحقاته من دون أن تتوافر لديه المبررات القانونية لتصرفه أو من دون أن يقصد عدم مراعاة الأصول المفروضة قانوناً، ولا يكفي إدعاء الموظف بجهله تلك الأصول أو أن دافع دخوله المنزل كان شريفاً.
تستوجب الملاحقة في هذه الحالة شكوى المتضرر لتحريك الدعوى العامة ضد الموظف.
وتكون العقوبة هنا الحبس من ثلاثة أشهر الى ثلاث سنوات، ولا تنقص عن ستة أشهر إذا رافق الفعل الجرمي تحري المكان أو أي عمل تحكّم آخر أتاه الفاعل؛ كممارسة عمل تعسفي من الموظف بصورة مخالفة للقانون، وفقاً للفقرة الأخيرة من المادة 370 من قانون العقوبات.
إلا أن الموظف لا يعاقب إذا اعتقد لسبب غلط مادي أنه يطيع أمر رؤسائه المشروع في أمور داخلة في اختصاصهم ووجب عليه طاعتهم وفقاً للمادة 226 من قانون العقوبات.
- ارتكاب الجرم من شخص عادي: عاقبت المادة 571 من قانون العقوبات كل من دخل منزل  أو مسكن آخر أو ملحقات مسكنه أو منزله، خلافاً لإرادته، وكذلك من مكث في الأماكن المذكورة خلافاً لإرادة من له الحق في إقصائه.
فهذه المادة تتعلق بالفعل الجرمي الذي يقوم به شخص عادي لا يتمتع بصفة الوظيفة العامة أو لم يرتكب ذلك الفعل الجرمي بصفة كونه موظفاً رسمياً.


ويشترط في هذه الحالة:
1- دخول المنزل أو ملحقاته أو المكوث فيه.
2- أن يكون ذلك خلافاً لإرادة شاغله؛ سواء أكان المالك أو المستأجر أو المنتفع أو أي شخص آخر له صفة بالسكن مهما كان وضعه القانوني منعاً من استيفاء الحق بالذات الذي يعاقب عليه المشترع اللبناني بموجب المادة 429 من قانون العقوبات وحماية للحياة الشخصية.
3- تشترط هذه الجريمة أيضاً توافر الركن المعنوي المتمثل بعلم وإرادة الفاعل بأنه يدخل منزل غيره، أو يمكث فيه خلافاً لإرادة صاحب ذلك المنزل.
ويشترط أيضاً في جريمة خرق حرمة المنزل من شخص عادي تقديم شكوى من الفريق المتضرر لتحريك دعوى الحق العام وبدء الملاحقة الجزائية. اما العقوبة فتكون الحبس مدة لا تتجاوز الستة أشهر، وتشدّد الى الحبس من ثلاثة أشهر الى ثلاث سنوات في الحالات التالية:
- إذا وقع الفعل ليلاً.
- إذا تمّ بواسطة الكسر أو العنف على الأشخاص.
- إذا تمّ باستعمال السلاح.
- إذا ارتكبه عدة أشخاص مجتمعين.
- أما بالنسبة للزوجين، فمهما كانت الخلافات بينهما، يعتبر المنزل من حق الاثنين، ولا يمكن لأحدهما تحريمه على الآخر، ولا يمكن لمن دخل بالقوة الى منزله أن يتّهم بخرق حرمته، إلا عند وقوع الطلاق بين الزوجين وأصبح لكل منهما مسكن مستقل خاص به.

 

الحالات الاستثنائية التي لا تعتبر خرقاً لحرمة المنزل

حدّد المشترع اللبناني بعض الحالات الحصرية الاستثنائية الخاصة التي يجوز فيها لأشخاص محدّدين دخول منازل الغير، ومن تلك الحالات:
1- الحق المعترف به للنائب العام:
للنائب العام وفقاً للمادة 23 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، أن يدخل الى منزل المشتبه فيه للتفتيش عن المواد التي قد تساعد على إنارة التحقيق، وله أن يضبط ما يجده منها، وينظّم محضراً بما ضبطه واصفاً إياه بدقة، ويقرر حفظ المواد المضبوطة، ويجري التفتيش بحضور المشتبه فيه أو المدعى عليه أو بحضور وكيله أو اثنين من أفراد عائلته الراشدين أو شاهدين يختارهما النائب العام، ويوقّع معهما على المحضر.
وإذا وجد أثناء التفتيش أشياء ممنوعة فيضبطها وإن لم تكن ناتجة عن الجريمة أو متعلقة بها وينظم محضراً بها على حدة. وله أن يكلّف ضابطاً عدلياً بإجراء التفتيش تحت اشرافه. ولا يجوز الدخول الى المنازل للتفتيش أو البحث عن الجاني إلا بين الساعة الخامسة صباحاً والثامنة ليلاً، ما لم يوافق صاحب المنزل صراحة على ذلك خارج هذه الفترة.

 

2- الحق المعترف به لقاضي التحقيق:
لقاضي التحقيق، وفقاً للمادة 98 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، أن ينتقل مع كاتبه لإجراء الكشف الحسي على مكان وقوع الجريمة، أو لتفتيش أحد المنازل بحثاً عن مواد  جرمية أو أشياء تنير التحقيق، وعليه أن يعلم النائب العام بانتقاله، وإذا رافقه فيقوم بإجراءات الكشف بحضوره وإلا قام بها وحده.
ويتم الكشف أو التفتيش بحضور المدعي الشخصي والمدعى عليه، إذا لم يحضر أحدهما أو تعذر عليه الحضور فيحصل التفتيش بحضور وكيله أو شاهدين من أفراد عائلته أو شاهدين يختارهما قاضي التحقيق.

 

3- الحق المعترف به للضابطة العدلية:
للنائب العام، وفقاً للمادة 33 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، أن يكلف ضابطاً عدلياً لإجراء التفتيش في منزل المشتبه به أو المدعى عليه تحت إشرافه ومراقبته ووفقاً للأصول التي يتّبعها النائب العام نفسه.
وكل تفتيش تجريه الضابطة العدلية في أحد المنازل خلافاً للأصول التي حددها القانون للنائب العام في الجناية المشهودة، يكون باطلاً، ويتعرض الضابط العدلي الذي يدخل خلافاً للأصول ويجري التفتيش فيه للملاحقة بجنحة خرق حرمة منزل المنصوص عليها في المادة 370 من قانون العقوبات. غير ان الإبطال في هذا يقتصر على المعاملة الباطلة ولا يتعداه الى سائر إجراءات التحقيق سنداً للمادة 34 من قانون أصول المحاكمات الجزائية.
ولا يجوز لضباط العدلية تفتيش منزل أو شخص إلا بعد استحصالهم على إذن مسبق من النيابة العامة، وعليهم أن يراعوا الأصول التي حددها القانون للنائب العام في الجريمة المشهودة، وإلا كان التفتيش باطلاً سنداً للمادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية والمادة 219 من قانون تنظيم قوى الأمن الداخلي رقم 17/90.
وعلى من كُلّف من قوى الأمن بتنفيذ مذكرة التوقيف الغيابي أن يدخل المنزل الذي تتوافر لديه الأدلة على أن المدعى عليه الموقوف غيابياً قد لجأ اليه، إنما لا يجوز دخوله إلا في الفترة الممتدة بين الخامسة صباحاً والثامنة ليلاً سنداً للمادة 109 من قانون أصول المحاكمات الجزائية.

 

اختلاف جريمة خرق حرمة المنزل عن جريمة الدخول الى أماكن خاصة

تختلف جريمة خرق حرمة المنزل عن جريمة الدخول الى أماكن تخصّ الغير التي عاقبت عليها المادة 572 من قانون العقوبات، فنصت على أنه يعاقب بالتوقيف التكديري أو بغرامة لا تتجاوز المئة ألف ليرة من تسلل بواسطة الكسر أو العنف على الاشخاص الى أماكن تخص الغير وليست مباحة للجمهور، أو مكث فيها على الرغم من إرادة من له الحق في إقصائه. ولا يلاحق المجرم إلا بناء على شكوى الفريق المتضرر.
وهذه الجريمة تتعلق بالأماكن التي تخصّ الغير التي لا تتوافر فيها شروط اعتبـارها منزلاً أو مسكناً كالمكاتب والمعامل والمحلات وغيرها.

1- د. فيلومين نصر: قانون العقوبات الخاص، جرائم وعقوبات، بيروت، 1994، ص 293.
2- القاضي فريد الزغبي: الموسوعة الجزائية، ج4، دار صادر، بيروت، 1995، ص 341.
3- محكمة التمييز الجزائية، غ 6، قرار رقم 341 تاريخ 31/5/2001، المرجع حمورابي رقم  HAM36194.