أفكار ومشاريع

جزيرة جونيه العائمة في قاعة العماد نجيم
إعداد: باسكال معوض بو مارون

الدكتور ضو شرح انجازه الفريد والأول عالميًا

 

إنشاء جزر اصطناعية عائمة في البحار والمحيطات لم يعد مجرد حلم بل بات واقعًا سوف يشهد العالم أولى تطبيقاته قريبًا، وفي لبنان.
الدكتور عبد الله ضو هو صاحب هذا الإنجاز الذي كان موضوع محاضرة له في قاعة العماد نجيم في اليرزة.


بطاقة تعريف
في قاعة العماد نجيم وبحضور ممثل قائد الجيش العماد جان قهوجي العميد الركن رفعت شكر نائب رئيس الأركان للعمليات، وعدد كبير من ضباط الجيش والأجهزة الأمنية، وممثلين عن وزارات الأشغال العامة والنقل والسياحة والبيئة والزراعة وعمداء ومديري كليات الهندسة في الجامعة اللبنانية والجامعات الخاصة في لبنان وممثلين عن نقابتي المهندسين في بيروت والشمال والملحقين العسكريين في السفارات المعتمدة في لبنان، ألقى الدكتور عبدالله ضوّ محاضرة بعنوان «لبنان والكشف العلمي في الهندسة البحرية»، عرض فيها فكرة إنشاء جزر عائمة في المحيطات والبحار، وتحدّث عن مشروعه المتمثِّل بإنشاء أول جزيرة عائمة إصطناعية في العالم مقابل شاطئ حارة صخر في كسروان.
العقيد غسان عز الدين عرّف بالمحاضر مؤسس جمعية المخترعين اللبنانيين، والحائز الدكتوراه الفخرية من جامعة هاواي تقديرًا لمشروعه عن الهندسة المتطورة للجزيرة العائمة DHOW4، والذي حاضر في العديد من الجامعات الكبرى في لبنان وفي عدة منتديات لرجال الأعمال العرب، حول الأسس العلمية والاستثمارية لهذه الهندسة التي حصل على الإقرار العالمي بها من أعلى المراجع الدولية في الهندسة البحرية. وقد منح درع الرواد العرب للعام 1999 وله عدة مؤلفات: «مبادئ أولى في إدارة مشاريع المقاولات - 1984»،  «الغرب في أيدي العرب - 2006»، «تقنية تهجير الأدمغة من لبنان - 2008»، «اللبنانيون والدولة الجامعة - 2008».
وأشار العقيد عز الدين إلى أن تحقيق هذا المشروع اقتضى إحداث تغيير جذري وشامل في مختلف اختصاصات الهندسة البحرية، وهو التغيير الأول من نوعه والأول في تاريخ هذه الهندسة منذ أنزل الفينيقيون سفنهم إلى البحر.


كيف نستعمل البحر؟
استهل الدكتور ضوّ محاضرته بشرح حاجات استعمال الإنسان للبحر الذي يُختصر بالنقل البحري والانتقال عبر البحار وهو ما يستوجب عاملين هما «السرعة في الإبحار والأمان». لذا فقد صُممت السفن بالشكل الهندسي الذي منحها مقدمة حادة لاختراق الموج، وذيلاً ضيقًا قليل العرض لمنع الحركة الدورانية. كما أوجبت السرعة خلق تناسب بين طول السفينة وعرضها على خط المياه قياسًا إلى السرعة المطلوبة. أما عامل الأمان فقد أوجب تصميم السفينة مع اتساع بدنها في الوسط لأنه النقطة الأكثر عرضة للإجهاد والضغط. كما أوجب رفع متنها قياسًا لحجمها وتصفيح بدنها من الخارج بالكامل.
واستفاض الدكتور ضوّ في تفسير الموجبات التي فرضتها مقتضيات الأمان والسرعة، مما أفضى إلى حتميات في تصميم السفينة أولها ارتفاع مركز ثقلها فوق مركز العوم، الأمر الذي حوٌل اهتمام مصمم السفينة إلى تجنب انقلابها رأسًا على عقب؛ ثم إن تضخّم الفراغ المعوِّم الأكبر في وسط الجسم العائم وانعكاسه على الاستقرار أصبح واقعًا. أخيرًا فإن عامل ارتفاع المتن الرئيس جعله سجنًا مؤقتًا لأن راكبي البحر لا يتمتعون بأي من ميزاته بل هم محكومون بالبقاء داخل «سجونهم» حتى وصولهم إلى البرّ.
وأوضح المحاضر أن تأمين الأمان والسرعة جعل المهندس محكومًا باعتبارات لا يمكن تجاهلها في بناء السفينة وكلها على حساب الراحة البشرية. والجدير بالذكر انه ومذ بدأ الفينيقيون بناء السفن وضعوا قوانين هندسية محددة لم تتغير حتى اليوم، إلا بالحجم ونوعية المواد المستخدمة مع التطور التكنولوجي.

 

تغيير الوجهة!
في مواجهة عامل استخدام البحر للنقل والانتقال، تحدّث الدكتور ضوّ عن فكرة جديدة وهي تغيير وجهة استعمال البحر بشكل يتيح للإنسان أن يقيم على سطحه من دون أن يخشى الإنقلاب رأسًا على عقب، ما يوجب جعل مركز الثقل تحت مركز العوم. والأهم في الفكرة الرائدة أنها تؤمن عاملي الاستقرار والأمان مع توفير أقصى الإمكانات لراحة الإنسان ورفاهيته على سطح المياه، والسماح له باستعمال البحر لممارسة هواياته، خصوصًا مع وجود متن منخفض يؤمن تواصلاً حسيًا مع الماء.
وشرح الدكتور ضوّ فكرة بناء الجزيرة العائمة التي أحدثت تغييرات جذرية في الهندسة البحرية، حيث مكّنت مادة «فايبر غلاس» (fiber glass) التي تدخل في صناعتها، من جعل مركز العوم فوق مركز الثقل؛ أي أن الغواطس التي تحمل الجسم العائم أصبحت في مركز عالٍِ فيما قواطع الحديد الثقيلة أصبحت في موقعٍ أدنى. كما أن نظام «space frame» سمح بخلق مسطحٍ طويلٍ وعريض وأسفله خط مستقيم لا يتكسّر الموج عليه، بل يدخل في بدن الجزيرة من الأسفل فيتشتت في اتجاهات مختلفة.
وأشار المحاضر إلى أن الهدف من إقامة الجزيرة العائمة سياحي بالدرجة الأولى، إلا أنها وفي مناطق أخرى من العالم يمكن أن تستخدم لأغراض عسكرية أو لوجستية أو اقتصادية؛ فالجزيرة العائمة المقامة على مسار السفن والطائرات تؤمِّن سندًا لهذه الأخيرة في حال غرقها أو سقوطها في البحر، وذلك عبر تأمين الوصول السريع لفرق الإنقاذ إلى مكان وقوع الحادث، إضافة إلى تخفيض أكلاف الأساطيل البحرية. كما يمكن الاستفادة منها لإقامة قواعد عملاقة متحركة في المياه الدولية للاستخدامات العسكرية السرية.
وتطرّق الدكتور ضوّ إلى تجربته عندما أقام نموذجًا عن الجزيرة العائمة استغرق بناؤه عدة سنوات وتمّ تنفيذه وتجربته بنجاح في منطقة بنّيه في عاليه. وعلى الأثر بدأت المشاورات والاستعدادات وتقديم التصاريح والطلبات لإقامة جزيرة عائمة ضخمة على المياه الإقليمية اللبنانية، ومنها موافقة هيئة الملاحة الدولية في فرنسا BureauVeritas والتي أعطت إقرارًا كاملاً بصحّة هذا الحدث العالمي، بعد اجتماع دام ثماني ساعات نوقشَت خلاله الهندسة الخاصة بالجزيرة والمواد المستخدمة ومدى توفيرها الأمان والاستقرار والسلامة من الناحيتين البشرية والبيئيّة.
وعلى الأثر استقدمت المواد الأولية من الدول الأوروبية الأمر الذي لم يتمّ من دون صعوبات واجهت الشركة في ذلك، كما استقدمت أنظمة المعلوماتية التي تُعتمد في التصميم والبناء، ووظفت الكفاءات البشرية العالية  للإشراف على التنفيذ، وذلك في مصنعِ خاص أنشئ لهذه الغاية في منطقة جونيه، حيث سيتمّ تركيز هذه الجزيرة العائمة.

 

عائمة ومتحركة!
تحدّث المحاضر عن مشروع الجزيرة العائمة الذي هو بصدد تنفيذه وهو أول مشروع من نوعه في العالم، تموّله شركة «جزيرة جونيه العائمة» المملوكة من قبل ضوّ والدكتور السعودي طلال علي الشاعر. وتبلغ مساحة الجزيرة 3 آلاف متر مربع ويصل مجموع المساحة المبنية منها إلى 9 آلاف متر مربع بكلفة تقارب 25 مليون دولار، وتشمل فندقاً 5 نجوم يضمّ 58 غرفة فخمة مع 4 أجنحة رئاسية و4 فاخرة و104 كابينات ونايت كلوب خارجي (200 شخص) وداخلي (160 شخص) ومطعم على الروف، إضافة إلى جاكوزي ضخم وبركة سباحة و3 صالات للحفلات بسعة 370 و1300 و1500 شخص.
والجدير بالذكر أن هذه الجزيرة متحركة إذا اقتضى الأمر بحيث يمكن أن تقارب الشاطئ حتى عمق المترين من الماء. ومن المتوقع أن ينجز المشروع خلال فترة عامين وجدواه الاقتصادية عالية جدًا تصل وفق دراسة متخصّصة إلى 51 بالمائة، أي أنها يمكن أن تستردّ قيمة كلفتها الإجمالية بفترة لا تتجاوز السنتين.
وبعد نهاية المحاضرة أجاب الدكتور ضوّ عن أسئلة الحضور الذي أبدى اهتمامًا واضحًا بالموضوع الشيّق، وقدّم العميد الركن شكر باسم قائد الجيش درعًا تقديريّة للمحاضر.