حلول عملية

جـالـــس العطـرَ... يـهـــجرك البـرغـش
إعداد: د. حسين حمود
أستاذ محاضر في كلية الزراعة - الجامعة اللبنانية

أجمل الأمسيات يقضيها الناس في الحديقة أو على الشرفة، وما من شيء يستطيع أن يعكّر صفو هذه الأمسيات مثل البرغش. الحل بسيط جداً وهو التقيّد بالإجراءات الوقائية واستخدام المكافحة الكيميائية غير الضارة وزرع النباتات العطرية المتوافرة في الأسواق، والفعّالة جداً في إبعاد البرغش عن المجالس العائلية والسهرات الليلية.

 

الخصائص البيولوجية للبرغش
تنتمي حشرة البرغش الى فصيلة Culicidae ورتبة ثنائية الأجنحة (Diptera). يوجد في لبنان إثنا عشر نوعاً أهمها نوع Culex Pipiens الذي يمثل حوالى 80٪ منها. تمرّ هذه الحشرة خلال نموها بأربعة أطوار هي: البيضة واليرقة (البعوض) والعذراء والبالغة. يتغذى الذكر والأنثى البالغان في الظروف العادية من رحيق الأزهار، غير أن الأنثى في مرحلة وضع البيض تتغذى من الدم لتأمين المواد البروتينية الضرورية لنضج بيضها، يساعدها في ذلك التركيبة الخاصة لفمها المزوّد أجزاء دقيقة تساعدها على ثقب الجلد وامتصاص الدم. والجدير بالذكر أن أنثى البرغش تضع كل عشرة أيام ما بين مئة ومئتي بيضة، ويمكن أن تقل هذه الفترة في حال ارتفاع درجات الحرارة بمعدل أكبر. غير أن درجات الحرارة العالية هذه هي في الوقت نفسه ذات تأثير سلبي على البالغات من البرغش، حيث أنها تحدّ من حركتها خلال النهار. ولذا نرى أن البرغش ينشط بشكل خاص في ساعات الصباح والمساء عندما تتدنّى درجات الحرارة بعض الشيء. ولا بد من التنويه بأن حشرة البرغش تملك القدرة على الطيران لمدة 1 - 4 ساعات من دون انقطاع حيث تقطع مسافة 1 - 2 كلم بالساعة، وهناك أنواع من البرغش تقطع مسافة 10 كلم خلال الليلة الواحدة. أما بالنسبة الى أمكنة وضع البيض فهي المستنقعات والبرك والبحيرات والمياه الراكدة في الأنهار والجداول والينابيع، كذلك في أمكنة تجمّع المياه وخصوصاً الخزانات على السطوح والمياه الراكدة بعد ريّ المزروعات أو بعد التنظيف بين المباني السكنية، كما تضع أنثى البرغش بيوضها في الأوعية التي تشرب منها الطيور والمواشي في المزارع.

 

الحد من تكاثر البرغش
الإجراءات الوقائية للحد من أعداد البرغش تشكّل الحيّز الأهم في مكافحته، وبالتالي الحدّ من إزعاجه ومن إمكان التعرّض للأمراض التي ينقلها. وأهم هذه الإجراءات:
- الحرص دائماً على وضع الغطاء على خزانات المياه لأن الخزان المفتوح يمثّل بؤرة مثالية لتكاثر البرغش.
- الإعتدال في ريّ المزروعات وأحواض الورود لأن استعمال كميات كبيرة من المياه يؤدي الى تجمّعها وركودها.
- منع تجمّع المياه حول الأبنية والعمل على تصريفها وتنظيفها.
- التنظيف المستمر لخزانات المياه وأحواض السباحة والأوعية التي تشرب منها الطيور والماشية.
- إتباع أسلوب الوقاية، وهذا يعني ضرورة مكافحة يرقة البرغش أي البعوض في بداية الربيع في المستنقعات والبحيرات والبرك وروافد الأنهر والأمكنة الأخرى لتجمّع المياه.
أما لتجنّب لسعات البرغش فيمكن ارتداء الثياب التي تغطي الأطراف، أو طلي جلد الجسم بأحد المستحضرات المخصصة لطرد البرغش، أو زرع النباتات العطرية حول البيوت وفي الحدائق.

 

المكافحة مسؤولية مَن؟
على غرار المشاكل الأخرى المتعلقة بصحة الإنسان، يبدو أن المسؤولية عن مكافحة البرغش رسمياً في لبنان قد تاهت وضاعت في أدراج تقاسم المسؤولية بين الوزارات. وبكلمة أوضح فالمسؤولون في وزارة الزراعة ينفون أي علاقة للوزارة بالإشراف على استخدام مبيدات البرغش، مؤكدين أن هذا الأمر هو من صلاحية وزارة الصحة العامة، في الوقت الذي نرى أن السوق اللبنانية مليئة بالمبيدات المصرّح بدخولها والمجازة للإستخدام في مكافحة البرغش. لهذا السبب نجد أن المسؤول الفعلي عن استخدام المبيدات الكيميائية ضد البرغش هو عدد قليل من البلديات بمبادرة ذاتية، يستخدم بعضها الطريقة الأمثل وهي مكافحة يرقات البرغش (البعوض) في أماكن تفقيسها، غير أن القسم الأكبر من تلك البلديات وللأسف يلجأ الى الحل الأخير أي مكافحة الحشرة البالغة عندما تبدأ غزوها المواطنين، مع ما تسبّبه من حساسية وحكاك وأمراض يمكن أن تكون فتّاكة. هذه البلديات ترش المبيدات الحشرية على الطرق وبين المنازل السكنية.

 

طرق مكافحة البرغش المتّبعة في لبنان
إن أكثر الطرق انتشاراً في مكافحة البرغش في لبنان هي الضباب الساخن الذي يعتمد على المواد البترولية كالمازوت والكاز. هذه الطريقة مكلفة للغاية (حوالى 120 دولاراً للبرميل الواحد) مقارنة مع الضباب البارد الذي يعتمد على الماء والذي هو أقل ضرراً للبيئة. تستعمل مولدات الضباب الساخن التي تنتج قطيرات صغيرة بحجم حوالى 25 ميكروناً، أما مولدات الضباب البارد والتي تعتمد على الماء فيزيد حجم قطراتها بعض الشيء. غير أن استخدام مولدات الضباب ينجم عنه أضرار جمة كحالات التسمّم والإختناق، إضافة الى تسمّم النبات والحيوان.
لا بد من التأكيد في هذا الصدد على أن الطريقة التي تضمن أفضل النتائج في مكافحة البرغش هي المكافحة المبكرة والوقائية، وهذا يعني مكافحة هذه الحشرة في مرحلة اليرقة، أي البعوض في بداية الربيع، من خلال رش أمكنة تجمّع المياه والمستنقعات والبحيرات والبرك وحول البيوت. هذا الأمر يتطلب بتاً سريعاً بمعنى حصر هذه المسؤولية في وزارة واحدة لتتمكن من وضع خطة واضحة، ولتكلّف أجهزتها المختصة بتنفيذها كل سنة على جميع الأراضي اللبنانية.

 

النباتات العطرية وسيلة فعّالة لإبعاد البرغش
في السوق اللبنانية اليوم عدد لا بأس به من النباتات العطرية التي تحتوي على زيوت طيارة ومواد أخرى طاردة أو رادعة للبرغش، وخصوصاً مادة كومارين التي لا تتحملها هذه الحشرة، ومواد أخرى كثيرة. بعض هذه النباتات معروف جداً من غالبية اللبنانيين لأنه يتحدر بالأصل من مناطق حوض المتوسط، وبعضها الآخر يتحدر بالأصل من مناطق أخرى، إلا أن معظمها متوافر في الأسواق اللبنانية. أهم هذه النباتات:

 

لافاند (lavande): هي شجيرة أو جنيبة تزرع في الحدائق لجمال أزهارها البنفسجية ورائحتها العطرة الذكية، تحتوي على زيت عطري يؤهلها لأن تستخدم كنبتة طبية، كما تحتوي على مادة كومارين التي لا يتحمّلها البرغش ولينالول وتانين وغيرها.

 

روزمارين (Rosmarinus officinalis): تنتمي هذه النبتة الى مجموعة البهارات، وهي ما تزال تستعمل منذ عقود طويلة من الزمن في مكافحة البرغش. هذه النبتة يمكن زرعها في حوض على الشرفة أو في التربة الدائمة في الحديقة، فهي في الوقت نفسه تضفي جمالاً وتزيّن المكان وتشكّل وسيلة فعّالة لإبعاد البرغش.

 

هـجيــن الخبّــيــزة والليمــونيــة (Citrosa geranium): تعــتبر هاتان النبتــتان من أفــضل النبــاتات في إبـعـاد البرغش، والدليـل على أهميتهـمـا إبتكـار نبتة جديدة من عائلة الخبيـزة وبخصائص الليمونيـة. تربّى هذه النبتة في حوض في الحديقة أيام الحر، وفي فصل الشتاء تنقل الى الداخل.

 

أجيراتوم (Ageratum): تحوي هذه النبتة مادة الكومارين التي لا يتحمّلها البرغش وتستعمل في صناعة الأدوية المخصصة لمكافحته. يجدر بالإشارة أن الأجيراتوم تحوي بعض المواد السامة، لذا ينبغي عدم حكّ أوراقها على الجلد. تعطي هذه النبتة عادة أزهاراً زرقاء أو بيضاء اللون.

 

المخـــملــيّة (Tagetes): نسبة الى أوراقهــا الشبيهة بالحرير من حيث التكوين. معروف عن هذه النبتة منذ أمد بعيد أن وجودها يبعد حشرات المن والبرغش. إنها نبتة سنوية تحب الشمس يمكن شراؤها بمختلف الأشكال والأحجام بحيث تتناسب مع كل حديقة كما تزرع بكل سهولة من البذور.

 

تولباغيا (Tulbaghia Violaceae): تفوح من هذه النبتة رائحة كثيفة شبيهة برائحة البصل، تنمو حتى ارتفاع 70 سم ويمكن زراعتها في الأحواض كما في التربة. تزهر هذه النبتة من أواسط الربيع حتى أواخر الخريف. إن زراعة هذه النبتة في عدة أحواض في الحديقة أو على الشرفة لا بد أن يخفف كثيراً من صوت البرغش المزعج، كما أن وضعها على النافذة يمنع دخول البرغش الى البيت.

 

الحبق (Ocumum Basilicum): نبتة حولية سنوية يصل ارتفاعها حتى 30 - 40 سم، أوراقها بيضوية الشكل وأزهارها صغيرة تتجمّع في الجزء الأعلى من الساق، تراوح ألوانها بين الأبيض والوردي والأرجواني وتفوح منها رائحة عطرة وتحتوي على عدد من الزيوت الطيارة.

 

الأقحوان (Calendula officinalis): نبتة سنوية ذات جذع متشعّب تغطيه الشعيرات ويصل ارتفاعها حتى 30 - 60 سم. أزهارها صفراء أو برتقالية اللون وهي نبتة متوسطية وتحتوي زيتاً طياراً وعدداً كبيراً من المواد الأخرى.

 

داتورة (Datura): نبتة سنوية من العائلة الباذنجانية ذات جذع قائم ومستقيم، يحمل أوراقاً بيضوية الشكل، قاتمة اللون على السطح وفاتحة اللون على الظهر، تفوح من أزهارها رائحة كريهة وتنمو جانب الطرق والمباني وفي الحدائق والبساتين. معروف أن هذه النبتة سامة للغاية إلا أن أوراقها تستخدم لأغراض طبية، وهي فعّالة جداً ضد البرغش والناموس.

 

كاتامبرا (catambra): هي شجرة إستوائية قادرة على إبعاد جميع الحشرات، وقد بدأت السلطات الإيطالية جنوب ميلانو مشروع تشجير واسع يرمي الى نشر هذه الشجرة ليتمكّن الأطفال مع أهلهم من اللعب في الهواء النقي بدون أصوات البرغش المزعج ولسعاته.

 

شجرة الزيزفون (Tilia sp): إن الرائحة العطرية للزيزفون تطرد البرغش والناموس من المنازل. هذه النبتة هي سهلة التكاثر، فيكفي أن نأخذ فرعاً منها في نهاية فصل الشتاء ونزرعه في الأرض حتى ينمو شجرة جديدة.

 

شجرة الأوكاليبتوس (Eucalyptus sp): شجرة ظل ودواء حيث تحتوي أوراقها على زيت طيار وتانين ومادة مرّة المذاق على شكل مستحلب لطرد البرغش. تنبعث من هذه الشجرة رائحة قوية تجعل مستحيلاً اقتراب البرغش منها، وهي تزرع على أطراف المستنقعات والبحيرات بهدف إبعاد البرغش عن المناطق السكنية.

 

الياسمين (Jasminum polyanthum): نبات متسلّق عطري يتحدّر من منطقة حوض المتوسط، يصل طولها حتى 5 أمتار، أوراقها خضراء قاتمة وأزهارها بيضاء أو صفراء اللون ورائحتها مستحبّة.

 

الزنزلخت (Melia azedarach): شجرة قديمة العهد في منطقة حوض المتوسط، يوجد منها نوعان بأوراق متساقطة أو غير متساقطة في فصل الشتاء.
إضافة الى هذه القائمة يمكن أن نخص بالذكر البخور الذي هو ليس إلا صمغ الصنوبر المحترق والذي يمكن استعماله داخل المنزل وخارجه.