جمعيات أهلية

جمعية حماية الطبيعة في لبنان
إعداد: باسكال معوض بو مارون
تصوير: فادي البيطار

من المحميات الى الحمى مشاريع تحقق التنمية واحترام البيئة

 

تتميز جمعية المحافظة على الطبيعة في لبنان  (SPNL) بانفتاح أفقها ووضوح رؤيتها، وعلاقاتها التي تمتد الى جمعيات بيئية عالمية تتعاون وإياها في سبيل تحسين الوضع البيئي.
الجمعية انشئت العام 1984 وقد بات في رصيدها اليوم العديد من الانجازات المهمة من خلال اقامة المحميات والاهتمام بالطيور وسوى ذلك من مشاريع، يتحدث عنها احد مؤسسيها الدكتور اسعد سرحال.

 

 

محمية في حديقة الجامعة الاميركية

بداية قال الدكتور سرحال: تسعى الجمعية للمحافظـة على الطبيعة والتنوع الحيوي في لبنان، وتعمـل على دعـم الاستخـدام المستـدام للمـوارد الطبيعيـة. وهي الشريك الوطني للمجلس العالمي للطيور (Bird life International) الذي يضم 130 دولة وحوالى 10 آلاف عالم وإختصاصي في مجال البيئة النباتية والحيوانية.

وهو يدعم جمعيتنا منذ تأسيسها ويموّل معظم مشاريعها، ومنها اصدار كتاب «الدليل الحقلي لطيور الشرق الأوسط».

 

•  كيف كانت انطلاقة عملكم؟

- في البداية بدأ عملنا مع المدارس والجامعات المحيطة بنا من خلال محاضرات وندوات ومنشورات توعية بيئية عن الطبيعة البرية في لبنان. وكان التركيز الأكبر على الطيور، والاخطار التي تتهددها في منطقتنا وفي العالم العربي ككل.

وتطور عملنا خصوصاً مع الجامعة الاميركية حيث رحنا نعمل مع الاساتذة والاختصاصيين حول الثروة الحيوانية في البلاد وخصوصاً الطيور. وكانت نتيجة هذا التعاون انشاء محمية مصغّرة للطيور داخل حرم الجامعة في اوائل العام 1990، تضم حوالى 36 نوعاً من الطيور المهاجرة التي تحط عند وصولها من «السفر» فوق البحر عند اول بقعة خضراء تواجهها وهي حديقة الجامعة الاميركية.

ومع الطلاب والاساتذة طوّرنا البرنامج ورحنا نعمل على تنمية المحمية وطيورها من خلال انشاء اعشاش خشبية تؤمن ملجأ لها وتحثها على التزاوج وتربية الفراخ في هذه المحمية الصغيرة.

 

حماية المواقع الطبيعية

• ما هي المشاريع التي تمّ تحقيقها منذ تأسيس الجمعية على صعيد المحميات البرية؟

- بدأت اهدافنا بالتحقق شيئاً فشيئاً بحيث بدأناها بحماية المواقع الطبيعية من خلال إنشاء محميات تحمي الحياة البرية النباتية والحيوانية، وفي هذا الإطار عملنا في عدة مواقع، منها صور و الباروك وعمّيق.

كان المشروع الاول المساعدة في إنشاء محمية شاطئ صور لدعم التنمية المستدامة لموارد ينابيع رأس العين، والمحافظة على التنوع الحيوي والبري. كانت الاهداف تقضي بتعزيز فوائد الموقع للسكان المحليين والحد من التهديدات التي تتعرض لها الاراضي الرطبة بسبب الممارسات المؤذية لها. لذلك نظمنا برنامج توعية حول اهمية الاراضي الرطبة وعملنا على جمع موارد اضافية للمحافظة على الموقع ورفع مستوى ادراك الناس لأهميته.

مشروعنا الثاني كان الاهتمام بمحيط محمية ارز الشوف الطبيعية مع بلدة الباروك في اطار بناء قدرات المجتمعات المحلية في المحمية وخفض درجة الفقر من خلال تطوير السياحة البيئية، وفي الوقت عينه تخفيف الضغط على الإرث الطبيعي وايجاد مجالات عيش بديلة واقامة رابط بين السياحة البيئية والمحافظة على الارث الطبيعي والثقافي.

أمّا عملنا في مستنقع عمّيق (البقاع) فقد تركز على بناء القدرة الوطنية للتعرّف على الطيور. وقد قامت الجمعية بالتعاون مع مؤسسة «اروشا» بتدريب 13 شخصاً من جميع المناطق اللبنانية ممن يعملون في المحميات الطبيعية والجمعيات غير الحكومية والسياحة البيئية على مبادئ مراقبة الطيور والتعرّف عليها. الى ذلك عملنا على مكافحة التصحر فـي محميـــة ارز الشوف وغيرها بهدف زيادة الرقعة الخضراء والوعي البيئي في لبنان.

 

الطيور والتنوع الحيوي

• تعملــون في مجـــال المحافظــة على الطيور والاهتمام بها، ما هي المناطق المهمة للطيور وكيف يتم اختيارها؟

- تعتبر هذه المواقع ذات اهمية عالمية للحفاظ على الطيور وعلى اشكال التنوع الحيوي، حيث يتم الاعتراف بها عالمياً بمثابة ادوات عملية وفعّالة لحماية البيئة، فهي ذات ميزات خاصة ويمكن حمايتها عملياً بسهولة. وتشكّل جزءاً من مقاربة أوسع وأكثر تكاملاً لحماية البيئة والاستخدام المستدام للموارد الطبيعية، ويشمل ذلك مختلف انواع الكائنات الحية ومواقع الطيور وموائلها.

أما اهمية هذه المواقع ففي كونها تتمتّع بأولوية خاصة للعمل فيها بهدف حماية التنوع الحيوي، كما انها توفر المعلومات والمعطيات اللازمة لتطوير وسائل الادارة والتحليل والدراسات البيئية. الى ذلك توفر عملية الحفاظ على المناطق المهمة للطيور لصانعي القرار معلومات قيمة حول التنوع البيولوجي تفيد في الاستخدام المستدام للموارد، وفي تنمية كل من القدرات التقنية الوطنية والمحلية في حماية التنوع الحيوي. ويتم اختيار المناطق المهمة للطيور وفقاً لمعايير محددة هي: وجود انواع من الطيور مهددة عالمياً بالانقراض، واخرى ذات مجال محدود للانتشار وذات محيط حيوي محدود. كذلك يتم اختيار المواقع اذا ضمّت تجمعات اعداد كبيرة من الطيور.

واضاف قائلاً: العام 1993 حددت جمعيتنا اربع مناطق مهمة للطيور في لبنان هي: محمية جزر النخيل، محمية حرج اهدن، محمية ارز الشوف ومستنقعات عمّيق الطبيعية. وقد اعتمد المجلس العالمي للطيور هذه المناطق الاربعة كمناطق مهمة للطيور العام 1994، وبالتعاون معه ومع الشركاء اللبنانيين، حققنا تقدماً كبيراً في حماية المناطق المذكورة.

 

مرسوم منع الصيد

• ما هي اهميــة صــدور مرسوم منع الصيد العشوائي الذي كان مطبقاً في السابق؟

- كان صدور هذا المرسوم الانجاز الاعـز على قلوبنا. فقد منع صيد العصافير المقيمة او المهاجــرة، في محاولـة لضبط العشوائية في الصيد التي سادت ايام الحرب بدون حسيب او رقيب، وادت الى تدهــور كبير في التوازن البيئي.

وقد عملنا مع عدة جمعيات عالمية ناشطة في هذا المجال للاستحصال على هذا المنع.

اما سعينا اليوم فو يقضي بتدريب منسقين من وزارة التربية للتوعية في المدارس، وإلقاء محاضرات تثقيفية للقوات المولجة حماية الغابات ومنع الصيد فيها، كي يكون هؤلاء على علم ومعرفة بأنواع الطيور المسموح صيدها والاخرى الممنوع صيدها وفي اية مواسم.

 

ما هو الحمى؟

• في السنوات الاخيرة بدأنا نسمع كلمة الحمى. ما هو الحمى، واين بدأ تطبيق هذا المشروع، وكيف قمتم بذلك؟

- الحمـى هي المنطقـة التي تحمى عبـر قرارات من المجتمـع، وهـو نظام يستخدم لتوفير حماية الحياة البرية وتشجيع الاستخدام المستدام للموارد الطبيعية، فلا يسمح بالرعي فيها الا تحت ظروف معينة، كاشتداد الجفاف، على سبيل المثال.

بدأت فكرة الحمى منذ حوالى 1400 سنة في منطقة الشرق الاوسط مع القبائل في شبه الجزيرة العربية، حيث راحت كل قبيلة تتخذ لها «حمى في محيط قريتها تستفيد من خيراته وتحافظ على ثرواته».

ومع تغير الاوضاع اصبح لكل قرية حمى تابعاً للبلدية يدير شؤونه المجلس البلدي. وقد اثبت هذا النظام فعاليته قبل ان تبدأ مشاكل «تلزيم» هذا الحمى لاشخاص مستثمرين يستفيدون منه، فكانت التجربة فاشلة ومؤذية على الصعيد البيئي في عدة اماكن خصوصاً خلال فترة الحرب، حين انتشرت الفوضى في البلد كله وطالت بشكل كبير البيئة والطبيعة اللبنانية.

ومنذ حوالى العامين قامت الجمعية بالتعاون مع المجلس العالمي للطيور ومع بلدة ابل السقي، بإنشاء اول حمى من نوعه في العالم للاهتمام بالبيئة و الطبيعة والطيور خصوصاً في منطقة لا تزال نوعاً ما محافظة على مواردها الطبيعية وثروتها الحيوانية والحرجية، بعيداً عن عمليات الرعي الجائر والصيد العشوائي.

 

ماذا في ابل السقي؟

اعلنت ابل السقي منطقة مهمة للطيور بناءً على وجود عدد من الطيور المهددة بالانقراض، عالمياً، كما حددت كمنطقة من اهم مناطق «الاختناق» او التجمّع خلال هجرة الطيور المحلّقة ما بين اوروبا وافريقيا. وقد اعلنت البلدية على الاثر هذا الموقع «حمى» ومنعت الصيد فيه.

وبمبادرة لتحسين مداخيل المجتمع المحلي ورفع مستوى ونوعية الاستمتاع بالمحمية، دربت جمعية حماية الطبيعة في لبنان، بعض السكّان المحليين على توفير الخدمات واستقبال الزوار في 3 بيوت للضيافة اقيمت لاستقبال المهتمين بالسياحة البيئية. وقد ساهمت هذه النشاطات الى حدّ كبير في الترابط بين السكان المحليين والحمى، وفي انخراطهم في نشاطاته وحمايته.

 

• هل لاقت فكرة الحمى استحساناً على اثر تطبيقها في ابل السقي؟

- في يوم اقامة المهرجان العالمي للطيور «World Bird Festival» في السابع من تشرين الاول اقيم في ابل السقي مهرجان مماثل، حقق امام دهشة الجميع نجاحاً منقطع النظير حين استقبل حوالى 600 شخص لمدة يومين، احتفلوا معنا بالمناسبة، وتعرّفوا على حمى البلدة والمشاريع المهمة التي اقيمت فيه.

وعلى الاثر ذاع صيت هذا الحمى، فتلقينا طلباً من بلدية كفرزبد البقاعية لاقامة «حمى» في خراج البلدة يرعى الشؤون البيئية فيه، ويضعون تحت تصرفنا كل ما يستطيعون في سبيل تأمين حماية بلدتهم من التدمير البيئي الذي يتسلل اليها.

وبالفعل وبعد الموافقة على طلبهم انتقل الفريق العامل لدينا الى البلدة وبدأ تدريب بعض ابناء البلدة على الاهتمام بالحمى وتوعيتهم على ثروات بلدتهم، وتعريفهم الى عالم الطيور والحيوانات البرية لمعرفة كيفية الاهتمام بها والمحافظة عليها.

كذلك تم تدريبهم على استقبال الزوار المهتمين بالسياحة البيئية ومراقبة الطيور لتعريفهم علىغنى الطبيعة في كفرزبد، وادارة بيوت الضيافة التي تم تأسيسها في البلدة.

وحالياً نحن بصدد العمل على انشاء حمى ثالث في بلدة القليلة، بعد ان تم استدعاؤنا من قبل ناشطتين بيئيتين في البلدة تهتمان بالمحافظة على حياة السلاحف البحرية وتأمين بيئة طبيعية لها خلال تزاوجها ووضعها للبيض على طول شاطئ القليلة.

وقد لقينا تجاوباً كبيراً من قبل البلدية وصيادي الاسماك في البلدة خصوصاً لجهة تشجيعهم للابتعاد عن الصيد بالديناميت، وتأمين وسائل بديلة تؤمن لهم مداخيل اخرى.

وقد اقيمت في البلدة بيوت للضيافة، واخرى للصيادين وعدتهم بعد ان تم تدريبهم على مراقبة الطيور البحرية والبرية في البلدة من اجل الاستفادة من خبراتهم وتأمين موارد مالية نافعة لهم.

وختم سرحال بالقول:

لاقى مشروع الحمى اللبناني استحساناً كبيراً لدى المؤسسات والجمعيات البيئية العالمية خصوصاً المجلس العالمي للطيور الذي موّل معظم مشاريعه. وهو يعمل اليوم لنشر هذه الفكرة القيّمة في مختلف انحاء العالم لتصبح مشاريع بيئية معتمدة يكون مثالها ومرجعيتها مشاريع الحمى اللبنانية.

 

لبنان أحد أهم مسارات الطيور العالمية

يمثّل لبنان صورة مصغّرة عن العالم بأكمله حيث يتمتع هذا البلد الصغير ذو المساحة التي لا تتعدى 10452 كلم مربعاً بمناخ متوسطي معتدل، حيث تسيطر عليه سلسلتان من الجبال يفصل بينهما وادٍ صدعي يمتد بشكل متواز مع ساحل رملي وصخري بطول 225 كيلومتراً . تهاجر ملايين من الطيور مرتين سنوياً ما بين اوروبا وافريقيا مروراً بلبنان، حيث تتجمّع اعداد كبيرة منها لفترات قصيرة من الزمن بشكل قسري في مساحات ضيقة بما يسمّى بـ«عنق الزجاجة».
يمثّل المسار في لبنان احد اهم مسارات الطيور العالمية خلال هجرتها السنوية حيث سجّل فيه حتى الآن، وجود 369 نوعاً من الطيور، 134 منها تتوالد عندنا بينما 56 منها أثبت بقاؤها الدائم فيه. تشمل لائحة الطيور المهاجرة والطيور الشتوية حوالى 2476 نوعاً، بالاضافة الى 80 نوعاً مهاجراً عرضياً او تائهاً (خارج مسار هجرة الانواع).
تتجلّى ايضاً اهمية لبنان عالمياً بالنسبة للطيور عبر وجود العديد من الطيور المهددة بالانقراض عالمياً فيه مثل: غراب الماء القزمي، والشنقب الكبير، ونورس ادون، وبجع دلماشيا، وعقاب بحر ابيض الذيل، ومرعة الغيط.
يوجد اليوم في لبنان أكثر من 39 موقعاً تعتبر مهمة للطيور، هي قيد الدراسة حالياً من قبل الجمعية وشركائها. ومن المتوقع من خلال البحث العلمي المستمر اكتشاف مواقع اخرى.