تحقيق عسكري

جهاز الارتباط في قطاع جنوب الليطاني: ننسّق مع الـ«يونيفيل» وجاهزون لأي احتمال
إعداد: باسكال معوّض بومارون

يؤدّي جهاز الارتباط دورًا محوريًا في قطاع جنوبي الليطاني وعلى صعيد تطبيق القرار 1701، وذلك انطلاقًا من كونه صلة الوصل بين الجيش اللبناني وقوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان.
اليوم، يزداد دور هذا الجهاز أهمية في ظلّ التطوّرات على الحدود الجنوبية وتهديدات العدو الإسرائيلي للبنان ومحاولاته المتكرّرة لزعزعة الوضع الأمني جنوبًا.
يعمل الجهاز، الذي يتبع لقيادة قطاع جنوب الليطاني، بتنسيق وثيق واحترافية عالية مع الـ«يونيفيل» للحفاظ على الاستقرار، ومنع العدو من تحقيق أهدافه، وفي هذه المقابلة يُطلعنا رئيسه العقيد الركن بيار بومارون على المزيد من التفاصيل المتعلّقة بمهماته.


يوضح العقيد الركن بومارون أنّه يمكن وضع عمل جهاز الارتباط ضمن عمل قطاع جنوب الليطاني كقطعة مكلَّفة من قيادة الجيش بسط سلطة الدولة والحفاظ على الأمن والتصدّي للعدو الإسرائيلي في بقعة العمليات المحددة. وبسبب الحالة الاستثنائية المتمثّلة بوجود قوات مؤقتة تابعة للأمم المتحدة، هناك حاجة أساسية لوجود قناة تواصل لضمان حسن تنفيذ المهمة المكلّف بها القطاع، بالاشتراك مع هذه القوات. والجهاز هو قناة التواصل التي تؤمّن الارتباط بين القوات الدولية والجيش اللبناني بهدف تسهيل مهمة القوات الدولية والمساعدة على تنشيط العمل في المؤسسات الرسمية والمدنية الخاصة؛ إضافة إلى كونه المسؤول عن الإفادة عن جميع النشاطات العسكرية للقوات الدولية.


• من هي الجهات التي يتم التنسيق معها عند وقوع حادث في المنطقة؟
- إنّ التنسيق الأساسي بين الجيش والـ«يونيفيل» يتم عبر جهاز الارتباط، لكن وبحسب طبيعة الحدث، قد يكون التنسيق مع القطع المنتشرة على الأرض أو بينها، إذ يقوم ضباط الارتباط التابعون للجهاز والمنتشرون في مراكز التنسيق في مقرّات قيادات قطاعات الـ«يونيفيل»، بتأدية دور صلة الوصل بين الجيش اللبناني وبينها. وفي بعض الأحيان، قد يكون التنسيق على مستوى قائد القطاع ورئيس جهاز الارتباط، وذلك تبعًا لخطورة الحدث وأهميته. ويشدّد العقيد الركن بومارون على أنّ هناك صلاحيات ومسؤوليات محددة لكل طرف، علمًا أنّ التنسيق بينهما تتولاه قيادتاهما، من أعلى الهرم إلى قاعدته من دون أيّ تجاوز، ويتم في جزئه الأكبر من خلال الارتباط.


• كيف تصفون الوضع عند الحدود حاليًا والوضع في الجنوب عمومًا؟
- بشكلٍ عام، الوضع عند الحدود تحت السيطرة، والجيش يراقب عن كثب تحرّكات العدو الإسرائيلي ويتواصل بشكل دائم مع قوات الـ«يونيفيل» لمنع التعدّيات. أما في الجنوب عمومًا فحركة الناس الطبيعية منذ انتهاء حرب تموز العام ٢٠٠٦، وهذا دليل على الاستقرار الذي تعيشه المنطقة وعلى ثقتهم بقدرة الجيش على ضبط الأمن وتوفير الأمان.


• كيف يتعاطى الجيش مع الخروقات الإسرائيلية المستمرة، وما هي الإجراءات التي يتّخذها في مواجهتها؟
- المهمّة الأساسية للجيش اللبناني هي الدفاع عن الحدود في مواجهة أيّ اعتداء من الخارج؛ وكلنا يعلم مقدار الخطر الذي يمثّله العدو الإسرائيلي الطامع بأرضنا ومياهنا ونفطنا. من هنا، فإنّ قطع الجيش المنتشرة تحت القيادة العملانية لقطاع جنوب الليطاني، تقوم بالتحضير ليلًا ونهارًا للتصدّي لأيّ اعتداء إسرائيلي محتمل. في الوقت نفسه، وانطلاقًا من احترام لبنان للشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن الدولي، فإنّ الجيش اللبناني يقوم بالتنسيق المستمرّ مع قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان لإزالة الخروقات والتعدّيات.
ويؤكّد قائد الجهاز في هذا السياق أنّ الوحدة التابعة للجيش تتولى معالجة الأمور، بينما تقدّم الوحدة التابعة لقوات الأمم المتحدة المؤازرة إذا طلبها الجيش اللبناني، وذلك انطلاقًا من كون المسؤولية والسيادة منوطتان به، بينما دور الطرف الآخر (قوات الأمم المتحدة) محصور في مساندة الجيش تطبيقًا للقرار 1701.
ويضيف: ما يحصل اليوم على الحدود هو نتيجة غطرسة العدو الإسرائيلي وخروجه المعتاد عن الشرعية الدولية ومحاولاته الدائمة لقضم الحقوق والأراضي، وقد نجح الجيش في حالات عديدة بإزالة تعدّيات وخروقات العدو بفضل هذه العلاقة الممتازة مع الـ«يونيفيل»؛ فقطاع جنوب الليطاني، ومنذ تأسيسه يعمل بتوجيهات قيادة الجيش التي تشدّد على أهمية المحافظة على علاقة التعاون والتنسيق مع قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان.


• كيف تصِف العلاقات بين الـ«يونيفيل» والجيش، وما هو تأثير الوضع الحالي في الجنوب على هذه العلاقات؟
- إنّ العلاقة بين الجيش والـ«يونيفيل» هي علاقة تعاون منذ تأسيس القوات الدولية ومجيئها إلى لبنان، وهي متينة ومهمة جدًا، وذلك بفضل إرادة التعاون الصادقة لدى الطرفين في تنفيذ مهمة مشتركة في بقعة عمليات واحدة. ويشكّل التنسيق العالي المستوى والتواصل والاحترافية، العمود الفقري للعمل بين الجهاز والـ«يونيفيل». كما أنّ علاقة هذه الأخيرة بالأهالي كانت دومًا ممتازة، وقد ترسّخت من خلال إسهام الـ«يونيفيل» في دعم أهالي القرى الجنوبية وتقديم مختلف الخدمات التي يحتاجونها وعملها إلى جانب الجيش.
وأضاف قائلًا: عمليًا، يتمّ التنسيق بين جهاز الارتباط وقوات الأمم المتحدة عبر مجموعة من الضباط في المراكز الأساسية للـ«يونيفيل».


• ما هي النقاط الحدودية المتنازع عليها، وكيف يتصرّف الجيش في ما يتعلّق بها؟
- بداية يجب أن نوضّح: ليس هناك نقاط متنازع عليها، بل هناك أراضٍ لبنانية محتلّة يتمسّك لبنان والجيش اللبناني باسترجاعها؛ فعبارة متنازع عليها توحي بإمكان التنازل عنها، وهو أمر غير وارد. نشأت هذه النقاط (عددها ١٣) على طول الخط الأزرق حين تم ترسيمه بعد انسحاب العدو الإسرائيلي من جنوب لبنان في العام ٢٠٠٠، وهو غير مطابق لخط الهدنة.
ويشير العقيد الركن بومارون إلى أنّ الجيش يعمل بالتوازي على معالجة الخروقات الإسرائيلية بالتنسيق مع قوات الـ«يونيفيل» في الدرجة الأولى، والتحضّر لمواجهة هذه الخروقات في حال فشل جميع المساعي في الدرجة الثانية.


• ما هي أنواع الأنشطة اليومية التي تضطلعون بها كضباط ارتباط في الجيش اللبناني وهل تتطلب مهارات خاصة؟
- تنبع النشاطات اليومية التي يقوم بها ضباط الارتباط في الجيش اللبناني من الوظيفة الأساسية التي يقوم بها الجهاز في الجيش اللبناني، ألا وهي أن يكون صلة الوصل بين الـ«يونيفيل» من جهة، والجيش اللبناني وبالتحديد قطاع جنوب الليطاني من جهة ثانية. وهذا يشمل أوجه التعاون المختلفة، سواء كانت عملانية (دوريات، نقاط مراقبة...)، تدريبية أو حتى ترفيهية. وأن تكون صلة الوصل، يعني أن تتحلّى بمهارات استثنائية للتواصل والقدرة على فهم الصورة الكبرى، للتمكّن من حلحلة العقد وتقريب وجهات النظر، والتأكّد من أنّ الأنشطة اليومية العديدة على تنوّعها وكثرتها تنفّذ من دون شوائب وفي أفضل الظروف.
ويضيف العقيد الركن بومارون: إنّ الحديث عن مهارات التواصل يتعدّى التحدّث بلغة ثانية أو ثالثة، إلى دراسة ثقافة وخلفية ودوافع وطرق عمل الآخر وفهمها، للتمكّن من إيصال الفكرة والتنسيق بين جنسيات مختلفة على أرض لبنانية. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ ضابط الارتباط يجب أن يكون على اطّلاع دائم بالأمور التكتية وخرائط الوضع، وخطط العمليات وأوامرها وأعمال الأركان المختلفة؛ من هنا، يمكن تصوّر مدى دقّة هذا العمل ومتطلّباته.


• كيف يساعد عمل جهاز الارتباط في الحؤول دون تصعيد الحوادث التي تحصل على طول الخط الأزرق؟
• إنّ مهمّة الـ«يونيفيل» الأساسية هي منع حدوث أيّ تصعيد على الحدود، لئلا يحصل احتكاك بين الفريقين. هذا التصعيد يتم عادة نتيجة أيّ حادث على الخط الأزرق، ويمكن أن يتطوّر بسبب الأعمال الاستفزازية التي يقوم بها العدو الإسرائيلي ضد المواطنين أو الجيش أو حتى قوات الـ«يونيفيل». وفي هذا السياق يعمل جهاز الارتباط على: نقل اعتراض قيادة قطاع جنوب الليطاني (بناءً لأوامر قيادة الجيش) على هذه الحوادث بما يحويه هذا الاعتراض من تصميم على مواجهة أيّ خرق للسيادة اللبنانية بحزمٍ، والتواصل مع جهاز الارتباط في الـ«يونيفيل» لتنسيق الترتيبات اللازمة لخفض متزامن للإجراءات التصاعدية.


• كيف يساعد التواصل بين جهاز الارتباط في الجيش وجهاز الارتباط في الـ«يونيفيل» في الحفاظ على السلم والأمن؟
- هنالك تواصل على مدار الساعة بين جهاز الارتباط في الجيش اللبناني وجهاز الارتباط في الـ«يونيفيل». وهذا التواصل يعتبر الحلقة الأساس في العلاقة بين الطرفين لأنّه القناة التي تمرّ من خلالها جميع المعلومات من الجانبين وفي الاتجاهين. إنّ حرص الجيش والـ«يونيفيل» على التطبيق الكامل للقرار 1701 ومندرجاته، يحتّم عليهما ضمان دوام فعالية هذه القناة؛ ويمكن القول صراحة إنّ العلاقة جيدة جدًّا وفعّالة، بدليل التعاون المستمر والناجح بين الطرفين على مدى الأعوام السابقة، وترتيبات الارتباط القائمة حاليًا والمتّفق عليها، لا غنىً عنها في وجود العدد الكبير من العناصر والكمّ الهائل من المهمات العملانية واللوجستية المستقلّة والمشتركة، والتي لا يمكن لها أن تتمّ من دون مشاكل، ومن دون تنسيق دائم. وقد انعكس نجاح هذه المهمات إيجابًا على المنطقة وأهاليها في تحقيق السلم والأمن.

 

لمحة عن تاريخ جهاز الارتباط
أُنشئ جهاز الارتباط في العام ١٩٧٩ عقب الاجتياج الإسرائيلي للبنان، العام ١٩٧٨، وصدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم ٤٢٥، حيث تمّ تأليف قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان UNIFIL.
في العام ٢٠٠٠، كُلِّف جهاز الارتباط بمهمة مراقبة الخط الأزرق والتحقّق من الخروقات لهذا الخط والاستعلام عن العدو الإسرائيلي، وذلك بواسطة دوريات يومية بمشاركة قوات الـ«يونيفيل». وفي نهاية العام ٢٠٠٥ أصبح مقر قيادة جهاز الارتباط اللبناني داخل مقر الـ«يونيفيل» في الناقورة، وأعيد توزيع ضباط الارتباط اللبنانيين مع القوات الدولية التي كانت موجودة في حينها.
تمّ إنشاء قطاع جنوب الليطاني في العام 2011. كان الهدف الأساسي من إنشائه تأمين سهولة القيادة والسيطرة على الألوية والوحدات التي انتشرت جنوب الليطاني، وتوحيد جهودها وتحديد مسؤولياتها التي تشمل مهمات الدفاع وحفظ الأمن، وتطبيق القرار 1701 الذي صدر في أعقاب حرب تموز 2006، وذلك بالتنسيق مع قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان.
تمركز ضباط الارتباط في تلك الفترة ضمن وحدات هذه القوات، وتحرّكوا بآلياتها وساعدوا عناصرها على أداء مهمّاتهم، وتعاونوا معهم على تأمين المساعدات الإنسانية عن طريق توفير المياه والعلاج الطبي والغذاء للأُسر اللبنانية المحتاجة.
يُذكر أنّه خلال حرب تموز 2006، بقي جهاز الارتباط على اتصال دائم مع قيادة الجيش اللبناني وأمّن انسحاب عناصر القوة المشتركة بالتنسيق مع الـ«يونيفيل»، كما عمل على إيصال المساعدات الى المواطنيين في القرى وإخلاء المدنيين من بعض القرى والبلدات المحاصرة. وفي العام ٢٠١١، أصبح الجهاز جزءًا من قطاع جنوب الليطاني بشكله الحالي.