العوافي يا وطن

جهوزية دائمة ومعنويـات مرتفعــة
إعداد: كارلا حداد - ماري الحصري
تصوير: توجيه اللواء الثاني

منذ بدء تظاهرات العام 2005، مروراً بحرب تموز 2006، ثم معركة مخيم نهر البارد، وصولاً الى مهام حفظ الأمن في بيروت والجيش لا ينفك يلبي نداء الواجب، غير مبال بالثمن الباهظ الذي دفعه وسيدفعه شهداء ومعاناة. فلا شيء أغلى من الوطن. ولا شيء يعلو فوق سلامة الأرض وأمن المواطن. اللواء الثاني خير مثالٍ على جهوزية الجيش لتأدية أي مهمة توكل اليه، مهما كان نوعها. فهذا اللواء الذي كان ينتشر في منطقة الجنوب، على امتداد أربع سنوات وأربعة أشهر، والذي نال نصيباً وافراً من حمم العدو الإسرائيلي في حرب تموز العدوانية العام 2006، تسلّم، في 11 تشرين الثاني 2007، مهمة حفظ الأمن في منطقة بعبدا.

 

قائد اللواء الثاني: نحاول إطفاء الشرارة
قبل اندلاع النار

في مقر قيادة اللواء الثاني، التقينا العميد الركن جان قهوجي قائد اللواء الذي ميّز بين مهامه في الجنوب ومهامه الحالية في حفظ الأمن في بيروت. فقال: هناك فرق هام بين المهمتين. في الجنوب، كان الوضع أكثر هدوءاً والأمور أكثر تجانساً، على الرغم من أننا كنا نقوم بمهمات دفاعية ضد العدو الإسرائيلي، ومهمات أمنية في الداخل، كما كل الألوية والأفواج. ولكن، حين وصلنا الى بيروت، تسلّمنا مسؤولية مناطق حسّاسة تتداخل فيها التوجهات والانتماءات وهنا تكمن الصعوبة. «إذ إننا نحاول إطفاء الشرارة قبل اندلاع النار». وأضاف: كان لتبديل المهام تأثير واضح على الجنود. في الأسبوع الأول لتسلّمنا المهمة، كانوا يعتقدون أن الوضع في بيروت مشابه للوضع في الجنوب، ولكنهم سرعان ما تنبّهوا للاختلاف بين الحالتين، وأصبحوا أكثر وعياً لخطورة الموقف حتى باتوا يتدخّلون عند ملاحظة أي مظهر مشبوه يبعث على الشك؛ أسلوب العمل تبدل وأصبح أكثر دقة بسبب حساسية المهمة.
عن جهوزية الجنود، قال العميد الركن قهوجي: في بيروت، الجنود في جهوزية دائمة. هناك انتشار كامل للواء على الأرض. فقد زدنا عدد مراكز المراقبة ورفعنا الجهوزية للتدخل الفوري ومعالجة أي إشكال.
في ما يتعلّق بمعنويات الجنود، يؤكد قائد اللواء الثاني أنها مرتفعة على الرغم من تعبهم الشديد، فإدراكهم أن جهودهم لمصلحة الوطن، يزيد اندفاعهم وقناعتهم بضرورة منع وقوع الحوادث التي تهدد الأمن.
في إطار تجاوب المواطنين مع الإجراءات الأمنية التي يفرضها الجيش، قال العميد الركن قهوجي: «لم نواجه أي مشكلة مع المواطنين حتى الآن، ومختلف الأطراف متجاوبة معنا. فعندما يرون الجيش، يرحّبون. هم يعرفون أننا مبعث للإطمئنان، وأننا نحميهم من كل من يضمر الشر للوطن».

 

انتقلنا وتمركزنا وباشرنا
من مقر قيادة اللواء انتقلنا الى مقر قيادة الكتيبة 23، حيث التقينا قائد الكتيبة العقيد مارون بدر، الذي قال: خلال 48 ساعة انتقلنا الى بيروت بكامل التجهيزات، تمركزنا وباشرنا المهمة بسرعة، وفعالية الجنود على الأرض كبيرة، إذ تمكّنا من ضبط العديد من المخالفات المخلّة بالأمن في أيام قليلة، وألقينا القبض على المشاغبين جميعاً. ونوّّه قائد الكتيبة بتجاوب المواطنين الكبير مع الإجراءات الأمنية، إذ أنهم يسهّلون عمل الجنود، «فهم يحبّون الجيش ويشعرون بالإطمئنان لوجوده بينهم».
في منطقة أخرى تتمركز نقطة مراقبة للسرية 232 التابعة للكتيبة 23، قابلنا آمر السرية، النقيب صائب غلاييني، ودار بيننا الحوار التالي:
 

• يعطيكم العافية، كيف تصفون مهمة حفظ الأمن في بيروت، علماً أنها مختلفة عن مهمتكم السابقة في الجنوب؟
- إنها مهمة دقيقة وحساسة، ولا يمكن التهاون في حفظ الأمن فمصير الوطن على المحك، لذلك هناك تعب أكبر وعمل أكثر لتفادي وقوع أي إشكال بين الناس.
 

• كيف تنفّذون هذه المهمة؟
- ركزنا نقاط مراقبة في بعض الأماكن الحساسة، ونحن نسيّر الدوريات الطارئة، ولدينا فرقة احتياط جاهزة دائماً للتدخل عند الضرورة، وفق الأوضاع والمشاكل.
 

• هل تواجهون أية صعوبات في تأدية واجبكم؟
- ما من صعوبات تذكر على صعيد تأدية الواجب، فالمواطنون يتجاوبون معنا، في حين نشكو من بعض الصعوبات الحياتية في المركز، من حيث المنامة والراحة والحاجات الضرورية، لكننا مع الوقت اعتدنا على هذه الأوضاع الاستثنائية.

على مدار الساعة
خلال جولتنا على مراكز اللواء، صادفنا مركزاً لسرية المدفعية من الكتيبة 25. الملازم الأول شهيد الغاوي قال: «مهمتنا هي حفظ الأمن، لذلك ننظم الدوريات والحواجز على مدار الساعة، خصوصاً في الليل».
الملازم الأول الغاوي ينوّه بمعنويات الجنود المرتفعة وبتجاوب المواطنين مع الجيش، «لقد أعطونا ثقتهم، ويجب أن نكون عند حسن ظنهم».
أمّا في ما يتعلق بالصعوبات، فيرى أنها بسيطة، بمعنى أن الجنود يمضون وقتاً طويلاً بعيداً عن عائلاتهم، ولكن كل شيء يهون في سبيل مصلحة الوطن والمواطن. والجيش شعاره «شرف، تضحية، وفاء»، وما يقوم به الجنود يندرج في إطار التضحية.
في أحد مراكز المراقبة نلتقي الرقيب رياض مغامس من الكتيبة 25، يصف لنا الوضع في نقطته بـ«الحسّاس» ما يدفعه ورفاقه الى حمل مسؤولياتهم كاملة والبقاء على مسافة واحدة من جميع المواطنين، مع إبداء الاستعداد الكامل لأي مهمة.
 

• كيف يتصرف المواطنون حيال الاجراءات المفروضة؟
- يبدون تجاوباً كبيراً وثقة عالية بالجيش وتعاوناً ملموساً. في الكتيبة 23، لا يختلف الوضع ولا تختلف التعليقات.
الرقيب علي فواز يرى أن المهمة واحدة والمعنويات مرتفعة. أما الحجز فقد اعتدنا عليه... المهمات كثيرة لكن «لا شكوى».
أما الجندي حيدر عبدالله فيختصر ما يريد قوله بجملة مفيدة: إنها فترة توتر ونحن نتعامل مع مجرياتها بهدوء وتروٍ لكي يكون كل شيء على أفضل وجه.
بدوره يشير الجندي شربل سعادة الى أن العسكريين اعتادوا على الحجز، والظروف الصعبة معيشياً يتأقلمون معها ولا تؤثر على تأدية الواجب.
 

تفاصيل غير مهمة
القطاع الذي يتولاه اللواء الثاني قطاع كبير، وعليه فإن جولتنا ايضاً كانت طويلة، وفي أثنائها كان ينبغي أن نخفي دهشتنا مراراً كي لا يقال إننا غرباء عن الديار... فأينما حللنا وجوه مشرقة بالرضى وعسكريون لا تفارق الابتسامة محياهم. ظروف التمركز، صعوبات الخدمة، متطلبات الحياة اليومية، كلها أمور نسأل عنها لكنها تبدو تفاصيل غير ذات أهمية لهم.
في مقر قيادة الكتيبة 22، قائد الكتيبة المقدم يوسف بركات يؤكد لنا «استعداد الجنود للتضحية بوقتهم ومصلحتهم في سبيل أمن الوطن، فهم يشعرون أنهم معنيون بالموضوع، إذ تتوقف على عاتقهم مسؤولية بلد بكامله».
ويرى المقدم بركات أن المهمة دقيقة جداً، وإذا حصل أي خطأ يجب تصحيحه بسرعة، وإلا كانت عواقبه وخيمة، لذلك يجب تدارك الوضع بسرعة قبل أن يتأزم ولهذا السبب يبقى الجنود في جهوزية عالية دائماً.
وعن تجاوب المواطنين مع الإجراءات الأمنية، يقول: «يتعاطف المواطنون مع الجنود المنتشرين على الأرض، ويتجاوبون معهم فيلتزمون كل إرشاداتهم.
في الموقع ذاته، نلتقي آمر السرية 222، النقيب ميشال أنطون الذي شدّد على معنويات الجنود المرتفعة واستعدادهم لتنفيذ أي مهمة توكل اليهم، مهما كانت الظروف. فالجنود يشعرون بدقة هذه المهمة، لذلك يبذلون قصارى جهدهم للحفاظ على أمن الوطن وأهله.
وحول الصعوبات يقول: إنهم لا يواجهون أية صعوبات خلال تأدية مهامهم.
المحطة الأخيرة لنا كانت مع مجموعة عسكريين من الكتيبة نفسها:
الرقيب حسين شومان اعتبر أن المهمات في بيروت «أكثر تعقيداً» من تلك التي كانوا يضطلعون بها في الجنوب، لكن الواجب واجب في أي مكان وزمان.
الجنديان علي ياسين وحسين المشيك يتفقان على أن المشقات تهون في سبيل الحفاظ على أمن الوطن، وعلى العسكري أن ينفّذ التعليمات ويكون وفياً لقسمه.
أمّا المجنّد الممددة خدماته محمد عطوي، فيشير الى أن المهمات الصعبة تهون بفضل تعاون العسكريين وإخلاصهم.