مبدعون

جورج شحادة أحد كبار شعراء اللغة الفرنسية في القرن العشرين
إعداد: هيام كيروز - جورج شحادة

شاعر وكاتب مسرحي وروائي، وضع جميع مؤلفاته باللغة الفرنسية وشغل الأوساط الأدبية والفكرية والفنية الفرنسية أكثر من نصف قرن. كان أحد كبار شعراء اللغة الفرنسية في القرن العشرين، كما شهد عضو الأكاديمية الفرنسية جورج دورون، في مناسبة فوز شحادة بجائزة الفرنكوفونية (1986)، وكان أيضًا أحد كبار كتّاب المسرح العالميين في النصف الثاني من القرن العشرين.
ولد شحادة في العام 1905 وتوفّي في 17 كانون الثاني 1989 بعد أن وضع أكثر من 20 مؤلفًا وأصبح العديد من أعماله على لائحة التراث الأدبي العالمي.


النشأة
ولد جورج شحادة في مدينة الاسكندرية - مصر من أبوين لبنانيين كانا يقيمان فيها هربًا من الاضطهاد العثماني، شأنهم في ذلك شأن الكثير من الأدباء اللبنانيين، أمثال إبراهيم اليازجي وجرجي زيدان وخليل مطران وميشال شيحا، الذين هاجروا من لبنان سعيًا وراء مزيد من الحريات الفكرية والسياسية.
إلتحق بمدارس الاسكندرية وبعد أن أنهى دراسته الابتدائية, عاد أهله إلى بيروت مطلع العشرينيات إثر زوال الاحتلال العثماني عن لبنان، فتابع دراسته فيها وتخرّج من كلية الحقوق في جامعة القديس يوسف.
لا يعرف إلا القليل عن حياته في تلك الفترة لأنّه كان شديد التكتّم على حياته الخاصة ويكره التكلّم عنها، وغالبًا ما ردد على مسامع سائليه عن حياته: «إني بلا تاريخ».
وقد رافقه هذا الشعور بالغربة والحنين الدائم إلى وطن ضائع ومجهول، في مختلف أطوار حياته وتجلّى في أشعاره ومسرحياته، التي يلفّها جوّ من السفر والرحيل الدائم للقاء ذلك الوطن الضائع.
 
باكرًا إلى طريق الشعر
إنصرف باكرًا إلى نظم الشعر وهو فتى، فنشر أول ديوان له في بيروت بعنوان «شرارات» وهو ما زال في العشرين من عمره. وبعد هذا الديوان بدأ سلسلة اتصالات بدور النشر الفرنسية، القائمة في باريس، للاتفاق معها على نشر نتاجه الشعري لأنّه كان مقتنعًا أنّ النشر في باريس سيتيح له مجال الانتشار في الأوساط الأدبية الفرنسية والأوروبية. تكلّلت اتصالاته التي دامت أكثر من ست سنوات، بالنجاح ونشرت له دار «مانو» مجموعته الشعرية بعنوان «التلميذ سلطان». بعد مضي خمس سنوات على صدور هذه المجموعة، أي في العام 1938، قامت دار نشر «غاليمار» الواسعة الانتشار بإصدار مجموعته الشعرية الثالثة بعنوان «شعر». وابتداء من ذلك التاريخ تبنّت هذه الدار نشر مجموع انتاجه الشعري والمسرحي والروائي، لقناعتها بجودته وعظمته وخطّه الجديد المبتكر.
كان هذا الأمر انتصارًا لشحادة، سعى إليه جاهدًا طوال عشر سنوات ليثبت قدرته كشاعر باللغة الفرنسية في بلاد ليست بلاده وبلغة ليست لغته.
عيّن في العام 1947 سكرتيرًا عامًا لمدرسة الآداب العليا في بيروت، التابعة لجامعة ليون الفرنسية، وظلّ في هذا المركز حتى العام 1962 حين عيّن مسؤولًا عن الشؤون الفنية في البعثة الفرنسية، الملحقة بسفارة فرنسا في بيروت. كانت هذه الفترة التي أمضاها في المدرسة والبعثة أغنى فترة في حياته، لأنّها شهدت نشر مجموعاته الشعرية ومسرحياته التي لاقت نجاحًا كبيرًا، وعرضت على مسارح فرنسا ومختلف مسارح العواصم العالمية.
ساعدت شهرته في عالم المسرح على تعيينه في العام 1976 في اللجنة التحكيمية «لمهرجان كان السينمائي»، فغادر بيروت نهائيًا بسبب اندلاع الحروب على الأراضي اللبنانية واستقر في منطقة مونبرناس، مركز نشاطات الحركة الأدبية والفنية في العاصمة الفرنسية. من هناك تابع إنتاجه الأدبي، فأصدر في العام 1978 كتاب «أنطولوجيا البيت الواحد» وهو مختارات لأبيات شعرية من التراث الشعري العالمي، يغلّفها مناخ شعري واحد كأنّها قصيدة واحدة كتبها جميع هؤلاء الشعراء، وكأنّ هذه الأنطولوجيا هي قصيدة من قصائد جورج شحاده نفسه. وصدر في العام 1985 ديوانه الشعري الأخير عن دار غاليمار بعنوان «سباح الحب الواحد».
قال وهو يتسلّم جائزة الفرنكوفونية (1986)، «إني أهدي هذه الجائزة إلى وطني»، وكان ذلك تعبيرًا عن حبّه للوطن الذي لم يعطه إلا القليل لكنّه ظلّ يحبّه ويفخر به رغم كل شيء.
توفّي في باريس في السابع عشر من كانون الثاني 1989 ودفن فيها، وظلّت أعماله إرثًا أدبيًا وشعريًا خالدًا.

 

باللغة الفرنسية
وضع جورج شحادة جميع مؤلفاته باللغة الفرنسية (نحو 20 كتابًا)، بعضها شعر وبعضها الآخر نثر إضافة إلى رواية وحيدة (رودوغين سين).
لا تحمل مؤلفاته الشعرية عناوين إلّا في ما ندر، وكذلك قصائده، لأنّه كان يعتقد بأنّ القصيدة هي «ومضة عابرة تقطع رتابة الحياة». والحياة تشكّل بحدّ ذاتها، القصيدة الشاملة التي تتكشف في اللحظات الشعرية كما يسجّلها الشاعر من وقت لآخر. موضوع الشعر عنده هو الحياة – الحلم، ذلك الحلم التائق إلى الجمال الأزلي المطلق وإلى براءة الطفولة النقية وإلى السعادة المفقودة التي تراودنا عبر العصور. وقد أدرك شحادة قدرة الكلمة وسحرها للتعبير عن هذه الومضة الانسانية التي عبرت في فكره. وصفه الشاعر الفرنسي، سان جون برس بقوله: «شاعر وأين الشاعر أكثر منه؟ شاعر وأين الأفضل، شاعر حتى أنّه ليضيع هو نفسه في القصيدة التي يبدعها. آت من هذه الأقاليم حيث تنتظم كل هندسة بسيطة صافية حول غرفة كثيرة المسام، فارغة بلا نهاية وعارية. سليل هذه العائلات الإنسانية لا يعرف من الورد غير العبير ومن اللؤلؤ غير الشرق».
وقال في شعره أيضًا الناقد الفرنسي جان لوي بارو: «جورج شحادة سيّد كبير من أسياد اللغة الفرنسية... فمنذ أن ننفذ إلى لغة شحادة يأسرنا سحرها. إنّ هندسة جملته وغنى صوره والأطر التي يستخدمها، تغمرنا وتقودنا إلى عالم سرّي ينصهر فيه الحلم والواقع في جوهر عذب، نسيج الفكاهة واللطف والدقة الإنسانية».

 

أحد أكبر كتّاب المسرح في القرن العشرين
أمّا مؤلفاته المسرحية فعددها ثمانية، وقد جعلت منه واحدًا من أكبر خمسة كتّاب مسرح في القرن العشرين انطلقوا جميعًا من باريس: صموئيل بيكيت، يوجين يونيسكو، ارتور أداموف، وفرناندو أرابال. مثّلت مسرحياته في باريس أوّلًا وانتقلت منها إلى معظم عواصم العالم، ودخلت مسرحية «قصّة فاسكو» في عداد المسرحيات التي تمثّلها «الكوميدي فرانساز» الفرقة المسرحية التي أسّسها الكاتب المسرحي الفرنسي موليير. وقد ترجمت جميع مسرحياته لا سيّما «قصّة فاسكو» إلى 22 لغة حية، وتولّى الشاعر السوري أدونيس ترجمتها إلى اللغة العربية، وصدرت في الكويت في سلسلة «من المسرح العالمي»، (سلسلة تصدر باشراف وزارة الاعلام الكويتية). تقول الناقدة الفرنسية جنفياف سيرو في كتابها تاريخ المسرح الحديث، عن مسرح جورج شحادة: «من لبنان يصلنا في العام 1951 صوت ذو إيقاع موسيقي نادر، لا يشبه أي صوت آخر. إنّه المجال الشعري، وضع جورج شحادة نفسه فيه، وظلّ بأعجوبة، غير مدنّس بالكوارث العالمية: يشعر أشخاصه بأخوّة طبيعية. الأشياء كلّها في مجاله تحوّلت بلمسته السحرية إلى ما يشبه السحر. في مجاله، السذاجة لها وقع مأساوي، لكن بخفّة الطفولة...إنّ صاحب هذه المعجزة يؤمن بأنّ الربيع موجود. شخصياته المسرحية ذات غرابة خفية، تغص بالدعابة ويصعب الالتقاء بها في الحياة، وكأنّها تنتمي إلى زمن ونظام أكثر عدالة وقوّة».
وتخلص إلى القول: «إنّ الحضور الشعري لشحادة يتحدّى كل المسرح المعاصر، ويخرج عن كل تصنيف، وربّما عن كل تحليل، وذلك أنّ أصواتًا مثل هذا الصوت نادرًا ما سمعناها في فرنسا. يشبه في بعض وجوهه صوت لوركا... أو الشفافية الدقيقة لبعض الرومانسيين الألمان. لكن صوره الأليفة وهي غنية، تبدو متجسّدة أجمل ما يكون بلغة دي بيلي ولا فونتين، وفي آن تنقلنا إلى جوّ الشرق، إلى الرقّة الخافقة بالدعابة».

 

من أكثر الأدباء العالميين تأثيرًا
سيبقى جورج شحادة من أكثر الأدباء تأثيرًا لأنّ أعماله هي «صدى حكم عريقة... تتلألأ متعبة من عصور انتهت» تحمل كل انسان يتوق إلى عالم تسوده النكتة والبراءة والجمال والسلام المفقود، إلى قراءتها ليستعيد ذكريات ماضٍ سعيد ولّى إلى غير رجعة.
كُرّم جورج شحادة في أثناء حياته ومنح في العام 1986 «جائزة الفرنكوفونية الكبرى» التي تمنحها الأكاديمية الفرنسية للشعراء والأدباء الناطقين باللغة الفرنسية من غير الفرنسيين. ومنح أيضًا جائزة «مون سان ميشال الشعرية» (1988). ولدى إعلان بيروت عاصمة ثقافية للعالم العربي للعام 1999 أقام له متحف نقولا سرسق في بيروت بالتعاون مع مؤسسة «ذاكرة النشر المعاصر»، معرضًا تحت عنوان «جورج شحادة، شاعر الضفتين»، استمر شهرًا (بين 12 تشرين الأوّل و 12 تشرين الثاني).
 

المراجع:
- غالب غانم، شعر اللبنانيين باللغة الفرنسية، 1903-1968، منشورات الجامعة اللبنانية، بيروت، 1981.
- عصام محفوظ، جورج شحادة، ملاك الشعر والمسرح، دار النهار للنشر، بيروت، 1989.

 

نتاجه الأدبي


في الشعر:
- شرارات، بيروت 1927.
- التلميذ سلطان، باريس 1933.
- أشعار 1، 1938.
- أشعار 2، 1948.
- أشعار 3، 1949.
- أشعار 1952.
- المجموعة الشعرية الكاملة، 1969.
- أنطولوجيا البيت الواحد، 1978.
- سباح الحب الواحد، 1985.
 

في المسرح:
- مسيو بوبل 1951.
- سهرة الامثال 1954.
- حكاية فاسكو 1956.
- البنفسجيات 1960.
- السفر 1961.
- مهاجر بريسبان 1965.
- الثوب يصنع الأمير 1973.
- سيناريو فيلم حجا 1958.
 في الرواية:
-روديغين سين.