رحيل

جورج نصر: غياب مبدع سحرته السينما
إعداد: تريز منصور

«كان» كرّمه مرتين

 

آمن المخرج السينمائي المبدع جورج نصر بفكرة الصناعة السينمائية اللبنانية وناضل من أجلها حتى النفس الأخير. في خمسينيات القرن الماضي أخذ هذه السينما بيده إلى العالمية حين مشى على السجادة الحمراء في مهرجان «كان» الذي احتفى بفيلمه «إلى أين؟» ثم أعاد الاحتفاء به مرة أخرى في العام 2017. برحيله تخسر السينما اللبنانية أحد روادها، ويخسر لبنان أحد مبدعيه مخرج شغوف أغنى التراث السينمائي اللبناني، وشكّلت الأعمال التي خصّ بها الجيش اللبناني جزءًا مهمًا من مسيرته الفنية.

 

الشغف يحدّد المسار
ولد جورج نصر في طرابلس في العام 1927. أتمّ دراسته الابتدائية والتكميلية والثانوية في مدرسة الفرير - طرابلس، وتخرّج منها ببكالوريا تجارية، لكن اهتماماته الفعلية كانت في موضع آخر. كان يشاهد نحو ثمانية أفلام في الأسبوع، وكانت السينما الشغف الذي ما لبثَ أن حدّد مسيرة حياته، على الرغم من تخصّصه في الهندسة المعمارية عبر المراسلة مع معهد American school of Chicago.
قصد لوس أنجلوس في العام 1948 لمتابعة اختصاصه، وهناك أحدثت الصدفة تحوّلاً أساسيًا في مستقبله، إذ انتقل من الهندسة المعمارية إلى الإخراج السينمائي، فدرس أربع سنوات في جامعةUniversity of California in Los Angelos-ACL، ونال الإجازة بتفوّق.
تدرّب بين استوديوهات هوليوود، والاستوديوهات الفرنسية، وأُتيحت أمامه فرصة العمل مع فريق إنتاج للسينما والتلفزيون في الخارج، لكنّه فضّل العودة إلى الوطن، فعاد في العام 1955، وفي باله حلم تأسيس سينما في لبنان.

 

«مهرجان كان» كرّمه مرّتين
إثر عودته إلى لبنان، اتصل بصديقه مالك بصبوص، الذي اصطحبه إلى المنتج، السيد أوليفر ألفتريادس، وأنتج فيلمه الأول «إلى أين؟» (1956)، الذي سلّط الضوء على معاناة المهاجرين اللبنانيين إلى أميركا والبرازيل.
وفي حين تمّ تصوير الفيلم في منطقة درعون - حريصا، وُضِعت اللمسات الأخيرة عليه في أحد الاستوديوهات الفرنسية، هناك شاهده مخرج فرنسي، فأُعجب به وتحدّث عنه إلى لجنة «مهرجان كان». وهكذا أُدرِج الفيلم في المهرجان وصُنّف بين الأفلام الثلاثة الأولى (1957)، ومعه أُدرِج لبنان على الخريطة السينمائية العالمية، وفق ما كتب الناقد العالمي والمؤرخ الفرنسي جورج سادول في قاموس السينما العالمية.
حظي نصر بتكريم جديد لهذا الفيلم عبر مشاركته الثانية (2017)، ضمن «كلاسيكيات كان»، بين قلة من السينمائيين الذين ظلّوا على قيد الحياة، ليشهدوا عرض نسخة مرمّمة عن مشاركتهم الأولى في المهرجان السينمائي الفرنسي العريق.
من أفلامه «الغريب الصغير» (1962) الذي شارك في «كان» أيضًا، و«المطلوب رجل واحد» (1975) الذي أنتجته نقابة الفنانين السوريين، ومثّل سوريا رسميًّا في مهرجانَي موسكو وقرطاج.
 

أفلام للجيش اللبناني
نتيجة سيطرة الأفلام المصرية على الصالات اللبنانية، تحوّل نصر إلى إنتاج أفلام باللغة الفرنسية، وكان همّه تسويق الفيلم اللبناني في العالم. لكنّ هذا التحوّل لم يؤدِّ إلى غيابه سينمائيًا عن الساحة اللبنانية، فقد اتّجه إلى إعداد وإخراج الأفلام الوثائقية القصيرة، ومن بينها عدّة أفلام خاصة بالجيش اللبناني أنتجتها مديرية التوجيه. فبين العام 1967 ونهاية الثمانينيات، أعدّ جورج نصر وأخرج عدّة أفلام للجيش منها:
«براعم نوّار»، «والدي أنا فخور بك»، «رجل أمام دبابة»، «معمودية النار»، وفيلم عن فوج المغاوير. تناولت هذه الأفلام دور الجيش الإنمائي والعسكري ومحبة الشعب اللبناني له، وكان مردودها المعنوي عاليًا على صعيد الجيش وعلى الصعيد الوطني، كما أنّها تمتّعت بمستوى فني راقٍ. وقد مثّل «براعم نوّار» لبنان رسميًّا في «مهرجان كان» عن فئة الأفلام العسكرية ونال إعجاب لجنة المهرجان.
عشية اندلاع الحرب اللبنانية، تراجعت الحركة السينمائية في لبنان، فاتّجه إلى إخراج الأفلام الدعائية والإعلانية. ثم اتّجه إلى التعليم، فدرّس الإخراج والسينما والتلفزيون والمسرح وتقنيات كتابة السيناريو في الأكاديمية الجميلة للفنون الجميلة ALBA وفي جامعة البلمند، كما ترأس نقابة السينمائيين في لبنان لأكثر من ثلاث مرات.
آخر أعماله كان فيلمًا وثائقيًا (1997) عن المواقع الأثرية في لبنان.
غاب في 23 كانون الثاني الفائت عن عمر يناهز الـ 92 عامًا، وكان في جعبته أكثر من سيناريو جاهز للتنفيذ.
تقديرًا لإنجازاته، حاز نصر عدّة جوائز وأوسمة، وبوفاته خسر لبنان مبدعًا سينمائيًا عالميًا وركيزة أساسية من ركائز السينما اللبنانية.