بالعين المجردة

جولة جنوبية استثنائية لإظهار حقوق لبنان
إعداد: ندين البلعة خيرالله

استبق الجيش جلسة مجلس الأمن المخصصة لمناقشة قرار التمديد لقوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان بتنظيم جولة جنوبية للسفراء والقائمين بالأعمال والملحقين العسكريين عن الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن (الصين، الولايات المتحدة الأميركية، روسيا، بريطانيا وفرنسا)، وعن دول البرازيل واليابان وسويسرا، بالإضافة إلى ممثلين عن رئاسة الحكومة اللبنانية ووزارة الخارجية والمغتربين ووسائل الإعلام، ليعاينوا بأمّ العين واقع الخروقات الإسرائيلية للسيادة اللبنانية، والهدف نقل الصورة إلى حكوماتهم وحشد دعم دولي لموقف لبنان وحقوقه.

 

الهدف الأول تحقق... فقد صوّرت عدسات الكاميرات الصحفية خرقًا مباشرًا لزورقَين إسرائيليَّين للمياه الإقليمية اللبنانية على مرأى ممثلي الدول العظمى وأكثر من 70 وسيلة إعلامية محلية وإقليمية وعالمية! وشاهد هؤلاء على الأرض كل الخروقات التي شرحها الجيش في عرضٍ تقديمي عند استقبالهم في قيادة قطاع جنوب الليطاني- ثكنة بنوا بركات.

ترأس الجولة منسّق الحكومة لدى اليونيفيل العميد منير شحادة، وإلى جانبه قائد قطاع جنوب الليطاني العميد الركن رودولف هيكل وضباط من القطع والوحدات المنتشرة في المنطقة. وقد أمّن الجيش باصات خاصة لنقل الوفود من ثكنة بنوا بركات إلى نقطة النفق وB1 في الناقورة، ومنها إلى التلة التي تضم معبر رأس الناقورة ومقر الاجتماعات الثلاثية، ثم إلى طريق العباسية – الغجر، فالمحطة الأخيرة في أحد مواقع اليونيفيل في مزرعة بسطرة. الجولة المنظمة بدقة كانت كفيلة بإلقاء الضوء على الاعتداءات والخروقات التي يمارسها العدو الإسرائيلي بحق لبنان، من دون أي اعتبار للقوانين والقرارات الدولية.  

 

عند النفق

على طريق وعر سارت الباصات والـUTVs الخاصة بالجيش ناقلةً ممثلي الدول الذين صبّوا تركيزهم على الطريق حيث أُتيح لهم أن يشاهدوا على أرض الواقع ما سمعوا عنه في التقارير والأخبار. نزلوا سيرًا على الأقدام قبالة البحر باتجاه النفق في رأس الناقورة، وهناك شاهدوا مركبَين حربيَّين في البحر فسألوا إن كانت هذه المياه إسرائيلية، ولكن الصدمة كانت أنّ الجولة اللبنانية الدبلوماسية استنفرت جيش العدو الإسرائيلي، والمركبان إسرائيليان كانا يخرقان مباشرةً أمام أعين ممثلي الدول المياه الإقليمية اللبنانية باتجاه خط الطفافات. وقد عمد الجيش الإسرائيلي إلى مراقبة التحركات على الجهة اللبنانية، كما أطلق طائرة من دون طيار في السماء للمراقبة والتصوير.

اطّلع الضيوف على الحقوق اللبنانية في البر والبحر من خلال عرض لضباط الجيش، وتعرّفوا إلى تاريخ هذا النفق الذي بناه الجيش الإنكليزي في العام 1942 لنقل العتاد والجنود بين سوريا وفلسطين خلال الحرب العالمية الثانية. وقد أُقفل بقرار لبناني في العام 1948 إثر نكبة فلسطين، واحتلّه العدو في اجتياح 1978، وبعد التحرير في العام 2000، لم يستردّ لبنان سيادته على المنطقة الممتدة داخل النفق حتى 60 مترًا، والذي بأغلبه شمال الخط الأزرق المُتحفظ عليه أساسًا، أي في أراضٍ لبنانية من المُفترض أن تكون مُحررة.

وقد لفت الضباط إلى أنّ العدو "يمنعنا من استخدام الجانب اللبناني من النفق"، فيما هو يستخدمه كله من جانب روش حانيكرا وينشئ مرافق سياحية ويضع مضخّات للهواء داخله يُسمع هديرها إلى الجانب اللبناني الذي لا يشكّل سوى منطقة عسكرية جرداء مغلقة أمام المدنيين.

 

استمعوا كثيرًا وعلّقوا قليلًا

شرح الجيش كثيرًا خلال هذه الجولة، وقدّم تفاصيل مطوّلة عن الوضع على الحدود الجنوبية. في المقابل، وعدا بعض التعليقات البسيطة والأسئلة العملانية الاستيضاحية، كانت الوفود الدبلوماسية بمثابة مستمع يصغي ويدوّن من دون أي تعليق. حتى تصريحاتهم أمام الإعلام كانت بسيطة جدًّا وخالية من أي مواقف.

الملحق العسكري البريطاني المقدم Lee Saunders قال: "هذه فرصة مهمة لي وللسفارة البريطانية لنفهم وجهة نظر لبنان، علمًا أنني أعتقد أنّ ما كونته من أفكار مهم لأنني على تواصل دائم مع الجيش، ولكنني أتعلم شؤونًا جديدة لم أكن على دراية بها، ومنها ما له علاقة بالنفق الذي زرناه. وكل ذلك سيزيد من قدراتنا في بريطانيا على فهم المشهد بشكلٍ أوضح". وأكّد أنّ "دور اليونيفيل مهم في الفصل بين طرفَي النزاع عند الحدود، ونحن جاهزون للمساعدة".

من جهته أشار الملحق العسكري الفرنسي Gregory Medina إلى "أننا نبحث عن الأمن والاستقرار وعن حل بين الطرفين وهذا الأمر يسهّل استفادة لبنان من موارده الطبيعية في البحر".

أما نائب السفير الروسي في لبنان السيد Maxim Romanov، فأكد على ضرورة حل المشاكل العالقة بالأطر السلمية. وقال: "من المهم جدًا أن نعاين الوضع على الحدود بأعيننا. فنحن موجودون في مكاتبنا بالسفارات أو خارج لبنان، ويختلف الأمر على أرض الواقع في الجولة الميدانية".

 

برج المواجهة

بعد النفق انتقل الجميع إلى المحطة الثانية عند البرج الإسمنتي (برج الناقورة) الذي شيّده الجيش اللبناني عند رأس الناقورة، وتحديدًا فوق التلة التي تضم معبر رأس الناقورة ومقر الاجتماعات الثلاثية. هذا البرج الصغير المتواضع بحجمه، يقف بالمرصاد  في مواجهة خروقات العدو، ويقابله خلف السياج الشائك المرتفع برج حديدي طويل أقامه العدو، مدعّم بأجهزة تنصّت وكاميرات وأكثر وسائل الاتصال تطوّرًا. هناك وقف جنود العدو على دعائم البرج الواقع في منطقة لبنانية محتلة، وهم يستمعون إلى عرض ضباط الجيش الذين قارنوا بين إمكاناتهم المتواضعة وإمكانات العدو.

صعد الدبلوماسيون إلى رأس برج الجيش اللبناني حيث وقفوا إلى جانب العسكريين الساهرين على أمن الحدود، ووضع حدّ لتعديات العدو والإبلاغ عن الخروقات. هنا عاينوا أيضًا الاعتداءات من البحر صعودًا، والتي تتمثّل بسياج شائك مع امتداد على شكل جدار إسمنتي أوقف الجيش اللبناني استكمال بنائه في المنطقة المحتلة. وشاهدوا أيضًا مركز اليونيفيل التابع للقوات الإيطالية حيث تُعقد الاجتماعات الثلاثية، والمعبر M1 الذي تستخدمه قوات اليونيفيل والصليب الأحمر فقط للعبور من الأراضي اللبنانية إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة ولأهداف إنسانية وعملياتية بحتة.

 

إلى الغجر

بعد هذه المحطة، وعبر طوافتَين عسكريتين للجيش اللبناني، جال الوفد الدبلوماسي والعسكري بين الناقورة ومرجعيون، وادي هونين، موقع العباد وصولًا إلى قرية الغجر المحتلة. ولأول مرة منذ العام 2006، وصل الوفد إلى طريق SD1 أو ما يُعرف بطريق العباسية - الغجر المُقفل والمحاذي لبلدة الغجر المُحتلة، حيث ثبّت الجيش معادلة جديدة بتأكيده أنّ الغجر هي قرية سورية محتلة وما اقتطعته إسرائيل تابع لخراج بلدة الماري اللبنانية.

استثنائيًّا، عبرت مواكب الدبلوماسيين وحافلات الإعلاميين من سهل الماري باتجاه الغجر مرورًا بالمعبر الذي تقيمه قوات اليونيفيل على مدخل الطريق. وبمحاذاة السياج الشائك الجديد الذي استحدثه العدو لضم الجزء الشمالي من الغجر (خراج بلدة الماري)، وقف عدد من الأهالي على أسطح منازلهم في الجانب المحتل، يستمعون مع الدبلوماسيين إلى عرض ضباط الجيش الذين شرحوا أنّ الغجر بلدة سورية تقع في الجولان المحتل.

عبر هذا الطريق المختصر، وتأكيدًا على رفض لبنان الرسمي الاعتراف بالخط الأزرق الذي يمرّ في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، ختم الجيش اللبناني الجولة متوجّهًا إلى النقطة OP-6 التابعة للكتيبة الهندية في مزرعة بسطرة المحرّرة وهي إحدى مزارع شبعا. تُشرف المزرعة التي ترتفع أكثر من 1200 متر، على سهول المجيدية والماري والغجر والجليل الأعلى في فلسطين المحتلة. ومن هناك غادر المشاركون مزودين بمعلومات ومعطيات مستقاة من الوقائع التي عاينوها مباشرة، وتأكيدًا لبنانيًا: لن نتنازل عن شبر واحد من أرضنا.