الجيش وأهله

جيشنا: البندقية والمعول والمعلّم والمهندس والطبيب في الخدمة الدائمة
إعداد: باسكال معوض بومارون

تطرح موازنات الجيوش إجمالًا إشكالية بسبب ما يتطلّبه إنشاء الجيش وتجهيزه وتسليحه من جهة، وعدم إمكان قيام دولة من دون جيش من جهةٍ أخرى. حلّ هذه الإشكالية يتمّ من خلال نظريتين إجمالًا: الأولى مفادها اعتبار الجيش بمنزلة «شركة تأمين» على حياة الوطن. فحين يتعرّض الوطن للأخطار، يكون الجيش ضمانته والدرع التي تقيه هذه الأخطار.
أما الثانية فتقوم على توظيف إمكانات الجيش في خدمة المجتمع أيام السلم، وبالتالي فهو بذلك يوفّر على الدولة نفقات كبيرة من خلال مشاركته في المجالات الإنمائية مثل: شق الطرقات، وإقامة الجسور، وتقديم الخدمات الصحية للمواطنين - في المناطق النائية خصوصًا - والقيام بنشاطاتٍ بيئية، والتدخّل للإنقاذ في حالات الكوارث، بالإضافة إلى امتصاص البطالة من خلال التطويع وتنمية الموارد البشرية عبر ما يتلقّاه عناصره من تدريب فني ومهني... وفضلاً عن كل ذلك، يسهم الجيش في تأمين الاستقرار من خلال دوره على صعيد تحقيق الانصهار الوطني.
في ما يتعلّق بجيشنا، أثبتت التجارب التي مرّ بها لبنان أنّ كلفة الجيش تبقى أقل بكثيرٍ من كلفة عدم وجود جيش محترف. أكثر من ذلك، أثبت هذا الجيش أنّه ضمانة الوطن في الحرب وفي السلم... سيفه والمعول، طبيبه والمهندس، عامله وخبيره... كلهم في خدمة الوطن وأهله. في كل ظرف ويوم وضائقة...

 

وفق قانون الدفاع الوطني (المرسوم الاشتراعي رقم 102 تاريخ 16/9/1983 وتعديلاته)، يقوم الجيش بثلاث مهمات: دفاعية، أمنية، وإنمائية، وتهدف هذه المهمات إلى الدفاع عن الوطن، والمحافظة على السيادة وعلى سلطة الدولة، وحماية الدستور، وحفظ الأمن والاستقرار، والمساهمة في تأمين الاستقرار الاجتماعي والتنمية.
في العام 1994 أعلنت  قيادة الجيش أنّ عنوان المرحلة القادمة  سيكون «الجيش بندقية ومعول»، وهو شعار نرفعه ونعتز به وليطمئن اللبناني إلى أنّه، بالإضافة إلى الخمسين ألف بندقية المتأهبة دائمًا للحفاظ على أمنه واستقراره، هناك أيضًا مئة ألف ساعد ومعول جاهزة لمساعدته على إعادة إعمار بيته وحيّه وقريته ووطنه. فالانخراط في الشأن الإنمائي هو تأكید على الانتساب الفعلي للجندي اللبناني إلى أرضه وشعبه، وإيمانه برسالته الوطنیة الشاملة. إنّه دائمًا بین أهله، يسهم في إعمار البلاد ويدافع عنها، ويستبسل ويسقط شهیدًا كلما دعا الواجب.
بعد انتهاء الأحداث الدامية التي شهدها لبنان، كان قرار القيادة المشاركة في عملية النهوض وإعادة إعمار ما تهدم، فتشابكت سواعد العسكريين مع سواعد المواطنين في ورشة البناء، ومن أبرز المهمات التي نفّذها الجيش في هذا السياق:

 

- «عودة المهجرين أمن وإعمار»: تولّت الفرق المختصّة في الجيش إزالة الركام ورفع الأنقاض في القرى المهدمة في الجبل وقامت جرافات الجيش ورفوشه الآلية باستصلاح الأراضي وإعادة تأهيلها للزراعة والاستثمار.


- «النظافة صحة وحضارة»: نفّذت فرق من الجيش أكثر من مرة حملة واسعة للنظافة العامة في المدن والقرى التي يتمركز فيها، حفاظًا على الصحة العامة والبيئة وجمال الطبيعة.
 

- «لا للأمّية في بلد النور»: فتح الجيش مراكزه وثكناته خصوصًا في المناطق النائية لتعليم الأميين، بعد حملة لمحو الأمّية في صفوف العسكريين.
 

- مواجهة آثار العدوان: في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على لبنان، قدّم الجيش دم شهدائه وأيضًا عطاء خبرائه وجنوده، فرفع الأنقاض، وساعد المتضررين وأمّن المأوى المؤقت للكثيرين، بينما تولّت فرقه المختصّة، إقامة الجسور بدلًا من تلك المهدمة، وأسهمت في إعادة إنشاء البنى التحتية وتأهيلها (شبكات ماء وكهرباء وشق طرقات...)، كما أمّن استمرار العمل في محطات توليد الكهرباء ومصالح المياه وموزعات الهاتف ومصلحة البريد، وقام بتمديد أسلاك الهاتف إلى بعض القرى النائية.

 

- مواجهة الكوارث: أسهمت الطوافات التابعة للقوات الجوية إلى جانب قوى من الجيش بإخماد الحرائق التي اندلعت في عدة مناطق. كما تدخّل الجيش لمواجهة الكوارث الطبيعية بمختلف أشكالها من فيضانات وعواصف ثلجية إلى الحرائق وانقطاع الطرقات... وكان في كل مرة خير.
 

- «آثارنا ثروتنا الوطنية»: تحت هذا الشعار قام الجيش اللبناني بعملية تأهيل للمرافق السياحية والقلاع الأثرية بالتنسيق مع مديرية الآثار والمتحف الوطني.

 

- تنظيف الشواطئ والأنهر: تشارك عناصر من الجيش زوارق القوات البحرية وآليات هندسية بالتعاون والتنسيق مع جمعية «حملة الأزرق الكبير»، بعملية تنظيف واسعة للشاطئ اللبناني في كل عام، وذلك من العريضة شمالًا حتى صور جنوبًا، ولعل أصعب مهماته في هذا المجال كانت تنظيف الشاطئ من البقع البحرية الملوثة بالنفط، بعد العدوان الإسرائيلي في العام 2006.

 

- «لبنان الأخضر»: تنفيذًا لقرار قيادة الجيش تمّ افتتاح دورات تحريج في قطع وأفواج وألوية الجيش وتحت إشراف خبراء التحريج وبالتنسیق مع وزارة الزراعة وهیئات مختصّة من إمارة موناكو، تمّ خلالها تدريب العسكريين على أصول التحريج وكيفية زرع الأشجار. ولم يقتصر دور الجيش على غرس الشتول فقط، بل شمل ريّ هذه الشتول وحمايتها من أخطار الماشية والحطّابين وغيرهم. كما تساعد عناصر من الجيش المزارعين في مكافحة الأوبئة الزراعية إذ تقوم الطوافات برشّ مبيدات خاصة بمكافحة حشرات السونة والصندل، فضلًا عن رشّ بذور للتحريج.

 

- مساندة الدولة: ترفد المؤسسة العسكرية أجهزة الدولة والإدارات الرسمية بالوسائل والخبرات اللازمة والطاقات البشرية، في عدة مجالات، من بينها تأليل عمل المؤسسات العامة، ومساعدة الدوائر العقارية وترميم شبكات الهاتف وسوى ذلك.
 

- خدمات مختلفة: نذكر في هذا المجال خدمات كثيرة من مساعدة المؤسسات الإنسانية والاجتماعية وهيئات المجتمع المدني إلى إقامة المخيّمات الصيفية وتنظيم حملات التوعية وسواها.

 

مديرية التعاون العسكري - المدني في إطار معاصر
في العام 2015، أنشأت قيادة الجيش مديرية للتعاون العسكري - المدني بهدف تسهيل التعاون مع المؤسسات الحكومية وغير الحكومية ورفع مستوى الجهوزية الوطنية لمواجهة الأزمات والكوارث على أنواعها وتعزيز قدرة لبنان على الصمود وتجاوز المحن والصعوبات.
تتوزّع أنشطة التعاون العسكري - المدني على وظائف أساسية تنطبق بدرجاتٍ متفاوتة على جميع المهمات والحالات: أوّلها الاتصال العسكري - المدني، والغرض منه إقامة علاقات جديدة وتوطيد العلاقات القائمة، وخصوصًا التواصل في الاتجاهين، بين القوة العسكرية والجهات المدنية الفاعلة على المستويات الملائمة، لتسهيل تبادل المعلومات وتفادي التضارب أو تعزيز التعاون، وعند الاقتضاء، وضع الخطط المنسّقة أو المتكاملة وتنفيذ الأنشطة.
يدعم الجيش المجتمع اللبناني من خلال وظائف مديرية التعاون العسكري - المدني. ويتمثّل هذا الدعم بمساعدة الجيش للوزارات، وللمجتمع الأهلي والمدني.
ويشمل هذا الدعم توفير طواقم عمل ووسائل ضرورية تُمكّن الاستجابة للكوارث الطبيعية أو حالات الطوارىء الكبرى، مثل مكافحة الحرائق، عمليات البحث والإنقاذ، دعم المنظمات الإنسانية، مساعدة اللاجئين والنازحين، إنشاء اللجان المتخصصة لتقييم الأضرار الناجمة عن الكوارث، إنقاذ المواطنين المحاصرين بالثلوج والفيضانات. وتوزيع المستلزمات الطبية والمواد الغذائية. فواجب القادة العسكريين الإنساني يقضي بالتدخل فورًا في حال الخطر على حياة المدنيين. كما تنفّذ مديرية التعاون العسكري - المدني مشاريع لمساعدة المجتمعات المحلية ولتوطيد علاقة الجيش بها.
ترتكز جميع نشاطات التعاون العسكري - المدني على مبادئ إقامة تواصل عسكري - مدني فاعل، وفهم الغايات العسكرية والمدنية وعوامل البيئة المدنية الاجتماعية، الثقافية، الاقتصادية، الإنسانية والإنمائية، والأهم بناء الاحترام والثقة المتبادلَين، مع احترام مسؤوليات وقيم الوزارات والمنظمات المدنية.

 

أنشطة التعاون العسكري - المدني
ضمن إطار مهمتها، نفّذت مديرية التعاون العسكري - المدني في السنوات الأخيرة مجموعة واسعة من الأنشطة والمشاريع، منها:
 

- مشاريع تربوية: شملت تأهيل مدارس وتزويدها مفروشات وتجهيزات ومعدّات، توزيع حقائب وكتب مدرسية ومعاطف شتوية، وهدايا بمناسبة الأعياد، وحملات توعية صحية. وبلغ عدد المدارس المستفيدة من مشاريع التعاون العسكري - المدني حوالى 670 مدرسة رسمية.

 

- مشاريع بيئية: في هذا الإطار، تمّ تشجير مساحات واسعة في جميع المحافظات بالتعاون مع جمعية التحريج في لبنان. ونقل مواد بناء بواسطة طوافات الجيش لترميم منازل أثرية في محمية جبل موسى.

 

- مشاريع صحية: أسهمت المديرية في إنشاء مستوصفات طبية وتجهيز أخرى بآلاتٍ وأسرّة، كما قدّمت سيارات إسعاف لعددٍ من البلديات وتمّ تجهيز أخرى بمعداتٍ طبية، ومعدات وأجهزة لعددٍ من المراكز الطبية في وزارة الشؤون الاجتماعية، ونفّذت حملات تلقيح في عدد من المدارس.

 

- مساعدة البلديات والسلطات المحلية: ساعدت المديرية الكثير من البلدات والقرى عبر إنشاء برك لتجميع المياه وقنوات لجرّها، بالإضافة إلى ترميم خزانات وتركيب مضخّات وتقديم مولدات كهربائية، وبفضل جهودها تمّت إنارة شوارع بواسطة الطاقة الشمسية.

 

الجهات المشاركة
يدًا بيد مع مديرية التعاون العسكري - المدني تشارك عدة دول ومنظّمات في النشاطات التي تهتم بتطوير الحجر والبشر وهي: الولايات المتحدة الأميركية، الإمارات العربية المتّحدة، هولندا، إيطاليا، كوريا الجنوبية، إسبانيا، كندا، قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان، المنظّمات غير الحكومية المحلية، والمجتمع المدني.