في كل بيت

حاجات الطفل النفسية
إعداد: ناديا متى فخري

مراعاتها تقود إلى التكيف والانتاج والابداع

الحب والثقة والصداقة... قبل أشياء كثيرة
لكل إنسان احتياجات ومطالب يتحقق في ظلها ثباته الأخلاقي واستقراره النفسي، وتفاعله الإجتماعي.. ومن ضرورات الحياة الكريمة أن تتوافر لكل فرد العوامل والحوافز والظروف التي يجد فيها إشباعاً لحاجاته وتعطيه دفعاً للعيش بسلام نفسي ومعنوي؛ ولا شك أن فهماً كافياً  لحاجات الفرد وطرق إشباعها في ضوء ما هو مقبول ونافع يؤدي إلى اتسامه بشخصية متميزة، كما يضمن له فرصة تحقيق التكامل والإنسجام مع بيئته الإجتماعية.

 

خطأ تربوي

نعلم جيداً أن حياة الإنسان سلسلة متصلة من الحلقات يتأثر فيها الحاضر بالسابق ويؤثر الحاضر في المستقبل، الأمر الذي يجعلنا نسلّط الضوء على احتياجات مرحلة الطفولة، فطفل اليوم هو رجل الغد وما يتسوّقه في طفولته يساهم في إعداده لحياة الكبار.
ان التعاطي المحدود مع احتياجات الأبناء يؤدي الى قيام حالة من الشعور بالحرمان لديهم، وما يتلو ذلك من مضاعفات انفعالية تمهد الطريق للعثرات والإنحرافات. ومن الأخطاء الجسيمة التي يرتكبها البعض في تربية الأبناء هي نظرتهم إلى احتياجات أولادهم من بُعدٍ واحد (البعد المادي)، ما يوقع هؤلاء في الفراغ النفسي الذي يولّد لديهم احباطاً ويقودهم الى الضياع في متاهة البحث عن الإستقرار النفسي.
وعلى الرغم من أهمية توفير الحاجات المادية للجيل، فالإكتفاء المادي يساعد في تنظيم أمور الحياة وفي اكتساب اتجاه سليم نحو الذات والشعور بالسعادة. ولكن في المقابل، هناك احتياجات نفسية يجب مراعاتها، لأنها تمنح الأولاد الإحساس بالقدرة على المشاركة الخلاّقة المسؤولة وتكوين اتجاهات سليمة، كما تُسهم في توسيع دائرة اهتماماتهم ونشاطهم وتجعلهم أكثر انضباطاً من الناحية السلوكية.
ويقول «فرويد»: ضروري جداً إشباع الحاجات النفسية، فالإحساس بالفراغ النفسي يؤدي إلى تعميق الشعور بالنقص والدونية والقلق والتشاؤم، ومثل هذه المشاعر الإنسانية المُحبطة، تهيء للفرد سبل الإنحراف والتخلّق بأخلاق معينة غير مقبولة أدبياً واجتماعياً. وأسوأ الأمور، ان الفراغ النفسي، يجعل الفرد عاجزاً عن السيطرة على انفعالاته، ويتراجع أمام أقل القرارات أهمية، ويسمّم الخوف والضعف علاقاته، وتتشبّث به العقد النفسية، والنظرة السوداوية التي هي أكبر أعداء الإنسانية؛ ومع الفراغ النفسي تتضاءل طاقة الفرد على التعاون وتتعمق روح العدوان لديه، وليس غريباً أن يتّسم بشخصية جافة يصعب التواصل معها.

 

الحاجة الى الأمان

للنفس احتياجات متعدّدة ومؤثرة في الشخصية، وربما كانت الأساس واللّبنة الأولى للحاجات الأخرى، ومن هذه الحاجات، الحاجة إلى الشعور بالأمان... فالشعور بالأمان يعتبر مصدراً للتفاؤل والأمل بالمستقبل، إذ انه يعزّز الطاقة المعنوية، وتتكوّن في ظلّه الروابط والعلاقات الإنسانية. وحاجة الطفل الى الأمان كحاجته إلى الغذاء والكساء، والدواء والحماية، فالنفس المطمئنة تتلقى الصدمات وتواجه المصاعب بمرونة وتحوّلها إلى مرتكزات نفسية صامدة لإنطلاقةٍ ناجحة.. والطفل الذي لا يشعر بالأمان النفسي هو كالطير المكسور الجناح، يعيش في حالة اللاّرضا، قليل النشاط، كثير الإنفعال، سيء المزاج يعجز عن التغلّب على ردّات فعله السلبية؛ ومثل هذه الشخصية لا تُعطي ثماراً جيّدة.

 

الثقة بالنفس

الثقة بالنفس تمهّد للنجاح وتزكّي روح المبادرة والتعاون، وكلما كان الإنسان واثقاً من نفسه كلما كان قادراً على مواجهة الظروف مهما كانت قاسية، فلا تسحقه مشاكل الحياة ولا يعرف طريقاً لليأس ولا الفشل أو الإحباط، وبقدر ما تتهيأ للطفل العوامل والظروف والخبرات التي تعزّز ثقته بنفسه بقدر ما يكون النجاح حليفاً له ورفيقاً يسنده في كل خطوة.

 

الحب والقبول

في الطفولة تنمو المشاعر وتتأصل، وتلعب العاطفة دوراً كبيراً في الثبات الأخلاقي عند الطفل، ذلك ان حب الأم والأب كالبلسم الشافي يحميه من القلق وأثقاله ويخفف عنه التعب، ويبدّد خوفه، ويقوّي مناعته ضدّ كل ما من شأنه أن يسبّب له الشقاء ويتحكم بإرادته التي هي مصدر طاقة لتحقيق الأهداف...
كل طفل يحتاج إلى أن يكون محبوباً ومقبولاً يحترمه الآخر ويتقبّل وجوده ليشعر بقيمته وشخصيته. وإنه لخطر كبير على الجيل وعلى المجتمع أن يعتبر أحد ما أن وجوده لا قيمة له وأنه غير مقبول ومُهمل، فذلك يمنعه من التكيّف مع بيئته ويحوّله إلى إنسان لامبالٍ وأحياناً عدائي، وعادةً يكتسب عادة الإنطواء على الذات وقد تهون عليه نفسه، ومن هانت عليه نفسه لا تأمن شرّه؛ إذ يكفي أن يشعر الطفل انه غير محبوب أو مقبول حتى يفقد عفويته وحيويته وثقته بنفسه، وينفر من المجتمع.

 

عزة النفس والكرامة

هي حاجة إنسانية ملحة، فكل فرد يحتاج لأن يشعر في قرارته بأنه عزيز النفس، وأن كرامته مُصانة، فإذا فقد الإنسان عزّة نفسه وكرامته ماذا يبقى لديه؟
ان الإحساس بعزة النفس شعور يرقى بالإنسان إلى أعلى مستوى من الإنفتاح وإيجابية التكيّف، أمّا التجريح والتهميش إذا طال كرامة الإنسان فينتج عنه توعّك في المزاج وانعدام في الطموح وتصدع صورة الذات.
ان الكرامة هي الرمز المشرق للإنسانية، وكرامة المجتمع من كرامة إنسانه، ومن حق كل انسان أن يعيش بكرامة، فهي مطلب إنساني بحت.. ويجب أن نعزّز هذا الشعور لدى أولادنا ونعلّمهم كيف يحافظون على كرامتهم، لأنها هويتهم التي من دونها لا يعرفون السلام أبداً.

 

الإرتباط والصداقة

الطفل بحاجة الى الارتباط بشخص ما والتعلّق به، وهذا الإرتباط يجب أن يمنحه الإحساس بالقوة، والقدرة على الدفاع عن نفسه، والتعبير عن ميوله ورغباته، وأن يُلهمه التصوّر بأنه قادر على حل المشاكل والصعوبات التي قد تعترضه.
يشعر الطفل بأنه أقوى من الآخرين في ظل الإرتباط والتعلّق، وهذا ما سيدفعه إلى التقدّم وعدم الخوف، وسيتصرف إذا واجهته صعوبات أو اعترضته أزمة، باطمئنان وقوة وثقة أكبر بالنفس.. ويمكننا إرضاء حاجته بالتعلّق والإرتباط وإشباعها من خلال إتاحة الفرصة أمامه للمشاركة في أمور الأسرة، ومنحه مكاناً خاصاً في الحياة العائلية، واعتبار وجوده مصدر المرح والنشاط فيها.
والصداقة هي من الحاجات الإجتماعية المهمة للأفراد، والتي ينبغي أن تتم بناءً على ضوابط أخلاقية معينة ووفق عادات وآداب محدّدة، فإن لم تجد هذه الحاجة إشباعاً سيصاب الطفل بالكآبة والإنزواء، وسيتعرض للكثير من المشاكل الأخلاقية والشخصية والعاطفية.. فالطفل بحاجة إلى مرافقة أطفال من سنّه، والإستئناس بهم، ما يرفد نشاطه ويجعله اكثر تكيّفاً، شرط أن يبقى تحت إشرافنا وملاحظتنا، كي لا يتعلم من غيره بعض السلوكيات غير المقبولة اجتماعياً وأدبياً.
والطفل يحتاج أيضاً إلى المعرفة التي لها دور في تفتّح مواهبه، والى الهدوء والسكون واللعب وممارسة النشاطات التي تنمّي مهاراته الذهنية والفكرية، كما يحتاج إلى الحرية والإستقلال، وكلها حاجات مساندة له.
ولأن أولادنا هم الثروة الماديّة والمعنوية الحقيقية للمجتمع، يجب أن نبذل قصارى جُهدنا للوفاء بمطالبهم وحاجاتهم... والمربّي الجيّد هو كالمهندس البارع القادر على التنقيب لاستخراج المعادن الثمينة من الأعماق المظلمة.