سياحة في الوطن

حاصبيا
إعداد: العميد انطوان نجيم - جان دارك ابي ياغي

حاص حولها التاريخ فبيَّاه الله وابتدعته فاجترحها مقدّسة

على ضفاف نهر استسمى الخلود واستدركه فتسمّى بها وسط أصقاع خصيبة طبّقت شهرتها الآفاق كجورة الذهب (الحولة) والجليل وجبل عامل وسهل مرجعيون جنوباً، وهضاب وادي التيم وتخوم البقاع شمالاً.
خالدة الى جوار جبل حرمون، أقدس الجبال في التاريخ.
حاضنة مزار رأوبين أحد أخوة يوسف الصديق أبناء يعقوب.
محجٌّ لعبادة بعل جاد، إله الحظ عند الشعوب القديمة.
قبلة الموحّدين الدروز في خلوة البيّاضة.
ترتاح وادعة حاصبيا التي مع التاريخ هي في جدلية، ومع القداسة هي على دروب اللقاء، ومع الجمال والكرَم في تماهٍ.
حاصبيا المترفّعة، المتعالية، الباسطة ذراعيها تنتظر أبناءها وقاصديها، الخلّص كما الشاطرين، نادتنا من بعيد، فلبّينا النداء.

 

أصل اسمها وموقعها
آخر تفسير لإسم حاصبيا ما ذكره أنيس فريحة بأنه كلمة سريانية تعني بلاد الفخار أو قرية الجرار.
ورد ذكر حاصبيا في العهد القديم، في سفر يشوع بالتحديد، إنها بلاد بني جاد، نسبة الى النصب الديني المقام عند أسفلها وهو عبارة عن مذبح للإله جاد أو بعل جاد. ويقول المؤرخ الفرنسي رينيه داسو إن حاصبيا كانت مركزاً لعبادة البعل عند السوريين القدماء حيث أقيم نصب كبير لبعل جاد، أو كاد، وهو نفسه بعل حرمون الذي أعطى الموضع المذكور إسمه العظيم.
وعلى عهد بني يعقوب، دعيت حاصبيا ببلاد بني رأوبين، أحد أخوة يوسف الصديق، والذي لم يزل قبره مزاراً للتبرّك في أسفل البلدة.
ويقول سفر يشوع إن سكان بلاد بني رأوبين منعوا العبرانيين وملكهم شاوول من التقدّم نحو منافذ حماه، كما أنهم استماتوا في الدفاع عن مقدّساتهم وأهمها مذبح بعل جاد.
ويشير بعض المؤرخين اليونانيين والرومان أن لبعل حرمون من القداسة في نفوس أهل هذه البلاد، ما لمدينتي القدس ومكة المكرّمتين من القداسة في عصرنا الحاضر.
ويقول المؤرخ إبن العبري إن النبي شيت إبن آدم لما شرّف إبنه الى الحياة السعيدة التي كانت لأبويه في الجنة إنقطع الى جبل حرمون للعبادة والتنسُّك.
وهكذا، ليس من المستغرب أن تكون حاصبيا اليوم رمزاً للوحدة السماوية في لبنان بأسره كونها تضم أربع كنائس للطوائف المسيحية كافة، وبقايا كنيس للطائفة الموسوية اليهودية، وجامعاً تزيّنه مأذنة بديعة للطائفة السنية، ثم كعبة الموحدين الدروز خلوات البيّاضة ويحيط بها نحو 47 خلوة وأربع خلوات بين أحيائها الداخلية.

 

حاصبيا في التاريخ
دال الزمان على حاصبيا عبر تاريخها فعرفت أمماً وحضارات متعددة من الكنعانيين والفينيقيين الى العبرانيين ثم الآراميين والأشوريين والفرس واليونان، وبعدهم العرب والأنباط - وهؤلاء أعطوا النبطية إسمها - ثم الرومان والبيزنطيين الواضحة جلياً آثارهم في أقسام السرايا الشهابية.
وهنا لا بد من الإشارة الى أن الكاتب غالب سليقة يذكر في كتابه «تاريخ حاصبيا وما اليها» أن السيد المسيح لربما زار مع تلاميذه بلدة حاصبيا وقدّسها في أثناء تنقلاته التبشيرية ووصوله الى صيدا وصور وتعريجه على جبل التجلّي، جبل حرمون.
وقدم العرب الى وادي التيم، وقاعدته حاصبيا، التي ألحقها عمرو بن العاص، كما هي بسكانها على مختلف مشاربهم، بعدما انتزعها من البيزنطيين، إدارياً بمدينة دمشق.
ويُعتقد أن الصليبيين بقيادة الكونت ريمون دي سان جيل دخلوا حاصبيا في آذار العام 1099 قبل أن يتابعوا سيرهم الى القدس.
ويروي المؤرخ سليقة أنه سمع من بعض المشايخ الثقات أن حاصبيا كانت في البدء ديراً صغيراً مكان السرايا الشهابية وموقعه رأس البلدة، الأمر الذي يؤكد أن بعل جاد كان محل السرايا المذكورة.
حوّل الصليبيون حاصبيا الى بارونية تتبع صيدا إدارياً وقلعة الشقيف عسكرياً.
كانت حاصبيا ولما تزل قاعدة وادي التيم. ولما كان هذا الأخير مهد دعوة التوحيد الدرزية وقبلة دعاتها ومقر العديد من معاضديها ومناصريها، استقرّت هذه الدعوة بعد لأي في حاصبيا لتغدو قبلة أتباعها وكعبتهم.
إنتقال الأمراء الشهابيين الى حاصبيا
كانت العلاقة بين الأمراء الشهابيين والسلطان صلاح الدين الأيوبي علاقة ود وصداقة. ولما ساد النفور بين السلطان في مصر وسيده الملك نور الدين محمود زنكي وكان مركزه في دمشق، خاف الشهابيون وقرّروا النزوح الى مصر. ولما وقف الملك على حقيقة قرارهم وعدهم بمنزلة عالية عنده، فعدلوا عن الرحيل وجاؤوا الى أرض وادي التيم حيث استقروا في بيداء الظهر الأحمر، في حين كان القسم الجنوبي من الوادي يتبع بارونية حاصبيا الصليبية.
توجّس الصليبيون خيفة وخشوا سوء العاقبة فهرعوا الى استقدام الرجال وجلب العتاد حتى حشدوا زهاء 50 ألف مقاتل، وكان الشهابيون بدورهم يستعدّون للقتال. والتقى الطرفان في سهل الخان حيث دارت رحى معارك حامية الوطيس دارت فيها الدوائر على الصليبيين، وتمكّن الشهابيون بعد عدة أيام من القتال الشرس من دخول حاصبيا واحتلال قلعتها وطرد فلول الصليبيين. ولما علم السلطان صلاح الدين الأيوبي، الذي تسلّم الحكم في دمشق، بالنصر الساحق، خلع على الأمير منقذ الشهابي العطايا السنيّة وولاّه على حاصبيا وجوارها الى ما شاء الله.

 

المغول وحاصبيا وعهد المعنيين
إجتاح المغول وادي التيم كالجراد الزاحف مطلع القرن الرابع عشر فواجههم الأمير سعد الشهابي، وعاد الى حاصبيا بعد أن هدأت موجة المغول أمام ضربات المماليك فوجدها خاوية خالية وقد التهمتها النيران. وأقام مع أهله خارج القرية وراحوا يصلحون البيوت ويقاومون وباءً شديداً أهلك كثيراً منهم وعلى رأسهم الأمير سعد الذي توفي العام 1321.
بعد معركة مرج دابق العام 1516 وتسلّم العثمانيين الحكم في بلادنا، أنعم السلطان سليم الأول على الأمير منصور الشهابي بحكم وادي التيم كما فعل مع الأمراء المعنيين في الشوف.
العام 1618، هب الأمير علي الشهابي من حاصبيا الى صيدا ليستقبل الأمير فخر الدين الثاني المعني العائد من بلاد الإفرنجة. وعندما نهض هذا الأخير الى محاربة آل سيفا أسهم الأمير علي على رأس مجموعة من أبناء حاصبيا في ذلك الإنتصار الكبير.
ولما ذرّ الخلاف قرنه بين الأميرين الشهابيين الأخوين أحمد وعلي، انتقل الأمير فخر الذين الثاني الى مشغرة حيث عقد صلحاً وميثاقاً بين الأخوين قضى باقتسامهما وادي التيم، فنال الأمير أحمد وادي التيم أي راشيا الوادي والقرى المحيطة بها، والأمير علي وادي التيم الأسفل أي حاصبيا والقرى المحيطة بها.
في معركة عين دارة العام 1711، عاضد الأمراء الشهابيون الأمير فخر الدين الثاني بأكثر من ألف مقاتل من سكان وادي التيم، فكانت الغلبة للمعني الكبير الذي، واعترافاً منه ببسالة مقاتلي وادي التيم وشجاعتهم، ولا سيما الأمير علي أمير حاصبيا، قدّم القسم الأكبر من مغانم الحرب الى الشهابيين.
في طريقه الى بانياس وبلاد عجلون، نزل الأمير فخر الدين الثاني، العام 1628 ضيفاً على الشهابيين في حاصبيا.
عندما أصدر السلطان العثماني مراد الرابع الأمر بالقضاء على الأمير فخر الدين الثاني وتطلعاته المستقبلية، جُرّدت على هذا الأخير حملتان كبيرتان بحرية وبرية. ولما وصل كجك أحمد، قائد الحملة البرية، الى سعسع في سوريا، أرسل قسماً كبيراً من قواته الى حاصبيا بقصد التنكيل بأمراء آل شهاب الذين هرب العديد منهم الى الشوف. ثم أحرق حاصبيا وبعض القرى المحيطة بها، وتمركز في الخان قرب نهر الحاصباني، وعلى الضفة المقابلة من النهر عسكر الأمير علي بن فخر الدين الثاني، وكانت الموقعة الرهيبة، معركة سوق الخان، بين الطرفين والتي انتصر فيها كجك أحمد. ولما وصلت أخبار المعركة الى مسامع الأمير فخر الدين الثاني اختبأ في مغارة شقيف تيرون ثم انتقل الى مغارة جزين حيث اهتدى اليه كجك أحمد فأسره مع بقية أولاده وأرسلهم مخفورين الى اسطنبول حيث قتل بعد سنتين.
بعد حرقها وخرابها، واستتباب الحكم للأمير ملحم المعني في الشوف عاد الشهابيون الى حاصبيا.
العام 1660، هبّ والي دمشق أحمد باشا الكوبرلي لقتال الأميرين الشهابيين على وادي التيم، علي أمير راشيا ومنصور أمير حاصبيا، فلجآ مع آل شهاب الى كسروان في حين اجتاحت قوات الوالي حاصبيا وراشيا تدك ما فيها من عمران وتحرق الأخضر واليابس وتعيث فساداً. والعام 1666 وبعدما استتبّ الحكم لآل معن في الشوف عاد الشهابيون الى حاصبيا وراشيا.
العام 1684 توفي الأمير موسى أمير حاصبيا تاركاً الأمير حيدر الذي يعتبر مؤسس الحكم الشهابي في الشوف.
وبقيت حاصبيا، بعد تسلم الأمير حيدر إبن الأمير موسى الشهابي الحاصباني إمارة الشوف، ذات إستقلال سياسي وإداري عن هذه الإمارة.

 

حاصبيا في القرن العشرين
انضوى وجهاء حاصبيا ومشايخها تحت لواء المملكة العربية مطلع القرن العشرين عندما أعلن عن قيامها في دمشق برئاسة الملك فيصل ابن الشريف حسين. وكان سبق ذلك ذهاب وفود من وجهاء البلدة في السابع من حزيران 1919 لمقابلة لجنة كنغ - كراين المنبثقة عن مؤتمر الصلح في باريس والمطالبة بالاستقلال التام للبنان وسوريا معاً. ولما أُدخلت حاصبيا تحت الإنتداب الفرنسي تمرّد بعض أبناء حاصبيا فدخلوا السرايا الحكومية وأحرقوا السجلات.
بموجب القرار الرقم 299 الذي أصدره في 3 آب 1920 الجنرال غورو الحاكم الفرنسي في بيروت، تمّ فصل الأقضية الأربعة حاصبيا وراشيا والبقاع وبعلبك عن ولاية سوريا. ثم بموجب القرار الرقم 318 أعلن غورو في 31 آب عن إنشاء دولة لبنان الكبير من متصرفية جبل لبنان والأقضية الأربعة المذكورة آنفاً وسناجق صيدا وبيروت وطرابلس. وكانت أولى بشائر تدخل الإنتداب الفرنسي في الشؤون الداخلية لدولة لبنان الكبير قرار الحاكم الفرنسي في صيدا شاربنتيه العام 1920 إلحاق حاصبيا بمركز القائمقامية، والذي كرّس رسمياً في التقسيم الإداري المحدث العام 1925 وذلك بجعل جديدة مرجعيون حاضرة قضاء. إزاء هذا الواقع تقدّم أهالي حاصبيا بعريضة إحتجاج موقّعة من جميع أبناء البلدة على مختلف مذاهبهم.
في إبان ثورة الدروز العام 1925 ضد الإنتداب الفرنسي، وانتشار الثوار في قضاء حاصبيا واتخاذهم بلدة حاصبيا قاعدة لهم، جرّد الإنتداب حملة دخل فيها الجيش الفرنسي الى القرية وأضرم النار في معظم بيوتها بعدما أعمل فيها سرقة ونهباً. ولم ينم أهل حاصبيا على الضيم، فشنّ رجال أشداء منهم هجمات متكرّرة على الفرنسيين المحتلين وأنزلوا فيهم خسائر فادحة. واستطاعوا بعد تسعة أشهر من مغادرتهم القسرية قريتهم، أن يعودوا اليها مطلع تموز 1926 بعد مفاوضات مع الحاكم العسكري وبإيعاز من السلطات العليا في باريس. أما خلال الحرب العالمية الثانية فقد كانت حاصبيا موئلاً وملاذاً لأهالي المنطقة الذين كانوا يتعرّضون لأقسى تجربة من جراء الصراع بين الحلفاء والقوات الفيشية، وقد كتب القس حنا حردان في كتابه «الأخبار الشهية عن العائلات المرجعيونية التيمية» يصف تلك المرحلة: «عندما لجأ سكان مرجعيون الى حاصبيا كان في مقدّم الذين فتحوا صدورهم قبل منازلهم في وجه خاص الدروز من بني معروف أصحاب النخوة والنجدة والأريحة والمروءة فقطعوا الدليل الأكبر بأن أبناء الوطن في المحن سواء».

 

بلدية حاصبيا
بداية السياحة في حاصبيا كانت في دار البلدية حيث استقبلنا رئيسها الأستاذ كامل حسين أبو غيدا يحوطه عدد من أبناء حاصبيا ومنهم الأمير منذر شهاب.
عندما تسلّم المجلس البلدي الحالي مهامه في 1/6/2004 برئاسة الأستاذ كامل حسين أبو غيدا وكان هدفه جعل العمل البلدي عملاً بالشراكة بين البلدية والقطاع الأهلي والقطاع الخاص، بحيث يقوم كل قطاع بواجبه على صعيد الإنماء والتحسين. كما كان من أهدافه وضع خطة متكاملة ومدروسة تهدف الى تجميل البلدة وتحسين البيئة فيها والمحافظة على نظافتها من دون إغفال أعمال البنى التحتية في الدرجة الأولى.
وقبل الدخول في تفاصيل ملف الأشغال التي نفّذتها البلدية في حاصبيا، أكّد رئيسها أن الإنجاز الأهم الذي يفتخر به أبناؤها هو أنها رمز للتعايش والمحبة إذ يتشارك أهلها، بجميع طوائفهم، أفراح بعضهم البعض وأتراحهم.

 

إنجازات البلدية وخدماتها
إنجازات بلدية حاصبيا كثيرة وكبيرة، إذا ما قورنت بالإمكانات المالية، ومنها مشاريع تنفّذ للمرة الأولى في تاريخ حاصبيا، القديم والحديث.
فمنذ تسلّمه مهامه ومن اليوم الأول بعد انتخابه، وضع المجلس البلدي خطة إنمائية شاملة، وبـاشـر تنفيذها من أجـل رفع شأن المدينـة، خدماتيـاً وإنمـائياً خصـوصـاً بعـد الحـرمـان الذي عانته على مـدى عقود طويلة أيام الإحتلال الإسرائيلي المنطقة الذي دمّر كل شيء، وعطّل دورة الحياة والإنتاج.
أما الإنجازات التي حقّقتها البلدية فأوجزها رئيسها الأستاذ كامل أبو غيدا على الشكل الآتي:
أولت البلدية إهتماماً خاصاً بالبنى التحتية في حاصبيا إذ أنها قديمة العهد ومنفّذة بطرق بدائية وبخاصة في ما يتعلق بشبكة الصرف الصحي التي كانت تنبعث منها روائح كريهة وحشرات تسبب ضرراً للصحة العامة.
لذا قرر المجلس البلدي معالجة هذه المشاكل على نفقة البلدية الخاصة. فقام بتنفيذ ما يزيد على 1670 متراً وفقاً لمواصفات عالية جداً بحيث تستوعب كل الزيادات التي قد تطرأ على الشبكة والتوسّع العمراني للبلدة خلال الخمسين سنة القادمة.

 

تطلعات
في واقع البنى التحتية ايضاً مشكلة قديمة تعانيها البلدة ولم يتطرّق أحد لمعالجتها بسبب تكلفتها الباهظة، والمتمثّلة بالسيول والسواقي من جراء مياه الأمطار خلال فصل الشتاء التي أصبحت تشكّل خطراً على عدد كبير من المنازل والطرقات العامة ومستخدميها.
لذلك قرر المجلس البلدي معالجة هذه المشكلة وفق خطة بعيدة المدى، فاستحدث أقنية وعبّارات لاستيعاب مياه الأمطار في فصل الشتاء شملت أغلب أحياء البلدة.
كما أولت البلدية إهتماماً خاصاً بجميع المدافن المنتشرة حول البلدة، وقامت بتنظيفها من الأشواك والمخلّفات الموجودة فيها. وشمل المشروع إنشاء ممرات من الباطون المسلّح بطول 400 متر، وترميم المدخل الرئيس بالحجر الطبيعي، وإنشاء أحواض الزهور وتلبيس «مدافن الحسنة» بالحجر الطبيعي مع ترميم كامل المظلة التي تبلغ مساحتها 450 م2، حيث تعهّد أحد أبناء البلدة الشيخ مروان سليم خير الدين بتنفيذ كامل المشروع على نفقته الخاصة وبإشراف البلدية التي قامت بالدراسات اللازمة له.
هذا الى مشروع ترقيع الحفر والطرقات الداخلية التي كانت منتشرة في جميع شوارع البلدة، من جراء إهمال صيانتها نظراً الى كلفتها العالية، الى مشروع تعبيد طرقات جديدة وبناء حيطان دعم على نفقة البلدية الخاصة.
ولتأمين الإنارة للطرقات والشوارع العامة، قامت البلدية بإنشاء فريق عمل لصيانة وتركيب المصابيح، فتمّ إصلاح واستحداث حوالى 400 مصباح في مختلف أحياء البلدة.  
ومن أجل سلامة السائقين والمشاة عمدت البلدية الى تركيب إشارات سير خاصة ومرايا على المنعطفات لتسهيل الرؤية. هذا وسوف يتمّ وضع مطبّات بلاستيكية لتخفيف سرعة السيارات داخل أحياء البلدة.

 

الحفاظ على البيئة
البيئـة الصحية السليمة، أولتها البلدية إهتماماً خاصاً حفاظاً على صحة وسلامة المواطنين ونظافـة الـشوارع والساحات العامة، فعمدت الى شـراء شاحنـة صغيرة، على نفقتها الخاصة مخصّصـة لجمع النفايات وباستطاعتها الوصول الى الحارات والمنازل البعيدة، لتعمل الى جانب الشاحنة الكبيرة التي كانت موجـودة سابقـاً للحفاظ على نظافة البلدة.
وللحفاظ على المعالم الطبيعية التي تتمتّع بها البلدة صدر قرار بلدي منع بموجبه عمل الكسارات في نطاق بلدية حاصبيا.
وبما أن منطقة حاصبيا تعتبر ثاني خزان مائي في لبنان، فقد سعت البلدية الى إيجاد تمويل مشروع إنشاء محطة لتكرير المياه وعدم تلويثها إنما لم يدخل بعد مرحلة التنفيذ.
كما لم تتوانَ البلدية عن ترميم بعض المعالم كالجسور القديمة وعيون المياه المنتشرة داخل مدينة حاصبيا وضمن أملاكها، على نفقتها ومن خلال موازنتها، وتولّت الإشراف على مشاريع أخرى تابعة للبنك الدولي ومؤسسات دولية مانحة «كمؤسسة مرسي كور» والمتبرّعين من أبناء البلدة.

 

أعمال زراعية
عندما تسلّم المجلس البلدي الحالي مهامه في منتصف العام 2004، وضع على سلّم أولوياته الإهتمام بالموضوع الزراعي حسب الإمكانات المتوافرة لما له من أهمية على الصعيد البيئي الذي تمتاز به مدينة حاصبيا، لكثرة الأحراج المنتشرة على أرضها ولاتساع رقعة المساحات المزروعة فيها والتي تشكّل العمود الفقري لدخل الفرد في هذه البلدة. ومن ضمن الأعمال التي تابعتها ونفّذتها لجنة الزراعة في المجلس البلدي: المحافظة على حمى السنديان بالتنسيق مع مكتب وزارة الزراعة ومنع التعديات عليه وقطع الأخشاب منه، المحافظة على الثروة السمكية في مجرى نهر الحاصباني ومنع صيد الأسماك بالطرق غير المشروعة، عقد لقاءات متعددة والمشاركة في العديد من الندوات حول إنتاج الزيت والزيتون في حاصبيا وذلك من خلال مؤسسات دولية لتشجيعها على تسويق المنتجات المحلية. وسوف يكون لهذه الشجرة المباركة مهرجان خاص يقام سنوياً بمشاركة المزارعين. وتعتبر حاصبيا، راشيا الفخار وصولاً الى الكفير المنطقة المثالية لزراعة الزيتون بحسب ما جاء في تقرير الفاو نظراً الى طبيعة المناخ الذي تتميّز به المنطقة.
الى ذلك تمّ غرس حوالى 750 غرسة مختلفة من الورود لتجميل مدخل البلدة العام وتزويده المياه اللازمة لريّها.
وتعتبر حاصبيا بلدة سياحية بامتياز نظراً الى مناخها المعتدل وعذوبة مياهها ووفرتها على حدّ قول عضو مجلس بلديتها سليم بدوي، فيؤمها سنوياً حوالى 200 الى 300 ألف سائح يقصدونها من المناطق اللبنانية كافة ويشكّلون مورداً مهماً لاقتصادها.
هذا الى المهرجان السياحي الصيفي الذي تنظّمه المؤسسات الخيرية في البلدة في شهر آب برعاية البلدية، ويتضمّن أشغالاً يدوية ومونة ومعارض وحفلات فنية... ويستمر على مدى ثلاثة أيام.
ويروي السيد سليم بدوي عن «ثروة بترولية» كانت موجودة في حاصبيا وهي كناية عن منجم حُمّر لاستخراج حجر الحُمّر، إنما توقّف العمل فيه نظراً الى الظروف الأمنية التي عاشتها المنطقة أيام الإحتلال الإسرائيلي.

 

المحطة الأولى: السرايا الشهابية
من دار البلدية انطلقنا برفقة رئيس البلدية والأمير منذر شهاب نقوم بجولة في حاصبيا نستنطق حجارة سوقها القديم وأبنيتها تخبرنا عن أي متكأ كانت للأمراء الشهابيين يفيئون اليها استراحة محارب، واستشارة رعية، وأي ميدان عطاء وجُود ما تزاله لأهليها وضيوفهم والفازعين اليهم. ومررنا أمام الكنائس الأثرية وقد سمقت فيها ضارعة بأجراسها وابتهالات مؤمنيها ورائحة بخورها، كما دأبها على كرّ السنين، الى الباري ليحفظ حاصبيا بشراً وحجراً. ووقفنا نخشع إحتراماً أمام الشهادة. روح حاصبيا الأبدية، وقد نفخت في حجر أصم فتجلّت أنصاباً تعظّمت وتنزّهت بأسماء شهداء المقاومة الوطنية اللبنانية ضد الإحتلال الإسرائيلي وباسم شهيد العدالة القاضي الأمير عماد شهاب. وحضننا المسجد، في فنائه الخارجي يرحّب بنا وقد شمخت مئذنته الخضراء بهلالها الداعية الى الله، والحارسة الدهرية رمز الإمارة الشهابية. صعدنا درجات قليلة لنقف أمام بوابة السرايا نسترجع التاريخ تقصّه علينا عتبات وقناطر وساحات وحجارة وأعشاب تلهو على خد الحجر وتغفو.
وعند البوابة الرئيسة الشمالية يستوقفنا الأمير منذر شهاب الذي ولد وعاش ويمضي تقاعده في هذه السرايا، ليشير الى نحت على القنطرة الكبيرة يبرز أسداً كبيراً مقيّداً بالسلاسل وآخر صغيراً، ضعيفاً حراً، وأمامهما أرنبان طليقان. ويرمز هذا المشهد الى أن القوي مقيّد والضعيف غير مقيّد في إبان الحكم الشهابي.
ندخل الى رحاب السرايا من باب صغير ضمن باب كبير تعلوه عبارة نقشها الشهابيون وفيها: «مما عمل برسم الجناب الكبير الغالي الأمير علي إبن المرحوم الأمير قاسم بن شهاب وذلك في سنة 1009 هـ».
ويخبرنا مرافقنا الأمير فيقول: «السرايا الشهابية ملك الأمراء الشهابيين، وهم يعيشون فيها منذ العام 1170، أو أن بعض من تتوزّع عليهم ملكيتها، ولا يزيد عددهم عن عشرين أميراً، ما يزال يسكن فيها، كما يملك الأمير طلال أرسلان جناحاً سكنياً. ونحن نسهر على الحفاظ على هذا الإرث العظيم، فلا حجر يسقط إلا ويُلتَقَط ويُحفظ سالماً لإعادته كريماً الى مكانه، نسارع الى

 

إعادة البناء وإتقان الترميم».
ويضيف مسترسلاً: «تشكّل السرايا الجزء الرئيس من المجمّع الشهابي الذي يضم مجموعة من المباني المحيطة بساحة مركزية طولها 150 متراً وعرضها 100 متر: بيوت من القرون الوسطى، مسجد يعود تاريخ مئذنته المسدّسة الشكل والمزيّنة بحجارة ملوّنة الى القرن الثاني عشر، وقسم أخير ما يجعل مساحة المجمّع 20 ألف متر مربع. وكما ترون، تقع هذه السرايا على هضبة تطل على نهر يحيط بها شمالاً».
وجواباً عن سؤالنا عن دور مديرية الآثار في الحفاظ على هذا المعلم الحضاري يجيبنا الأمير منذر: «إن السرايا هي من أهم المراكز الأثرية، وهي مدرجة ضمن المواقع الأثرية في لبنان. وعلى الرغم من ذلك لم تحظَ يوماً بالاهتمام الذي تستحقه سوى بين العامين 1965 و1975 حين قامت مديرية الآثار ببعض الترميمات البسيطة، ومذ ذاك غابت المديرية بشكل تام عن السرايا التي تأكلها الطحالب والأعشاب البرية، وعلى الجدران الخارجية ظهرت التصدّعات جليّاً للعيان، وخصوصاً في الفترة الأخيرة من جرّاء الهزّات الإرتدادية التي ضربت المنطقة وباتت تشكّل خطراً على السرايا في غياب العناية الكافية، ناهيك بفترة الإحتلال الإسرائيلي الجنوب والحروب التي حصلت في المنطقة والتي أثرت تأثيراً سلبياً على السرايا».
وأعرب عن استغرابه التقصير الحاصل تجاه هذا الصرح التاريخي والحضاري والثقافي، متمنياً على المعنيين الإلتفات الى السرايا وعمل كل ما من شأنه وضعها في دائرة الضوء والإهتمام.
والجدير بالذكر هنا أنه تأسّست المؤسسة اللبنانية للمحافظة على قلعة الأمراء الشهابيين في حاصبيا بهدف السعي الى جمع الأموال الضرورية من أجل إحياء هذا الموقع الأثري لما له من أهمية تاريخية، وما يعكسه من تنمية وإحياء على المستوى الإقتصادي والإجتماعي في المنطقة، وايضاً السعي لدى الجهات المعنية من أجل إعادة بناء القلعة وترميها. واستطاعت المؤسسة حسب رئيستها كارلا شهاب، تأمين زيارات تعارفية وتفقّدية للقلعة لعدد من  السفراء، ونجحت في إدراج القلعة على لائحة التراث العالمي ما يعني أن القلعة أصبحت من المعالم التي يجب إنقاذها.

 

معالم التاريخ
دخلنا مع مضيفنا عالم السرايا الشهابية، فحمل مطوية صادرة عن وزارة السياحة كانت، الى الأمير منذر، دليلنا في سياحتنا. وطالعتنا بعد المدخل باحة عامة، طولها 60 متراً وعرضها 40 متراً، ويحتضنها بناء أثري. والمدخل عبارة عن عقد صليبي يبلغ ارتفاعه 32 متراً، وهو يُعدُّ أعلى عقد في شرق البحر المتوسط.
تتميـّز هذه الباحة التي كانت مسرحاً للأفراح والإحتفالات والمبارزة، بالإضافة الى الجدران المحيطة بها والبالغـة سماكتها 1.5 متراً والشرفات القديمـة والسلالم، بأربـع ميزات هي: منظـر محدود للأبراج، مدخلان تعلو كل منهما قنطرة، وجنـاح شغـله ذات يوم والي مصر ابراهيم باشا.
وسرعان ما استرعى انتباهنا واقع غريب: أرض جرداء تطارد بقعة خضراء فتحصرها في زاوية. وتبيّنا الحقيقة: إنهم بعض الأمراء الشهابيين ما يزالوان يعيشون في السرايا نافخين الحياة في الفناء المهجور حتى يخال للناظر الى تلك الزاوية وكأنهم يقيمون في حيّ هجره سكانه أو في مبنى لا يسكنه غيرهم. وفي أحد هذه المنازل أكرم الأمير منذر وفادتنا لنتابع جولتنا.
الى يمين الباحة قنطرة شاهقة يبلغ ارتفاعها تسعة أمتار تؤدي الى كنيسة الكونت أورا ما زالت النقوش الرخامية تزيّن حائطها الأمامي وفي وسطها بئر عميقة. وفي الطرف البعيد فتحة مقوّمة عريضة داخل جدار من الحجر الأسود والأبيض كانت المدخل للديوان أو صالون الست شمس زوجة الأمير بشير الشهابي الثاني، والى يسار الديوان بُني الجناح الذي شغله ابراهيم باشا إبن محمد علي باشا والي مصر خلال الحملة التي شنّها ضد العثمانيين العام 1838.

 

ومن الفناء بدأت سياحتنا في السرايا:
- قاعة الإستقبال الكبرى، وتعرف بالفستقية، وهي عبارة عن ديوان رُصفَت أرضه بالفسيفساء وتوسطه حوض رخامي مطعّم ضمّ نافورة ماء. مقاعده من الحجر المنحوت. يزيّن جدرانه بعض النقوش ومنها عبارة للأمير منصور الشهابي «حسبي الله الغفور وكفى عبده منصور».
- إيوان الأمير سعد الدين شهاب ويقع في الطبقة الثالثة، وهو ديوان بديع تتوسطه بركة ماء ونافورة رخامية، وتحيط به قناطر عربية مزخرفة بالنقوش العربية. أما أرضه فمرصّعة ببلاط من الرخام منقول اليها وعليها صليب معقوف كان شعاراً لأحد أباطرة الرومان، ولوحة فسيفساء مزركشة ما يدل أن جذور هذا القصر رومانية قبل أن يكون صليبياً ثم شهابياً. وأمام الديوان ثمة زخارف صليبية تمثّل أزهاراً كانت شعار آل بوربون.
- جناح الأمير مجيد أرسلان: يعود الى الأمير مجيد بصلة النسب التي تربطه مع الأمراء الشهابيين. تزيّن مدخله الرئيس قنطرة من الرخام الملوّن عالية جداً، وأمامها نافورة ماء وقاعات للإستقبال تتوسط أرضها الرخامية نجوم محفورة على حجر سداسي الأضلاع. أما البرج الوحيد القائم وهو من أصل أربعة أبراج كانت تُستعمل للدفاع عن القصر الصليبي، ومنه تظهر مدينة حاصبيا، ومن الجهة الشرقية تظهر بلدات عين قنيا وشويا وزغلة، ومن الغرب بلدة كوكبا ومجرى نهر الحاصباني.
- قاعة ابراهيم باشا المصري، وتقع في الطابق الأول. سُمّيت باسمه لأنه سكنها عندما أتى الى حاصبيا لمحاربة الثوار الدروز بقيادة شبلي باشا العريان.
- قاعة الأمير مفيد شهاب: رُمّمت حديثاً يتوسط جدارها الأمامي صورة للأمير بشير الشهابي.
- ميدان الخيل: يقع أمام القصر الشهابي لجهة الغرب والشمال، اقتطعت منه أقسام متعددة حيث بُني موقف للوقف السني وبيوت لبعض الأمراء وسواهم.
- الحمامات: وتقع خارج السرايا الشهابية الى الشرق ولم يبقَ منها سوى الأطلال. بُنيت على الطراز الشامي بشكل قناطر وأقبية، وسقفها على طريقة العقود القديمة. يتوسط كل قاعة جرن رخامي، جُلبت اليها الماء من خارج حاصبيا بأقنية حجرية.

 

القلعة الشهابية
خطَّ وادي التيم في تاريخ لبنان القديم والحديث سطوراً من ذهب ما تزال السرايا الشهابية، أو القصر الشهابي، أو القلعة الشهابية تنتصب شاهدة في قاعدته حاصبيا.
كما اختلف القوم حول تسميتها كذلك المراجع حول تاريخها. فالغموض يلفّ ماضيها الأقدم. لربما كانت حصناً بناه العرب، أو معبداً شيّده الرومان. بيد أن آثاراً رومانية تعتّت على الزمان فاحتلت المكان لترتفع عليها القلعة الحالية التي بناها الصليبيون من دون الطبقة العلوية الثالثة، وحصّنوها تحصيناً عسكرياً منيعاً تدلّ عليه النوافذ المشقوقة لرمي السهام والنبال، والكوّات المخصّصة لإطلاق الزيت الحار أو القذائف على العدو. كانت تتبع بارونية صيدا الصليبية إدارياً وقلعة الشقيف عسكرياً. وثمة من يروي أن القلعة اشتهرت على عهد الصليبيين كدير يفزع اليه رهبان مكاناً للتعبّد حيث ما تزال «المحابس» تشير الى ما كانت تستقطبه من الرهبان القادمين الى الشرق.
أنقذها الأمير منقذ الشهابي من براثن آخر قائد إفرنجي عليها الكونت أورا دي بوربون بعد معركة طاحنة في سهل سوق الخان وزيتون المخاضة العام 1173.
يتألف المبنى من ثلاثة طوابق فوق الأرض وثلاثة تحتها. ولما كانت قد شُيّدت على مراحل وتعرّضت لأضرار كثيرة عرفت بعدها إما ترميماً أو إعادة بناء، فإن هذه البنية المنبسطة باتت تجمع فنون الهندسة والتقنيات المعمارية وأساليب الترميم. فمن السهل مثلاً تحديد الفن المعماري الصليبي، وبعض التفاصيل التي تعود الى القرون الوسطى. أما الطابق العلوي الثالث فقد بناه الشهابيون لذا تكثر فيه القناطر والنوافذ العربية الطراز، والقاعات الفسيحة المزيّنة جدرانها بالرسوم والرخام المستورد والآيات القرآنية، ووسطها بنوافير المياه.
يراوح ارتفاع جدران القصر من الخارج بين 12 و16 متراً، ويبلغ محيطه نحو 220 متراً. أما مساحة الباحة الداخلية فطولها 50 متراً وعرضها 20 متراً.
وبعد أن أغلقت الهيئة العامة اللبنانية للآثار الطبقات الثلاث التي تحت الأرض، احتفظت القلعة بتاريخها الغامض الخاص بها. ففيها دفن الصليبيون أمواتهم وفي أبراجها حجزوا أسراهم. واستخدمت الطبقات السفلية لتخزين المياه والمؤن ولإيواء الحيوانات.

 

القلعة وعاديات الزمن تعرّضت القلعة للحريق عدة مرات منها:
- العام 1284 عندما دخلت جيوش المغول الى سوريا وفلسطين سالكة طريق وادي التيم.
- العام 1612 إثر خلاف بين أحمد باشا والأمير علي الشهابي أمير حاصبيا.
- العام 1617 أوفد الوزير العثماني محمد باشا جركس قوة عسكرية بقيادة حسين اليازجي دخلت حاصبيا وهدمت قسماً من السرايا.
- العام 1633 أحرقها العثمانيون ونهبوا بلدة حاصبيا عندما توجّه جيش بقيادة أحمد كجك باشا لمحاربة الأمير فخر الدين المعني الثاني الكبير.
- العام 1660 هاجمها والي الشام أحمد باشا ثم أحرقها العام 1671 في معركة بين الأمير فارس الشهابي وآل حيمور في البقاع الذين استنجدوا بوالي الشام العثماني.
- العام 1790 أحرقها الأمير بشير الشهابي الثاني إثر خلاف مع حاكم حاصبيا الشهابي غير الموالي له.
- في أحداث العام 1860 أُحرقت السرايا وتهدّم قسم منها ولا سيما الطبقة العلوية وأعاد الشهابيون ترميها.

 

الى خلوات البيّاضة
كما السرايا يتنازعها إحتضار حجر هو حياة تاريخ عريق وانتصار حياة على موات، هكذا خرجنا يتنازعنا فخر بمجد تاريخنا وكبر شعبنا وإبائه، وعظمة حضارتنا، وشعور بمرارة الإهمال والنسيان اللاحقين بصفحة مضيئة من تاريخ لبناننا العظيم.
ودعانا رئيس البلدية الى زيارة البيّاضة، فاتجه جنوباً مقصده رابية خضراء غضّة. سلخنا الدرب من العالم الى الملكوت، الى جنّة لا حيّة فيها غير الطريق المنسابة بين الوزّال والملول والسنديان والزيتون ولا تفاح غير خدود شباب وشيب لثمتها القداسة. واقتربنا من السماء الزرقاء فاستوقفنا مدخل عند ذاك الكرْم يدعونا الى الدخول بصمت المادة وضجيج الروح. يجب أن تصمت عميقاً أجسادنا وتهمس أرواحنا صاخبة بإيمانها بباري الأكوان. مدّت زميلتنا جان دارك يدها الى خزانة عند يسار المدخل تستعين بعباءة سوداء وغطاء رأس تخنق بهما أي همس مادي نادر، واستسلمنا لنور داخلي يشعّ أبيض ليتّحد مع أبيض العمائم والمناديل، تكلّل، كما الثلوج قمة حرمون، هامات المشايخ والنساء الذين التقيناهم يهبّون باسطين كفوفهم البيضاء ترحيباً وكرماً، يدعوننا بكل صفاء نية الى زيارة «خلوتهم»، وبكل طيب قلب الى تناول برَكة الزيارة من مواسم كرَمهم الأبيض: عسل، تين مجفّف، زبيب، صنوبر، كعك من معجنهم، والتزوّد القليل منها ذكرى بيضاء. أوَنسأل بعد لم سُمّي الموضع البيّاضة؟

 

قصة نشأة البيّاضة
حوالى العام 1650 طلب أهالي حاصبيا من الشيخ سيف الدين شعيب، التقي الورع المتضلّع من العلوم والمتبحّر في الدين، تعليم أولادهم وتهذيبهم وتربيتهم. فأخذهم الى البرية يلقي عليهم الدروس تحت الأشجار. ولما خطر بباله أن يبني خلوة في تلك البرية قصْد التعليم، لجأ الى ذوي التلامذة طالباً مدّ العون له في رفع صرح الدين والعلم على أرض كَرْم يخصّه على سفح تلة جنوب بلدة حاصبيا على بُعد 150 متراً تقريباً الى الشمال من المجلس الحالي. كما بنى بقربها بئراً للماء، وأخذ يلقّن تلامذته العلوم الدينية وغيرها.
بعد وفاته أقام ذوو التلامذة مكانه الشيخ جمال الدين الحمرا، إبن أخته وتلميذه الفائق النبوغ. فقرّر أن ينقل المجلس من كَرْم خاله الى قمة الرابية أي في الموضع القائم فيه اليوم. وارتفع البناء والى جانبه بئر للماء ليكون النواة الأولى للمجلس الأزهر الشريف الحالي. كما بنى بعض رفاق الشيخ الحمرا خلوات بالقرب من المجلس لكي يعبدوا الله تعالى وأطلق عليها في البدء إسم بيوت الأبرار.


أول شيخ تسلّم سياسة البيّاضة بمعناها الحالي هو الشيخ أبو حسين علي شجاع رافقه في ذلك شيوخ أفاضل وكان ذلك في القرن التاسع عشر. وكانت حياتهم غاية في البساطة: لباسهم الخام المصبوغ باللون الأزرق، ومأكلهم الخبز المبلول بالماء وقليل من الزيت والصعتر وبعض أنواع المأكولات المطبوخة من البرغل والحبوب والزيتون.  
وكانت سياستهم لا تتجاوز حدود البياضة واضعين الحد (الحرم) لكل من يتدخّل في أمور غير العبادة والمذاكرة. وفي ذلك العصر أُطلق على خلوات البيّاضة المجلس الأزهر الشريف.
وبعد الشيخ أبو حسين فندي شجاع في النصف الأول للقرن العشرين، انتهت سياسة الشيخ الواحد في البيّاضة ليديرها خمسة شيوخ من المشايخ الأكثر رشداً والمستقيمين.
أما حالياً، فالمتّبع في إدارة شؤون البياضة أنه عند وفاة أحد المشايخ يُستبدل بشيخ من التقات مراعين التوازن المتّبع في بلدة حاصبيا.
المقيم والمريد في خلوات البيّاضة عليه أن يتّبع نظاماً خاصاً مشابهاً تقريباً لأنظمة العبّاد والنسّاك الأقدمين. ويسكن كل مريد بمفرده أو مع جماعة من أترابه في كل خلوة من خلواتها الست والأربعين ويقوم بخدمة نفسه بنفسه. أما في الحياة الدراسية فالمريدون يقضون معظم أقسام النهار في الدرس والحفظ والفقه.
المجلس الحالي الذي استقبلنا عبارة عن بناء متواضع مربع الشكل على قدر كبير من البساطة، وبعيد كل البعد عن الفخامة والأبهة. تبلغ مساحته 700 متر مربع. بُني في المرة الأولى أواخر القرن السابع عشر، ثم جُدّد بناؤه منتصف القرن التاسع عشر، وأخيراً بعد إحراقه ونهبه خلال ثورة 1925 من قبل السلطات الفرنسية المنتدَبة.
القسم الأكبر منه مجلس للعبادة يتّسع لنحو 500 متعبّد، يتصل من الجهة الجنوبية الغربية بقاعة متوسطة الحجم مخصّصة لاجتماع النساء في أثناء الصلاة، ويفصل بينهما جدار سميك يتخلله بعض الفتحات الصغيرة.
أروقته المحيطة به تظللها القناطر العربية الطراز. أما فرشه فمن السجاد والبسط وبعض الأغطية الصوفية.
تبلغ الفسحات المحيطة به نحو ألفي متر مربع تتوسط الجهة الجنوبية منها دائرة من الحجر المنحوت يتجاوز قطرها العشرة أمتار، تُستعمل للجلوس والمذاكرة عند الغروب.
تبلغ مساحة البيّاضة نحو عشرة كيلومترات مربعة. ويحيط بالمجلس الكبير نحو 47 خلوة.
تحتل خلوات البيّاضة المكانة الأولى بين أماكن العبادة الدرزية لأنها تعتبر المركز الديني المشترك لكل دروز العالم قاطبة. وفي هذه الخلوات يشتغلون بنسخ الكتب المقدسة ويعملون على حفظ الإيمان بعيداً عن الكفر. كما يحتل مشايخها مرتبة هامة لأنهم يتميّزون بتعمّقهم وتبصّرهم في الروحانيات، وينقطعون عن مخالطة الناس إلا في زياراتهم الإجتماعية بين حين وآخر.

 

التعايش في حاصبيا

من خلوات البيّاضة يمّمنا شطر منزل أحد مشايخها الشيخ فندي شجاع الذي استقبلنا بقامته المديدة المكلّلة بالعمامة البيضاء تظلّل عينين آسرتين تفرضان الرهبة والخشوع على الناظر عميقاً اليه. وبصوت آتٍ من البعيد، من عمق الإيمان بالباري تعالى، حدّثنا عن التعايش واللقاء في حاصبيا، قال:
بقيت حاصبيا ومنطقتها أنموذجاً في التعايش والتسامح بحكمة مشايخ البيّاضة، وكان في مقدّمهم والدي المرحوم الشيخ أبو فندي جمال الدين شجاع الذي بحكمته المعهودة سمت حاصبيا فوق كل الأحقاد والضغائن. فهو مَن حرّم ثلاثاً، في أثناء تشييع أحد مقاتلي الطائفة الدرزية خلال معارك الجبل العام 1983، على كل من يؤذي مسيحياً، وهو من طلب من محبيه وعارفيه قائلاً: أريد صبراً بلا حدود. ومنذ أن غابت الدولة اللبنانية عن منطقة حاصبيا وتعطّلت أجهزتها الأمنية القضائية كان هذا الشيخ «مشكى ضيم»، فكان للحق وللضعيف حليفاً، وإذا اختلفت الأحزاب أتت اليه لتسمع النصح، وإذا حصلت تجاوزات من قبل رجال المنظمات سارع قادتها الى اعتذار مراعاة لخاطره. وبعد الإحتلال كان المرجع الوطني لكل القضايا الوطنية فابن العرقوب وشبعا إذا حلّ به ضيم أو واجه مشكلة يقصده يستعين برأيه.
واسمحوا لي هنا أن أروي لكم عن لسان فارس غبريل إبن النائب الراحل نسيب غبريل وشقيق محافظ الشمال اسكندر غبريل هذه الحادثة:
سألني الشيخ بو فندي ليش ما عندكم خوري؟ فأجبته: الخوري يا شيخ بيكلّف مصاري ونحنا المسيحيي هون قلال ما فينا نقوم بواجبه. وكان جواب الشيخ: جيبوا خوري ونحن منساعدكم، أحسن يكون في خوري». وعرف البطريرك هزيم بالأمر فأوفد مطراناً ليقول للشيخ بو فندي: «أنا ربيت مع بني معروف وتعلّمت منهم ومعهم واليوم جايين نكمّل ما تعلّمنا عندكم في الخلوات».
وختم الشيخ فندي، ونحن على خطى الشيخ الجليل ننفّذ وصيته بحذافيرها. أليست طاعة الله من طاعة الوالدين؟ وخرجنا من داره، وقلبنا عامر بالفخر والكبر ولساننا يردّد: ومَن قال إن لبناننا ليس وطن الله؟
بعد هذه الجولة العابقة برائحة التاريخ وطيب القداسة, دعانا مضيفنا، رئيس البلدية، الى زيارة المرافق السياحية على ضفاف نهر الحاصباني، حيث فاجأنا بغداء أقامه على شرفنا في أحد المطاعم.
وانسلخنا، في نهاية مشوارنا، عن حاصبيا وقفلنا راجعين نمنّي النفس بعودة ثانية، بزيارة حج، الى بلدة الخير والبركة والقداسة والتاريخ.

 

تصوير: جو فرنسيس
زياد الشوفي
• المراجع:

- تاريخ حاصبيا وما اليها - غالب سليقة.
- البلدية، نشرة دورية تصدر عن بلدية حاصبيا.
- حاصبيا نشرة داخلية تصدر عن بلدية حاصبيا.

 

جمعيات وأندية
• جمعية الكشاف اللبناني.
• جمعية كشافة الجراح.
• نادي الجبل الرياضي.
• جمعية دعم التلميذ.
• جمعية الإنقاذ الوطني.
• جمعية تراث حاصبيا.
• جمعية الفتيان المسيحية.
• جمعية تنظيم الأسرة.
• Clac المكتبة العامة (تابعة لبلدية حاصبيا).
• مركز الخدمات الإنمائية التابع لوزارة الشؤون الإجتماعية.
• مكتب نقابة العمال الحرفيين.
• رابطة قدماء القوى المسلحة اللبنانية.

 

الدروز بنو معروف
يرفض الدروز في الحقيقة هذه التسمية ولا يقبلون إلا بالموحّدين لتوحيدهم الخالق جلَّ جلاله، أو بالأعراف، أو كما عُرفوا في جبل الدروز باسم «بني معروف». وهذه الألقاب جميعها تعود الى قول الإمام حمزة بن علي في إحدى رسائله: «كنيتم بالأعراف ووُصِفْتُم بالأشراف»، ثم يضيف: «مروا بالمعروف وهو التوحيد وأنهوا عن المنكر وهو الشرك».

 

مقام النبي رأوبين
يقع عند أسفل البلدة بالقرب من مجرى ماء شتوي يدعى البصيص ويبعد عن السرايا الشهابية مئتي متر. وهو يحتوي على قبر للنبي، وعدد من القاعات الفسيحة وبعض الغرف والحمامات والمطابخ وقد جُدّد بناؤه. يزوره الجميع ومن مختلف المذاهب. وقديماً دعيت منطقة حاصبيا بأكملها ببلاد بني رأوبين.

مركز المطالعة والتنشيط الثقافي في حاصبيا
افتتح هذا المركز العام 2002، واستقبل في أقل من سنة 9450 زائراً للمطالعة، وحوالى الألف طفل استعملوا الألعاب التثقيفية، وتمّت إعارة حوالى 500 كتاب في مختلف المواضيع.
يستقبل المركز دورات تعليمية وتثقيفية وندوات وأمسيات شعرية ولقاءات فنية موسيقية.

 

حاصبيا بالأرقام
تقع حاصبيا عند أسفل السفح الغربي لجبل الشيخ (حرمون) في جنوب شرق لبنان.
- تبعد عن بيروت 120 كلم.
- ترتفــع عن سطــح البحـر: بين 750 و850 م.
- مساحتها: 2556 هكتاراً.
- عدد سكانها: 14950 نسمة يقيم منهم في حاصبيا حوالى 10 آلاف.
- عدد أسرها: 1543 بمعدل 3.7 كمتوسط لعدد أفراد الأسرة الواحدة.
- نسبة الأمية فيها: 16.1٪.
- الجزء المزروع منها: 8.6 كلم2، فضلاً عن 3 كلم2 من الغابات والمراعي.
- زراعة الزيتون: 94.1٪ من مجمل الأراضي الزراعية.
- إنتاج الزيت الموسمي: 35 ألف تنكة.

 

زوجة فيدال كاسترو من حاصبيا
تبلّغت عائلة أبو غيدا في حاصبيا وفاة زوجة الرئيس الكوبي فيدال كاسترو التي تتحدّر منها وتحمل إسم اليزابيت خوسيه مازينا، أي قاسم أبو غيدا.
وأعلن الوفاة إبن شقيق الجنرال خوسيه مازينا (قاسم أبو غيدا) إبن حاصبيا والذي كان متزوجاً من فتاة زحلاوية في المكسيك. وأنجب منها إبنتين: زهية التي تزوجت من شاب زحلاوي، واليزابيت التي تزوجت بالرئيس الكوبي فيدال كاسترو.
والجنرال قاسم حسين أبو غيدا هرب من ظلم الأتراك في حاصبيا في الربع الأول من القرن الماضي الى المكسيك مع والده اليخاندرو الذي اتخذ اسم مازينا لعائلته في المكسيك، ومن قبلها في الأرجنتين في إبان ازدهار الثورات، وبعد تنقله من دولة الى دولة في أميركا اللاتينية، استقر قاسم في المكسيك، وانخرط في الجيش، وتوصّل الى رتبة جنرال.
وخلال إنقلاب عسكري أطاح نظام الحكم هناك دافع فيه الجنرال قاسم بشرف عن النظام، وأصيب خلال المواجهات في أنحاء جسمه، قبض الإنقلابيون عليه مع مجموعة من رفاقه الضباط، وأحيلوا على المحاكمة التي قضت بإعدامهم جميعاً. ولكن الجنرال قاسم دافعت عنه نزاهته خلال خدمته العسكرية، وعدم انحيازه لأي فريق خلال المماحكات السياسية والعسكرية وتبرّع للدفاع عنه 27 محامياً عربياً وأجنبياً، وأعفي عنه لأنه أجنبي ولا علاقة له بالحكم هناك.
وفي تلك الأثناء كانت المكسيك تستضيف سراً الثائرين التحريريين أمثال تشي غيفارا وكاسترو، وكانت ابنته اليزابيت قد أصبحت طبيبة، وآوت كاسترو سراً في منزلها لحمايته، وانتقلت معه الى كوبا حيث تسلّم الحكم بعد إنقلاب.

 

أسماء العائلات في حاصبيا
• العائلات الدرزية:

الخليل - الخماسي - القيس - أبو عمار - أبو عواد - الحمرا - النداف - الطير - أبو صمصم - بدوي - العيسمي - المبارك - أمين - أبو حمّد - بدر - الزغير - الكاخي - أبو غيدا - أبو طي - بدر الدين - الحرفاني - الصفدي - أبو دهن - أبو عاصي - بركات - الحرفوش - الحلبي - أبو ترابي - أبو حسان - جنبلاط - جبر - رعد - سابق - علمدين - مرداس - حسان - رافع - شروف - عز الدين - ملي - حامد - زويهد - شرف - علام - مصلح - حديفة - زلوم - شعيب - غيضة - مكنّا - خير الدين - زين الدين - صياغة - غشام - منذر - خطار - سليقة - صيموعة - فرزان - نمور - خير - خضر - سعسوع - عماشة - كزيلا - هزيمة - وهب.
• العائلات المسيحية:
إن العائلات المقيمة في حاصبيا حالياً لا يتجاوز عددها عدد أصابع اليد، أما التي هي من أصل حاصباني، وبخاصة التي بقيت بعد أحداث 1860، فوافرة وهذا جدول بأسمائها:
آل غبريل - قطيط - الأميوني - أبو متى - اللحام - الحداد - أسبر - الشوفي - متري - زنقول - أبو ريحان - الشملاتي - الخوري - زكا - عاصي - صهيون - البواب - أبو جبور - أبو كلام - أبو عساف - البردويل - الحاوي - الخشن - الدبغي - الريس - الصفدي - العتيق - قروي - لحود - محفوظ - الشاب - غرة - استبريان - أبو جاموس - رحال - دعيبس - دقة - رافع -

 

شبشب - حبيب.
• العائلات المسلمة السنية الموجودة أو المنقرضة:
آل زهوي - الشيخ - الغفير - زين الدين - المر - أبو صالح - أبو كرنيب - شحادة - الصيداوي - نور الدين - صدقة - العطروني - الصالح.

 

سوق الخان
بنى الأمير أبو بكر شهاب الخان القديم قرب سوق الخان الحالي لإيواء الغرباء والمسافرين ذهاباً وإياباً من بلاد الحولة وصفد جنوباً الى بلاد البقاع وسوريا شمالاً، وكان ذلك حوالى العام 1365.
شُيّد الخان القديم من الحجر والكلس على شكل مستطيل طوله نحو مئة متر وعرضه يزيد عن سبعين متراً، ومساحته تقدّر بزهاء سبعة آلاف متر مربع. وكان عبارة عن باحة داخلية كبيرة توزّع حولها الأقبية والعقود والغرف والإسطبلات.
إستقبل هذا الخان الذي لم يبق منه الى اليوم غير بعض جدرانه مَن كانوا يؤمونه من الحولة والجليل والجولان جنوباً وجبل عامل وجزين وقضاء مرجعيون غرباً، ومن البقاع الغربي وجميع قرى حاصبيا شمالاً إما بقصد المنامة أو لعرض بضاعتهم وتبادل منتوجاتهم كما كان سائداً - أي رزق برزق - وأهمها المواشي والحبوب والمصنوعات المحلية المتعددة.
وكان السوق يقام بخاصة يوم الثلاثاء من كل أسبوع ولما يزل حتى اليوم، وإن في مكان قريب من البناء القديم على أرض تزيد مساحتها عن ثلاثين ألف متر مربع. جُرّت المياه الى الخان القديم من نبع يدعى نبع عين عبرا.
سوق الخان المستمر منذ قرون عديدة لم يتوقف سوى خلال فترة الإجتياح الإسرائيلي في آذار 1978 والعام 1982. ولكنه كان يعود وينطلق بفضل إرادة أبناء المنطقة الذين يعتبرونه من أهم إقتصادياتهم.

 

الحرف والمهن الشعبية في حاصبيا
حياكة العبي - والعباءة الحاصبانية على نوعين منها ما هو فضفاض واسع، ومنها ما هو بحجم الجسم تماماً وكلاهما من الصوف ومبتورتا الأكمام.
- العمامة - وقد وصفها الشاعر العربي أبو الأسود الدؤلي:
العمامة جنة في الحرب، ومكنة من الحر، ومدفأة من القر، ووقار في النوادي، وزيادة في القامة، وهي تعد من ميزات سادة العرب.
- كتابة اللوحات التزيينية من آيات قرآنية كريمة وتسبيحات وأمثال شعبية يتصدّر بعضها الجوامع والخلوات، وصناعة الكتب وهي عبارة عن كتابة الكتب المقدّسة التوحيدية لأن هذه الكتب بحد ذاتها مخطوطات لا تطبع.
- صناعة الزيت والزيتون والصابون.
- صناعة المدافئ.
- صناعة المونة.
- تربية النحل.

 

شعراً على لسان أحد أبنائها
لمّا علم العميد رفيق زويهد من قوى الأمن الداخلي بزيارتنا الى بلدته مسقط رأسه، زوّدنا، هو الشاعر العامي، بقصائد عن حاصبيا ننشر منها هذه القصيدة التي نظمها العام 1992؛ حينها كان الإحتلال الإسرائيلي جاثماً، وكان التحرير حلم الشاعر والمواطنين.


يا حاصبيا اشتقت لترابك
لجسامنا انت غالي كتير
يا بلدة الايمان والتكبير
وحكمة المولى وسنّة التقدير
يا بلدتي عاجز عن التعبير
باسمك وفيكي شو حلو التفكير
وجودك على هالارض سر كبير
وآية جمال مصوّرة تصوير
وبياضة الغفران والتكفير
وباسمها منقول الله كبير
وليل الألم والهجر والتهجير
الفرحة كبيرة فرحة التحرير
فرحة العودة للوطن تتصير


اوعا تكوني ناسية حبابك
انشالله هيك نكون بحسابك
الله اكبر سر بكتابك
نقبل اللي صابنا وصابك
وحبي الك مكتوب ع بابك
وما اجمل الرحلات برحابك
والله بنفسو كان عرّابك
بساعة كريمة كان انجابك
بسر القداسة مطوّقة جنابك
منرجع عليكي نخفف عذابك
منبدلو بأفراح ع عتابك
فرحة لقاك بكل غيّابك
كلمة الحسرة تهز وادي التيم


والبرلمان تهز نوابك
----------------------

زياد الشوفي
الكتابة عن حاصبيا ليس بالأمر العسير، فحاصبيا مذكورة في كل المعاجم وكتب التاريخ ولكن لمعرفة حاصبيا في أيامنا هذه بالصورة، كان لا بد من زيارة زياد الشوفي الذي اتخذ هواية جديدة أضافها الى هواياته العديدة، حيث كانت قد زارته مجلة «الجيش» العام 2004 وحدّثته عن معرضه المنزلي، ففيه جمع العملات الورقية والنقدية من حول العالم، وعن مجموعة الطوابع النادرة التي يملكها والتي يفوق عددها 5000 طابع بعضها يُعتبر نادراً جمعها على مدى عشر سنوات، بالإضافة الى جمعه التحف القديمة التي نشرها على جدران وزوايا منزله.
وهوايته الجديدة هي التصوير فقد عمد الى أرشفة حاصبيا بناسها وشوارعها وحقولها وزيتونها وآثارها ومنازلها ومناسباتها وعاداتها وتقاليدها، ومنذ العام 2005 وحتى اليوم استطاع أن يلتقط أكثر من 50000 صورة لحاصبيا يعتبرها أفضل هدية تقدم لأولادنا بعد عشرات السنوات ليكوّنوا صورة واضحة عن بلدتهم وسكانها وعاداتهم.