تسلّح

حاملة الطوافات الفرنسية "ميسترال"
إعداد: شارل أبي نادر
عميد متقاعد

مميزاتها وأسباب إلغاء الصفقة مع روسيا

 

أثارت صفقة حاملة الطوافات «ميستـرال» الفرنسيــة جدلًا واسعًا في الأوساط الدوليـة، مـن النواحــي الاستراتيجية والعسكرية والقانونية، إذ انها كانت من العقود الدولية النادرة التي لم تكتمل. فقد ألغت فرنسا، ومن طرف واحد، صفقة مع روسيا تقضي بتصنيع الأولى حاملتي طوافات من نوع «ميسترال» لمصلحة القوات البحرية الروسية. وذلك بموجب عقد تم توقيعه في العام 2011، ويقضي بتسليم الحاملة الأولى «فلاديفوستوك» في منتصف العام 2014، وبعد نحو سنة تقريبـًا تُسَّلـم الثانيــة «سيفاستوبول»، علــى أن تحـدّد المدة بدقــة بعــد تقديـم روسيــا اقتـراحــها بخصــوص التعديلات المطلوبـة إذا وجدت.

 

لماذا أرادت روسيا الـ«ميسترال»؟
في المبدأ، من النوادر أن نرى في عالم التسلّــح أو صناعـــة التجهيزات والقدرات العسكرية وتجارتها، أن تلجأ روسيا إلى الارتباط بعقود لشراء أسلحة، خصوصًا تلك الغالية الثمن كحاملات الطائرات أو الطوافات. بلغ حجم الصفقة المليار ونصف المليار يورو، فما هي الأسباب التي دفعتها إلى إبرام مثل هذا العقد؟ هل هي مميزات الـ«ميسترال» التقنية والعسكرية؟ وما هي الأسباب الحقيقية لإلغاء الصفقة من قبل الفرنسيين؟ وما هي الإجراءات التــي آلـت إليها عملية الإلغاء من النواحي القانونية والتجاريـة والعسكرية؟

انطلاقًا من المميزات والإمكانات الموجودة في الـ«ميسترال»، يمكن فهم الأسباب التي دفعت بروسيا إلى السعي لامتلاكها. وهذه الإمكانات والقدرات يمكن ترجمتها من الناحية العسكرية على الشكل الآتي:
• تطوّر منظومة القيادة والسيطرة: وتتضمن هذه المنظومة ثلاثة رادارت: الرادار الملاحي ورادار جو- أرض ورادار الهبوط على سطح السفينة، بالإضافة إلى الهوائيات الخاصة بالاتصالات مع الأقمار الاصطناعية. وهذا الموضوع أثار جدلًا كبيرًا لناحية أنه قد يكون، من أهم الأسباب التي دفعت روسيا إلى امتلاك الـ«ميسترال»، طمعها بالحصول على سرّ التقنيات الفرنسية المتميزة عالميًا، لناحية الاتصالات وتكنولوجيا القيادة والسيطرة.
• القدرة على نقل وإدارة وصيانة وقيادة الوسائط العسكرية الأكثر فعالية في التدخل البعيد: كالطوافات الهجومية والدبابات والآليات المدرّعة، وكان لافتًا أنّ روسيا قد صمّمت الطوافة الهجومية ك52 «التمساح» خصيصًا لتزويد الـ«ميسترال» إياها.

 

• تخطيط وتنفيذ عمليات عسكرية حساسة: يشمل التخطيط والتنفيذ عدّة عمليات هي:
• مكافحة الإرهاب خارج الحدود: هذا ممكن أن تؤمنه الـ«ميسترال» من خلال تكليف قوة عسكرية من الوحدات الخاصة، مدعومة بالقدرات العسكرية المذكورة أعلاه، بالتدخل في دولة ساحلية، أفريقية أو آسيوية، من الدول التي لا تتمتع بقدرات عسكرية مناسبة، وتنفيذ عملية خاطفة أو ممتدة لعدّة أشهر تقريبًا. وذلك، من ضمن عمليات مكافحة الإرهاب الذي ينتشر في العديد من تلك الدول.
 

• تنفيذ عملية اختراق داخل دولة أخرى بهدف إجلاء رعايا: هذا النوع من المهمات، كان من الأهداف الأساسية التي خططت لها فرنسا في تصميم الـ«ميسترال» وتصنيعها وتجهيزها، وقد كانت عينها دائمًا على الدول الإفريقية التي طالما نفذت فيها عمليات إجلاء لرعاياها أو لرعايا دولة أخرى من حلفائها في الاتحاد الأوروبي. كما وأنّ فرنسا قادت في حرب تموز على لبنان العام 2006 عملية حساسة ومعقدة في البحر الأبيض المتوسط لإجلاء من رغب من الرعايا الفرنسيين أو من اللبنانيين أصحاب الجنسية الفرنسية من لبنان.
 

• قدرة على التدخل الفوري الفاعل: قد يتمّ التدخل لدعم أو حماية أو إجلاء رأس نظام حليف عند تعرّضه لانقلاب أو ما شابه، أو عكس ذلك، أي الإطاحة برأس نظام غير حليف ومساعدة المنقلبين عليه.
 

• قدرة على إنزال زوارق وسفن خفيفة إلى ساحل غير مجهز: هذه الميزة تعتبر ميزة استراتيجية في عمليــات التدخل الواسع خارج الحدود، حيث تكون السواحل الصالحة والمجهّـزة للسفـن محميـة ومراقبـة عادة، على عكس الأخرى غير المجهزة لاستقبال السفن.
وتستطيع الـ«ميسترال»، وبقدراتها المذكورة، أن تُنزل قوة مدرعة مدعومة بالطوافات، بحيث تكون هذه القوة المُنزلة بمثابة رأس جسر بَرّي لتغطية عملية تدخّل واسعة.

 

أسباب إلغاء فرنسا للصفقة
• الأسباب الظاهرة:

بعد التدخل الروســـي فـي شبـــه جزيرة القرم وضمّها (منتصف صيـــف 2014)، وما تلاه من عمليــات عسكرية لوحدات روسية في أوكرانيــا دعمًا للانفصالييـن، وبعد اتّهــام الاتحاد الأوروبــي والولايــات المتحدة الأميركية روسيـا بتقويــض الاستــقرار والتدخّــل غير الشرعي في أوكرانيا وفي القرم، فرض الغرب على روسيا عقوبات اقتصادية وديبلوماسية وعسكرية. من هذه العقوبات إلغاء فرنسا لصفقة الـ«ميسترال»، واشتراطها لإتمامها، إلغاء مفاعيل التدخل الروسي الأخير في القرم وأوكرانيا.
لكن ما حصل كان عكس ذلك، إذ تمّ ضم شبه جزيرة القرم نهائيًا إلى الاتحاد الروسي، وزادت روسيا عمليًا من نفوذها في بعض أجزاء شرقي أوكرانيا وشمالها.

 

• الأسباب الحقيقية:
بعد اندلاع الأزمة السورية، ووقوف روسيا مع النظام في سوريا وإجهاضها عبر حق النقض الفيتو، أكثر من مشروع قرار لمجلس الأمن الدولي، كان الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة االأميركية قد عملوا جاهدين لفرضها، مارس هؤلاء جميعًا ضغوطًا قوية على فرنسا لإلغاء صفقة الـ«ميسترال» مع روسيا. وقد ألغتها فرنسا على الرغم مما لذلك من تداعيات عليها. فالغرامات والتعويضات كانت ستكون خيالية نسبة لقيمة الصفقة، واستنادًا لشروط فسخ العقد من جهة واحدة وفق الاتفاق.
في منتصف صيف العام 2014، وحين كان من المفترض تسليم أول حاملة «ميسترال» لروسيا، كانت الأخيرة قد اعتمدت سياسة تدعم النظام السوري، وكان قد أصبح واضحًا أنها على وشك اتخاذ قرار بالتدخل العسكري في سوريا، من دون أن يكون واضحًا حينها شكل هذا التدخل.
وكان من المنطقي والطبيعي أن تستنج الدول الغربية، أنّ الـ«ميسترال» التي ستمتلكها روسيا ستشكل وسيلة التدخل الأنسب والأسرع عسكريًا، لتقديم دعم سريع للنظام في سوريا، على الأقل في أرياف اللاذقية وطرطوس، التي كانت قد بدأت تتعرض لضغوط جدية من المسلحين المعارضين للنظام.
هذا التغيير المرتقب في المعادلة الاستراتيجية الذي كانت روسيا على وشك إحداثه في حوض المتوسط الشرقي، أضيف إليه إمكان تدخّلها في سواحل إفريقيا والشرق الأوسط، لذلك رأت دول حلف شمال الأطلسي أنّه من المفضل استراتيجيا منع روسيا من امتلاك الـ«ميسترال»، فكان القرار بإلغاء الصفقة مع ما يترتب عن ذلك من خسارة مادية لفرنسا. وقد تكون دول الناتو تبرّعت سرًا بتعويض الخسائر، إذ اشترت مصر لاحقًا حاملتي الـ«ميسترال» موضوع العقد الملغى مع روسيا، الأمر الذي وافقت عليه الأخيرة بعد حصولها على التعويضات المناسبة.