حدودنا

حتى آخر حبة تراب!
إعداد: ندين البلعة خير الله

لا تستهينوا بما للتسميات من قدرة على تغيير الواقع إلى حدّ التسبّب باغتصاب حقوقنا وخسارتها! لا تقولوا "ترسيم الحدود البرية" بل "إظهار" هذه الحدود، ولا تسمّوها "شمال الغجر" بل اسمها "خراج بلدة الماري اللبنانية"، وهي ليست "أراضٍ مُتنازع عليها" بل "أراضٍ لبنانية مُحتلة"... كونوا دقيقين في ذكر المعلومات والتسميات، ولا تُسهموا في جهود العدو الإسرائيلي الآيلة إلى اغتصاب حقوقنا بأرضنا من خلال تحريفه للوقائع والقوانين، ومحاولته فرض الأمر الواقع علينا لدفعنا إلى اليأس والاستسلام.

 

صراع لبنان مع العدو الإسرائيلي هو صراع طويل لم ولن ينتهي حتى تحرير آخر حبة تراب من أرضنا. لكن لماذا تحرّك موضوع الحدود البرية في الآونة الأخيرة؟ الجواب هو أنّه بعد توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية في 27 تشرين الأول 2022، بدأ التشجيع الدولي على متابعة هذه الجهود لتطال الحدود البرية، غير أنّ العدو يعمد إلى المماطلة. في المقابل، يقوم الجيش اللبناني بواجبه الوطني بالتنسيق مع قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان وفق القرار 1701. وهو لطالما تصدّى ولا يزال لخروقات العدو وتعدياته، فضلًا عن رصدها ورفع التقارير بها وتقديم شكاوى بشأن الاعتداءات الإسرائيلية إلى مجلس الأمن الدولي.

في ما يأتي يوضح منسق الحكومة اللبنانية لدى قوة الأمم المتحدة العميد منير شحادة كامل النقاط المتعلقة بالحدود البرية مع فلسطين المحتلة، ويُلقي الضوء على جهود المؤسسة العسكرية المستمرة منذ اللحظة الأولى لأول خرق واعتداء على أراضينا وحتى اليوم.

 

كيف نشأ الخط الأزرق؟

بعد انسحاب العدو الإسرائيلي من جنوب لبنان في العام 2000، اقترحت الأمم المتحدة خط انسحاب يثبت تراجع هذا العدو إلى خارج الحدود اللبنانية أسمته "الخط الأزرق"، وقد أنجزه طوبوغرافيوها وقدّمته للبنان لترسيمه على الأرض، وبما أن العدو وجد في هذا الخط مصلحته قَبِل به مباشرة. ولكن مع التدقيق بهذا الخط الذي من المُفترض أن يكون مطابقًا للحدود الدولية المُعترف بها، تبيّن عدم تطابقه مع الحدود التي رُسِّمت في العام 1923 وفق اتفاقية بوليه-نيو كومب، ولا مع خط الهدنة الذي حُدِّد في العام 1949، والذي يُعد خط الحدود الدولية المُعترف بها بين لبنان وفلسطين المحتلة.

ويشير العميد شحادة إلى أنّ المهم قانونًا بالنسبة إلينا في موضوع الخط الأزرق، هو أن الأمم المتحدة أكدت دائمًا أنّه خط انسحاب لا حدود. كما أكد تقرير الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان في 22 أيار من العام 2000 ( وهو أساسي لنا بالنسبة لتنفيذ القرار 425) ضرورة تحديد خط انسحاب يتطابق مع حدود لبنان المُعترف بها دوليًا. وتم التأكيد مجددًا في القرار 1701 على سلامة أراضي لبنان وسيادته واستقلاله ضمن حدوده المُعترف بها دوليًا بحسب الوارد في اتفاقية الهدنة. وهذا يحفظ حقنا مهما طالت المخالفات، وسنستمر بالمطالبة بحدودنا الدولية التي تؤكدها الأمم المتحدة.

 

مزارع شبعا

ذكر التقرير نفسه للأمين العام كوفي عنان في البند 14 منه، أن الحكومة اللبنانية بلّغت الأمم المتحدة بأنّ مزارع شبعا لبنانية، وقدّمت الوثائق التي تُثبت ذلك، وخصوصًا تقرير اللجنة اللبنانية-السورية في العام 1964 الذي يؤكّد أنّ السوريين وافقوا على أنّ مزارع شبعا لبنانية، ويثبّتون وجوب أن تكون المزارع من ضمن القرار 425 الذي يطلب من إسرائيل الانسحاب من كل الأراضي اللبنانية.

بالنسبة لدور الجيش في هذا الموضوع، يقول العميد شحادة: "لم يكتفِ الجيش بما قامت به الحكومة اللبنانية والوثائق التي قدّمتها، بل شُكِّلت لجنة عسكرية أصدرت نتيجة عملها في العام 2019 ، من خلال تقرير خاص بمزارع شبعا وتلال كفرشوبا يتضمن  كل الوثائق والخرائط المطلوبة لإثبات حق لبنان بهذه المناطق، وأرسلت نسخة منه إلى مجلس الوزراء في شهر آب 2019.

 

قرية الغجر

أما في ما يتعلّق بقرية الغجر، فيوضح العميد شحادة أنّها قرية سورية، سكانها سوريون ويحملون الجنسية الإسرائيلية. خلال احتلال العدو الإسرائيلي لجنوب لبنان، تمدّد الجزء الشمالي من القرية عمرانيًا بهدف الوصول إلى مياه الوزاني، وبلغ مشاع بلدة الماري اللبنانية التي تقع شمال الخط الأزرق. فسُمّيَ هذا الجزء بشمال بلدة الغجر خطأً، وقد أرسل الجيش كتابًا رُفع إلى الأمم المتحدة، مطالبًا بتعديل التسمية لحفظ حقنا وتأكيد لبنانية هذه الأراضي.

في العام 2000 انسحبت إسرائيل من هذا الجزء، ثم عادت واحتلّته في العام 2006، وبعد انتهاء حرب تموز لم تنسحب منه، لكن لبنان يتمسّك بحقه في أراضيه.

 

ما الذي تغيّر في موضوع الغجر حتى بات يحصد هذا الاهتمام الإعلامي؟

بدأ العدو الإسرائيلي منذ منتصف العام 2022 القيام بأشغالٍ هندسية في الغجر، فراح يستبدل السياج القديم المحيط بالتمدّد العمراني على الأراضي اللبنانية، بسياجٍ جديد أكثر تدعيمًا وأعلى ارتفاعًا ومجهّز بكاميرات، ما يوحي بأنّه سيصبح سياجًا دائمًا. ولم يكتفِ العدو بذلك، بل ذهب إلى خارج المنطقة المحتلة إلى منطقة انتشار اليونيفيل، ونفّذ أعمالًا هندسية عند الطريق التي تؤدّي إلى أراضٍ لبنانية محررة وهي بلدة العباسية اللبنانية، وذلك خلافًا لكل القرارات الدولية.

وعلى خلاف ما يُحكى، فإنّ الجيش بدأ يقدّم اعتراضات على أشغال العدو في الأراضي المحتلة منذ العام 2022، أي منذ بدء التحرّك الهندسي هناك. وهو حذّر في نهاية العام نفسه بشكلٍ واضح من أنّ هذه الأشغال الإسرائيلية كأعمالٍ هندسية وإجراءات إدارية غير مسبوقة، هي ضمٌ غير مُعلن للأراضي اللبنانية التي تمددت فيها بلدة الغجر السورية، وذلك قبل أن يتنبّه أو يتحدّث أي أحد عن الموضوع. وقد رفع الجيش كتابًا في شهر كانون الأول 2022، يحذّر فيه من هذا الأمر، ويطلب تغيير التسمية لتأكيد لبنانية الأراضي (بناء على اقتراح من الجيش بموجب كتاب رُفع إلى وزارة الخارجية والمغتربين عبر وزارة الدفاع. أرسلت وزارة الخارجية والمغتربين كتابًا رسميًا على نسختَين إلى الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن الدولي لتعديل التسمية، واستبدال عبارة "الجزء الشمالي من قرية الغجر" حيثما وردَت لتصبح "خراج بلدة الماري").

 

نتحفّظ على الخط الأزرق بـ13 نقطة

عندما أمّنت اليونيفيل الخط الأزرق الرقمي في العام 2006، وبدأ الجيش بتطبيقه بما يتطابق مع حدودنا الدولية، تبيّن وجود 13 نقطة لا يتطابق فيها الخط الأزرق مع الحدود (هي النقاط الخلافية التي يتم تداولها)، وذلك بغض النظر عن مزارع شبعا. وقد تحفّظ لبنان على هذه النقاط التي تمتد ما بين B1  والعمرة وصولًا إلى الوزاني. وحين اعترض لبنان على عدم تطابق الخط الأزرق مع الحدود الدولية، تُرك لإيجاد الحل الأنسب مع العدو الإسرائيلي. ومنذ حينها، أي منذ العام 2006 وحتى اليوم، وفي كل الاجتماعات الثلاثية التي يبلغ عددها 160 اجتماعًا تقريبًا، يُطالب الجيش باسترجاع حقوق لبنان، ويطلب من اليونيفيل إجبار الإسرائيليين على الانسحاب من أراضينا ومعالجة هذه النقاط الخلافية الـ13.

قُسِّمت النقاط الـ13 إلى سلّتَين: Basket A وهي النقاط الخلافية ما دون الـ25 مترًا إضافة إلى مستعمرة "مسكاف عام" الإسرائيلية التي تمتد إلى أراضينا، وBasket B وهي النقاط التي تتخطّى 25 مترًا فارق بيننا وبين العدو. وقد توصّلنا إلى شبه تفاهم على 7 نقاط من أصل 13 من الـBasket A، وحين وصلنا إلى نقطة الـB1 رفضوا التناقش فيها وتوقفت الاجتماعات في هذا الشأن منذ العام 2017.

بعد إنجاز الترسيم البحري، وحين وافق لبنان على استكمال هذا المشروع في العام 2022، أي حين أبلغنا اليونيفيل أنّنا جاهزون لاستكمال الاجتماعات، بهدف انسحاب العدو الإسرائيلي من الأراضي المتبقية، وفي ذلك تأكيد أنه لا تنازل عن حقوق لبنان، راح العدو يماطل مقدّمًا حججًا واهية.

 

قانونية المناطق الواقعة بين الخط الأزرق وخط الهدنة

وكما قام الجيش بما يلزم قانونًا لتثبيت حق لبنان في موضوعَي الغجر ومزارع شبعا، كذلك أرسل كتابًا إلى وزارة الخارجية لرفعه إلى الأمم المتحدة في العام 2018، وهو يتضمن موقف لبنان حول لبنانية الأراضي الواقعة بين الخط الأزرق وخط الهدنة، أي المناطق الـ13 التي ذكرناها آنفًا، واعتبرها المجلس الأعلى للدفاع في جلسته في 7/2/2018 أراضي مُحتلة. ويشرح العميد شحادة أنّه حين كانت تُستخدم عبارة "مناطق متنازع عليها" في الأمم المتحدة، أرسلنا كجيش موقف لبنان من هذه المناطق، وأكد المجلس الأعلى للدفاع برئاسة رئيس الجمهورية في حينها العماد ميشال عون، أنّنا لا نقبل باستعمال تعبير "مُتنازع عليها"، بل "أراضٍ لبنانية مُحتلَّة".

 

17 نقطة خرق على الخط الأزرق

ولتوضيح التعابير بشكلٍ أدقّ يشرح العميد شحادة ما يأتي: حين نستخدم عبارة "أراضٍ لبنانية مُحتلة" بين الخط الأزرق وخط الهدنة، أي المناطق الـ13 التي هي الفارق بين الخطَّين، وهذه مناطق لبنانية مُحتلة، فإنّنا نتحفّظ على الخط الأزرق لا على المناطق.

أما النقاط الـ17 بالإضافة إلى التمدّد العمراني للغجر، فهي 18 منطقة متشابهة تجاوز فيها العدو الإسرائيلي الخط الأزرق، وهي المناطق الواقعة بين الخط الأزرق والسياج التقني (الحدود العسكرية التي وضعها العدو). تم التثبّت من خرق طريق للخط الأزرق في مركبا في أثناء تعليم النقاط على الخط الأزرق، وهذا الطريق كان مُنطلقًا لتوثيق باقي المناطق. وقد رفع الجيش كتابًا أيضًا للأمم المتحدة بهذه المناطق في العام 2021، كونه هو الذي يُرسِّم (لديه لجنة تعليم الخط الأزرق)، ولكن الطريق ما زال موجودًا حتى الآن. ويؤكد العميد شحادة:  "ألقينا الضوء على الموضوع منذ أيار من العام 2021 ورفعنا كتابًا عدنا وأحصينا فيه المناطق الـ18 التي يوجد فيها خرق إسرائيلي للخط الأزرق وأسميناها "خروقات دائمة" ما يؤدي إلى وجود مناطق مُحتلة شمال الخط الأزرق.

وإلى الخروقات الدائمة، هناك خروقات يومية وأعمال جرف يفيد عنها الجيش.

 

إثباتات دولية

إن الإثباتات على حقوق لبنان موثّقة في الأمم المتحدة وتؤكد عدم صحة المقولة التي تفيد بأنّ الحدود غير واضحة. ومن هذه الإثباتات اتفاقية بوليه-نيوكومب الموجودة في مكتب المحفوظات لدى الأمم المتحدة، وهي تتضمن الحدود الأساسية المُعترف بها دوليًا والتي أكدها القرار 425 وتقارير الأمين العام في أيار من العام 2000، والقرار 1701. فالحدود واضحة وتعبير ترسيم الحدود هو تعبير خاطئ لأن الحدود مُرسَّمة ومحددة أصلًا. وقد أنشئ في العام 1950 جهاز المراقبين الدوليين OGL لمراقبة خط الهدنة والتأكد من وجود هذه النقاط في مكانها، وبالتالي فإنّ أي فوارق هي فوارق مقصودة.

ويلخّص العميد شحادة كل ما ذكرناه آنفًا حول الحدود الجنوبية، بـ4 أمور أساسية:

  • مزارع شبعا.
  • الغجر.
  • المناطق المُحتلة الـ13.
  • الخروقات الإسرائيلية شمال الخط الأزرق الـ17 زائد الغجر (= 18).

هذه المسائل الأربعة وثّقها الجيش اللبناني بكتب، وأرسل المستندات المطلوبة بشأنها إلى الأمم المتحدة من خلال وزارة الخارجية لتأكيد حق لبنان. ويشير العميد شحادة إلى أنّنا في كل مرة كنا نؤكّد حقوقنا، وقد أعددنا الملفات لنقدّم الدلائل والأجوبة الواضحة لكل من يسأل. وقمنا بدورنا كاملًا بالإثباتات، وأرسلناها إلى الأمم المتحدة حتى لا يُقال يومًا إنّنا لم نعترض على هذه الخروقات أو لم نقدّم هذه الوثائق.

 

ماذا يفعل الجيش حاليًا؟

الجيش جاهز لاستكمال النقاش حول النقاط المتبقية ولكن الطرف الآخر غير جاهز. وقد أكدنا في أحد الاجتماعات الثلاثية أنّنا "جاهزون للمتابعة يوم أحد الساعة 12 ليلًا... نحن جاهزون 24/7 ولكن العدو هو الذي يماطل" كما يوضح العميد شحادة. والمؤسسة العسكرية، بالإضافة إلى دورها في تحضير الملفات وإثبات حق لبنان القانوني في أراضيه وسعيها إلى تحقيق تحرير أراضيه من خلال الأمم المتحدة، تبقى جاهزة للدفاع عن هذه الحقوق بالوسائل شتى.