مواسم وخيرات

حدائق على سطوح المدن وأحواض تنتج الخضار على الشرفات والنوافذ...
إعداد: د. حسين حمود
الجامعة اللبنانية - كلية الزراعة

إنها حقًا فكرة!


ليس من الضروري أن تمتلك قطعة أرض أو حديقة حول المنزل لكي تنتج الغذاء الضروري لحاجاتك الشخصيّة، بل بإمكانك أن تستغلّ الأوعية والأحواض المختلفة لإنتاج الخضار والبهارات التي تحتاج إليها في حياتك اليوميّة داخل شقّتك، على النافذة، على الشرفة أو على السطح وفي الزوايا غير المستغلّة حول المنزل أو في مكان العمل. إن هذا النوع من النشاط يشكّل بالنسبة إلى سكّان المدن فرصة للحصول على الخضار والفواكه الطازجة من ناحية وليكونوا على اتّصال مباشر مع الطبيعة من ناحية أخرى.

 

كيف نصنع حديقة من الأحواض؟
إنّ إنتاج الغذاء في الأحواض ليس بجديد، ففي مدينة هونغ كونغ إحدى أكثر مدن العالم إكتظاظًا بالسكّان، تزرع الخضار في مستوعبات ترتكز على أقفاص مخصّصة لتربية الأسماك وتعوم على سطح المياه. في كولومبيا ينتج إتّحاد النساء الخضار للتجّار على سطوح المنازل، وفي تشيلي ينتج مركز التعليم والتكنولوجيا - في مساحة 20 مترًا مربّعًا فقط - الكثير من أنواع الفواكه والخضار والورود حيث تنمو النباتات في أحواض مرصوفة على شكل هرمي، بينما عريشة العنب تعربش على الجدران لتعطي الثمار اللذيذة وتوفّر الظلّ وتنعش الهواء.
لا بدّ من الإشارة في هذا السياق إلى أنّ المدن هي بغضّ النظر عن موقعها، أكثر دفئًا من المناطق الريفيّة المجاورة، وبإمكانها بالتالي أن توفّر ظروفًا مناخيّة أفضل وبشكل خاص خلال فصل الشتاء، حيث تساهم المباني في حبس الحرارة وتجميعها، كما أن المداخن على السطوح تشكل مصدرًا للطاقة، كذلك فإن قوة الرياح في المدن تكون أقل بفضل المباني والمنشآت الأخرى التي تتصدّى لها.
إنّ تربية الخضار في الأوعية هي طريقة جديدة في إنتاج الخضار تتيح لجميع من يرغب في تطبيقها، حيث يستطيع أن يؤمّن في الوقت نفسه النكهة الطيّبة والإنتاج الطازج وسهولة العمليّة الإنتاجيّة. لقد فقد أبناء الجيل الحديث كليًّا الصلة بين الأرض وما يقدّم يوميًا على المائدة. وأكثريّة الناس تعتقد بأنّها لا تملك الوقت الكافي ولا الطاقة الضروريّة لزرع الخضار وتربيتها، ويزداد هذا الإعتقاد في حال عدم ملكيّة قطعة أرض صالحة للزراعة. غير أنّ الطريقة الحديثة لتربية الخضار في الأوعية، تؤكّد أنّ هذا النوع من الإنتاج هو ممكن حتّى في أصغر المساحات كالشرفة أو السطح أو المدخل أو النوافذ، وأنّه يعطي إنتاجًا وافرًا من الخضار التي ستساهم بشكل هام في تحسين نوعيّة الغذاء، عدا كونها تمثّل مصدر حركة جسدية ولياقة بدنيّة.

 

أنواع أوعية زرع الخضار
عندما نذكر الأوعية المختلفة لزرع الخضار، لا نعني حصرًا الأحواض البلاستيكيّة والفخّاريّة، لأن الخضار على غرار النباتات الأخرى تنمو في أيّ وعاء تزرع فيه كالبراميل والسلاّت الخشبيّة وإطارات السيّارات القديمة والأوعية التنكيّة والقبّعات والجزمات القديمة... المهم أن يتحمّل الوعاء ضغط التربة والماء وأن يكون ذا قدرة عالية على امتصاص الماء والعناصر الغذائيّة المضافة له، أمّا العنصر الآخر الضروري لنجاح تربية الخضار في الأوعية فهو تأمين مزيج جيّد من التورب والأسمدة السائلة التي يجب أن تعطى للنبات مرّة في الأسبوع، خصوصًا أنّ التربة في الأوعية تجفّ أسرع بكثير من تلك التي في الحديقة، ومن هنا الحاجة الأكبر للـــري. هذه الحاجة تزداد أهميّة في حال عدم اختيار المكان المناسب للأوعية، وبالتالي في حال تعرّضها لتأثير الرياح القويّة التي بإمكانها أن تخفّض الإنتاج حتّى 25%.


أنواع النباتات التي تزرع في الأوعية
يؤكّد الخبراء أنّ جميع أنواع الخضار تقريبًا يمكن تربيتها في أحواض وأوعية مختلفة، وهذا يعني أن بإمكانكم أن تنتجوا البازيلا والأرضي شوكي وسواها، ومن الأسهل بكثير إنتاج الخس والفجل والجزر... وفي كل الأحوال، لا بدّ من الأخذ في الحسبان في أثناء اختياركم نوع النبات الذي ستزرعونه، بأنّه سيكون من الأسهل بكثير تربية تلك النباتات التي ستنمو من جديد بعد قصّها مثل الخس والسبانخ والتي ستوفّر لكم عدّة قطفات، كذلك يؤكّد الخبراء بأنّه من السهل أيضًا تربية أنواع البندورة والخيار والفليفلة في الأحواض.
من الأشجار المثمرة التي تزرع في أوعية على الشرفة أو السطح، الأشجار القزميّة ومنها التفّاح والإجاص والدرّاق والكرز وغيرها، والنباتات العطريّة ومنها البقدونس والريحان والنعنع والزعتر وإكليل الجبل، وغيرها من النباتات التي تساعد الإنسان في الوقت نفسه على التخلّص من البرغش والذباب المزعج والحشرات الأخرى.

 

زراعة الخضار الطازجة على سطوح المباني السكنيّة
ينتظر المسؤلون في شركة لوفا فارمز «Lufa farms» الكندية بفارغ الصبر المحصول الأول من البندورة والخيار والنباتات العطرية التي تستخرج منها البهارات وذلك من البيت الزجاجي القائم على سطح أحد المباني في مدينة مونتريال. ويؤكّد الخبيران محمّد الحاج وكورت لين أن زيادة نمو السكّان في العالم، التي يرافقها انخفاض في المساحات الزراعيّة، يجعل من إقامة حدائق على سطوح المباني السكنيّة في المدن فكرة جيّدة لتأمين الغذاء الطازج والسليم لسكّان المدن. إنّ أوّل حديقة تقام في العالم على سطح مبنى سكني لإنتاج الخضار تتمثّل في بيت زجاجي يمتدّ على مساحة ثلاثة آلاف متر مربّع في مدينة مونتريال، وسيؤمّن عشرات الأطنان من الخس والفليفلة والكوسى والكرنب والكزبرة والريحان والبقدونس وغيرها من الخضار، التي تقدر بأكثر من ألفي صندوق أسبوعيًا وبأسعار ونوعية أفضل من تلك المتوافرة في السوبر ماركت. كل شيء في البيت الزجاجي يعمل بصورة أوتوماتيكيّة. فالحرارة والرطوبة والإنارة يتمّ تكييفها بجهاز الكومبيوتر وفق حاجات كل نوع من النبات.كذلك تستخدم مياه الأمطار المجمّعة لحاجات الري، كما يستعمل النحل في تلقيح الأزهار، وبدل المبيدات الكيميائيّة السامّة تتولى الحشرة المفيدة «أم عيسى» مكافحة الحشرات الضارّة بالنبات وبشكل خاص حشرات المن.
يعتبر الخبراء في شركة «Lufa farms» الكنديّة بأن الخيار الإسباني على سبيل المثال يسافر مئات الكيلومترات حتّى يصل إلى الأسواق الألمانيّة ويتساءل هؤلاء: أليس من الأوفر أن تنتج الخضار والفواكه حيث يوجد المستهلك، أي على سطوح البيوت والمباني؟ يضيف الخبراء بأن المجتمعات الحديثة كرّست كل وسائل النقل المتاحة وكرّست لها المطارات والمرافىء من أجل تأمين الغذاء لملايين الناس من سكّان المدن ويتساءلون: أليس من المنطقي أكثر أن ننقل الإنتاج إلى حيث يعيش هؤلاء السكّان؟
يعتبر الخبير الألماني فولكمار كويتر بأن هناك مساحات كافية لذلك وقبل كل شيء على سطوح المباني المستقيمة ويضيف موضّحًا: ليس مهمًّا هل يوجد في المبنى معمل أو فرن لأنهما ينتجان الحرارة التي يمكن استعمالها في تدفئة البيت الزجاجي خلال الشتاء، فهذه الحرارة يمكن إنتاجها أيضًا من النفايات المكرّرة، كما يمكن عزل العناصر الغذائيّة، الفوسفور والآزوت والبوتاسيوم من تكرير مياه الصرف الصحّي.

 

الربح أكبر بعشرين ضعفًا
لا يتمّ زرع الخضار على السطوح في التربة بل تستخدم لذلك أحواض، أمّا نظام الري فيبدأ من الخزّان المركزي وينتهي عند النباتات ثم يعود ما تبقّى من المياه إلى الخزّان، هكذا يستطيع المزارع أن يتفحّص بشكل دائم درجة حموضة الماء وأن يؤمّن أفضل شروط النمو لكل نبتة حيث لا يمكن أن يفقد أي شيء من الماء أو الأسمدة لأن كل شيء يعود إلى النظام الأساسي. ويضيف الخبير فولكمار كويتر بأن الربح يمكن أن يتجاوز بعشرة اضعاف أو عشرين ضعفًا ذلك الذي يوفره الإنتاج الزراعي التقليدي. ويوضح: صحيح أن الزراعة على السطوح هي أعلى كلفة إلاّ أنّها أكثر إنتاجيّة، مؤكّدًا أنّه يوجد في ألمانيا حوالى 36 ألف هكتار من السطوح المستوية الصالحة للزراعة أي ثلاثة أضعاف المساحة المزروعة بالبيوت الزجاجيّة في هولندا، وأنّه من الممكن أن ننتج على سطح مساحته ألف متر مربّع حتّى 40 طنًا من الخس أو البندورة، كما يمكن إنتاج الفاصوليا أو الكوسى.


الزراعة في الطوابق السفليّة للمباني
مع تقلّص المساحات الزراعيّة، من الطبيعي أن يفكّر الإنسان بإقامة مساحات زراعيّة في أحد الطوابق السفليّة للمباني السكنيّة ولكن في هذه الحال لا بد من التفكير بالإنارة الإصطناعيّة. يعمل المهندس الألماني شتيفان شميتس في الصين على تطوير المدن الخضراء وهو معجب كثيرًا بهذه الفكرة ويقول : «أعتقد أن الشيء الجميل في ذلك أيضًا هو أنّنا نستطيع أن نشرح للأطفال والطلاّب ما هي الزراعة وكيف نقطف الثمار وكيف تنمو الخضار والفاكهة».

 

حديقة على سطح سوبر ماركت
على سطح سوبر ماركت في لندن تنتج أنواع وكميات من الخضار تتطلّب وجود 10 أطنان من التورب في حالات الزراعة التقليدية. إنّها حديقة من الخضار بكل معنى الكلمة تمتدّ على سطح سوبر ماركت في الجزء الشمالي من مدينة لندن في مشروع سمي «غذاء من السماء»، إنطلق في أيّار 2010، وينتج إلى جانب الخضار، الورود والفريز. ويؤكّد المسؤلون في هذا المشروع أنّ المحيط المجاور هو مثالي لهذه الحديقة حيث تصل إليها الحرارة عبر الفتحات المخصّصة لتدفئة السوبر ماركت، الأمر الذي يزيل خطر الصقيع، ويقول القيّمون على المشروع «إنّنا بذلك نحقّق مهمّتين، الأولى هي تربية الغذاء والحياة الجماعيّة في الأمكنة المصقولة بالباطون، أمّا الثانية فهي زرع البذور في قلوب البشر».
إنّ إقامة المزارع على سطوح المباني تساهم في خفض كلفة النقل وفي جعل المدن أكثر خضارًا وجمالاً، وفي برلين يزداد يوميًّا عدد المتحمّسين لفكرة إقامة المزارع على سطوح المباني. هذا ويقول المهندس الألماني شميتس إنّ مثل هذه الحدائق يجب إقامتها على سطوح المراكز التجاريّة، إنّه شعور جميل جدًّا أن يذهب الإنسان للتسوّق فيقطف بنفسه الثمار الطازجة ويدفع ثمنها.