تحقيق عسكري

حدودنا بأيدٍ أمينة
إعداد: ندين البلعة خيرالله

فوج الحدود البرية الرابع

من أعالي الجبال على الحدود الشرقية

 

في أعالي قمم السلسلة الشرقية وعلى حدودها، من طريق المصنع جنوبًا إلى تخوم بلدة عرسال شمالاً، يتمركز فوج الحدود البرية الرابع، يراقب، يضبط كل حركة غير شرعية، ويصدّ أي اعتداء إرهابي محتمل.
هناك «يخدم» عسكريون في مراكز تبعد مسافة ساعة على الأقل عن أقرب بلدة لبنانية. البعد عن الأماكن المأهولة ليس النوع الوحيد من الصعوبات، ففي الصيف تبلغ الحرارة الأربعين درجة مئوية، وشتاءً تصل إلى العشرين تحت الصفر، أمّا سرعة الهواء فتصل إلى 120 كلـم/ساعـة.

 

كيف يستطيعون؟
كيف يستطيع هؤلاء إنجاز مهمّاتهم في ظروف كهذه؟ بل كيف يمكن الإقامة في تلك الجرود الصمّاء؟ قائد الفوج العميد ابراهيم سلّوم يشرح لنا، وفي ثكنة محمد مكي- بعلبك (مقر قيادة الفوج)، حيث زرناه، استقبلنا «بخبريّة دسمة»:
البارحة أوقفنا عملية تهريب «حرزانة» على البغال في جرود منطقة بريتال، فكانت المضبوطات حوالى 12 كلغ حشيشة، 17 كلغ كبتاغون، و15 ألف دولار مزوّرة. وفي الليلة نفسها ضبطنا عملية تهريب (هجرة غير شرعية) لحوالى 50 شخصًا، عبر الحدود من منطقة عنجر. المهرّبون كانوا مسلّحين، وقد تعرّض عناصرنا لإطلاق نار من قبلهم، فاشتبكوا معهم، محبطين العملية.
وهو يضيف: عمليات التوقيف ومنع التهريب شبه يوميّة على طول خط انتشارنا.

 

انتشار الفوج
أنشئ فوج الحدود البرية الرابع في 1/3/2016، في إطار المشروع المتكامل لضبط الحدود البرية للبنان، المدعوم من السلطات البريطانية. تمركز في المرحلة الأولى في معهد التعليم، وفي 12 أيار 2017 تمركز في بقعة العمل على امتداد 110 كلم، على طول خط يضمّ النقاط الأكثر ارتفاعًا في السلسلة الشرقية (بين 1400 و2400 م). يبدأ القطاع من جبل المنارة جنوبًا حيث المركـز الأول له، وصولاً إلى تلّة الحقبان على تخوم بلدة عرسال. يراوح عرض خط الانتشار بين 3 و35 كلم، وهو يتضمّن الـEagle Nest أعلى مركز يشغلـــه الجيــش (2385م)، وأبعد مركز، وهو النمرود (2020م).

 

المهمات
• ما هي المهمات التي ينفّذها الفوج في هذا القطاع؟
يشرح العميد سلّوم أنّ سرايا الفوج تنتشر على طول الخط وتنفّذ مهمات، أبرزها:
- مراقبة الحدود البرية.
- التحري عن التهريب وضبط المخالفات.
- منع تهريب الأسلحة والذخائر والممنوعات على أشكالها، وضبط الفاعلين وتوقيفهم وإحالتهم على السلطات المعنية.
- مكافحة الهجرة غير الشرعية وتوقيف المخالفين.
- إقامة نقاط مراقبة وتفتيش ثابتة وظرفية، وتسيير دوريات على الحدود البرية، لضبط المخالفات المتعلقة بتسلّل الأشخاص عبر الحدود، وتعقّب المخالفين وتوقيفهم وسوقهم مع المضبوطات إلى السلطات المعنية.
- إقامة علاقات طيبة مع المجتمعات المحيطة بنقاط التمركز.
ويتابع قائد الفوج قائلاً: «نُحكم السيطرة على خط الانتشار، وأبراجنا تسيطر على المعابر غير الشرعية كلها، وذلك من خلال الدوريات المؤلّلة التي تتحوّل إلى راجلة في النقاط المتقدّمة، بالإضافة إلى عمليات المراقبة والكمائن.
كذلك، يتمّ التنسيق وتبادل المعلومات مع فوجَي الحدود البرية الثاني والثالث، بالإضافة إلى التنسيق مع اللواء التاسع (في قطاعه في عرسال)، ومع اللواء السادس (من عنجر إلى النبي شيت)، ومع التدخل السادس في باقي القطاع.
ونظرًا الى بعد المراكز عن بعضها، اعتمدنا السرايا المدعّمة التي يضمّ كل منها حوالى 200 عسكري، وأقمنا لكل منطقة قاعدة لوجستية تدعم المراكز، وتشكّل نقطة مساندة خلفية لها في حال حدوث أي طارئ».

 

تدريبات متخصّصة
• ما هي التدريبات التي يخضع لها عسكريّو الفوج؟
- فوجنا فوج متخصّص، وهو مزوّد معدات متطورة وحديثة، منها، كاميرات مراقبة مثبّتة في الأبراج، وأخرى متحرّكة، ورادارات. هذه المعدات تتطلّب أن يكون العسكري ذا مستوى علمي وخبرة بتشغيل الإلكترونيات والأنظمة المتخصّصة. وبما أننا موكلون بمهمات خاصة لضبط الحدود، يحتاج العسكري أيضًا إلى معرفة تقنيات تنفيذ الدوريات والكمائن والمهمات. من هنا تتعدّد أنواع التدريب:
 

- على صعيد السرايا والمجموعات: يخضع العسكريون في مراكز الأبراج FOP- Forward Observation Position لتدريبات تتضمّن دورات: مراقبة، مدافعة عن المركز، دوريات خارج المركز، وإشارة، فضلاً عن دورات خاصة وتدريب على أنظمة جمع المعلومات.
ويتابع العسكريون أيضًا دورات قيادة على الثلج، وأسلحة خاصة (هاون، رشاش عيار 12.7 ملم، وقناص)، وتعامل مع الطقس الصعب. كذلك تتابع كل سرية في مدرسة القوات الخاصة دورة تدريب خاص لمدة خمسة أسابيع مع الفريقَين الأميركي والبريطاني ومع مدرّبي المدرسة، حيث تنفّذ في نهايتها مناورة بالذخيرة الحيّة. ونظرًا إلى طبيعة مهمّات الفوج، تتضمّن هذه الدورة تدريبًا على القتال في الأماكن المحصّنة.
 

- على الصعيد الفردي: يتابع العسكريون دورة إسعافات أولية متقدمة، وهذه الدورة ضرورية جدًا نظرًا إلى بعد المراكز وانعزالها. كما يتدرّبون على أنظمة تشغيل الخرائط، بالإضافة إلى دورات في مختلف الاختصاصات ينظّمها الجيش.
وأوضح قائد الفوج قائلاً: «نتعاون في كل تدريباتنا مع الفرق البريطانية والأميركية والكندية، وفي الفوج فريق تدريب بريطاني يعمل مع العسكريين في مراكزهم، وآخر في حقل الطيبة لتدريب السرايا على الأسلحة الخاصة والرماية. الأميركيون يتولّون التدريب على كيفية استخدام المعدات الخاصة (الكاميرات والرادارات والـSensors). أمّا مع الكنديين، فيتعلّم العسكري انطلاقًا من خبراتهم في كيفية التعامل مع الطقس البارد (cold weather training)، كيفيّة حفظ السلاح والتعامل معه في الثلج، وكيفية التحرّك في الثلج، إلى استخدام الثياب المناسبة، والتمويه، ومعالجة الإصابات الناتجة عن الثلج، وكيفية الوقاية منها».

 

عتاد متطوّر
• نسبةً إلى طبيعة المهمات التي تنفّذها أفواج الحدود، ما هو العتاد الخاص الذي تملكونه؟
يجيب العميد سلّوم: إلى جانب الكاميرات المثبّتة على الأبراج، وتلك المتحرّكة MOP- Mobile Observation Post التي يتدرّب الفوج على تشغيلها مع البريطانيّين، لدينا في كل برج منظار نهاري متطوّر (هبة من بريطانيا) وأجهزة رؤية ليليّة. وجُهِّزَت المراكز النائية بعدّة أنظمة اتصال (Baret - Tetra - Astro)، وهي كفيلة بتأمين الاتصال. كذلك، لدينا تجهيزات حديثة لغرفة عمليات قيادة الفوج قدّمتها الدانمارك.
يملك الفوج أيضًا آليات متخصّصة ATV، وUTV مدولبة ومجنزرة، بالإضافة إلى Flex mobile (آلية نقل تسير على الثلج وتتّسع لحوالى 12 شخصًا)، وSkidoo يتدرّب على قيادتها عسكريون في مدرسة التزلج. إلى ذلك، يملك الفوج الآليات العسكرية من ملالات وDefender، وأسلحة فردية ومتوسطة وثقيلة (قناصات، هواوين 120، 81، 82، و60 ملم).

 

بقدراتنا الخاصة
يتحدّث العميد سلّوم بكل ثقة قائلاً: بالقدرات والمهارات والمعارف الخاصة والفردية للعسكريين، ننجز كل أعمالنا من تحصين وترصين وننفّذ المهمات على أكمل وجه. يتواجد في الفوج فريق هندسة بريطاني يقوم ببناء الأبراج. ولكن الفوج بعسكريّيه وقدراته الخاصة، ينجز كل العمل الأساسي مستخدمًا العتاد المقدّم، فيقوم بتركيب الأبراج والغرف المحصّنة وبتثبيتها في المراكز، فضلاً عن أشغال أخرى أساسيّة.
كذلك، يقوم عسكريّونا بتجهيز الحديد اللازم لبناء المنشآت في المراكز، في المشغل الخاص بالفوج. ويدعمنا فوج الأشغال المستقل بالآليات الهندسية لشق الطرقات في الجبال، وتسوية الأرض لتصبح مناسبة لإنشاء المراكز.

 

منشآت تقي العسكري
يقول قائد الفوج: في الشتاء تغطي الثلوج المنطقة، وتتدنّى درجة الحرارة كثيرًا، وفي الصيف غبار وحرّ قاتل. لذا، كان لا بدّ من تأمين منشآت تقي العسكريين من عوامل الطقس القاسية. وقد ابتكرنا في الفوج، بمساعدة مهندس عسكري، منشآت بمواصفات خاصة لهذه الغاية. قواعد المنشآت من الباطون والحديد المغلّف بمادة عازلة للحرارة والبرودة Sandwich Panel، والنوافذ مجهّزة بـDouble Vitrage، والخشب من نوعية مناسبة Playwood.
يتّسع المركز لـ50 عسكريًا، ويضمّ غرف منامة ومطبخًا، إلى الحمامات وغرف للسخان والمازوت، وأخرى للاجتماعات والإشارة. زُوِّدت هذه المنشآت سخّانات للمياه (Orbit)، وزوّد كل مركز كميات من المياه والمازوت والطعام تكفي لأيام عديدة، فضلًا عن مولّدَين كهربائيَّين.
حاجات العسكري جميعها مؤمّنة تحسّبًا لأصعب الظروف، وخصوصًا في الشتاء، حيث يستطيع أن يكفي ذاته إلى حين وصول الدعم. فعلى الرغم من أننا قمنا بشقّ طرقات للتنقل عليها والوصول إلى المراكز، إلاّ أنّ سماكة الثلوج قد تصل إلى 3 أمتار ما يضطرنا إلى استخدام الـRatrack للتنقّل وتفقّد المراكز. هذه السنة مثلاً، حين اشتدّت العاصفة، عملت الجرّافة لستّ ساعات حتى استطعنا فتح الطريق باتجاه مركز رأس الحرف وتلّة النمرود.
في أعلى البرج غرفة محصّنة للمراقبة، وزنها 17 طنًا، زجاجها مصفّح وفيها التدفئة اللازمة للمراقبين. وفي ما يخصّ الملابس والأحذية فهي أيضًا خاصة (هبة كندية)، وتستطيع أن تحمي العسكري من تدني الحرارة حتى 20 درجة تحت الصفر.
 

• هل من صعوبات أخرى غير طبيعة الأرض والطقس القاسي؟
يقول العميد سلّوم: هي ليست صعوبات بل «قصّة وقت»، إذ يتطلّب بناء المركز المستحدث والمنشأة الخاصة به فترة شهرين على الأقل، والعمل يتوقّف شتاءً. بالإضافة إلى ذلك، لدينا مراكز تبعد من 6 إلى 25 كلم عن الطرقات المعبّدة والمناطق الآهلة، والطريق المؤدّية إليها وعرة جدًا. فللوصول مثلاً إلى منطقة الطفيل وهي أقرب منطقة إلى الحدود، علينا تسلّق السلسلة الشرقية، ثمّ الاتجاه نزولاً. وبالتالي هناك صعوبة في إيصال المحروقات والمياه، ونقل العسكريين إلى مراكزهم.
لذلك، نقوم بتسهيل ظروف الخدمة وتوفير كل ما من شأنه رفع معنويات العسكريين الذين ينفّذون المهمات الموكلة إليهم بكل طيبة خاطر، فبالنسبة إليهم «ليس أجمل من التعايش مع قسوة الجرود».
لا نواجه صعوبات في تنفيذ المهمات، فنحن على جهوزية تامة لمواجهة التهريب وأي اعتداء إرهابي قد يهدّد حدودنا. نحن جاهزون دائمًا، نسخّر قدراتنا، نطوّع الطبيعة قدر المستطاع، لا شيء يردعنا، وقيادتنا تدعمنا في كل ما نحتاج إليه.

 

العلاقة بالمحيط
ردًّا على سؤال عن العلاقة بين الفوج والمواطنين، يقول العميد سلّوم: القرى المحيطة بقطاعنا والمنتشرة على طول الطرقات المؤدية إلى مراكزنا، هي قرى فقيرة وأهاليها طيّبون. نحن نقدّم لهم المساعدة ونسهّل أمورهم، وجودنا يضمن أمنهم.
 

• هل من مشاريع مستقبلية؟
- نعمل على تطوير قدراتنا المتخصّصة، ومنها نظام كاميرات المراقبة المثبّتة على الأبراج التي سيتمّ وصلها بالمايكرويف مع غرفة عمليات الفوج، وهي بدورها ترتبط بغرفة عمليات القيادة مباشرة. كذلك، ستكون كل كاميرا مزوّدة هاتفًا للتواصل السريع مع غرفة العمليات.
نسعى أيضًا إلى استكمال انتشار الفوج وتجهيزه وتزويده آليات حديثة ومناسبة للانتقال إلى المراكز وخصوصًا البعيدة منها، وشاحنات وجرافات تؤمن لنا الاكتفاء الذاتي.
وفي إطار تسهيل ظروف الخدمة وتأمين حاجات العسكريين، سوف نتابع تأمين استقلالية المياه لكل مركز من خلال حفر الآبار الارتوازية كما فعلنا في رأس الحرف (2262م). كما أننا أنهينا دراسة كلفة إنجاز أعمال بناء الأبراج والمنشآت في الفوج.
هدفنا الأساسي سدّ كل الثغرات واستحداث مراكز إضافية لمسك كل البقعة، واستحداث قواعد لوجستية إضافية، بالإضافة إلى تمكين العسكريين من الدفاع عن حدودنا بكل الوسائل المتاحة. والقيادة تدعمنا دعمًا مطلقًا، فلا شيء يعيقنا.