حدود فلسطين

حدود فلسطين
إعداد: العميد الركن صالح حاج سليمان
مدير التوجيه

يلفت الفلسطينيون الأنظار في كل مكان بنضالهم المستمر، ودفاعهم المستميت عن حقوقهم الوطنية المشروعة، كما يلفتونها بوقوف الكثير من شعوب الأرض، على عكس الدول والحكومات، إلى جانبهم، واقتناعها بعدالة قضيتهم، وحتمية انتصارهم، ففي الحساب الإنساني لا بدّ للشعوب أن تنتصر في دفاعها عن أرضها - وفي أرضها - ، ولا بدّ للعدوان أن يتقهقر وينهزم مهما غالى في وحشيته وتجاوزه للأعراف والمواثيق.

ولعل في حسابات الكيان الإسرائيلي أنّ أبناء فلسطين يعودون في نسبهم إلى أوروبا، وأنهم من خلال ذاك النسب متهمون بتعذيب اليهود، في الماضي، وتعريضهم للأخطار، واليوم عاد الإسرائيليون لينتقموا لأنفسهم بعد طول انتظار! من هنا يا ترى السبب في ما حرقوا، وما هدموا، وما شرّدوا، وما أبادوا، وما عذّبوا، وما ظلموا، من دون أن يميزوا بين الشجرة والحجر، أو بين الطفل الرضيع والشيخ، والمرأة والرجل، والتلميذ والعامل؟.. لكن أطفال الحجارة يقاومون، وهم على ثقة وإيمان بأن إسرائيل التي اقتلعت الزيتون، واقتطعت الليمون، وأبادت أحواض الزهور، لن تستطيع طحن الحجارة والحصى وحبات الرمل، كما أنها لن تتمكن من ليّ ذراع المواطن الفلسطيني، أو اغتيال روح المقاومة في نفسه، ولن تنجح في منع الأخ من الوقوف مكان أخيه الشهيد مدافعاً مقاوماً، أو ثني الأم عن إرضاع طفلها حليب الكرامة وحب الفداء.

خلال ذلك يضطر المواطن الفلسطيني للعيش ضمن بقعة تضيق به يوماً بعد يوم، وتنحسر وتتراجع، رغم أنها في الأساس واضحة واسعة معروفة، حددها التاريخ في وقت من الأوقات، وعرفتها الدول، ورسمتها الجغرافيا، ونشرتها الكتب، ولوّنها الأطلس، وهي في هذا الزمن الصعب، وفي واحدة من المحطات الصعبة منذ وقوع النكبة 1948، تنكمش  وتختزن الألم والمعاناة، وتكاد تخنقها الحدود المصطنعة يميناً ويساراً، من هنا جدار الأسمنت، ومن هناك حاجز الحديد، ومن هنالك سلسلة الألغام وأدوات الموت... كل ذلك في مقابل كيان مغتصب لا حدود لظلمه، ولا حدود لعدوانه، ولا حدود لأطماعه، إلاّ تلك التي تشير إليها عجلات دباباته ووسائل دماره. والعجب هو في أن دول القرار في العالم تراقب ما تنقله إليها الصور عن المجازر الإسرائيلية، وتسمع ما تزودها إياه وسائل الإعلام عن انتهاكات آلة الحرب الصهيونية، وتتناهى إليها مشاهد القبور التي تقام فيها أعراس الأطفال الرضّع الذين سالت دماؤهم، وتحطمت عظامهم، وزهقت أرواحهم قبل أن تتمتع ثغورهم بالكلام والطعام، تلك الدول تستمر متفرجة، لا يحرّكها محرّك، وإذا تكلمت أو تحركت، فإن زعماءها يكتفون بالدعوة الكاذبة إلى التهدئة، مساوين في ذلك بين معتد أتى من قارات العالم الخمس لكي يسلب مواطنين أصليين لم يأتوا إلا من حقولهم، ومن بيوت آبائهم، ومن عادات أهلهم وأجدادهم.