من واقع الحال

حديث اقتصادي مع أولادنا!

ندين البلعة خيرالله

 

«ماما ليش ما فينا نشتري هيدا الشوكولا؟ ليش ما فينا نروح نحضر مسرح؟ ليش ما فينا نشتري هيدي اللعبة؟».

عادت المدارس بعد عامين من الإقفال، وعادت معها متعة اللعب مع الرفاق والتسابق للشراء من «دكانة» المدرسة. ولكن الخمسمئة والألف ليرة باتت من دون قيمة... حتى الخمسة آلاف ليرة ما عادت تشتري علكة. الأزمة الاقتصادية ألقت بحملها على الجميع، وفجأةً تغيّر نمط الحياة وتراجعت القدرة الشرائية، وارتفعت الأسعار بشكلٍ جنوني. وإن كان البالغون غير قادرين على تحمّل ثقل هذه الأزمة، فما حال الأولاد الذين حُرموا فجأةً كل ما يحبّونه؟

 

السؤال الذي يطرحه الأهل: كيف أشرح لأولادي الوضع الذي نمرّ به وأجعلهم يتأقلمون معه؟ هل يمكن أن يفهم الأولاد حديثًا اقتصاديًا؟

 

الأطفال لا يشعرون بالأزمة

تشرح اختصاصية علم النفس العيادي والمعالجة النفسية لشؤون العائلة الدكتورة ماري- أنج نهرا أنّ الأطفال لا يشعرون بالأزمة كما الكبار، أي أنّهم لا يشعرون بالمسؤولية ولا بالقلق، إلّا إذا جعلناهم نحن يشعرون به. وتحدّد: حين نتحدّث عن سن الطفولة، نعني من عمر صفر وحتى ١٠ سنوات، فمن بعدها ندخل في سن المراهقة الأكثر قدرةً على استيعاب الواقع وفهم تبعاته ومناقشة مواضيع عائلية أو اقتصادية أكثر جدّية.

بدورها تركّز المعالجة النفسية ريما بجاني على دور المدارس في تنظيم المسموح والممنوع في المصروف وما يحق للولد شراؤه. ولكن الدور الأساسي هو للأهل وفي رأيها، فعليهم معالجة قلقهم لكي يمتلكوا طريقةً صحيحةً لإيصال الرسالة لأولادهم. مثلًا، لا يمكننا أن نقول لهم «ما معنا مصاري»، «مش قادرين»، «خلصت هيديك الإيام» أو «بيّك عم يتعب ت يطلّع مصاري مش تتصرفا عالفاضي»!! ولكن في الوقت نفسه علينا أن نشرك الولد في تحمّل المسؤولية من خلال تأمين الحاجات الأساسية ووضع برنامج للأمور الإضافية والاتفاق حولها.

 

كيف نتصرّف؟

تعدّد الدكتورة نهرا ما يجب أن يقوم به الأهل تجاه أولادهم في هذه الظروف:

١- الإجابة بصراحة وصدق عن جميع الأسئلة التي يطرحها الطفل، من دون كذب أو مراوغة، ومن دون الدخول في تفاصيل دقيقة قد تشغل باله أو تسبب له قلقًا إضافيًا. مثلًا: لماذا لا يمكنني شراء هذه اللعبة؟ نكتفي بالقول إنّها باهظة الثمن ولا نملك حاليًا ثمنها ولكن قد يتغير الوضع لاحقًا ونشتريها. وفي الانتظار لديك ألعاب أخرى أو طرق أخرى للّعب، فاستفد منها لتبقى سعيدًا لأنني أتمنى أن تبقى فرحًا مع هذه اللعبة أو من دونها.

٢- تحضير الولد نفسيًا وتدريجًا للتغيّرات الطارئة (كوباء كورونا أو غيره)، وعدم منعه من ممارسة بعض الأمور بشكلٍ مفاجئ. فعوضًا عن حرمانه المشاوير الترفيهية من دون سبب، نفهمه أنّنا نتجنّب الاحتكاك بالآخرين بسبب الوباء والأمراض في هذه الفترة، ونستبدل هذه المشاوير بألعاب مبتكرة داخل المنزل (نجد أفكارًا كثيرة على الإنترنت).

٣- شرح الأفكار على شكل قصة بسيطة يتقبّلها عقله من دون تخويف أو زيادة القلق. والأهم أن نكون موضوعيين عند إخباره القصة أي علميين، حتى لا ننقل إليه قلقنا وخوفنا واكتئابنا. فيمكن مثلًا أن نعلّل سبب عدم شراء شوكولا معيّن بأنّه باهظ الثمن، بسبب سفره عبر القارات للوصول إلى لبنان عبر البحر ما يزيد من كلفته... هذه القصص يفهمها الولد ويحبّها ويتعلّق بالأبعاد الواقعية للمغامرة التجارية، ما يعطيه فكرةً عن الاقتصاد في سنّ مبكر.

٤- إتاحة خيارات بديلة عن الأمور الباهظة، قد تكون صُنعت في لبنان، أو حلويات صحية كالفواكه أو الكيك المصنوع في المنزل والذي يشارك هو في صنعه. مما يضفي أجواء السعادة والتضامن والثقة بالذات في العائلة.

٥- من هم ضمن فئة عمرية أكبر، نحاول إشراكهم بالمسؤولية وتعليمهم كيفية ادّخار المال وعدم صرف كل ما يحصلون عليه كمصروف. قد نخبر الولد مثلًا قصة السدّ الذي نبنيه لنستفيد من مياه الأمطار حتى لا تذهب هدرًا، وكذلك عليه أن يستفيد من جزء من المصروف الذي يحصل عليه ليدّخره كما لو كان كنزه المخبّأ بأمان.

ويبقى الأهم أولًا وأخيرًا، عدم إدخال أولادنا في دوامة القلق من المستقبل والأمور المعقّدة سياسيًا والتي لا يستطيعون أصلًا فهمها أو تبريرها في منطقهم الطفولي. كما يفضّل أن يسعى الأهل إلى تعويض النقص المادي بالاهتمام العاطفي والحب والاحتضان، ما يشكّل سدًّا نفسيًا منيعًا لأطفالنا في وجه كل تحديات الواقع والتقلبات غير المنتظرة.