كلمات

حديث السلام وصاروخ دليلة

العميد الركن الياس فرحات

في الوقـت الذي يحتـفل فيه لبنان بالذكرى الرابعة لتحرير القسم الأكبر من الجنوب، من الاحتلال الإسرائيلي الذي دام ما يزيد عن عشرين عاماً، عاثت إسرائيل خلالها بالأرض تخريباً وبالناس تقتيلاً قبل أن تندحر ويتنفس مواطنونا صعداء الحرية. وفـي الوقت الذي يحتفل فيه العالم بالذكرى الستين لإنزال النورماندي الذي أسهم بتحرير أوروبا الغربية من الاحتلال النازي وعـودة الحرية الى شعوبها. وفي الوقـت الذي شنّت فيه الولايات المتحدة الأميركية عملـية عسكرية تحت اسم حريـة العـراق حيث كان التحرير بالتدمير وغياب آفاق الحرية الحقيقية. وفي الوقت الذي يجهد العالم في البحث عن سبل تعيد السيادة والحرية للشعب العراقي بعيداً عن الاحتلال، وكذلك في الوقت الذي تستمر فيه إسرائيل باحتلال أجزاء من لبنان وسوريا والضفة الغربية وقطاع غزة، وتمارس أشد أنواع القمع والبطش بحق الشعب الفلسطيني الذي يتطلع الى الحرية والاستقلال، فيما تشتد اعتداءاتها تحت شعارات مزيـفة (مكافـحة الإرهاب ­ أي قمع الانتفاضة، وتحقيق الأمن ­ أي الإخضاع والقهر والإذلال) بدلاً من السلام. في هذا الوقت لا نستغرب أبداً ما تطالعنا به الأنباء من أن إسرائيل طوّرت صاروخ أرض -­ أرض Cruise) (أي جوّال، يمكنه إصابة أهداف على بعد 300 كلم. كما نقلت مصادر عسكرية إسرائيلية انه بامتلاك هذا الصاروخ لم تعد الدولة العبرية بحاجة الى طائرات لقصف أهداف محددة مثل بيروت أو دمشق أو عواصم أخرى، والطريف في الموضـوع أن هذا الصاروخ يحمل اسم دليلة حبيبة شمشون.

وفـي مناسـبات الحرية والتطلّع نحو الحريـة وانعقاد قمة الثماني (الولايات المتحدة الأميركية، كندا، اليابـان، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، روسيا، إيطاليا) من أجل البحـث بتطوير الديموقراطية، يأتي الحديث عن تطـوير الصواريـخ. ولعل الصواريخ التدميرية الإسرائيلية، إضافة الى ما قد تحمله من سلاح دمار شامل، هي عدة الديموقـراطية الإسرائيلية، يضـاف إليها أحدث ترسانـة من القـوات الجويـة والقنـابل شديدة التدمير وأسلحة الدمار الشامل التي يمنع على أي ديموقراطي في العالم أن يتحدث عنها، وإذا ما ذكرها واحد من هؤلاء على سبيل المصـادفة، فمطلوب منه أن يطأطئ الرأس، وأن يغير الحديث!

إذا كانت هذه صواريخ دليلة، فهل يعني ذلك أن إسرائيل تستعد لإعلان خيار شمشمون التوراتي، وهل نحن مقبلون يا سادة الديموقراطية في العالم، ويا دعاة حقوق الإنسان، على حرب إبادة حتى لو وصلت الى مقولة شمشون المشهورة "عليّ وعلى أعدائي يا رب!"

ممتهنو الحروب ودعاة المآسي والخراب، يطورون أسلحة التدمير في مقدمة لإعادة التعمير بعد التدمير، وبرفع شعار مكافحة الإرهاب، وعندما يجري تدمير البشر والحجر تبدأ عملية التعمير من "دهنه" أي مما تختزن الأرض من ثروات وهبها الله لتلك الشعوب المقهورة. بيروت ودمشق هدفان لصواريخ دليلة، ولبنان وسوريا وبلاد العرب ­ وربما كل العالم المتحرر من الهيمنة الصهيونية ­ سوف تصبح قريباً أهدافاً لشمشون العتيد.

ولنعد الى المناسبات التي نعيش في ظلها الآن: لولا إنزال النورماندي وتضحيات الحلفاء، لما تحررت أوروبا من النازية العنصرية، ولولا المقاومة اللبنانية البطلة والجيش اللبناني الأبي لما تحرر الجنوب اللبناني من الإحتلال الإسرائيلي، ولولا مواقف لبنان وسوريا المتمسكين بالحقوق المشروعة والرافضة لجميع الضغوطات على أشكالها وأنواعها، لما كان هناك موقف عربي قوي ضد الهيمنة الصهيونية. إسرائيل تهددنا لكي تبث الخوف فينا، لكننا لم نخف من قبل ولن نخاف الآن ولا بعد الآن، إننا مؤمنون بحقنا في تحرير أرضنا وتأكيد سيادتنا على بلادنا، ولن نفرط بذلك تحت وطـأة صاروخ جـوال أو تهديـد وعيد مقيم.

"شمشون ودليلة" قصة لنا علم بها، لكنها لن تخيفـنا، ولن تغيّر إرادتنا في رفض التحديات.