كلمتي

حذار الكرامة الوطنية
إعداد: العميد الركن صالح حاج سليمان
مدير التوجيه

حين كنا في المدرسة صغاراً، قبل عصر الآلة الحاسبة والكمبيوتر والقرص الممغنط، ندرس القراءة والكتابة والحساب، ونحلم بالمستقبل، كنا نلجأ الى طريقة حسابية بسيطة لحلّ العديد من المسائل، وهي الطريقة الثلاثية. فإذا كانت الكمية الضرورية من التفاح، على سبيل المثال، لتغذية خمسة أطفال هي عشر حبات، كم تكون حاجة عشرة أطفال؟
ويأتي الجواب: عشرون حبة.
نعود إلى هذه المعادلة البسيطة اليوم ونسأل بعض دول العالم المؤيدة لإسرائيل في الضراء (إذ ليس في حساب إسرائيل سراء): إذا كانت استعادة أسيرين إسرائيليين تستدعي كل هذا الدمار الذي ألحق ويلحق بلبنان، شعباً وعمراناً، فما هو الدمار المقرر لسبعة أسرى مثلاً؟ وما هو بالمقابل عدد الأسرى اللبنانيين المطلوب فدية للأسيرين الإسرائيليين؟ هل هو الشعب اللبناني بأسره من الجنوب الى الشمال، ومن الساحل الى الجبل الى البقاع؟ هل الإسرائيلي من جنس الملائكة مثلاً، واللبناني ليس من أحد؟ وهذا الوحش الكاسر الذي يقتل أهلنا ويدمّر بيوتنا ويضرب مستشفياتنا، هل هو حمل وديع بريء، واللبناني المدافع عن أبناء وطنه وأرضه وكرامته هو متعدٍ ومتطاول؟ وهل العنصرية الإسرائيلية ديموقراطية، والاخوّة الإنسانية والشعبية والحضارية في لبنان هي إرهاب؟ وهنا تظهر بوادر الفشل الإسرائيلي المحتم، إذ لا يمكن أسر وطن يتمتع برسوخ جذوره في التاريخ، ولا يمكن تغليب حق القوة على قوة حقه، كما لا يمكن إخضاع شعبه الصامد والمستعد دوماً للبذل والصمود، وفي الكتب أمثلة كثيرة ستكون تجربتنا اللبنانية أحدها، لا بل أشهرها، إذ أن إرادتنا الوطنية تفوق الآلة الحربية العدوة قدرة واستمرارية واستعداداً للتضحية.
لقد شرعت إسرائيل بالتدمير الشامل لبلادنا وفي ظنّ قادتها أننا سنكتفي بالشكوى والبكاء، هذا ما لم يفعله شعبنا وما لم يفعله جيشنا، وخير شاهد هو فوج الأشغال المستقل الذي يحمل الحجر والطين ويعيد البناء تحت القصف وفي وسط النار وفي مواجهة الموت. والشاهد أيضاً هو مركز الرادار في وجه الحجر، ومركز مراقبة الشاطئ ومنع التهريب في العبدة. مراكز قدّمت الشهداء والجرحى بالعشرات، وهي بذلك من رموز البطولة والإقدام والتضحية بالنفس على مدى التاريخ.
بناء الوطن واعادة بنائه، عندنا في لبنان، فضيلة، أما في حساب إسرائيل فتلك رذيلة، لا بل خطيئة، ولعلّ اللحمة والوحدة والتماسك... التي تتجلى يوماً بعد يوم بين جنودنا هي الأخرى شأن عدواني أو إرهابي في أنظار بعض العالم، أو هي خطر يتهدد أمن الدولة العبرية، ويتناقض مع عنصريتها وهمجيتها.
لقد اعتادت الدعاية الصهيونية في العالم على القول بأن المجتمع الإسرائيلي هو بحبوحة وحرية وديموقراطية واستقرار وتماسك، وأنه الأفضل في الشرق الأوسط. إن كان ذلك صحيحاً، فلمَ هذه الغيرة القاتلة تجاه لبنان؟ ألم يحن الأوان لتتأكد إسرائيل من أن اخضرار الأرز الى دوام رغم حسد الحاسدين، وأن وحدة بنيه الى خلود، وأن سواعدهم تعمل في غياب الحديد والآلات، وأن عيونهم تسهر حتى لو سقط الرادار؟
إنّ كلفة الصمود حادة ومرتفعة وخيالية، وقد تتعاقب أجيال وأجيال من أبنائنا قبل أن تتم إعادة الإعمار وبلسمة الجراح، إلا أن ذلك يمكن التعويض عنه، في زمن قصير أو طويل، لكن الكرامة الوطنية، اذا أصيبت، لا سمح ا؟، فلا رجعة اليها، ولا نبض حياة.