ظواهر كونية

حرارة كوكبنا تتصاعد والنتيجة كوارث طبيعية وأمراض
إعداد: رويدا السمرا

أصبح الأمر مؤكداً: يتعرّض كوكبنا لعملية تسخين شاملة، تخلّ بتوازنه، حتى أن العلماء بدأوا يدقون ناقوس الخطر. ويتوقّع هؤلاء من الآن ولغاية قرن من الزمن، ارتفاعاً شاملاً للحرارة، يصل الى عدة درجات مئوية. ويبدو أن عواقب ذلك بدأت تظهر كأمر محتّم، سواءً على الإنسان أو على التنوّع الحيوي. فما الذي ينتظرنا، وما هو التحدي الكبير الذي يواجه القرن الواحد والعشرين؟

 

ارتفاع معدل تسخين الأرض

يفيد آخر تقرير صدر عن المجموعة الدولية لدراسة المناخ (GIEC - Groupe International d`Etude du Climat) أن معدّل التسخين الوسطي للأرض سوف يرتفع بين 1.4 درجة و5.8 درجات مئوية، من الآن وحتى العام 2100. ويعتمد هذا التقرير على أساس أن عدد سكان العالم في ذلك الوقت، سوف يصل الى خمسة عشر مليار نسمة، وأن كمية ثاني أوكسيد الكربون، المنبعثة في الأجواء، سوف تكون أكبر بمرتين ونصف مما هي عليه الآن، وهنا يمكن للعامل البشري أن يتدخل. فخياراتنا في مجالات الصناعة والطاقة، التي تتحكم بعملية إطلاق ثاني أوكسيد الكربون، يمكن أن تخفف من خطورة الوضع، أو تزيد من تفاقمه. ويقول أحد الاختصاصيين في هذا المجال: نعرف تماماً أن الأرض سوف تتعرض للتسخين أو الإحترار الشامل، وأنها دخلت هذه المرحلة. ونعرف أيضاً أنه مهما نفعل اليوم، فإن المناخ لا بد وأن يتغيّر بشكل رئيس خلال الثلاثين عاماً المقبلة. فمن أجل تخفيض كمية ثاني أوكسيد الكربون في الجو، الى معدّل ينعدم معه التأثير على المناخ، لا بد من تخفيض كمية الغاز التي تنبعث حالياً من العالم كله، الى ربع القيمة. وحتى لو حصل ذلك فإن معدّل ثاني أوكسيد الكربون لن يستقر في الجو قبل عدة عقود، بعد أن يمرّ بمرحلة، يصل فيها الى حدّه الأقصى. وبانتظار ذلك سوف تستمر حرارة الأرض بالإرتفاع. وبتعبير آخر، حتى ولو باشرنا منذ الآن بعملية الحد من انبعاث غازات الإحتباس الحراري، فلن تستقر درجة الحرارة قبل قرن من الزمن. وباعتقادي، يتابع الإختصاصي، أن المسألة التي تُطرح اليوم ليسـت في تقدير مدى ارتفـاع الحرارة بفارق درجة واحدة في المستقبل، بل في معرفة كيفية السبيل الى الحد من هذا الإرتفاع، إذ لا يمكن أن ننتظر حتى يصبح المناخ غير ملائم للعيش، لكي نتصرّف.

 

أسرار المناخ وظواهره المتعددة

مناخ الأرض آلية بالغة التعقيد، يؤثر كل عنصر من عناصرها الثلاثة (الجو، اليابسة والمحيطات) على العناصر الأخرى. ويأخذ الفيزيائيون بالاعتبار، في معرض تقييمهم لعواقب التسخين أو الاحترار المستقبلي للأرض، عوامل عدة مثل، الغطاء النباتي، التضاريس، تيارات المحيط... وبالطبع، النشاطات البشرية.

 

■ الاحتباس الحراري (Effet de Serre) ­ الفكرة الخطأ: الإحتباس الحراري موجود بسبب التلويث البشري.

- ­ كلا. بل هو موجود بشكل طبيعي. فبفضل غازات الإحتباس الحراري (ثاني أوكسيد الكربون وبخار الماء وغيرها) ، يطيب المناخ على الأرض وتكون درجة الحرارة، خمس عشرة مئوية بدلاً من ناقص ثمانية عشر. فهذه الغازات التي تشكل غلافاً يحيط بالكوكب، تحتجز قسماً من الأشعة تحت الحمراء، التي يعكسها سطح الأرض بعد تسخينه بأشعة الشمس. أما مساهمة التلويث البشري، فتتمثل بما تبعثه النشاطات الصناعية ووسائل النقل من كميات غاز ثاني أوكسيد الكربون التي تعزز مفعول الإحتباس الحراري الطبيعي.

 

■ مستوى البحار (mers  Niveau des)­:

- الفكرة الخطأ: يرتفع مستوى البحار بسبب ذوبان الجليد الساحلي.

- ­ كلا. فالأمر يشبه ذوبان قطع الثلج في كأس من الماء، وهذا لا يغيّر شيئاً من حجم المحيطات. إن الحرارة هي التي تمدد المياه فيرتفع مستواها في البحار.

 

■ ثقب الأوزون (Trou d’ozone) :

- ­ الفكرة الخطأ: يشارك ثقب الأوزون في ظاهرة تسخين المناخ.

- ­ كلا. فالثقب في طبقة الأوزون يسمح بدخول المزيد من الأشعة فوق البنفسجية الى جو الأرض. وهذه الأشعة لا تحمل معها الحرارة، لكنها تضرّ بالصحة العامة.

 

■ التضاريس (Reliefs) : تحدد انسياب الهواء بالقرب من سطح الأرض، وتؤثر في درجة الحرارة.

البراكين (Volcans) : تُطلق خلال ثورانها، سُحباً من الرماد، تظلّل الأرض وتبرّدها لعدة سنوات.

الثلج (Neige) : كلما تقلص الرداء الأبيض (وهو عاكس ممتاز) ، كلما تزايد امتصاص الأرض لأشعة الشمس وبالتالي ارتفعت حرارتها.

■ الغطاء النباتي (Couvert Vegetal) : يخزّن قدراً من الحرارة والماء وثاني أوكسيد الكربون بحسب طبيعته، سواءً كان على شكل غابات أو حقول زراعية أو غيرها.

■ دورة الماء (Cycle de L’eau) : في عمليات تبخّر المياه وتكثّفها، يكون هناك امتصاص وإطلاق لكميات كبيرة من الحرارة.

 

■ المحيطات (Oceans) :

- ­ الفكرة الخطأ: لا تلعب المحيطات دوراً هاماً في عملية التسخين.

- ­ غير صحيح. فالمحيط له دور أساس في تعديل المناخ، وهو يخزّن الحرارة لمئات السنين ويعيد توزيعها عبر التيارات المائية، في كل أنحاء الكوكب.

 

المناخ والكوارث الطبيعية

تظهر عواقب الإحترار الشامل واضحة، في تزايد الحرائق والفيضانات والأعاصير، وأيضاً في تكاثر الأمراض والأوبئة وانتشارها:

 

■ ثمانون ألف حالة وفاة، تُسجّل في كل عام: أوبئة، تسمم، حروق وحتى انهيارات عصبية. ويعتقد بعض العلماء أن السبب في ذلك، يعود الى الكوارث المناخية. وبالمقابل، يؤدي التغيّر في المناخ الى زيادة انتشار أمراض عديدة: الملاريا (إصابة مليار شخص) ، حمى الضنك أو أبو الرّكب (عشرات الملايين من الحالات الجديدة في كل عام) ، الليستمانيا (مليونان) ، مرض النوم (أربعمئة ألف) ، الحمّى الصفراء (مئتا ألف) .

 

■ يعزز الجفاف ظاهرة احتراق الغابات التي لا يمكن اعتبارها ظاهرة عادية ليس إلا. فالسبب يعود أيضاً، بحسب منظمة التغذية والزراعة، الى العامل البشري بنسبة خمس وتسعين بالمئة. وفي العام 2000، تحوّل أكثر من ثلاثمئة وخمسين مليون هكتار من الغابات في العالم الى رماد!

 

■ سجل عام 2003 في الولايات المتحدة، رقماً قياسياً في الأعاصير. فقد أُحصي لشهر أيار وحده، نحو خمسمئة وإثنين وستين إعصاراً. إلا أن بعض العلماء يرفضون أن ينسبوا ما يحصل، الى ظاهرة الإحترار الشامل. لكنهم يتوقعون تزايد في معدل الأعاصير مع عدم استقرار الطقس العائد الى التغيّرات في المناخ.

 

■ الفيضانات تغرق فرنسا وإيطاليا في كل عام. ومع أن هذه الظاهرة الطبيعية ليست جديدة بالنسبة لأوروبا، فإن التكثّف المتزايد لبخار الماء في بعض المناطق من العالم، وارتفاع منسوب البحار، يمكن أن يسرّع من تواتر هذا النوع من الكوارث.

 

■ العواصف الهوجاء تصبح أقوى وأعنف مع ارتفاع درجة الحرارة وفي جو شديد السخونة والرطوبة.

 

■ سيول من الوحل، يتسبب بها هطول الأمطار بغزارة ولفترات طويلة، كما حدث في الجزائر عام 2001. ومن المتوقع تزايد هذه الكوارث الطبيعية مع الإرتفاع المحتّم لمعدل الأمطار في المستقبل، لا سيما في شمال أوروبا.

 

لمعرفة المزيد

“ un nouveau climat – les enjeux du rechauffement climatique”.

P. Dubois – P. Lefevre, ed. la martinere.

www.manicore.com/documentation/serre  

www.ipcc.ch/

pour telecharger les raports du GIEC (en anglais).

www.cite-sciences.fr/

في العدد القادم، يمكنك إحتساب مدى تأثيرك على المناخ، ومدى مشاركتك في هذه الظاهرة البيئية التي تشغل العلماء اليوم.